يحيى أبو زكري
كل المقاييس التي يعتمد عليها خبراء الاستراتيجية تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية مقبلة على سقوط حضاري وسياسي مما يمهد لبروز قوى أخرى، وهذه المقاييس في غاية الدقة؛ إذ تستند إلى مؤشرات واقعية معاصرة، وإلى مؤشرات تاريخية تتمثل في استكمال الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية للدورة الحضارية التي تمتد بناء على استقراء شبه كامل لمدة خمسة قرون، وقد بدأت النهضة الغربية تحديداً قبل خمسة قرون وما زالت مستمرة إلى يومنا هذا. وكل هذه المؤشرات الواقعية والتاريخية مردفة بالإجماع الشعبي العربي والإسلامي والبشري المناهض للسياسة الأمريكية القائمة على نظام مختل يخدم طرفاً واحداً وهو الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على اختلال توازن القوى لصالحها، فإن السقوط الحضاري يكمن دائماً في أوج القوة الحضارية كما يذهب إليه (أرنولد توينبي) صاحب كتاب: (تاريخ البشرية) .
_ الدورة الحضارية:
إن الذي ينعم النظر في حركة التاريخ يتجلى له بوضوح أن أقصى ما تعمره أي قوة حضارية هو خمسة قرون لتنتقل الدورة الحضارية إلى بقعة أخرى تكون قد استجمعت شروط الانطلاق النهضوي والحضاري. وهذا ما تجسد بالفعل في التاريخ البشري؛ إذ إن المدرسة المسيحية سيطرت على الساحة الدولية في ذلك الوقت لمدة خمسة قرون، وبعد ظهور الإسلام انقرضت حضارة روما التي قامت على أساس الديانة المسيحية فاسحة المجال أمام المد الإسلامي الذي يخضع هو الآخر لقوانين التاريخ وسنن الله في الكون، وقد تقلص هذا المد بفعل ظروف تاريخية معروفة للباحثين، فعاودت التوجهات الرومانية النهوض من جديد، لتتعثر مسيرتها بعد فتح الأندلس، ثم إن التوجهات ذات الموروث الروماني استعادت أنفاسها لتسقط إلى حين أمام المد العثماني الإسلامي. وبعد أن استكمل هذا المد دورته تساقط (?) .
لتنبعث من جديد القوة الغربية مشبعة بتراث المسلمين الفكري والسياسي، ومشبعة بتجارب مستقاة من واقع التجربة الإنسانية المليء بالأحداث. ومذ ذلك التاريخ والحضارة الغربية هي المتحكمة في مجريات الأمور الثقافية والصناعية والسياسية والعسكرية والتقنية والأمنية.
وبعد هذه الدورة التامة التي ساد فيها الغرب ستميل هذه الدورة إلى جهة أخرى، خصوصاً إذا علمنا أن شروط انتقال هذه الدورة قد بدأت تتوفر في الجهة التي تنتظر دورها في توجيه الحضارة الإنسانية المعاصرة. وقد تمكن العديد من المفكرين الغربيين من الوصول إلى هذه النتيجة كروبنسون، وبرتراند راسل، وروني دوبو، وروجي غارودي، وروني جينه، وغيرهم.
_ الخلل الكبير:
إن أعظم ما انتاب الولايات المتحدة الأمريكية ـ والحديث عنها يشمل المتحالفين معها في الكتلة الغربية ـ هو انعدام التوازن في مشروعها النهضوي؛ فبدل أن تهتم بالإنسان كجوهر اهتمت به كعَرَض، مما يجعل التقنية المتطورة التي بلغتها تسير على غير هدى حضاري، وهذا من شأنه أن يعرض ليس أمريكا فحسب بل الإنسانية بكاملها لعملية الانقراض الشاملة. وهذا الانعدام في التوازن ولَّد التخطيط المشوه؛ إذ إن أمريكا سخرت آلاف المليارات من الدولارات لدعم التسلح والترسانة العسكرية على حساب المجالات الاجتماعية الأخرى، وهذا ما أنتج طبقة فقيرة في المجتمع الأمريكي قد تتحول مع مرور الأيام إلى قنبلة موقوتة في وجه الشركات الأمريكية الكبرى ذات النفوذ الواسع في السياسة الأمريكية.
