ملفات
التغيير القادم
د. فؤاد بن عبد الكريم آل عبد الكريم
بدأ الاهتمام بقضايا المرأة على المستوى العالمي بشكل واضح ابتداءً من عام
1975م [1] ، حيث اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذلك العام (عام المرأة
الدولي) ، وأقيم في ذلك العام المؤتمر العالمي الأول للمرأة [2] ، ثم في عام 1979م
عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤتمراً تحت شعار (القضاء على كافة أشكال
التمييز ضد المرأة) ، وخرج المؤتمرون باتفاقية تتضمن ثلاثين مادة وردت في ستة
أجزاء، للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بالمفهوم الغربي، وجاءت
هذه الاتفاقية لأول مرة بصيغة ملزمة قانونياً للدول التي توافق عليها، إما بتصديقها
وإما بالانضمام إليها.
وتعدُّ هذه الاتفاقية من أخطر الاتفاقيات المتعلقة بالمرأة؛ أولاً لأنها تعدُّ الدين
شكلاً من أشكال التحيز ضد المرأة؛ وثانياً لأن فيها رسماً لنمط الحياة في مجالاتها
المختلفة (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية، والفكرية.. وغيرها
من مجالات الحياة) بالمنظور الغربي لحقوق المرأة القائم على ركيزتي الحرية
التامة والمساواة المطلقة؛ ولذلك كانت توصيات مؤتمرات المرأة اللاحقة تنطلق من
هذه الاتفاقية وتعدُّها دستورها الأعلى؛ وثالثاً لأنها الاتفاقية الوحيدة الملزمة للدولة
التي توقِّع عليها بتنفيذ بنودها كما تمت الإشارة إلى ذلك، وعدم التحفظ على أي بند
منها.
وحيث إن المرأة المسلمة لم تتطبع بالأنموذج الغربي بالسرعة المطلوبة
وبالتواريخ التي كانت المؤتمرات السابق ذكرها تضعها في أجندتها؛ فقد اتُخذت
عدة خطوات من أجل سرعة تفعيل تغريب المرأة المسلمة، ويمكن تأريخ هذه
الخطوات ابتداء من عام 2000م، وهو العام الذي حددته الأمم المتحدة موعداً نهائياً
لتوقيع جميع الدول على اتفاقية «القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة» .
ومن تلك الخطوات:
- عقد مؤتمرات قمة للمرأة على مستوى قرينات رؤساء وملوك الدول
العربية: وقد أقيمت قمتان؛ الأولى في القاهرة بمصر، والثانية في عمان بالأردن.
وقد انبثق عنها عدة مؤتمرات إقليمية ناقش كل منها موضوعاً خاصاً، كالمرأة
والإعلام، والمرأة والتعليم، والمرأة والتنمية.. إلخ.
- إنشاء مؤسسات خاصة بشؤون المرأة على أعلى مستوى: مثل: المجلس
القومي للمرأة بمصر، والمجلس الأعلى لشؤون المرأة في بعض دول الخليج،
كالبحرين وقطر.
وبعد أحداث 11/9/ 2001م، وما تلاه من تداعيات؛ حدثت تحولات عالمية
كبيرة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حيث سعت إلى إحداث تغييرات واسعة،
كان لها الأثر الواضح في تدخلها على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي
للمنطقة العربية والإسلامية أفغانستان مثال ظاهر في هذا الشأن، إلا أن الأمر لم
يقتصر على المجالات السابقة، بل شمل أيضاً المجال الاجتماعي متمثلاً بالمرأة
وقضاياها، فالولايات المتحدة الأمريكية القطب الأوحد في العالم هذه الأيام استغلت
ما أسمته «حرب الإرهاب» ، واستلمت زمام الترويج لما يسمى حقوق المرأة،
وأخذت تبشر دول المنطقة وشعوبها بالديمقراطية الأمريكية، والتي تقوم - في
جانبها الاجتماعي - على المساواة بين الجنسين، والتحرر الجنسي، والمثلية
الجنسية - الشذوذ الجنسي -، وإباحة الإجهاض، كما أشار إلى ذلك «رونالد
إنغلهارت» [3] في مقال له بعنوان: «الصدام الحقيقي بين الحضارات» في
مجلة (FP) الأمريكية [4] .
وقد كانت هناك تصريحات أمريكية نادت وما زالت إلى هذا اليوم تنادي
بوجوب حصول المرأة المسلمة على حقوقها بالمفهوم الغربي المخالف للإسلام،
وهذه التصريحات على مستوى الرئاسة الأمريكية؛ بدءاً من بوش ومروراً بوزير
خارجيته، وكبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية.
وسأنقل الآن بعض هذه التصريحات، مرتبة ترتيباً زمنياً، وإن كان في
بعضها شيء من التفصيل؛ وذلك لبيان صفاقة هؤلاء القوم في عزمهم فرض
مفهوماتهم وقيمهم الاجتماعية على دول المنطقة، مستغلين هيمنتهم على العالم من
جهة، وضعف حال الأمة الإسلامية، ووجود طابور من المنافقين والمنافقات الذين
يستجدون هؤلاء القوم لتحقيق أهوائهم وشهواتهم من جهة أخرى.
أولاً: «إبريل بالمرلي» كبيرة المنسقين لقضايا المرأة الدولية في وزارة
الخارجية الأمريكية:
حيث ألقت كلمة بعنوان: «النساء في مجتمع عالمي» ، وذلك في مؤتمر
بإستانبول بتركيا بتاريخ 19/9/2002م.
وكان مما قالته: «كما أسهم سقوط نظام طالبان وما كان له من تأثير فوري
على حياة النساء والبنات في أفغانستان في زيادة وعي الناس لأهمية الحكم التمثيلي
الواسع القاعدة، وأهمية صيانة حقوق الإنسان لجميع المواطنين. ومن الناحية
السياسية، ركزت الانتخابات التي شكلت معلماً فاصلاً في أماكن مثل البحرين
والمغرب الانتباه على مشاركة المرأة في الحياة السياسية» .
وقالت أيضاً: «وصيانة حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من المجتمع العالمي،
وحقوق المرأة حقوق إنسانية. وعليه فإننا نستطيع، عبر الترويج لحقوق المرأة،
تحسين حياة النساء وعائلاتهن ومجتمعاتهن. ولكن ضمان حقوق المرأة لا يفيد
أفراداً وعائلات فقط. بل هو يعزز الديمقراطية، ويدعم الازدهار، ويزيد
الاستقرار، ويشجع التسامح. وهو في صميم بناء مجتمع مدني متقيد بالقانون
يشكل شرطاً لا غنى عنه للديمقراطية الحقيقية. وقد أعربت الولايات المتحدة عن
التزامها بالترويج لحقوق المرأة في جميع أنحاء العالم؛ عبر إنشائها مكتب (كبير
منسقي قضايا المرأة الدولية) التابع لوزارة الخارجية، وهو المكتب الذي أرأسه.
