كلمة صغيرة
قال الإمام يحيى بن معين: «ما رأيت على رجل خطأ إلا سترته، وأحببتُ
أن أزين أمره، وما استقبلت رجلاً في وجهه بأمر يكرهه، ولكن أبيّن له خطأه فيما
بيني وبينه، فإن قبل ذلك وإلا تركته» [1] .
هذه القاعدة النفيسة ليحيى بن معين - رحمه الله - في غاية الأهمية لأسباب
من أهمها: أن ابن معين من أجلِّ أئمة الجرح والتعديل، وأعرفهم بالرجال، ومع
ذلك يقول هذه الكلمة التي تلخص منهج أئمة الحديث في التعامل مع الأخطاء وزلات
أهل العلم والفضل.
ومن المعضلات الكبرى التي أنهكت الدعوة ومزَّقت الصف الإسلامي، ذلك
التطاحن والتهارش، وتصنيف العلماء والدعاة والمؤسسات الإسلامية، الذي أشغل
بعض الناس وأصبح معولاً قاسياً لتفريق الأمة وتعطيل طاقاتها..!
ولنا في مجلة البيان وصيتان:
الوصية الأولى: للمشتغلين بمثل هذه الأمور، فنقول لهم: هبوا أن إخوانكم
قصَّروا أو أخطؤوا أيكون التصحيح بالرحمة والستر والنصحية، أم بالتشفي
والتعيير والفضيحة؟! أتحبون أن تلقوا ربكم بإحسان الظن بإخوانكم، والتماس
العذر لهم، أم بالقيل والقال وأخذ الناس بالظِّنة؟! إذا رأيتم خطأ فبينوا.. لكن بعد
التثبت والتزام الدليل، والتماس الأدب النبوي، قال الله تعالى: [وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ
شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى] (المائدة: 8) . وقاعدة أهل
الحديث في ذلك أن: «الكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة، تام الورع»
[2] .
الوصية الثانية: للدعاة وللمؤسسات التي تعرضت لذلك الأذى، فنقول لهم:
إخوانكم منكم وإن بغوا عليكم، فاحمدوا لهم حرصهم، واقبلوا الحق الذي دلوا عليه،
فطالب الحق يقبله من كل أحد، واغفروا لهم ما سوى ذلك. ومَنْ نذر نفسه لخدمة
دينه فلن يجد في وقته فسحة للالتفات إلى تلك الصوارف التي تفسد على المرء دينه،
وتشغل قلبه، قال أبو عبيدة: «مَنْ شغل نفسه بغير المهم أضرَّ بالمهم» [3] .
إنَّ التحديات التي تواجهنا، والنوازل التي تعصف بنا، لن نقوى على الثبات
في ميدانها إلا بنفوس عَليَّة، وقلوب نقيَّة، مطمئنة بذكر الله، معتصمة بحبله، قال
الله تعالى: [وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ] (فصلت: 34-35) .