_ الانسداد السياسي:
لا شك في أن السياسة الأمريكية تعتمد على الثوابت والمتغيرات، وفي بعض الأحيان فإن الثوابت تؤدي إلى الانسداد السياسي ما دامت تعتمد على القوة العسكرية التي هي ضرورة لتقوية القرار السياسي.
وهذا المنطق وإن كان يفيد في بعض المراحل لكنه ومع مرور الأيام ومع تغير الظروف الدولية يصبح عالة على أصحابه؛ لأنه في خاتمة الدرب تجد أمريكا نفسها قوية في جانب ومخفقة في مئات الجوانب الأخرى، ولا أدل على ذلك من الاتحاد السوفياتي السابق الذي اعتمد على التسليح العسكري ليجد نفسه بلا خبز في نهاية المطاف، أو مثل الجزائر التي اعتمدت في عهد هواري بومدين على الصناعات الثقيلة مهملة الزراعة لتجد نفسها في نهاية المطاف بلا صناعة ولا زراعة.
وقد يقال: هذا قياس مع الفارق باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية تتسم خطتها التنموية بالتكامل، وهذا ما يجعل كافة المجالات الاقتصادية في وضع متميز، إلا أن هذا الكلام يصبح ذا دلالة لو كانت أمريكا تتبع منهاجاً غير ذاك المتبع من قبلها؛ إذ المعروف أن أرباب المزارع يتلفون ملايين الأطنان من الحبوب والحنطة حفاظاً على الأسعار المعروضة في السوق؛ فما دامت مصلحة الكبار هي التي تؤخذ في الحسبان فإن الأمور قد تنعكس سلباً على أمريكا.
_ مؤشرات السقوط الداخلي:
عوامل كثيرة داخلية ترشح أمريكا للتساقط السريع مستقبلاً نوجز منها ما يلي:
صراع الكبار:
قلَّ من يعرف عن الصراع الشديد والمستتر بين الشركات الجبارة التي تتحكم في الاقتصاد الأمريكي واقتصاديات العالم الثالث، ودليل هذا الصراع يكمن في الانشطار السياسي بين الامبراطوريات المالية، فبعضها يدعم الحزب الجمهوري، وبعضها الآخر يدعم الحزب الديموقراطي، وأخرى تدعم اللوبي الصهيوني وبينهما علاقة تحالف وثيقة، وامتد هذا الصراع إلى خارج الخارطة الأمريكية وكل امبراطورية مالية تملك رؤية استراتيجية في كيفية إدارة السياسات والاقتصادات ولا سيما في العالم العربي والإسلامي حيث الثروات الهائلة. والمفارقة أن كل شركة متعددة الجنسيات تملك مركزاً استراتيجياً يعمل فيه خبراء في الاستراتيجية والجيوبوليتيكا. وقد تتضارب مصالح الكبار لينعكس ذلك على اللعبة السياسية الرسمية المتداخلة كثيراً مع البترودولار والمال ومصادره بشكل عام.
أمريكا دولة الجرائم:
إن انتشار الجريمة بشكل مذهل في الولايات المتحدة الأمريكية يدل على الانكسار الرهيب في المجتمع الأمريكي، وعلى الطبقية في هذا المجتمع المخملي.
وبرغم الإجراءات المتخذة للحد من ظاهرة الجرائم إلا أن كل الإجراءات باءت بالإخفاق، وقد تتفاقم هذه الطبقية لتتحول إلى ثورة اجتماعية كما حدث في فرنسا أيام الثورة الفرنسية، وقد تمكن كارل ماركس من تشخيص منتهى الرأسمالية عندما أشار إلى أن المجتمعات الرأسمالية ستثور على الوضع القائم، إلا أن كارل ماركس أخطأ النتيجة عندما قال: إن هذه المجتمعات الرأسمالية عندما تثور على الرأسمالية ستنتهي إلى الماركسية التي ماتت؛ شأنها شأن الرأسمالية الآيلة إلى الموت. وتفاقم الطبقية لا يميز الوضع العام في أمريكا فقط، بل بات الهاجس اليومي في أوروبا أيضاً، ومثل هذه النتيجة حتمي في مجتمع يفتقد إلى أدنى موازين العدالة، ولا يعترف بالفقراء والمنبوذين، بل إن الحياة للأقوى كما قال (نيتشه) ذات يوم. وقد تتلاقى صيحات المستضعفين في أمريكا وأوروبا والعالم الثالث أيضاً، وهو مؤشر على الفصام النكد بين القيادة السياسية في أمريكا المدعومة من قِبَل رجال الأعمال وبين الطبقات المسحوقة. وإذا غالطت أمريكا الرأي العام لديها بتوجيه أنظارهم إلى الساحة السياسية الدولية فسوف يأتي اليوم الذي يلتفت فيه المسحوقون في أمريكا إلى واقعهم ويحتجون عليه بقوة.