وكما قال وزير الخارجية، كولن باول، (إن دفع عجلة قضايا المرأة في جميع
أنحاء العالم ليس فقط أمراً متناسقاً مع القيم التي يؤمن بها الشعب الأميركي إيماناً
عميقاً، وإنما هو أيضاً في مصلحتنا القومية إلى حد كبير أيضاً) . ويجتهد مكتبي
في إعلام الناس في الولايات المتحدة وفي الخارج بالحاجة الملحة إلى الاعتراف
بحقوق المرأة حول العالم.
أما أهدافنا فهي:
- دفع عجلة مفهومات حقوق المرأة الإنسانية، وتمكين النساء ومنحهن سلطة؛
كعنصرين مهمين في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
- دمج هذا الهدف في السياسات، وتحويله إلى جزء من مؤسساتها عن طريق
الدبلوماسية العامة، وبرامج التبادل المحلية والدولية، وتدريب العاملين في السلك
الخارجي (الدبلوماسي) .
- تشجيع الحرية والإيمان والأسواق الحرة عبر برامج تروّج لقضايا المرأة.
- إنشاء شراكات وتحالفات مع الحكومات الأخرى، والمؤسسات الدولية،
والمنظمات غير الحكومية المحلية والخارجية، والقطاع الخاص؛ لصيانة هذه
المصالح.
ويعمل مكتب (كبير منسقي قضايا المرأة الدولية) على تحقيق مزيد من
الترابط والجلاء لهذا البرنامج السياسي، فنحن نروج لمجموعة كبيرة من المشاريع
بالتعاون مع المكاتب المختلفة في وزارة الخارجية وغيرها من الكيانات الحكومية
الأميركية، بإسهامات من المؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية وحتى
القطاع الخاص. وقد كان بعض أهم ما قمنا به حتى الآن دورنا القيادي في قضايا
المرأة الأفغانية البالغة الأهمية، والتي تحظى باهتمام واسع عن طريق العمل مع
الحكومة الأفغانية، وإنشاء المجلس النسائي الأميركي الأفغاني.
وعلاوة على ذلك؛ زودنا المشرعين الأميركيين بمعلومات حيوية عبر تقريرنا
الشامل للكونجرس عن دعم الولايات المتحدة للنساء والأطفال واللاجئين الأفغان.
وقد عانت النساء الأفغانيات بشكل مؤلم أثناء الحرب، وأثناء قمع نظام
طالبان القاسي أيضاً. وتقوم الحكومات المانحة حالياً بدعم المرأة الأفغانية الشجاعة
أثناء سعيها إلى المشاركة في إعادة إعمار بلادها. وينبغي أن تكون قضايا المرأة
في طليعة جهود إعادة الإعمار في أي مجتمع يمر بفترة ما بعد النزاع» .
وقالت أيضاً: «وعلى نطاق أوسع، حدد مكتبي ثلاثة مجالات عامة للسياسة
سوف نستهدفها في جهودنا القادمة.
وهذه المجالات هي:
- المشاركة السياسية للمرأة.
- المشاركة الاقتصادية للمرأة.
- الاتصال والتواصل مع النساء في الدول التي يشكل المسلمون غالبية
سكانها.
وقد حددنا تحديات مختلفة حول العالم نقوم حالياً بدراستها وإجراء الأبحاث
حولها، كما نعمل على إقامة اتصالات لمساعدة الحكومة الأميركية في التشجيع على
اتخاذ إجراءات في هذه المجالات» .
ومما قالته: «وأذكر على سبيل المثال أن نصف عدد النساء العربيات اليوم
لا يستطعن القراءة أو الكتابة. وهذا يعني في الواقع أن تلك الدول تحرم نفسها من
إبداع وإنتاجية نصف سكانها. ولا يمكن لأي بلد أن ينعم بالازدهار في مثل هذه
الظروف، وقد ربط تقرير برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة حول التنمية البشرية
في العالم العربي فعلاً، وإلى حد ما، بين تخلف الاقتصادات العربية وإخفاق الدول
في تطوير طاقات نسائها. ونحن ملتزمون بالمساعدة في معالجة هذا الهدر
للإمكانيات البشرية.
وكما قال الوزير باول:» إن الأمر ليس مجرد الرأي العام، بل هو حقيقة
واضحة: إن الدول التي تعامل النساء بكرامة، وتمنح المرأة حرية اختيار الطريقة
التي تريد أن تعيش حياتها فيها، وتمنحها حصولاً متساوياً (مع الرجل) على
الخدمات الأساسية، وتمنحها فرصة متساوية للإسهام في الحياة العامة.. إن هذه
الدول هي الدول الأكثر استقراراً وقابلية للحياة والنمو، وقدرة على مواجهة تحديات
القرن الجديد، وإن هذه الدول هي الدول التي سندعمها «.
ولهذا السبب خاصة أُعلن اليوم أن مكتبي سيعقد اجتماعاً في العام القادم لجميع
وزراء شؤون المرأة في كل أنحاء العالم لتناول تحدياتنا المشتركة، وتشاطر الحلول
الخلاقة، وتعزيز وصيانة القضايا التي تهم المرأة. وسوف ندعم أولئك الذين
يتوقون إلى حكومات تمثيلية عريضة القاعدة. ولن تجد الدول صديقاً أفضل من
الولايات المتحدة أثناء تقدمها نحو مستقبل يتصف بقدر أكبر من الحرية، وقدر أكبر
من التسامح» انتهى [5] .
فكبيرة المنسقين لقضايا المرأة الدولية في وزارة الخارجية الأمريكية؛ أبانت
بشكل واضح أهداف السياسة الأمريكية تجاه نساء المنطقة، ووضعت برامج العمل،
وحددت الوسائل لتنفيذ هذه الأهداف، وضربت بعض الأمثلة على ذلك.
ثانياً: «ستفين جي هادلي» نائب مستشار الرئيس بوش للأمن القومي:
حيث استعرض في واشنطن بتاريخ 19/2/2003م الجهود التي تبذلها إدارة
الرئيس بوش لأجل بناء عالم أكثر أمناً وأفضل من وجهة نظره، وعلى الأخص في
الشرق الأوسط، وأفغانستان، والعراق.
فكان مما قاله: «إن الرئيس بوش أعاد تأكيد وقوف الولايات المتحدة إلى
جانب ما سماه (مطالب الكرامة الإنسانية غير القابلة للمساومة) ، وهي: حكم
القانون، وتحديد سلطة الدولة، وحرية التعبير، وحرية العبادة، والمساواة أمام
القضاء، واحترام المرأة، والتسامح الديني والإثني، واحترام الملكية الخاصة» .
وأضاف هادلي: «إن هناك بدايات واعدة بالإصلاح والانفتاح في العالمين
العربي والإسلامي، وبنوع خاص في البحرين، والأردن، والمغرب، وقطر،
وأفغانستان» [6] .
