مجله البيان (صفحة 4808)

دراسات في الشريعة

السبيل إلى حج مبرور

د. أحمد العمراني [*]

elamrani_ahmed@hotmail.com

تُعَدُّ العبادات من أعظم ما يُتقرب به إلى الله تعالى، ومن أيسر وأوسع وأجلّ

الطاعات التي ينال بها العبد محبة الله سبحانه وتعالى ومرضاته، حيث روي عن

النبي الأمين قوله: إن الله عز وجل قال: «مَنْ عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب،

وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب

إليَّ حتى أحبه..» [1] .

وتتجلى أهمية العبادات وعظمتها في ارتباطها بحياة المسلمين زماناً ومكاناً

وأشخاصاً، فهي لم تُنتزع من كيانهم يوماً ما، كما أنها لم تغب عن حياتهم رغم ما

عرفته الأمة الإسلامية من أزمات قاسية، وفترات جهل عصيبة، وتخلف فكري

حاد، وركود اقتصادي مضن، وتبعية وتمزق كبيرين للأعداء.

وليس هذا غريباً على أمة يحمل تابعوها دينهم في قلوبهم، ويعتقدون فيه

الخلاص لمشكلاتهم؛ مهما حصل الانحراف، ومهما تقهقرت النفوس إلى الوراء،

ومهما أثَّرت الغفلة.

وقد سبق للرسول صلى الله عليه وسلم أن أخبر بحصول مثل هذه الفتن للأمة،

تظهر على شكل هزات تقوّض أركان الدين، وتطيح بشرائعه من واقع الناس،

ولكن تبقى العبادات الركن الأقوى من آخر ما يُنتقض منها، حيث قال صلى الله

عليه وسلم: «لتنتقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتُقضت عروة تشبث

الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم وآخرهن» [2] .

وليتحقق الأثر الذي تولده العبادات، سواء الإيمانية منها أو الأخلاقية أو

الاجتماعية؛ لا بد أن يؤديها العبد بذاته وصفته، ليحيا في رحابها بنفسه،

ويستشعر أثناءها قدرة الخالق وجلاله وعظمته، ويتذوق حلاوة معانيها مع كل

حركة أو كلمة أو خطوة أو نفقة.

هكذا أراد الخالق للعبادات أن تكون؛ تُباشر بالذات، وتُسكب فيها العبرات،

وتُشد إليها الرحال.

والعبادات - كما هو معلوم - أنواع، منها ما هو مالي محض كالزكاة، ومنها

ما هو بدني خاص كالصلاة والصيام، ومنها ما يجمع بينهما كالحج.

فالحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، عبادة مقصدها الامتثال لله والوفاء

بحقه تعالى، هو شحنة تربوية كبيرة يتزود بها المسلم لتحقيق الخشية واستنفار

مشاعر الأخوّة، وإيقاظ شعلة الحماسة الدينية والغيرة على حرمات الله، والعزم

على الطاعة، والندم على المعصية، والحب لله ورسوله.

وهو تدريب على السلام؛ لأنه رحلة سلام في شهر سلام إلى أرض سلام،

وتدريب على المساواة والوحدة، فلا طبقية هناك، بل وحدة في المشاعر والشعائر،

وفي الهدف والقول والعمل.

وهو فرصة للثقافة وللتعليم، قال أحدهم: «مَنْ يعش ير كثيراً» فردَّ عليه

آخر: «بل مَنْ يسافر ير أكثر» .

إنه السفر إلى أول بيت أقيم على الأرض لعبادة الله، قال صلى الله عليه

وسلم: «أول مسجد وضع للناس المسجد الحرام، ثم بيت المقدس» ، فسُئل كم

بينهما؟ قال: «أربعون عاماً» [3] .

عبادة عظيمة تكفَّل المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن أدَّاها كما ينبغي بالجنة

بقوله: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» [4] .

** فهل من سبيل إلى حجة مبرورة؟

إن أول ما ينبغي أن يعلمه المسلم هو أن عبادة الحج من العبادات التي تلزم

المستطيع والقادر، فهي في حقه واجبة على الفور لا على التراخي؛ لقول الرسول

صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أراد الحج فليعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل

الضالة، وتكون الحاجة» [5] . وفي رواية: «تعجَّلوا الحج؛ فإن أحدكم لا يدري

ما يعرض له» [6] .