القوة السوداء:
ما زال السود في القارة المغتصبة ممنوعين من العديد من الحقوق السياسية، ولا يمكن تقبُّل وجود شخص أسود في البيت الأبيض الذي احتكره البيض فقط من رجالات القرار في أمريكا رغم الديموقراطية الأمريكية التي تحولت إلى معزوفة.
وما زالت القوة السوداء تتعرض إلى اعتداءات من قِبَل المنظمات العنصرية التي تطالب بضرورة إخراج هؤلاء من أمريكا وإرجاعهم إلى إفريقيا.
وتسجل الدوائر الرسمية بحذر شديد الاعتداءات على السود من قِبَل البيض والعكس صحيح، وقد تورط رجال أمن في قتل شباب سود وهو الأمر الذي فجَّر عشرات التظاهرات السوداء الغاضبة على الإدارة الأمريكية، وهذا التمزق والصراع العرقي واللوني مرشح لمزيد من الاتساع كما يقول علماء اجتماع أمريكيون.
الهنود الحمر:
المعروف أن الهنود الحمر وإلى يومنا هذا يطالبون بحقوقهم السياسية والاجتماعية، وإذا كان الصراع سابقاً بين السكان الأصليين لأمريكا والدخلاء عليها يتم على شكل حرب عصابات وقتل بالجملة من قِبَل الدخلاء الأمريكان للهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا، إلا أنه اليوم انتظم في شكل تكتلات سياسية وتنظيمات هندية أمريكية أحرجت أمريكا في الداخل والخارج، والولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي حماية الأقليات ونصرة حقوق الإنسان ـ الوجه الآخر للتدخل الأمريكي في الدول الآمنة ـ لم تأبه لمطالب الهنود الحمر الذين ما زالوا يحتجون على السياسة الأمريكية تجاههم، وما زالت تجمعاتهم في أمريكا وتحديداً في الغرب الأمريكي تتناقل حكايات إجرام العصابات الدخيلة في حق أجدادهم. والصراع بين السكان الأصليين والدخلاء على أمريكا مرشح للبروز في أي لحظة؛ لأن عوامله ما زالت قائمة، وقد يؤدي هذا إلى خلق فجوة كبيرة في التركيبة الاجتماعية الأمريكية، وقد تكون الترسانة العسكرية الأمريكية سبباً آخر لإبادة أشخاص يحملون الهوية الأمريكية.
تفكك التركيبة الاجتماعية في أمريكا:
لا يمكن للشعوب الهجينة أن يستمر تجانسها خصوصاً في ظل غياب عقيدة واحدة تنصهر فيها كل الفروقات العرقية، والولايات المتحدة الأمريكية يسود فيها شعب متباعد الأطراف، هذا الشعب الذي تشكَّل من هجرات متباينة من مختلف المناطق الأوروبية والإفريقية والآسيوية، وهذا التباعد العرقي يصحبه تباعد ديني وعقائدي؛ إذ إن الولايات المتحدة الأمريكية تكاد تشبه الهند في عدد الديانات والمذاهب والتيارات الفكرية والفلسفية السائدة فيها، والشيء الوحيد الذي ما زال يحافظ على التماسك بين أعراق الشعب الأمريكي هو المصلحة الاقتصادية، وأي ضعف اقتصادي حقيقي في أمريكا قد ينعكس سلباً على تماسك الأعراق فيها.