ثالثاً: «كولن باول» وزير الخارجية الأمريكي:
فقد أصدر بياناً بمناسبة صدور تقارير حقوق الإنسان السنوية لوزارة
الخارجية الأمريكية، وذلك في واشنطن بتاريخ 4/3/2003م، حيث قال في هذا
البيان: «إن الرئيس بوش والكونجرس والشعب الأميركي متَّحدون في قناعتهم
بأن الدعم الفعال لحقوق الإنسان يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من السياسة
الخارجية الأميركية. والولايات المتحدة ستكون صديقاً ثابتاً للرجال والنساء حول
العالم الذين يتجرؤون على السعي إلى تحسين الامتثال إلى معايير دولية لحقوق
الإنسان داخل بلدانهم خاصة وفي العالم أجمع.
إن حكومة الرئيس بوش تعمل بالتعاون مع الحكومات والمنظمات ما بين
الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والأفراد، للمساهمة في جعل أداء
الحكومات حيال حقوق الإنسان منسجماً مع الأعراف الدولية.
إننا نتبنى بإقدام جدول أعمال عريض لحقوق الإنسان على الأصعدة الدولية
والإقليمية والثنائية، وينطوي ذلك على تعزيز المجتمع المدني، ونشر مبدأ
الحكومات الخاضعة للمحاسبة، والعدالة المتكافئة، والإصلاح القضائي، وحرية
الصحافة، والحرية الدينية، والتسامح، وحقوق العمال، وحماية الأطفال، وحقوق
النساء والأقليات» .
إلى أن قال: «وفي الوقت ذاته، فإننا لن نتراخى في التزامنا بترويج قضية
حقوق الإنسان والديمقراطية. فالعالم الذي يمكن فيه لكل رجل وامرأة من كل قارة،
وكل ثقافة، وكل معتقد، وكل عرق، وكل ديانة، وكل منطقة أن يمارسوا حرياتهم
الأساسية هو عالم لا يمكن للإرهاب أن يروج فيه» [7] .
رابعاً: «رتشارد وول» العضو الشعبي في الوفد الأميركي إلى لجنة الأمم
المتحدة لحقوق الإنسان وهو محام يعمل في المعهد الجمهوري الدولي:
حيث ألقى خطاباً في الدورة السنوية التاسعة والخمسين للجنة حقوق الإنسان
حول موضوع «البند [10] : الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية» بجنيف،
وذلك في 7/4/2003م، قال فيه [8] : «إن الولايات المتحدة ملتزمة بتوفير
الأوضاع الملائمة للأفراد لتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في
الداخل والخارج» . إن نسبة مئوية كبيرة من المساعدات الخارجية الأميركية
تستهدف استراتيجيات التنمية الخاصة بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ومما قال في هذا الخطاب: «ينبغي ألا تكون هناك أي فكرة خاطئة عن
موقف الولايات المتحدة من هذه القضية، فنحن كأمة ملتزمون بتوفير الأوضاع
المناسبة للأفراد لتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في الداخل
والخارج. فنحن ندرك أهمية القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
لاستراتيجيات التنمية الشاملة، ولذلك فإن نسبة كبيرة من المساعدات الخارجية
تصب في هذا الاتجاه. فقد طلب الرئيس للسنة المالية التي تبدأ في تشرين أول /
أكتوبر ما يزيد على ألفي مليون دولار لبرامج المساعدات الجديدة. وكان الرئيس قد
أعلن العام الماضي حساب تحدي الألفية الذي يتعهد بزيادة إجمالي مساعداتنا
المخصصة للتنمية إلى خمسة آلاف مليون دولار خلال ثلاث سنوات للدول التي
تحقق معايير الحكم الجيد والاستثمار في صحة مواطنيها ورعايتهم الاجتماعية» .
* مبادرة الشراكة الأميركية الشرق أوسطية:
هذا وقد صدر عن وزارة الخارجية الأميركية خطة مبادرة شراكة أميركية
شرق أوسطية، سميت «بيان حقائق عن وزارة الخارجية» [9] ، وذلك بتاريخ
3/4/2003م؛ تتكون هذه المبادرة من موجز وثلاث محاور أساسية، هي: التعليم
- الإصلاح الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص - تقوية المجتمع المدني، وكان
لنساء الشرق الأوسط في هذا البيان نصيب من التدخل الأمريكي.
جاء في موجز هذه الشراكة أنها ستعمل مع حكومات وشعوب العالم العربي؛
لزيادة الفرص الاقتصادية، والسياسية، والتعليمية للجميع.
وستتضمن المبادرة أكثر من ألف مليون دولار من المساعدات التي تقدمها
الحكومة الأميركية للدول العربية سنوياً.
كما أن الولايات المتحدة تقوم حالياً بتخصيص 29 مليون دولار كتمويل
مخصص لبرامج المبادرة لدعم الإصلاح في كل مجال من المجالات الثلاث التي
سبق ذكرها.
جاء في موجز هذا البيان ما نصه: «إن المبادرة شراكة، وسنعمل بصورة
وثيقة مع حكومات العالم العربي والمانحين الآخرين والمؤسسات الأكاديمية والقطاع
الخاص والمنظمات غير الحكومية. وسنقوم كجزء من هذه المبادرة بمراجعة برامج
المساعدة الأميركية الحالية في المنطقة لضمان كون مساعداتنا تصل إلى أكبر عدد
ممكن من الناس في جميع أنحاء المنطقة، مع تأكيد خاص على النساء والأطفال.
كما أننا نريد ضمان كوننا نقدم أكثر الإعانات الممكنة تأثيراً وفعالية. وسنستخدم
التسعة والعشرين مليون دولار لإقامة برامج رائدة جديدة في كل من مجالات
المبادرة التي تحظى بالأولوية. وعلاوة على ذلك، سنطور في كل مجال من
المجالات التي تحظى بالأولوية مشاريع تهدف بشكل محدد إلى تمكين النساء وزيادة
الفرص المتاحة للشباب. وسيشغل نائب وزير الخارجية،» رتشارد آرميتيج «
منصب منسق المبادرة. وسيدير المبادرة مكتب شؤون الشرق الأدنى التابع لوزارة
الخارجية» .
وأما ما يتعلق بمحور التعليم فأبرز ما يمكن ذكره أن هذه المبادرة ستوفر
برنامج «شراكات في سبيل العلم» لتشاطر المعرفة مع جميع شرائح المجتمع في
الشرق الأوسط عن طريق برامج مثل: ورشة عمل جامعة ولاية جورجيا لقادة
المنظمات غير الحكومية من المملكة العربية السعودية، والكويت، واليمن،
والإمارات العربية المتحدة.
وكذلك سيكون هناك برامج تركز على تحسين حياة البنات والنساء من خلال
التدريب على القراءة والكتابة، وتقديم المنح للبقاء في المدارس، وتعليم اللغة
الإنجليزية.
وسيكون هناك منح للحصول على شهادة البكالوريوس في الولايات المتحدة
وفي الجامعات الأميركية الموجودة في المنطقة، مع التركيز على التخصص في
حقول كالاقتصاد والتربية والتعليم وإدارة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات والعلوم.
