خواطر في الدعوة
محمد العبدة
إذا كانت وحدة العمل الإسلامي من المطالب الملحة عند كثير من الدعاة الذين
بدأوا يتحسسون مواطن الخلل ومواطن القوة عند المسلمين، وإذا كان هذا المطلب
مما يأمر به الدين ويحث عليه لأنه من التعاون على البر والتقوى، فإنه يزداد
إلحاحاً في هذه الأيام التي تجري فيها تغيرات في العالم لم تكن بالحسبان ولم يتوقعها
أحد؛ انهيارات في الكتل الشرقية، وانحسار للشيوعية، وتقارب بين الغرب
والشرق، والمستفيد حتى الآن هو الغرب الرأسمالي الليبرالي، وقدمت روسيا
تنازلات كثيرة في سبيل التقرب من هذا الغرب، الذي يمتلك التقنية والمال
والسيطرة السياسية، فمن يقف في وجه هذا التكتل على الأقل من الناحية الحضارية
والعقائدية؟ مَن من شعوب العالم الثالث يملك هوية واضحة، ومنهجاً متكاملاً؟ لا
يوجد سوى الإسلام، ومن المفترض أن يقود الشعوب الإسلامية العلماء والدعاة،
وإذا كانوا غير مؤهلين لذلك ولم يستطيعوا الجلوس على مائدة الحوار والتعاون فلمن
تترك الساحة؟
كنت أحاضر في أحد المراكز الإسلامية عن واقع الإسلام اليوم وما يحدث في
أوربا هذه الأيام، وعندما جاء دور الأسئلة أو المناقشة علق أحد الحضور (وأظنه
من العمال المتعلمين) قائلاً: «الدنيا سائرة وإذا كنتم تريدون أن يكون للإسلام
حضور فيجب أن تبدأوا وتسرعوا، وإلا فالناس لا ينتظرونكم طويلاً ... »
وعجبت من نظرته الواقعية وتذكرت رأي ابن خلدون في أن العوام الذين يملكون
الفطرة السليمة والتجربة العملية عندهم القدرة على معرفة الواقع، وخاصة الواقع
السياسي أكثر من أصحاب التنظير المجرد الغارقين في الثقافة الذهنية الباردة،
وتذكرت قول صديق أرسل لي رسالة قال فيها: «إذا كان المطل [1] ممكناً في
الأسلاف المستحقة مالياً فهو متعذر في الاستحقاقات الحضارية» .
وعندما نتكلم عن وحدة الصف ووحدة العمل الإسلامى فإنما نعني تجمع
أصحاب المنهج الواحد، منهج خير القرون وليس تجمعاً يرضي الجميع مع التساهل
في شيء من شريعة الله، فهذه من مداخل الشيطان التي ظاهرها الخير وتأليف
القلوب، وباطنها تجمع هش لا يصمد في وجه التحديات الداخلية والخارجية.
إن هؤلاء الكفار يمكرون في الليل والنهار ولا يملون من كثرة الاجتماعات
وكثرة المناقشات وتقليب وجهات النظر للاستقرار على أمر يريدونه.
أيطلب أهل الباطل أمرهم بجد ونحن نطلبه ببطء وتراخ؟ وينطبق علينا قول
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر وعجز
المؤمن» .