دراسات تربوية
سالم فرج سعد
حين نتعمق في الفكر قد نغفل أحياناً عن مسلَّمات بدهية وأساسية، فنجعلها
أموراً ثانوية إذا تناولنا الحديث حولها، فلا تبقى لها أهميتها الأساسية في طرحها أو
تنفيذها في ساحة العمل الدعوي.
من ذلك قضية التكامل التربوي وشخصية الداعية المربي الذي يربي الناس
على مراعاة الأولويات والتدرج في تعليمها ومثله في ذلك تماماً مثل العلماء
الربانيين الذين يربون الناس على صغار العلم قبل كباره.
يجب علينا ألا نكتفي بإدراك تلك القضية ومعرفتها نظرياً، بل علينا أن نعمل
بمقتضاها، ونسعى لتحقيقها وتطبيقها عملياً في الدعوة إلى الله عز وجل.
فالتربية هي أساس سلوك الفرد في مجتمع الدعوة وبناء الجيل المسلم الذي
يطمح للإصلاح ومستقبل أفضل؛ مما ينعكس ذلك إيجابياً على طبيعة العمل
الإسلامي، ويعطيه صبغة يميزه الناس بها.
وقد ينطلق بعضهم حين يريد تقييم أسلوب العمل الإسلامي من منطلق التعميم
في الخطأ أو الصواب؛ لذلك فإن التربية هنا تلعب دوراً مهماً في علاقة الداعية
بالتربية الدعوية، فتؤتي ثمارها الطيبة في استجابة الناس وقابليتهم للخير بالسلوك
الراقي في التعامل والثقة المتبادلة في العرض والطلب.
إن المفهوم التربوي الصحيح لا يفصل التربية عن الدعوة والعلم أو الجهاد
والعمل للدين؛ فهي كلها خطوط واحدة ومتوازية كما في الآية الكريمة: [يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَة] (الجمعة: 2) .
ومن الشمولية في هذا المفهوم ضرورة تجاوز التربية الحزبية بين العاملين من
أبناء الأمة إلى التربية الواسعة الآفاق في العمل الاجتماعي والثقافي والعلمي
المشتمل على أمور الدين والدنيا والمرتبط بالمجتمع والدولة.
ذلك لأن التربية هي الأساس التوجيهي لكل عمل أو فكر أو خلق؛ ليس ذلك
في العمل الدعوي وحده؛ فإن تربية المرء مثلاً على القيم والمبادئ النبيلة منذ صباه
لا شك أن ذلك سيكوِّن فيه شخصية متكاملة ومتماسكة؛ لأنه عايش مراحل تأسيسه
مرحلة مرحلة.. وخطوة خطوة..
وهكذا هو الأساس التربوي في تماسك بنيان الدعوة المرصوص.. والمعين
على وحدة صفها وكلمتها بإذن الله تبارك وتعالى..