وأما محور الإصلاح الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص، فأبرز ما سيقدمه
للمرأة: «مِنَح وزارة التجارة الجديدة الخاصة للتدرُّب في مؤسسات أعمال أميركية،
وهي المنح التي ستؤمن تدريباً في شركات أميركية، وستركز أيضاً على إنشاء
شبكات وفرص تدريب لسيدات الأعمال من الشرق الأوسط» .
* أبرز التغيرات التي طرأت في قضايا المرأة المسلمة:
كان للتدخل الأمريكي السافر في شؤون المرأة المسلمة عموماً والعربية
خصوصاً، بالإضافة إلى نشوء بعض المجالس العليا الخاصة بالنساء في بعض
البلاد العربية التي تمت الإشارة إليها في بداية المقال أثر في ظهور متغيرات سريعة
ومفاجأة ومتتابعة في تنفيذ بعض القضايا والتوصيات التي نصت عليها الاتفاقيات
والمؤتمرات الصادرة عن الأمم المتحدة.
وسأشير إلى أهم القضايا التي حدث فيها التغير في بعض الدول العربية،
ودور الولايات المتحدة الأمريكية وبعض المنظمات الغربية في هذا التغير وتشجيعه
حسب ما يتيسر:
** أولاً: المشاركات السياسية:
أشرت في بداية المقالة إلى المادة السابعة والثامنة من اتفاقية القضاء على كل
أشكال التمييز ضد المرأة، والتي فيها إشارة إلى الحقوق السياسية للمرأة.
وقبل أن أتحدث عن مدى ما تحقق من مشاركة سياسية للمرأة في بعض
البلدان العربية، ومدى تشجيع ودعم الأمم المتحدة وأمريكا لهذه المبادرات الجريئة؛
أحب أن يطلع القارئ الكريم على اتفاقية صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة
قبل حوالي خمسين عاماً [10] ، وتحديداً بتاريخ 20/12/1952م؛ وذلك لالتصاقها
الوثيق بموضوعنا. وعنوانها: (اتفاقية خاصة بشأن الحقوق السياسية للمرأة) ،
جاء فيها: «إن الأطراف المتعاقدة، رغبة منها في إعمال مبدأ تساوي الرجال
والنساء في الحقوق الوارد في ميثاق الأمم المتحدة، واعترافاً منها بأن لكل شخص
حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، سواء بصورة مباشرة أو بواسطة
ممثلين يختارون في حرية، والحق في أن تتاح له على قدم المساواة مع سواه
فرصة تقلد المناصب العامة في بلده، ورغبة منها في جعل الرجال والنساء
يتساوون في التمتع بالحقوق السياسية وفي ممارستها؛ طبقاً لأحكام ميثاق الأمم
المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد قررت عقد اتفاقية على هذا القصد،
وقد اتفقت على الأحكام التالية:
المادة الأولى: للنساء حق التصويت في جميع الانتخابات؛ بشروط تساوي
بينهن وبين الرجال دون أي تمييز.
المادة الثانية: للنساء الأهلية في أن ينتخبن لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع
العام، المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون
أي تمييز.
المادة الثالثة: للنساء أهلية تقلد المناصب العامة، وممارسة جميع الوظائف
العامة المنشأة بمقتضى التشريع الوطني، بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون
أي تمييز» .
وقد ركزت الولايات المتحدة في الأشهر القليلة الماضية على هذه القضية
كثيراً، فصدرت عدة تصريحات من مسؤولين أمريكيين تدعو إلى المشاركة
السياسية للمرأة، وتشجع على المبادرات التي طبقت في بعض البلاد العربية.
وفي مؤتمر، عقد بالعاصمة الأمريكية واشنطن، تم دعوة 50 سيدة من
الشخصيات النسائية العربية [11] ؛ من الناشطات في العمل النسائي والصحفي من
14 دولة عربية. وقد تقدمت ابنة نائب الرئيس الأمريكي تشيني إليزابيث في هذا
الجانب بفكرة حازت إعجاب الإدارة الأمريكية التي تحاول ليس السيطرة على
المنطقة العربية فحسب، بل تسعى إلى السيطرة على العقول وفرض ثقافتها بالقوة
على الدول العربية، حيث تم إقرار البرنامج تحت عنوان: «الإصلاح
الديمقراطي بمنطقة الشرق الأوسط» رصدت له الإدارة الأمريكية خمسة مليارات
دولار تشرف عليه إليزابيث بنفسها؛ بزعم تحسين أوضاع المرأة والديمقراطية
والتعليم، بالإضافة لما هو معلن إلى برنامج آخر رصدت له عشرين مليون دولار
بهدف توسيع هامش الديمقراطية والمشاركة في الإصلاح بالمنطقة والذي يعتمد على
استضافة شخصيات عربية معروفة بانتمائها النقابي والحزبي والثقافي وتبادل الآراء
بينها وبين الخبراء والمستشارين بالإدارة الأمريكية، آخرها جولة بين 19/10/
2002 م و 7/11/2002م، تم فيها دعوة سيدات عربيات.
وقد نظم للمدعوات رحلات على مدى 14 يوماً بخمس ولايات، كما وزعن
على مجموعات عمل صغيرة، وجرى إطلاعهن على الدور الذي تقوم به المرأة
الأمريكية في عملية الانتخابات، في الترشيح وتنظيم الحملات الانتخابية وإدارتها.
كما عملن بعض الوقت مع المعهد الديمقراطي الوطني، ونظيره المعهد
الجمهوري الذي يشرف على الحملات الانتخابية.
وعقد لقاء في واشنطن بين المدعوات وبين إليزابيث تشيني وعدد من زوجات
نواب الكونجرس من المنتميات إلى جماعات الضغط الصهيونية في حضور
شارلوت بيرس مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للعلاقات العامة.
وقد قامت السيدات العربيات بسرد حالات الإحباط السياسي والقهر التي
يعانين منها في بلادهن.
وتناولت وسائل الإعلام الأمريكية اللقاء خاصة صحيفة «الواشنطن بوست»
في عددها الصادر في الرابع من نوفمبر، حيث كتب بيتر سلفين مقالاً بعنوان
«الإعداد للديموقراطية» لخص فيه الهدف من الندوة، وجاء فيه أن قرابة
خمسين امرأة عربية تحدثن في واشنطن عن إحباطهن من السياسات في دولهن،
ويشعرن بالإحباط والقهر في ظل الأنظمة العربية القائمة؛ زاعمة أنه يتم قمع
رغباتهن في العمل السياسي، وأعربت السيدات عن استيائهن من سياسة بلادهن
التي تمنعهن من مزاولة أي نشاط، وابتكار حكوماتهن العراقيل بينهن وبين
وصولهن للسلطة.