وهذا أمر طبيعي لأن الحج من عمل الآخرة، وأعمال الآخرة لا تُؤَدة فيها كما

قال صلى الله عليه وسلم: «التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة» [7] .

ولمعرفة مواصفات الحجة المبرورة، وجب علينا أن نعرف معنى البر

المطلوب، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا بمعرفة الوافد على بيت الله قيمة المكان الذي

سيفد إليه وقدره.

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الغازي في سبيل

الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم» [8] .

بالتأكيد فالمسلم أول ما يفكر في إقامة فريضة الحج؛ يبدأ بالبحث عمن يُعلِّمه،

أو يبدأ في تعلُّم مناسك الحج من حيث الأركان والواجبات والمستحبات

والمكروهات والكفارات؛ لأن الله يُعبد بالعلم وليس بالجهل.

وهذا أمر أتركه لجهد كل راغب في أداء هذا المنسك، وللمطبوعات الموزعة

هنا وهناك، لكني سأحاول في هذه الورقات أن أبين لكل راغب في زيارة بيت الله

الحرام قدسيته، وفضائل كل شعيرة تُقصد فيه للتعبد أولاً؛ لأصل فيما بعد إلى بيان

طريق تحقيق الحجَّة المبرورة ثانياً.

** أولاً: مكانة البيت وقيمة شعائره في الإسلام:

* فضل مكة ومسجدها:

فالمسلم أول ما يفكر في الحج، يضع نصب عينيه أنه سيزور مكة خير

أرض الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنكِ لخير أرض الله عز وجل،

وأحب أرض الله إليَّ» [9] .

ويصلي بمسجدها لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في المسجد الحرام

بمائة ألف صلاة فيما سواه» [10] ، وهو فضل يغري كل راغب في الأجر وباحث

عن الفضل.

* الكعبة والطواف بها:

وهي محل طواف حجاج البيت، حيث يطوف المتعبد بالكعبة، والطواف

فرصة أمرنا الرسول الكريم بالاستمتاع بها قبل أن نُحرَمها، ولأنها قد لا تدوم

طويلاً، حيث أخبر صلى الله عليه وسلم بضرورة استغلالها قبل فوات الأوان،

فقال: «استمتعوا بهذا البيت؛ فإنه قد هُدم مرتين ويُرفع الثالثة» [11] .

ولكي يستحضر العبد رمزية هذا المكان وعظمته يجب أن يستحضر أولاً أنه

سيلبي نداءَ الرحمن الذي فرض على عباده زيارة بيته، كما قال في كتابه: [وَلِلَّهِ

عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً] (آل عمران: 97) .

وسيلبي نداء خليل الرحمن إبراهيم - عليه السلام - الذي أمره الله بالنداء،

بقوله تعالى: [وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ

لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ

ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ] (الحج: 26-27) .

ويكفي لبيان فضل الطواف به ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ

طاف بهذا البيت أسبوعاً يحصيه، كُتب له بكل خطوة حسنة، وكُفِّر عنه سيئة،

ورُفعت له درجة، وكان عدل عتق رقبة..» [12] . وقال: «مَنْ طاف بالبيت

وصلى ركعتين كان كعتق رقبة» [13] .

يطوف طوافاً يمثل الامتثال التام، والطاعة دون سؤال، فلا يجوز الطواف

بغيره، ومَنْ طاف بغيره فإنما يعبد الشيطان.

* الحجر الأسود:

وموقعه في ركن من أركان الكعبة الأربعة، وهو من الجنة لقول الرسول

صلى الله عليه وسلم: «الحجر الأسود من الجنة» [14] ، وكان أبيض اللون كما

قال صلى الله عليه وسلم: «نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضاً من

اللبن فسودته خطايا بني آدم» [15] .

بل هو ياقوتة من ياقوت الجنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن

الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله عز وجل نورهما، ولولا أن

الله طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب» [16] .

وهو من الشهود يوم القيامة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن لهذا

الحجر لساناً وشفتين يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق» [17] .

وعند ابن ماجه: «ليأتين هذا الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما

ولسان ينطق به، ويشهد على من يستلمه بحق» [18] .

وفي رواية: «يأتي الركن يوم القيامة أعظم من أبي قبيس له لسان وشفتان»

[19] . وأبو قبيس هو الجبل المجاور للكعبة.

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني

يحطان الخطايا حطاً» [20] .