_ مؤشرات السقوط الخارجي:
لئن كانت الحرب الكونية الثانية عوناً لأمريكا في ضم أوروبا إليها؛ فإن الظروف الآن تغيرت بشكل قد يؤدي إلى حدوث طلاق كامل بين أوروبا وأمريكا؛ حيث بدأت أوروبا ترفع صوتها عالياً منددة بمحاولات السيطرة الأمريكية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، ومشروع أوروبا الموحدة يحمل في طياته إرادة الانفصال عن أمريكا التي تفردت بصناعة كافة القرارات العالمية، وإذا استطاعت أوروبا أن تؤطر نفسها فسوف تفقد أمريكا الكثير من حيويتها في أوروبا، كما أن التنافس الاقتصادي بين اليابان وأمريكا مرشح أن يتحول إلى صراع سياسي؛ لأن القوة الاقتصادية اليابانية المتدفقة تملي عليها استغلال العامل الاقتصادي للتأثير على السياسة العالمية. وللتذكير فقط فإن العلاقة بين أمريكا وأوروبا كانت في بداية المطاف اقتصادية، ثم تحولت إلى نفوذ سياسي وعسكري.
ولم تتمكن الولايات المتحدة حتى الآن من التغلغل في العمق الصيني، وما زالت الصين حذرة من النشاط السياسي والاقتصادي والعسكري الأمريكي في القارة الآسيوية.
والعالم الإسلامي من جهته تجلى له بوضوح أن أمريكا تستهدف امتصاص خيراته وصياغته من جديد. وما زال هذا العالم يتكبد الآثار السلبية للتوجهات الأمريكية البراغماتية القائمة على إفراغ العالم الإسلامي من المقومات النهضوية الفكرية والمادية.
_ أمريكا والكيان الصهيوني:
لقد استفاد الكيان الصهيوني من اللوبي اليهودي الواسع النفوذ في الولايات المتحدة الأمريكية. وللعلم فإن العديد من المنظمات المسيحية الأمريكية بدأت تستشعر الخطر الصهيوني على أمريكا نفسها وعلى العقيدة النصرانية، وبدأت تتحدث عن الأخطار المحدقة بالنصرانية كتوجه عقائدي وسياسي، وقد تدخل هذه التوجهات المسيحية المستيقظة في صراع سياسي مع اللوبي اليهودي في أمريكا لينعكس ذلك تذبذباً على المسار السياسي الأمريكي.
_ كوارث غير منتظرة:
يؤكد خبراء الزلازل والبراكين أن الولايات المتحدة الأمريكية ستتعرض في السنوات المقبلة إلى بعض الكوارث الطبيعية؛ إذ إنها تقع في خط طول 40، والأقاليم الواقعة في هذا الخط ستشهد نشاطاً زلزالياً رهيباً في السنوات المقبلة. وإذا أضفنا إلى هذه الكوارث المحتملة ما يلم بأمريكا من أمراض خطيرة وفتاكة فإن أمريكا ستكون مرشحة إلى ضربات السماء أيضاً، ولا يمكننا استبعاد الوعود الربانية القاضية بنهاية الظلم والاستبداد سواء بسنن الطبيعة أو غيرها من العوامل. ويبين القرآن الكريم في قصص الماضين أن هناك علاقة طردية بين تفاقم الظلم والسقوط الحضاري الأكيد، وكثيراً ما يربط القرآن الكريم بين ظلم الأمراء وسقوط الأمم.
_ بروز القوة الثالثة:
إضافة إلى الإرادة الربانية الواعدة بتمكين المستضعفين في الأرض والقاضية بتمهيد الأرضية لهم في خاتمة التكامل الكوني المنتهي إلى الإسلام، فإن المؤشرات تدل على أن هناك مخاضاً كبيراً في عالمنا الإسلامي، وإرهاصات توحي بقرب قيام العالم الإسلامي بدور كبير على صعيد المنظومة الإنسانية؛ وذلك للعديد من الأسباب أيضاً، ومنها أن الإسلام أصبح مطلباً جماهيرياً لشعوب العالم العربي والإسلامي، والظروف الداخلية والخارجية هي التي حالت دون أن يتحقق هذا المطلب الفطري والحضاري في نفس الوقت. وعلى صعيد آخر فإن كل المدارس الوضعية قد أخفقت في تحقيق أدنى ما يتمناه الإنسان المسلم، وهذا الإخفاق هو السمة المميزة لكل القطاعات والمجالات، كما تأكد للشعوب العربية والإسلامية بأن الإسلام هو الإطار الطبيعي للمنطلقات النهضوية والحضارية، وفي هذا السياق تأكد لهذه الشعوب أن التبعية للغرب لم تزدنا إلا انتكاساً وتراجعاً، وفي عصر العولمة الظالمة يصبح الإسلام هو الملاذ الذي يقي الشعوب العربية والإسلامية من الذوبان والانقراض.