وهذه (إلين سوربري) سفيرة الولايات المتحدة ومندوبتها إلى لجنة الأمم
المتحدة الخاصة بأوضاع المرأة [12] ؛ تصرح في كلمة ألقتها في الدورة التاسعة
والخمسين للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف في 10/4/2003م،
بأن: «توسعة مشاركة النساء السياسية في جميع أنحاء العالم هدف مهم آخر؛ ذلك
أن تعزيز حقوق النساء من خلال المشاركة السياسية يحسن ليس فقط حياة النساء
وإنما حياة عائلاتهن أيضاً، ويحسن المجتمعات المحلية والمجتمع الكبير في جميع
أنحاء العالم، ولا يمكن لأي دولة أن تصبح ديمقراطية حقة إن كان يتم تعمد إخماد
صوت أكثر من نصف سكانها. فبناء مجتمعات جيدة التنظيم يستدعي الإصغاء إلى
آراء القطاع النسائي كمجموعة وأخذها بعين الاعتبار في العملية السياسية» .
* ومن الدول التي كانت للمرأة مشاركات سياسية:
بعض دول الخليج - دولة قطر -، فقد جاء تعيين أول امرأة وزيرة في قطر
[13] بل أول امرأة في الخليج تتبوأ حقيبة داخل مجلس الوزراء بعد أيام على
الاستفتاء الشعبي الذي أُقر أول دستور لقطر في 29/4/2003م.
وأكد الدستور القطري الأول منذ عام 1971م الذي أُقر بعد استفتاء عام، حق
المرأة القطرية بأن تَنتخِب وتُنتخَب، وحقها بإقامة حياة برلمانية؛ عبر إنشاء
مجلس شورى من 45 عضواً يُنتخب ثلثاه بالاقتراع المباشر.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عيَّن أمير قطر شقيقته نائبة لرئيس
مجلس إدارة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بدرجة وزير، إلا أنها لم تتسلم أي
منصب حكومي.
كما وصلت امرأة إلى المجلس البلدي في قطر إثر الانتخابات التي جرت في
أبريل عام 2002م. وشاركت النساء للمرة الأولى في الانتخابات البلدية في مارس
عام 1999م.
وقد حازت هذه التغييرات السياسية للمرأة في قطر على إعجاب الرئيس
الأمريكي جورج بوش [14] ، حيث أثنى على أمير قطر، أثناء زيارته للبيت
الأبيض في 8/5/2003م، فقال: «وقد أعطى الأمير أيضاً مثلاً قوياً على ما هو
ممكن في ذلك الجزء من العالم الذي ينتمي إليه، إنه مصلح، وقد طور دستوراً
جديداً يسمح للمرأة بأن تدلي بصوتها، وأدخل النساء في وزارته، إنه زعيم عظيم،
وهو يؤمن بقوة بالتعليم، فالمواطنون المتعلمون هم الأكثر احتمالاً بأن يحققوا
أحلامهم» .
أما في البحرين: فقد نص تقرير وزارة الخارجية الأميركية [15] عن حقوق
الإنسان في مملكة البحرين للعام 2002م الصادر عن الوزارة في 13/3/2003م
على أن الملك عيّن ست نساء في مجلس الشورى، ويحق للنساء التصويت
والترشح للمراكز المنتخبة، وبعض النساء ترشحن في العمليتين الانتخابيتين، لكن
لم تفز واحدة منهن بمقعد، ورغم أن أي امرأة لم تنتخب في المجالس البلدية أو
النيابية، إلا أن الدستور يمنح المرأة حق المشاركة، وكان هذا موضوعاً تردد
مراراً في البيانات العامة للملك وولي العهد. وقد جاءت نسبة الاقتراع في
الانتخابات البلدية في مايو بحدود 51%؛ كما أن حوالي 52% من الذين اقترعوا
كانوا من النساء. أما نسبة الاقتراع في انتخابات تشرين الأول / أكتوبر، فكانت
بحدود 53%، حسب الأرقام الحكومية؛ ولم تنشر الحكومة عدد النساء اللواتي
اقترعن. علماً أن الحكومة البحرينية لا تضم أي امرأة.
أما في دولة عُمان [16] ؛ فإن للمرأة حق المشاركة الانتخابية إذا بلغت
21 عاماً، حيث سيتم فتح المجال كاملاً أمام المرأة في المشاركة في العملية
الانتخابية دون تقييده بنسبة معينة.
وقد عين السلطان قابوس بن سعيد في مارس من هذا العام رئيسة للهيئة العامة
لشؤون الحرفية [17] ، بدرجة وزير. وتشغل امرأتان مقعدين في المجلس
الاستشاري العماني، وقد انتخبتهما هيئة مؤلفة من رؤساء القبائل والأعيان من كل
أنحاء السلطنة.
وأما في دولة الكويت فقد أصدر أميرها في شهر مايو من عام 1999م
مرسوماً أميرياً [18] يمنح المرأة الكويتية حقوقاً سياسية كاملة بحلول عام 2003م،
لكن البرلمان المكون برمته من الرجال لم يوافق على الإجراء حين صوت
32 عضواً ضده مقابل 30 عضواً صوتوا إلى جانبه في وقت لاحق من ذلك العام.
ولا يوجد في الكويت مناصب سياسية كبيرة تشارك فيها المرأة إلا منصب
سفير، رغم المحاولات المستميتة من قبل بعض الكويتيات للمشاركة في الانتخابات
البرلمانية؛ ولأجل ذلك كان هناك تنسيق بين بعض أولئك النسوة وبين جهات
أمريكية من أجل التدرب وتلقي الدعم الأمريكي في هذا الجانب.
فقد توجه وفد نسائي يضم عشر كويتيات [19] إلى «واشنطن» لحضور ما
يسمى بالبرنامج المكثف لتطوير المهارات القيادية والشخصية واتخاذ القرارات لدى
النساء اللائي يتبوأن مناصب مهمة.
وقالت عضو الوفد الدكتورة «رولا دشتي» إن البرنامج استمر لمدة عشرة
أيام بدأ من 26/1/2003م حتى 7/2/2003م.
وأوضحت أن البرنامج منظم من قِبَل «معهد قيادة الأصوات الحيوية العالمي»
في واشنطن برئاسة السيناتور «هيلاري كلينتون» قرينة الرئيس الأمريكي
السابق «بيل كلينتون» وزميلتها السيناتور «كاي هيوتشيسون» من الحزب
الجمهوري بالتعاون مع برنامج الزائرين الدوليين في وزارة الخارجية الأمريكية.
وقد نُظمت حلقة النقاش التي حملت عنوان «وضع المرأة في الكويت:
تحديات وتغيرات تلوح في الأفق» بالتعاون مع «أصوات حيوية [20] »
Voices Vital، وتهدف إلى هذه الحلقة إلى مساعدة نساء الكويت في إنجاز
حقهن في التصويت والترشيح للانتخابات النيابية، وإلى زيادة إشراك النساء في
الحياة العامة ومؤسسات المجتمع المدني عبر تدريب الزعامات النسائية في
المنظمات غير الحكومية.