وقال صلى الله عليه وسلم: «الحجر الأسود من الجنة وما في الأرض من

الجنة غيره، وكان أبيض كالمها، ولولا ما مسه من رجس الجاهلية ما مسَّه ذو

عاهة إلا برئ» [21] .

* ماء زمزم:

وهو الماء الذي غُسل به صدر النبي صلى الله عليه وسلم مرتين:

- مرة لما كان غلاماً برفقة الغلمان، «حيث جاءه جبريل - عليه السلام -

وصرعه فشق قلبه، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله

في طست من ذهب بماء زمزم ثم أعاده إلى مكانه..» [22] .

- ومرة قبل الإسراء، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «فُرج عن سقف

بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست

من ذهب ممتلئ حكمة وإيماناً فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج

بي إلى السماء..» [23] .

وهو خير ماء على وجه الأرض لقوله صلى الله عليه وسلم: «خير ماء

على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم. وشر ماء

على وجه الأرض ماء بوادي برهوت بقبة حضرموت كرجل الجراد من الهوام،

يصبح يتدفق ويمسي لا بلال فيها» [24] .

وهو من الماء النافع حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «ماء زمزم لما شُرب

له» [25] .

وفي رواية الدارقطني: «إن شربتَه تستشفي به شفاك الله، وإن شربتَه

لشبعك أشبعك الله، وإن شربتَه ليقطع ظمأك قطعه الله، وهي هزمة جبريل، وسقيا

الله إسماعيل» [26] .

* يوم عرفة:

هو يوم عظَّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، فقد أقسم سبحانه به،

والعظيم لا يُقْسم إلا بعظيم، في قوله تعالى: [وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ * وَالْيَوْمِ

المَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ] (البروج: 1-3) ، المشهود: يوم عرفة [27] .

وهو من أعظم أيام الله، وفيه يحصل لأهل الإيمان من الأجر ما لا يحصل

في سواه، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة

بأهل عرفة، يقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً» [28] .

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عز وجل فيه

عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما

أراد هؤلاء؟» [29] .

وهو اليوم الذي يصغر فيه الشيطان، حيث روى الإمام مالك عن النبي صلى

الله عليه وسلم قال: «ما رئي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا

أغيظ فيه من يوم عرفة، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن

الذنوب العظام..» [30] .

* التلبية:

ولها أهميتها الخاصة؛ إذ إنها تعني أن العبد جاء يلبي نداء الله، فيقول

بصوت مسموع وقلب مكلوم: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن

الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» . يلبي ملك الملوك دون سواه متجرداً من

كل الشهوات، وحابساً إياها عما سوى الله، والتفكير في جلاله، فصوت المسلم

شهادة على النفس بما يشهد له من حجر أو مدر؛ لقول رسول الله صلى الله عليه

وسلم: «ما من ملبٍّ يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر؛

حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا» [31] .

* المسجد النبوي:

وموقعه بالمدينة المنورة، وهي طابة مستقر الإيمان ومأواه، منها انتشر الدين

وإليها يعود، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز

الحية إلى جحرها» [32] . وفي رواية: «إن الإيمان ليأرز إلى الحجاز كما تأرز

الحية إلى جحرها» [33] . ساكنها مع الإيمان والتقوى مفضل في الحياة والممات،

جاء الحث على لزوم الإقامة فيها والموت بها، ومَنْ فعل ذلك كان له النبي صلى

الله عليه وسلم شهيداً أو شفيعاًَ يوم القيامة، حيث قال: «مَنْ استطاع منكم أن

يموت بالمدينة فليفعل فإني أشهد لمن مات بها» [34] .

وهو مسجد أسس على التقوى من أول يوم، وأول مسجد أُذّن فيه في الإسلام،

وآخر مسجد أسسه الأنبياء - عليهم السلام -، و «الصلاة فيه خير من ألف فيما

سواه» [35] .

ما بين بيته ومنبره صلى الله عليه وسلم روضة من رياض الجنة [36] ،

ومنبره على حوضه [37] ، وعلى ترعة من ترع الجنة [38] .

وفيها مسجد قباء كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه راكباً وماشياً يصلي فيه

ركعتين [39] ، قال فيه صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تطهر في بيته ثم أتى مسجد

قباء فصلى فيه صلاة؛ كان له كأجر عمرة» [40] .

