قصة قصيرة
فيصل عبد الرحيم مؤذن
fasnm2000@hotmail. com
في دار القضاء:
المُدَّعي: فضيلة الشيخ! هذا الأخ قام باقتطاع مساحة 20 متراً من أرضي
الواقعة بمخطط (الفضلاء) ..
المُدَّعى عليه: نعم فضيلة الشيخ! هذا صحيح، لكني طلبت منه أن
يعوِّضني عن خسائري في هذا الجزء من الأرض.
قضى القاضي فضيلة الشيخ (عادل) بينهما، وذهب كلٌّ إلى سبيله.
ينظر الشيخ (عادل) إلى ساعته وإذا بها تشير إلى الساعة السابعة مساءً....
يخاطب كاتبه (عبد الرحمن) :
- يا أخ (عبد الرحمن) ، لقد قرُب وقت أذان العشاء، ولا بدَّ أن أذهب الآن،
فلديَّ درس أقدِّمه بعد صلاة العشاء كما تعلم.
- تقصد درس مسجد حي (الإخلاص) ؟
- أحسنت ... فهل من أحد يريد الدخول؟
- لا أظن يا شيخ!
- حسناً.. سنتقابل صباحاً بإذن الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
- يتمتم في نفسه: كم هو يرهق نفسه في الدعوة إلى الله! جزاه الله خيراً.
في مسجد حي (الإخلاص) :
همَّام: ما بك يا عبد الله، تأخرت.. ليس من عادتك؟!
عبد الله: نعم ... لقد ارتفعت درجة حرارة محرك السيارة فجأة ... فانتظرت
حتى برد ثمَّ جئت.. لا بدَّ أنَّ فيها عطلاً ما.
همَّام: لا عليك يا رجل! فالحمد لله سيارتك مصنَّعة محلياً، وقطعها متوفرة،
والمهندسون بكثرة ...
عبد الله: همَّام ... كم تظنُّ الحضور الليلة؟
همَّام: نعم! .. هم في ازدياد ولله الحمد ... دعني أرى ... هاه ... قد
يصلون إلى الثلاثمائة..
ارتفع الأذان ... صلَّى الناس العشاءَ الآخرة.. قرَّت أعينهم بذكر الله ...
وبعد أداء الراتبة بدأ الشيخ (عادل) يلقي درسَه.
وبعد انتهاء الدرس:
همَّام: أتدري يا عبد الله! إنَّ كلام الشيخ مؤثر ... لكأنه يخاطبني ... ما
أعظم أجر الجهاد في سبيل الله!
عبد الله: إيه يا همَّام ... نسأل الله أن يجعلنا من الشهداء! لم تغب صورة
الشيخ عن مخيلة (همَّام) طوال الليل.. أخذ يفكر في خالد بن الوليد.. وعمرو
بن العاص.. وصلاح الدين.. وكل أولئك المجاهدين.. وصوت الشيخ ما زال
في أذنيه: (أيها الشاب الحبيب.. لموتٌ في سبيل الله خيرٌ من موت في غيره)
.. وفي الصباح ذهب (همَّام) إلى وزارة (الاكتتاب في سبيل الله) ليسجل اسمه
ضمن الطلائع؛ علَّه أن يحظى بشرف الخروج للجهاد في سبيل الله.
وبعد شهر من متابعة جريدة (صوت الحق) ، وانتظار بفارغ الصبر لما
يُذاع في قناتهم الفضائية (صوت الإسلام) ؛ ظهر اسم (همَّام) ضمن طليعة
المجاهدين رقم (65) والتي سترابط في الثغور..
كم كانت فرحة (همَّام) غامرة بهذا الحدث العظيم في حياته ... فلطالما
انتظرها بفارغ الصبر. جهَّز همَّام عدَّته.. انطلق إلى والدَيْه يقبّل رأسَيْهمَا..
وطلب منهما أن يدعوَا الله له طيلة غيابه عنهما ... سألا الله له التوفيق وأن يبلغه
مُناه.
أراد همَّام أن يجعل آخر عهده بالمسجد، فانطلق إليه وهو لا يبعد كثيراً عن
بيت والديه وصلى ما كتب الله له أن يصلي، ودعا ربه بقلب خاشع أن يرزقه
الشهادة في سبيل الله.. ودّع (همَّام) أهله وأصدقاءه حاملاً معه أحلامه وأمانيه،
وانطلق مع رفاقه في الطليعة، وتوجهوا جميعاً ...
عفواً.. هنا توقف القلم عن الكتابة بعدما نزف حبراً، ولسان حاله يقول:
إلى متى وأنت تسطر هذه الآمال؟ قلت: قد تصبح الآمال في يوم حقيقة!