هذا وقد أقيمت في شهر مارس من هذا العام الميلادي ندوة في الدوحة [21]
تحت عنوان «دور المرأة الخليجية في الحياة البرلمانية والسياسية» شاركت فيها
كل من الإماراتية الدكتورة «موزة غباش» ، والكويتية الدكتورة «بدرية
العوضي» ، والبرلمانية الأردنية «توجان الفيصل» .
وقد تحدثت الندوة عن قضية المرأة الخليجية من عدة أوجه كمشكلات دخولها
الحياة السياسية، والعراقيل ومكمن الخلل، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على الجانب
التاريخي القانوني والدستوري لدول مجلس التعاون الخليجي، ومدى دعم هذه
الدساتير لحقوق المرأة.
أما بالنسبة لمصر فإن مشاركتها النسائية السياسية متقدمة على مستوى الدول
العربية: فقد أصبح حقل الدبلوماسية المصرية حافلاً بالموظفات من النساء، بعد أن
صارت هناك امرأة دبلوماسية بين كل ستة رجال، الأمر الذي بات معه الرجال
يخشون من احتكار النساء للوظائف الدبلوماسية!!
ووفقاً لإحصاءات وزارة الخارجية المصرية [22] ؛ فإن النسبة في ازدياد
مستمر؛ فقد التحق بالسلك الدبلوماسي مؤخراً 15 امرأة مقابل 21 رجلاً فقط،
وهي النسبة الأعلى من نوعها منذ نحو نصف قرن، الأمر الذي يفسر بأنه يشكل
تقدماً نسائياً مقابل تراجع الرجال في هذا المضمار.
وتشير هذه الإحصاءات إلى وجود 12 رئيس بعثة دبلوماسية من النساء،
بينما تزيد النسبة في الدرجات الأقل؛ إذ إن سدس العاملين في السلك الدبلوماسي
نساء، كما أن هناك سفيرة فوق العادة ضمن 11 سفيراً لمصر على مستوى العالم.
وتمضي إحصاءات الخارجية المصرية إلى القول إن عدد الدبلوماسيات بلغ
161 امرأة من أصل 900 دبلوماسي يشكلون واجهة مصر أمام دول العالم، وأن
هناك 14 سفيرة و 7 قناصل يشكلون 15% من مجمل رؤساء البعثات بالخارج،
مشيرة إلى أن هناك 37 سفيرة من الفئة الممتازة، و 17 وزيراً مفوضاً
و23 مستشاراً، و 18 سكرتيراً أول، و 30 سكرتيراً ثانياً وثالثاً و 45
ملحقاً.
وتجدر الإشارة إلى أن الدكتورة «فايزة أبو النجا» تشغل منصب وزيرة
الدولة للشؤون الخارجية، وهو منصب وزاري مستحدث في التشكيل الحكومي
الأخير في مصر، وهو خلاف منصب وزير الخارجية، وإن كان هناك من يرى
تداخلاً في الأمر، غير أن «فايزة أبو النجا» تنفي ذلك مؤكدة أنها تعاون «ماهر»
في القيام بمهام العمل الدبلوماسي الخارجي في ختام مشوارها الدبلوماسي الذي
كلل بأول حقيبة وزارية من نوعها عربياً. كما أن هناك عضوات بمجلس الشعب
المصري.
كما أنه صدر قرار رئيس الجمهورية المصرية بتعيين الأستاذة «تهاني
الجبالي» أول قاضية في مصر في العصر الحديث، وقد حدث هذا الأمر بعد
محاولات استمرت أكثر من 50 عاماً من تقديم أول طلب لتولي منصب القضاء من
الدكتورة عائشة راتب آنذاك، وقد تم رفض طلبها وتقدمت برفع دعوى لمجلس
الدولة لشرح هذا الموضوع.
ويأتي هذا القرار بتعيين أول قاضية في مصر بالمحكمة الدستورية العليا
كقاضي جالس.
هذا وقد أقام المركز المصري لحقوق المرأة احتفالاً بهذه المناسبة شاركت فيه
مؤسسات دولية، مثل مؤسسة «كونراد أديناور» ، واللجنة الفرعية للدول المانحة
وممثليها «أ / آرلت أوزاريان» .
وعلى الرغم من ذلك فما زالت الحركات النسائية ومراكز المرأة في مصر
تسعى إلى تمثيل أكبر في الانتخابات والمشاركات السياسية، وذلك من خلال إقامة
المنتديات والمؤتمرات الداخلية والخارجية حول هذا الأمر.
وأذكر مثالاً واحداً على مؤتمر أقامته «جمعية نهوض وتنمية المرأة
المصرية» [23] بعنوان «المشاركة السياسية للمرأة: الواقع والتحديات» وذلك
بتاريخ 6/2003م، حيث حضر المؤتمر د. «فرخندة حسن» الأمين العام
للمجلس القومي للمرأة، ود. «أمينة الجندي» وزيرة الشؤون الاجتماعية،
ود. «مؤمنة كامل» أمينة المرأة بالحزب الوطني الديمقراطي.
ويهدف المؤتمر إلى التأكيد على أهمية ما يسميه المشاركة السياسية للمرأة
ودورها في تحقيق التنمية المستدامة، مع إلقاء الضوء على النماذج الناجحة للنساء
في العمل العام والعمل السياسي.
وقد صرَّحت د. «إيمان بيبرس» رئيس الجمعية أنه تم من خلال المؤتمر
تكريم عضوات مجلس الشعب، وعرض تجاربهن، ورحلة وصولهن للمجلس،
كما تم تكريم بعض عضوات المجالس الشعبية المحلية، ورئيسات المراكز والقرى.
كما أشير في مثال واحد أيضاً إلى التعاون الأمريكي مع نساء المنطقة، فقد
بدأ «المركز المصري لحقوق المرأة» بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية
الدولية USصلى الله عليه وسلمIعز وجل بالقاهرة التحضير لعقد ورشة عمل تحت عنوان: «ملتقى المرأة
العربية» ، والمزمع انعقادها في الفترة من أول مايو 2003م بالقاهرة.
وتهدف الورشة كما ينص الخبر [24] إلى دراسة أوضاع المرأة العربية،
ووضع خطة عمل عملية لتطوير ودعم جهود المرأة في كل دولة عربية؛ وذلك
بهدف تعزيز مشاركة المرأة في جهود التنمية على جميع الأصعدة السياسية
والاجتماعية والاقتصادية وخاصة أن تقرير التنمية الإنسانية العربي الصادر عن
الأمم المتحدة قد أكد على أن أسباب تراجع معدلات التنمية في المنطقة يعود لأسباب
عدة أهمها غياب الحرية وغياب تمكين المرأة.
وسوف يتم الحوار في هذه الورشة على محورين أساسيين:
المحور الأول: قانوني، ويكون ذلك بما يلي:
- مناقشة البيئة التشريعية التي تضع قيوداً على المرأة وتحد من مشاركتها،
وتدريب مؤسسات المجتمع المدني على حشد الرأي العام؛ لتغيير السياسات
والقوانين التي تنطوي على تمييز ضد المرأة، فضلاً عن القوانين التي تعوق عمل
المؤسسات الأهلية.