** ثانياً: وسائل تحقيق الحجة المبرورة:

إذا عرف المسلم هذه الفضائل وهذه الخيرات، فهل يسمح لنفسه أن يضيع

بعضاً من وقته فيما لا ينفع، أو يسمح للشيطان أن ينغص عليه عبادته، أو يوقعه

فيما حذَّر منه الشرع الحنيف؛ مما قد يبطل حجه أو يحرمه من تحقيق الحجة

المبرورة؟

بالطبع.. لا ثم ألف لا، فالمؤمن كيس فطن، وقاف متثبت، وهو ليس

بالخب ولا الخب يخدعه [41] .

فحجه لبيت الله عمل قاصد، والهدف منه واضح وهو تحصيل الجنة، وهذا

لا يتحقق إلا بحسن الفهم لهذه العبادة؛ أي فهم ما يلزمها لتنفيذه، وفهم ما يهدمها

لاجتنابه.

وقد ذكر بعض العلماء أن الحج المبرور هو الذي لا يُعصى فيه الله ولا بعده

[42] . وقيل: هو المتقبل، وعلامته أن يزداد الحاج بعده خيراً، ولا يعاود

المعاصي بعد رجوعه. قال الحسن البصري - رحمه الله -: «الحج المبرور أن

يرجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة» [43] .

وقيل الحج المبرور هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق ولا

جدال؛ لقوله تعالى: [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ

فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجّ] (البقرة: 197) .

ولكي نُحسن فهم لفظة مبرور يجدر بنا أن نبحث عن دلالتها فيما ورد من

نصوص قرآنية وأحاديث نبوية خصتها بالذكر والبيان، فالمبرور من البر، والبر

صفة عظيمة في شرعنا، وخصلة كبيرة في ديننا، إن لم نقل هي الدين كله،

ويكفي في بيانها قول الله تعالى: [لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ

وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى

المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ

وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ

وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ] (البقرة: 177) .

وفي أحاديث جامعة حدد الرسول الكريم مفهوم البر فقال صلى الله عليه وسلم:

«البر حسن الخلق» [44] .

وهو خلق عظيم شامل، أجره عظيم كما قال صلى الله عليه وسلم: «أثقل

شيء في الميزان الخلق الحسن» [45] . وفي رواية: «أكثر ما يلج الناس به

الجنة حسن الخلق» [46] ، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن المسلم المسدد ليدرك

درجة الصائم القوام بآيات الله عز وجل؛ لكرم ضريبته وحسن خلقه» [47] .

فالمطلوب إذن من الحاج: التميز وتمثل الأخلاق الحسنة، وتجنب الأخلاق

السيئة؛ من أجل تحقيق الحجة المبرورة، وهي كما يلي:

1 - الإخلاص:

كل عبادة لا يمكن أن تُقبل إلا إذا توفر فيها شرطان هما: الإخلاص،

والمتابعة. والإخلاص شرط أساس لصحة الحج وقبوله، قال تعالى: [ِفَاعْبُدِ اللَّهَ

مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ] (الزمر: 2) ، وقال الله عز وجل فيما يرويه عنه صلى الله

عليه وسلم: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ مَنْ عمل عملاً أشرك فيه معي

غيري تركته وشركه» [48] .

2 - المتابعة:

أي: معرفة الأركان والواجبات والالتزام بها دون زيادة أو نقصان؛ لأن

الأصل في العبادات الامتثال، وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نحج،

فقال: «يا أيها الناس، قد فرض عليكم الحج فحجُّوا. فقال رجل: أُكلَّ عام يا

رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو

قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم. ثم قال: ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك مَنْ كان

قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم،

وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» [49] .

وعلَّمنا كيف نحج فقال في حجة الوداع: «لتأخذوا عني مناسككم؛ فإني لا

أدري لعلي لا أراكم بعد حجتي هذه» [50] .

وأمرنا بأن لا نزيد ولا ننقص فيما أمر به الشارع، فقال صلى الله عليه وسلم:

«مَنْ عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» [51] .

ومما يؤكد هذا المبدأ؛ ما دأب عليه العلماء من الدفاع عن الدين، وإبقائه

صافياً نقياً لا تشوبه شائبة، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل

الجاهلين، فهذا الإمام مالك بن أنس - رحمه الله - جاءه رجل فقال: من أين أُحرم؟

فقال: من الميقات الذي وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحرم منه، فقال

الرجل: فإن أحرمتُ من أبعد منه؟ فقال مالك: لا أرى ذلك، فقال: ما تكره من

ذلك؟ فقال مالك: أكره عليك الفتنة، قال: وأي فتنة في ازدياد الخير؟ فقال: فإن

الله تعالى يقول: [فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ

عَذَابٌ أَلِيمٌ] (النور: 63) ، وأي فتنة أعظم من أنك خُصصت بفضل لم يختص

به رسول الله صلى الله عليه وسلم « [52] .

