الافتتاحية
هل ما يجري في فرنسا هذه الأيام هو محاربة للحجاب الإسلامي فقط؟ أم هو
محاكمة للإسلام نفسه وحرب صليبية جديدة؟ إن قضية الطالبة التي رفضوا
تسجيلها في المدرسة بسبب الحجاب، والطالبات اللاتي أبعدن من المدرسة بسبب
الحجاب، لازالت هذه القضية مثار جدل واسع في أوساط المجتمع الفرنسي
والصحافة الفرنسية، وعلى مستوى الدولة كذلك.
قالت صحيفة (لوبوان) : «إذا أرادت فرنسا أن تحافظ على علمانية المدرسة
وعلمانية الدولة فإنها لا تستطيع أن تؤخر طويلاً حل الإشكالات الدينية التي يثيرها
حضور الإسلام في الغرب» .
وعلى مستوى الدولة شهد البرلمان الفرنسي جلسة صاخبة ناقش فيها النواب
موضوع الحجاب الإسلامي وانقسموا ما بين معارض وبين من يعتبره تصرفاً تابعاً
للحرية الشخصية ولا مانع منه، كما انقسم الوزراء؛ فوزير التربية يرى أن إبعاد
الطالبات ليس من أهداف المدرسة، بينما وزير الدفاع يرى منع الطالبات من
ارتداء الحجاب، وقال المفكرون رأيهم؛ فالفيلسوف (أندري فروسار) يرى أن
وضع الحجاب على الرأس قضية لاتمس إطلاقاً العلمانية، بينما يقول (آلان
فانكليل) أن قرار منع ارتداء الحجاب متوافق مع مفهوم العلمانية، وأعلنت زوجة
الرئيس ميتران: «إذا ما ألزم دين ما أتباعه بالامتثال لتعاليم معينة فيجب علينا أن
نترك لهم حرية الامتثال» .
وإذا كان وزير التربية قد حسم الموقف وأعلن عن استعداد المدرسة الفرنسية
لاستقبال الحجاب الإسلامي، وقال: «إن ارتداء الحجاب أو إبراز أي مظهر
يوحي إلى انتماء ديني لا يمكنه أن يشكل دافعاً فعلياً لطرد التلاميذ من المدرسة» .
وكذلك كانت كلمة مجلس الدولة الذي هو أعلى هيئة قضائية إدارية، لكن قضية
محاربة الإسلام نفسه لم تحسم، فموجة العداء للإسلام بدأت تنتعش في فرنسا (وفي
أوربا بشكل عام) وخاصة من الأحزاب التي يسمونها يمينية متطرفة، وقد اتخذوا
من الحجاب بداية للهجوم على الإسلام والمسلمين في فرنسا، ويعللون هذا الهجوم
بأن هؤلاء المغتربين لم يندمجوا في المجتمع الفرنسي، وهذه كلمة مهذبة، وقصدهم
(لم يذوبوا) في المجتمع الفرنسي أو الغربي.
وخاضت بعض الأحزاب أو الشخصيات الانتخابات على أساس محاربة
الحجاب أو الإسلام، وأصيب هؤلاء الفرنسيون بالسعار ضد المغتربين المسلمين،
وتحول الأمر إلى عنصرية مكشوفة وهي أن الجنس الآري يجب أن يبقى نقياً
ولذلك لابد من طرد هؤلاء المهاجرين.
وليس عجيباً أن لا يتكلم هؤلاء المتعصبون عن تميز الطلاب اليهود، وعن
مدارس اليهود المستقلة لأن حقيقة هذا السكوت وهذا الولاء ذكرها القران الكريم:
[بعضهم أولياء بعض] [المائدة: 51] .
وقد يقول بعض الناس: أنتم تحاكمون دولة غربية نصرانية في موضوع
الحجاب، مع أن هناك دولاً تحكم شعوباً إسلامية وتحارب الحجاب، ونقول: هذا
صحيح، ونحن هنا نحاكم هؤلاء إلى شعاراتهم المرفوعة عن الحرية والديمقراطية
وعدم التدخل في شؤون الآخرين الدينية والشخصية، أما الدول التي تحارب
الحجاب في ديار الإسلام فهي تحكم بالشريعة التي سماها بعض العلماء بـ (الملك
الطبيعي) وهو حمل الناس على مقتضى الغرض والشهوة فقط، وسمى ما عليه أهل
الغرب الان بـ (الملك السياسي) وهو حمل الناس على مقتضى النظر العقلي،
وعلى هذا فهذه الدول لاهي تحكم بالإسلام، ولا تحكم بالعقل والسياسة والنظام كفعل
الغربيين.
إن صمود الجالية الإسلامية في فرنسا لهو شيء مشرف، ولا شك أن هذه
الجاليات الكبيرة في أوربا تستحق الاهتمام والرعاية سواء من بلادهم الأصلية أو
من المسلمين بشكل عام، والتشجيع لإثبات الهوية الإسلامية حتى لا تبتلعهم حضارة
أوربا.
ملف التعليم:
عندما فتحنا ملف التعليم في الأعداد السابقة كنا نشعر بخطورة الموضوع
وأهميته البالغة، فالطاقات والأجيال يجب أن لا تذهب هدراً بسبب الطرق التقليدية
المتبعة مع الصغار والكبار على حد سواء، وقد شارك بعض الأخوة في هذا المجال، وكانت مشاركة الدكتور عبد العزيز القارئ حفظه الله ناقداً لبعض مناهج تعليم
وتربية أجيال المتفقهين، كانت محل استحسان ورضى من الجميع، ولا يزال
الموضوع بحاجة إلى إثراء، ولا يزال موضوع التعليم بشكل عام بحاجة للأقلام
المخلصة من أهل الاختصاص والخبرة والغيرة على أجيالنا ليوضحوا وجهة نظرهم
في الطرق المتبعة الآن وخاصة في المراحل الأولى من التعليم، وإنها والله لأمانة
في أعناق كل مسؤول عن تربية الأجيال، ماذا تعلم وكيف تربى؟ وما هي الوسائل
الناجحة، وحرام أن تذهب سنوات العمر الأولى دون فائدة علمية أو عملية.
وأخيراً نذكّر بقول الدكتور محمد إقبال في أثر التعليم إذا كان موجهاً وجهة
غير إسلامية " «إن التعليم هو (الحامض) الذي يذيب شخصية الكائن الحي ثم
يكونها كيف يشاء، إن هذا (الحامض) هو أشد قوة وتأثيراً من أي مادة كيمائية، هو
الذي يستطيع أن يحول جبلاً شامخاً إلى كومة تراب» .
وحتى لا تتحول الأجيال إلى كومة تراب لابد من إعادة النظر في مناهج
التعليم.