- وضع استراتيجيات للتشبيك كخطوة للتغيير. وكخطوة أولى يمكن التركيز
على المرأة والمواطنة، مثل: قانون الجنسية، الحق في تولي القضاء، حقوق
التصويت وقانون الشرف «العقوبات» .
- وضع آليات تقييم ومتابعة التقدم على الصعيد القانوني للمرأة العربية.
المحور الثاني: سياسي، وذلك على النحو التالي:
- سوف يتم التركيز على مناقشة آلية زيادة مشاركة المرأة في مراكز صناعة
القرار، مثل: تدريب القيادات، إدارة الحملات، وتنظيم الحملات الانتخابية.
- التركيز على تدريب مؤسسات المجتمع المدني على تطوير وتنفيذ برامج
التعليم المدني وتشجيع النساء على المشاركة في التأثير على السياسات لتصبح
مدعمة لحقوق المرأة.
- وضع آلية للرصد والتقييم للتطورات على الصعيد السياسي وتأثيرها على
المرأة العربية.
** ثانياً: ما يتعلق بالأحوال الشخصية:
وأبرز مثالين فيما يتعلق بالتغيير في أحكام الأحوال الشخصية، التي بقيت لم
تطلها - إلى حد ما - يد القوانين الوضعية، ما حصل بالمغرب ومصر، من
محاولات مستميتة؛ من أجل تغيير هذه الأحكام المبنية على الأحكام الشرعية،
وإلباسها لباس الاتفاقيات والتوصيات الأممية المخالفة للفطرة، فضلاً عن مخالفتها
للشريعة الإسلامية، من باب التحديث وحقوق المرأة ومسايرة العالم الغربي.
وأشير الآن بشيء من الاختصار إلى التغييرات التي حصلت في هاتين
الدولتين المسلمتين، فيما يتعلق بهذا الأمر.
* المغرب:
وأبرز حدث في هذا الشأن ما يسمى: «الخطة الوطنية لإدماج المرأة في
التنمية» [25] التي أعلنت في 19/3/1999م، وهذه الخطة جزء من مخطط دولي
يهدف إلى فرض النموذج الغربي العلماني في العلاقات الاجتماعية والأسرية،
وتعديل قوانين الأسرة (مدونة الأحوال الشخصية) لتتماشى معه.
ومما دعت إليه هذه الخطة: رفع سن الزواج لدى الفتيات من 15 إلى 18
سنة، وتقاسم الممتلكات في حالة الطلاق، وإلغاء تعدد الزوجات، وإضفاء
الاختيارية على وجوب حضور ولي أمر المرأة عند الزواج.
وقد تم تنزيل هذه الخطة وبشكل متزامن في الكثير من الدول العربية
والإسلامية (المغرب، النيجر، مصر، اليمن ... ) ، هذا المشروع أعدته في
المغرب وفي تكتم شديد (كتابة الدولة) المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة
والطفولة بالتعاون مع الجمعيات النسوية والأحزاب والمنظمات الحقوقية اليسارية،
ودون استشارة باقي مكونات المجتمع المدني المعنية بقضايا الأسرة وعلى رأسها
العلماء.
وقد هاجم الإسلاميون بشدة هذه الخطة، ورأوا فيها طريقة لنسف الأسس
الإسلامية للمجتمع، وقد صدرت بيانات استنكارية لهيئات العلماء وبعض الجمعيات
الأخرى.
وفي شهر أكتوبر من عام 2001م، طالبت «مجموعة ربيع المساواة»
المغربية المكونة من تسع جمعيات نسائية الحكومة بإدخال تعديلات شاملة على
مدونة الأحوال الشخصية بما يخدم حقوق المرأة في نظر هذه الجمعيات فتقدمت
بمذكرة للحكومة كما ذكرت ذلك مسؤولة إحدى الجمعيات التسع [26] تتضمن
تعديلات على مدونة الأحوال الشخصية، تقوم بالأساس على نبذ علاقة «الطاعة
مقابل الإنفاق» التي تشكل جوهر المدونة الحالية، وتهدف إلى قيام علاقة الندية
بين الرجل والمرأة عبر مراحل ثلاث، تبدأ عند الإقدام على الزواج، وتستمر أثناء
الحياة الزوجية، وتنتهي بانتهاء تلك الحياة، وهي مجموعة مقتضيات مترابطة.
وأضافت المسؤولة أن مرحلة الإقدام على الزواج تنص على توحيد السن
الدنيا للزواج، وهي 18 سنة كاملة بالنسبة للرجل والمرأة على حد سواء، وتمتع
كل من المرأة والرجل بكامل الأهلية القانونية لإبرام عقد الزواج بنفسيهما، والنص
على منع تعدد الزوجات.
وفيما يتعلق بمرحلة العلاقة الزوجية؛ فإن المذكرة تنص على تساوي
الزوجين في الحقوق والواجبات، وتولّي الزوجين الإنفاق المشترك على الأسرة كل
حسب إسهامه بما في ذلك العمل المنزلي، وتولي الزوجين معاً الإشراف المشترك
على شؤون البيت، وتربية الأطفال، والولاية عليهم.
وعند وقوع الطلاق؛ فإن الجمعيات تقترح أن يحكم القاضي بالطلاق بعد
تراضي الزوجين عليه، أو بناء على طلب أحد الزوجين بسبب ضرر متبادل، ثم
التصرف المشترك في الممتلكات بأن يتم اقتسام الممتلكات التي امتلكها الزوجان
أثناء الحياة الزوجية في حالة الطلاق أو الوفاة، واعتبار العمل المنزلي مساهمة في
تلك الممتلكات، وتوحيد شروط الحضانة وذلك بضمان حرية زواج الحاضن من
الأبوين: رجل أو امرأة، وبقاء الحاضن من الأبوين في بيت الزوجية، وتوحيد
سن المحضون ولداً أو بنتاً في 15 سنة.
وكانت مجمل التعديلات سالفة الذكر موضع خلاف شديد بين حكومة اليوسفي
والقوى السياسية المحافظة، تتقدمها المجموعات الإسلامية، وذلك خلال عام
1999م، فحكومة اليوسفي عرضت آنذاك مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في
التنمية التي تضمنت بنوداً تقضي بإدخال جل التعديلات السابقة على مدونة الأحوال
الشخصية، إلا أن المجموعات الإسلامية في المغرب تصدت لهذا المشروع.
وقد عاشت البلاد آنذاك أجواء مواجهات بين عشرات الأحزاب والجمعيات
والنقابات والمنظمات الحقوقية والمنتديات، والتيارات الإسلامية وأطراف محافظة
أخرى، حول تحديد السن الدنيا للزواج بـ 18 سنة، وأحقية المرأة في تزويج
نفسها، وهو ما يعني الاستغناء عن شرط الولي هذا الاستغناء يجيزه الأحناف لا
المالكية، واقتسام الممتلكات التي كونها الزوجان أثناء الحياة الزوجية، وتمكين
المرأة من حق طلب الطلاق، والسماح للمرأة الحاضنة بالزواج، ومنع تعدد
الزوجات صراحة.