3 - التوبة النصوح:

فإذا عزم المؤمن على السفر إلى الحج، استُحب له أن يوصي أهله وأصحابه،

فيكتب ما عليه من الدين، ويُشهد على ذلك، ويجب عليه المبادرة إلى التوبة

النصوح من جميع الذنوب لقوله تعالى: [وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ

لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] (النور: 31) .

وحقيقة التوبة: الإقلاع عن الذنوب وتركها، والندم على ما مضى منها،

والعزيمة على عدم العودة فيها، وإن كان عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو

عرض ردها إليهم، أو تحللهم منها قبل سفره؛ لما صح عنه صلى الله عليه وسلم

قال:» مَنْ كان عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض؛ فليتحلل اليوم قبل أن لا

يكون دينار ولا درهم؛ إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن

له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه « [53] . وفي لفظ البخاري:» مَنْ

كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال؛ فليتحلله اليوم قبل أن يُؤخذ منه يومَ لا

دينار ولا درهم « [54] .

4 - النفقة الطيبة:

وينبغي للحاج أن ينتخب لسفره نفقة طيبة من مال حلال؛ لما صح عنه صلى

الله عليه وسلم أنه قال:» إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر

المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: [يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا

صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ] (المؤمنون: 51) ، وقال: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ] (البقرة: 172) ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر

أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب! ومطعمه حرام ومشربه حرام

وملبسه حرام وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب لذلك! « [55] .

وقال الشاعر:

إذا حججتَ بمال أصله سحتٌ ... فما حججتَ ولكن حجّت العيرُ

لا يقبل الله إلا كلَّ صالحة ... ما كل مَنْ حج بيت الله مبرورُ

5 - تمثل السكينة:

وتعني الوقار، والسير الهادئ، والتواضع، وعدم أذية الآخر، والصبر

والرحمة، وهي كلها من الأخلاق المطلوبة في مثل هذه العبادة، كما هي مطلوبة

في كل العبادات، فقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فقال:» إذا

أقيمت الصلاة؛ فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة « [56] .

ورأى صلى الله عليه وسلم جنازة يسرعون بها فقال:» لتكن عليكم

السكينة « [57] ، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنها تنزل عند قراءة القرآن، فعن

البراء قال:» كان رجل يقرأ وعنده فرس مربوط بشطنين، فتغشته سحابة

فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منها، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه

وسلم فذكر له ذلك، فقال: تلك السكينة تنزلت للقرآن « [58] .

وقد أوصى السلف الصالح باغتنام فضلها والتجلبب بها، حيث ورد عن علي

- رضي الله عنه -:» تجلببوا بالسكينة وأكملوا اللؤم « [59] وقال ابن مسعود:

» السكينة مغنم وتركها مغرم « [60] .

وبما أن عبادة الحج عبادة خاصة، يجتمع في موسمها الكثير من الناس في

مكان محدود وزمان محدود؛ فإن طبيعة المناسك تقتضي بالضرورة أن يحصل

شيء مما لا ترتاح له النفوس أو لم تتعود عليه من ضيق وتأخر وتعثر؛ سواء في

الطريق أم في الحافلات أم في أماكن الاستحمام أم في غيرها. وكذا ما يحصل من

ازدحام شديد أثناء محاولة تقبيل الحجر الأسود، ورمي الجمرات، وحتى في السكن

المخصص للحجاج من كل بلد، حيث يجد الحاج نفسه في مسكن مؤجر، ومع

أفراد قد تكون له بهم معرفة مسبقة وقد لا تكون.

وكل هذه الأمور تجعل الحاج في اختبار مهم مع نفسه، هل ينجح فيه أو

يخفق؟ لهذا تُطلب السكينة في هذا المنسك، ولأهميتها نادى الرسول الكريم صلى

الله عليه وسلم بالتمسك بها وحث عليها وهو يقوم بأداء المناسك، حيث ثبت عنه

قوله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ازدحام الناس، وإسراع بعضهم وتثاقل آخرين،

وقوة بعضهم وضعف آخرين، فنبه إلى الأهم:» عليكم بالسكينة؛ فإن البر ليس

بالإيضاع (الإسراع) « [61] . وفي رواية:» عليكم بالسكينة والوقار، فإن البر

ليس بإيجاف الإبل والخيل، فما رأيت ناقة رافعة يدها عادية حتى بلغت منى «

[62] . وفي رواية (تعدو) بدل عادية [63] .

