المنتدى
سالم فرج سعد
كنا نحمل هموم الكرة الأرضية فوق رؤوسنا وكأننا سنغيّر وجه العالم بين
عشية وضحاها، فنتعجّل الفرج أو نفقد الأمل في الدعوة إلى الإصلاح.
إن أعظم المصلحين هو الذي يبدأ بإصلاح نفسه ليسهل عليه نزول الميدان،
وليثمر إصلاحه وجهاده، فلا تنقلب لديه الموازين، ولا تؤثر فيه الأراجيف
والزوابع، بارد الأعصاب، منشرح الصدر، ثابت الجأش، وقّاد الفكر.
أما المتقلب الخوّار فهو يذبح نفسه كل يوم مراتٍ بسيف الأوهام والأحلام،
فوا أسفاه لأصحاب القلوب الضعيفة [وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ] (البقرة:
96) .
أهل الحق تزيدهم الأحداث والعبر إيماناً إلى إيمانهم، وينطلقون في ميادين
الدعوة والجهاد أبطالاً أقوياء، وصابرين سعداء.. يترقبون الظفر بالنصر على
الأعداء، أو نزل الشهداء..
ومع تلك المبادئ الخالدة، والقيم النبيلة؛ فهم لا يكتفون بما لديهم من أدبيات
وشعارات؛ لأن آفاق الفكر في العمل للدين واسعة رحبة تفتح المجال أمام الدعاة
وتحثهم على المعرفة والفضيلة والخير، ولا يكتفون بما لديهم من علوم ومعارف
فيواكبون الإبداع في دعوتهم وجهادهم بكل السبل المتاحة والوسائل المباحة.
إن تاريخ الأمم والشعوب حافل بالدروس والعلوم ومختلف الثقافات التي لا
تتعارض مع تراثنا وأصالتنا، فَلِمَ لا نقتبس منها ما يعود على أمتنا بالخير والتقدم
والازدهار؟ ولِمَ لا يزداد المؤمن ثقة بعمله وعلمه وهو يرى (عولمة) الدعوة إلى
الله ماثلة بين يديه فلا يكتفي بما لديه، وإنما يجعل من أصوله وثوابته منطلقاً
للابتكار، والاستفادة من الآخرين والتأثير في الحياة والمجتمع بعلم واقتدار؟
وانظر كيف استطاع الصحابي الجليل سلمان الفارسي - رضي الله عنه -
وأرضاه أن يخدم الإسلام في إحدى معاركه الخالدة عندما أشار بحفر الخندق كما هي
عادة الفرس؛ فلم يكتف بإمكاناته وقدراته.
لقد آن الأوان أن نفتح نوافذ الفكر، وأبواب العقل، على كل رائع ومفيد من
الذي قد يكون مع غيرنا؛ فلا نكتفي بما لدينا وإن كان هو الأصل والمصدر؛ ففي
الطبيعة البشرية يكمن حب فطري للاستطلاع والمعرفة، بإمكان دعاة الإسلام أن
يحوّروها لخدمة الإسلام بمواكبة ما لدى الآخر من تقنية وأبحاث وأفكار تجعل
رصيد العلوم الإسلامية يقوى ويرقى، وتدفع بعجلة الدعوة في العالم بيسر وذكاء
تعلمهم أن الإيمان طريق النجاة، وأن السر الأعظم في تضحياتنا وبطولة شبابنا
المجاهد هو في العبودية لله والانقياد لدينه وأوامره.. هو في اتباع منهج الإسلام
الشامل لكل مناحي الحياة.. [وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ] (آل عمران: 85) .