_ سقوط جورج بوش الابن:
أكدت التظاهرات المنددة بالغارة الأمريكية على العراق يوم السبت 15/2/2003م التي انتهت باحتلال العراق وسقوط النظام العراقي البعثي، والتي شهدتها معظم العواصم العالمية في كل القارات والتي كانت أشبه باستفتاء حقيقي حول السياسة الأمريكية في العالم، أن الرئيس الأمريكي جورج بوش لا يملك أدنى قاعدة شعبية على الصعيد العالمي؛ حيث دلت التظاهرات العالمية وبوضوح على أن السياسة الأمريكية غير مقبولة لا أوروبياً ولا عربياً ولا إسلامياً ولا أمريكياً على صعيد القارة الأمريكية برمتها، ولا آسيوياً ولا أسترالياً.
ولم يسبق أن تَدافَع الناس في كل القارات وبهذا الزخم للتعبير عن شيء واحد: لا للسياسة الأمريكية التي تتخذ من الحرب وسيلة لحلحلة الأزمات الدولية، لا لمنطق الشرطي الوحيد الذي يريد أن يدير العالم حسب مصالحه الاستراتيجية، لا لأمريكا الجديدة التي تحتقر الآخرين وتَسِمُهم بالقِدَم. لقد فتحت أمريكا بمنطقها الأعوج كل الجبهات عليها، ولم تجتمع سابقاً قوى المجتمع المدني والمنظمات الأهلية والسياسية على شيء مثلما أجمعت على سقوط جورج بوش وسياسة السوبرمان التي يقودها.
لقد هتف العالم بكل لغاته وبكل ثقافاته وبكل دياناته وبكل مذاهبه وبكل أعراقه وبكل أفكاره وبكل مراكزه الدينية ومرجعياته الفقهية والسياسية: لا لجورج بوش، لا لإحياء حركة الاستعمار، لا لاستحمار الشعوب، لا لسرقة أقوات الناس ونفطهم بداعي الحفاظ على العالم الذي ستبدده الترسانة النووية الأمريكية إذا استمرت أمريكا في قيادة العالم بهذه الطريقة.
إن صحوة شعوب العالم واعتراضها على منطق الاستحمار الأمريكي الجديد، دليل على أن منطق الأحادية الأمريكي بدأ يتلاشى.
وأشد ما يُخشى أن تلجأ الدوائر الأمريكية إلى لعبة أمنية جديدة تتخذها ذريعة لضرب دولة أخرى بعد العراق، تماماً كما حدث بين الداي الجزائري والسفير الفرنسي في الجزائر، عندما زار هذا الأخير، الداي الجزائري، وطالب الداي الجزائري ممثل فرنسا بتسديد الديون الجزائرية لفرنسا، وبينما كان الداي يروِّح عن وجهه بالمروحة انفلتت منه وتوجهت إلى وجه السفير الفرنسي؛ حيث اعتبرت فرنسا أن الداي الجزائري صفع سفير فرنسا، وكان ذلك سبباً لغزو فرنسا للجزائر سنة 1830م. وقد تلجأ واشنطن إلى ما به تغير أمزجة الشعوب الرافضة لمذهبها الجديد القائم على سياسة الصفعة وفي الوجه مباشرة.
ومهما ستكون عليه الترتيبات الأمريكية اللاحقة فإن واشنطن لا يمكنها أن تنسى تاريخ 15/2/2003م عندما صرخت الشعوب بكل لغات أهل الأرض: لا لأمريكا.
ومثلما كشفت هذه التظاهرات عن مدى سقوط السياسة الخارجية الأمريكية؛ فقد دلت أيضاً على أن صدقية أمريكا في العالم قد تلاشت وتبددت، ولا يمكن للشطائر الأمريكية الخفيفة المنتشرة عالمياً والتي يُقبل الناس على أكلها يومياً أن تنسي هؤلاء الناس المجازر الأمريكية في كل مناطق المعمورة، ولذلك خرج الناس زرافات ووحداناً مرددين شعاراً واحداً: لا للحرب، لا لسياسة راعي البقر، لا لسياسة وأد الهنود والمستضعفين في الأرض.