6 - التحكم في الجوارح:

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان فلان رديف رسول الله يوم

عرفة، قال: فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، قال: وجعل رسول الله

صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه بيده من خلفه مراراً، قال: وجعل الفتى يلاحظ

إليهن، قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:» يا ابن أخي: إن هذا يوم

مَنْ ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غُفر له « [64] .

فالمسلم في كل العبادات التي يتقرب بها إلى الله، يعبده بكل جوارحه، ولا

يقوم بأداء الشعائر كأداء المهام التقنية، بل يجب أن يحسّ بحلاوة العبادة ويتذوقها،

وهذا لا يتم إلا إذا أخضع جميع جوارحه لله تعالى، فالعين غاضة الطرف عن

محارم الله، واللسان مقيد إلا عن ذكر الله، والأذن صماء إلا عما يرضي الله،

واليد مسلسلة إلا عن الخير والمعروف، والرّجْل لا تمشي فيما يُسخط الله، والبطن

لا تقبل أن يدخلها ما عنه نهى الله.

وينبغي على الحاج أن يتجنب ما يلي:

1 - الرفث:

والرفث من رفث يرفث بكسر الفاء وضمها، وهو الجماع وغيره مما يكون

بين المرأة والرجل، يعني من تقبيل ومغازلة ونحوهما. وهو أيضاً الفحش من

القول وكلام النساء في الجماع [65] ، ومنه قوله تعالى: [أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ

الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُم] (البقرة: 187) . وهو رذيلة ساقطة توغر القلب، وتذهب

بالاحترام، وتغرس العداوة والبغضاء بين الأفراد. وهو كل كلام ساقط يُستحيى من

التلفظ به والاستماع إليه، وتشمئز منه النفس وترفضه المروءة، فمثله لا يصدر إلا

من سفهاء الناس وغوغائهم، وهو من الأمور المنهي عنها في الحج لقوله صلى الله

عليه وسلم:» مَنْ حج البيت ولم يرفث ولم يفسق؛ رجع كيوم ولدته أمه « [66] .

2 - الفسق:

والفسوق من الفسق، ويعني: الخروج عن طريق الحق، وترك أمر الله كما

فسق إبليس عن أمر ربه [67] . وفي الحديث سميت الفأرة فويسقة، تصغير فاسقة،

لخروجها من جحرها على الناس وإفسادها.

قال صلى الله عليه وسلم:» خمِّروا الآنية وأوكوا السقية، وأجيفوا الأبواب،

وأكفتوا صبيانكم عند العشاء، فإن للجن انتشاراً وخطفة، وأطفئوا المصابيح عند

الرقاد، فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت « [68] .

وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم:» خمس فواسق يُقتلن في الحل والحرم:

الفأرة، والعقرب، والحديا، والغراب، والكلب العقور « [69] ، وإنما سميت هذه

الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهن [70] .

والفسوق أنواع:

أ - جميع المعاصي: وهو قول ابن عباس وعطاء والحسن وابن عمر،

حيث قال ابن عمر:» إتيان معاصي الله عز وجل في حال إحرامه بالحج؛ كقتل

الصيد، وقص الظفر، وأخذ الشعر.. وشبه ذلك « [71] .

ب - الذبح لغير الله: وهو قول مالك وابن زيد [72] . لأن الحج لا يخلو عن

ذبح، وكان أهل الجاهلية يذبحونه لغير الله فسقاً، فشرعه الله تعالى لوجهه نسكاً،

ومنه قوله تعالى: [أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ] (الأنعام: 145) .

ج - التنابز بالألقاب: قاله الضحّاك، ومنه قوله تعالى: [وَلاَ تَنَابَزُوا

بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَان] (الحجرات: 11) . ومنه قوله صلى

الله عليه وسلم:» سباب المسلم فسوق « [73] . وقال النووي في الأذكار:» اتفق

العلماء على تحريم تلقيب الإنسان بما يكرهه سواء كان صفة له كالأعمش،

والأعرج والأحول والأصفر، أو كان صفة لأبيه أو لأمه، أو غير ذلك مما

يكرهه « [74] .

قال ابن العربي المعافري - رحمه الله -:» والصحيح جميعها « [75] .

وقد حذَّر منه الرسول الكريم، وبشَّر مَنْ تجنبه بالمغفرة التامة، فقال صلى

الله عليه وسلم:» مَنْ حج البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمّه « [76] .

بل حذَّر من رمي المؤمن به فقال:» لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق أو يرميه

بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك « [77] .

والفسوق في مقام الحج ينصرف إلى الآثام والمعاصي التي تهدم الأواصر

وتفكك الروابط، كالسباب والشتائم والغيبة والنميمة وتتبع العورات، وغيرها من

الأمراض اللسانية التي تُسهم في تفكك العلاقة بين أفراد المجتمع.

3 - الجدال:

ويطلق في اللغة على معان [78] ؛ أهمها:

أ - الصرع والغلبة، تقول: جدل الرجل؛ أي صرعه وغلبه في الجدل.

ب - الإتقان والإحسان، تقول: جدل الحبل جدلاً؛ أي أحكم فتله وأتقن.

ج - شدة الخصومة والمناقشة، تقول: جادله مجادلة وجدالاً، ناقشه

وخاصمه، ومنه قوله سبحانه: [وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن] (النحل: 125) .

د - مقابلة الحُجّة بالحُجّة: جادل فلان فلاناً؛ أي قابل حجته بحجته عنده.

ولا تعارض بين هذه المعاني جميعها، فإن إتقان الخصومة وحسنها والمناقشة؛

ينتهي إلى الصرع والغلبة غالباً.

وهو في الاصطلاح:» القصد إلى إفحام الغير وتعجيزه وتنقيصه بالقدح في

كلامه، ونسبته إلى القصور والجهل فيه «، وهو غالباً ما يكون في المسائل

العلمية [79] .

وللعلماء في الجدال في الحج أقوال مختلفة: منها المماراة، والسباب،

والاختلاف في زمن المناسك أو أماكنها أو طريقة الأداء، وهذا لا يجوز مطلقاً [80] ؛

لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:» إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق

السماوات والأرض.. « [81] ؛ ليتبين بذلك أن أمر الحج له يومه ووقته، وقوله:

» خذوا عني مناسككم « [82] ، وأن مواقف الحج ومواضعه واضحة بيِّنة ولا ينبغي

الجدال فيها.

والجدال في الحج من الأعمال المنهي عنها؛ لقول الله تعالى: [الْحَجُّ أَشْهُرٌ

مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجّ] (البقرة:

197) ، ولأنه من أقبح الخصال وأشنعها؛ لما يسببه من اختلاف وفرقة تسهم

في التنافر والقطيعة بين المسلمين والإخوة والأصدقاء والمقربين.

4 - الرياء:

وهو في اللغة مشتق من الرؤية، تقول: أرأى الرجل؛ إذا أظهر عملاً

صالحاً [83] ، ومنه قوله تعالى: [فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ

* الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ المَاعُونَ] (الماعون: 4-7) . ومنه قوله تعالى

أيضاً: [وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاس] (الأنفال:

47) .

ومعناه إطلاع المسلم الناس على ما يصدر منه من الصالحات طلباً للمنزلة

والمكانة عندهم أو طمعاً في دنياهم، وهو ما صرح به العز بن عبد السلام في قوله:

» الرياء أن يعمل لغير الله « [84] .

ويكفي بياناً لخطره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد أن قصد الحج:

» اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة « [85] . وفي الحديث:» مَنْ يرائي يرائي

الله به « [86] .

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً:» إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك

الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله عز

وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا

فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء؟ « [87] .

وفي رواية عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه

وسلم يقول:» يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى مَنْ كان

يسجد في الدنيا رئاء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً « [88] .

5 - السمعة:

وهي في اللغة مشتقة من سمَّع، تقول سمَّع الناس بعمله؛ أي أظهره لهم بعد

أن كان سراً [89] .

وفي الاصطلاح إسماع المسلم الناس ما يصدر منه من الصالحات طلباً للمنزلة

والمكانة عندهم أو طمعاً في دنياهم.

وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يقي حجه من السمعة؛ بقوله:

» اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة « [90] .

هكذا يحقق المسلم الحجة المبرورة، ويتحقق له بذلك ما وعد به المصطفى

صلى الله عليه وسلم:» الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة « [91] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015