وفي ضوء تصاعد الأمور، حيث قام ما يربو عن أربعين ألفاً من المطالبين
بتنفيذ هذا المشروع بتظاهرة يطالبون فيها بإقراره، فهرع مليون ونصف من
الشعب المغربي المسلم الغيور في تظاهرة مضادة يطالبون بوأد هذا المشروع
المخالف للشرع والعرف المغربي [27] ، عند ذلك بادر العاهل المغربي إلى استقبال
جميع المنظمات والجمعيات النسائية من مختلف التيارات، وتم الاتفاق على تكوين
لجنة من الخبراء والعلماء لتقدم إليه مقترحات في هذا الشأن، غير أنه حتى الآن لم
تُقدّم أي حلول للقضايا محل الخلاف بين المنظمات النسائية والقوى الإسلامية.
يذكر أن الملك الحسن الثاني كان قد أدخل تعديلات مهمة على مدونة الأحوال
الشخصية في مطلع التسعينيات الميلادية، دون أن يثير ذلك هذا المستوى من
الخلاف، ومن أهم تلك التعديلات: منع زواج الشخص المتزوج إلا بإذن صريح
ومكتوب من زوجته، وتوفر وثيقة طبية تثبت سلامة الشخص من أي مرض ...
وغيرها، وهي تعديلات جاءت تلبية لجزء من المطالب التي تقدمت بها الحركات
النسائية آنذاك، كما كوّن الحسن الثاني لجنة من العلماء رفعت إليه اقتراحات في
هذا الشأن، تبناها مباشرة، وقدمتها الحكومة في إطار مشروع قانون صادق عليه
البرلمان.
وما زالت هذه الخطة مثار جدل إلى هذا اليوم، بين المغربيات المستغربات،
والحركات النسائية الإسلامية، حيث نظمت مجموعة من الفتيات المؤيدات للخطة
في الثامن من مارس لهذا العام 2003م (وهو الموافق ليوم المرأة العالمي) تجمعاً
أمام البرلمان، نظمته لجنة التنسيق الوطنية للجمعيات النسائية، والتي تضم في
عضويتها كل الحركات النسائية المشبوهة، ومجموعة من الجمعيات الحقوقية، وقد
طالبن في هذا التجمع من خلال شعارات رفعنها بالحرية والمساواة في الحقوق مع
الرجل، والإسراع بالمدونة الجديدة للأحوال الشخصية، وإخراج قانون جديد
للأسرة ينص على احترام المرأة، ويدعو إلى التكافل، والمساواة في الحقوق
والواجبات بين الزوجين، وإلغاء فصول التمييز الخاصة بالولاية في الزواج وأحكام
الطاعة والخلع، والعودة القسرية لبيت الزوجية، وإلغاء تعدد الزوجات، واعتماد
الطلاق القضائي، والحق المتساوي للطرفين في طلبه، وإلغاء الفصل الذي يقضي
بإسقاط الحضانة عند زواج الحاضنة، واعتبار ممتلكات الأسرة المتراكمة خلال
الحياة الزوجية ممتلكات مشتركة وخاضعة للقسمة المتساوية عند الطلاق أو الوفاة،
واحتفاظ المطلقة أو المتوفى عنها ببيت الزوجية.
واتهمت الجمعيات النسائية الحكومة بالتراجع عن التزاماتها لتحسين أوضاع
النساء الاجتماعية والاقتصادية والقانونية؛ لذلك ألحّت على الدولة المغربية
بالتصديق على المواثيق الدولية، خاصة «العهد الدولي للحقوق المدنية
والسياسية» في مواده [3] و [23] ؛ قصد تحقيق المساواة في جميع
القطاعات، مع توفير الآليات والإجراءات العملية لتفعليها.
كما دعت هيئات شبابية يسارية إلى القيام بوقفة جماعية صامتة في اليوم
العالمي للمرأة [28] ، لمدة نصف ساعة، وبلباس موحد أسود اللون!! أمام قبة
البرلمان، تحت شعار «لا لمدونة رجعية، لنتحد شابات وشباباً؛ من أجل قانون
حداثي، يضمن للنساء كامل الحقوق» !!
* مصر:
وأما ما يتعلق بمصر؛ فإن أبرز ما حدث في هذا الشأن يتعلق بتعديل قانون
الأحوال الشخصية، فقد ناقش مجلس الشعب المصري في منتصف شهر يناير من
عام 2000م إدخال تعديلات جوهرية على بنود القانون الذي يحكم قواعد الزواج
والطلاق، والمعروف باسم قانون الأحوال الشخصية.
والتعديلات الواردة في قانون إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية
متعلقة بما يلي:
- الخلع.
- النزاع حول السفر للخارج.
- الطلاق من الزواج العرفي.
- عدم جواز إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق.
- محكمة الأسرة.
- إلغاء المعارضة كطريقة من طرق الطعن.
وقد أتاحت هذه التعديلات للزوجات حق الطلاق بناء على عدم التوافق مع
الزوج، شريطة أن تتنازل عن حقها في النفقة الشهرية، أو ما يعرف بالخلع، وأن
ترد قيمة المهر الذي قدم لها عند الزواج.
وأما في السابق، فإن الزوجة لا يحق لها الطلاق إلا إذا أثبتت أمام المحكمة
سوء معاملة زوجها لها، وفي المقابل فإن الزوج يحق له طلاق زوجته متى شاء.
وقد اعترض بعض النساء المصريات على التعديلات المقترحة على أساس
أنها لن تحقق كل ما وضعت من أجله، إذ لن يستفيد منها سوى الثريات من النساء
ممن يقدرن على الوفاء بالشروط المالية المرتبطة بالحصول على الطلاق [29] .
وأكثر هذه التعديلات الذي أثار نقاشاً طويلاً بين المؤيدين والمعارضين،
يتركز على قضية الخلع، فبالنظر إلى التعديل حول موضوع الخلع؛ نجد أن هناك
مخالفة صريحة للشرع، فقد جاء في قانون الأحوال الشخصية المصري بعض
المواد المخالفة للشرع صراحة ولا تمت إلى أي مذهب فقهي معتبر بصلة، وخاصة
المادة رقم [20] والتي تنص على أنه: «إذا افتدت الزوجة نفسها، وخلعت
زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية، وردت عليه الصداق الذي دفعه
لها؛ حكمت المحكمة بتطليقها منه طلقة بائنة، ويكون الحكم الصادر بالتطليق في
هذه الحالة غير قابل للطعن عليه بأي طريقة من طرق الطعن» . والمخالفات
الشرعية في هذه المادة كثيرة ليس هذا مجال بيانها! [30] .
يذكر أنه منذ أن أُقر قانون طلاق الخلع في آذار/ مارس من عام 2000م،
فإنه قد تم التقدم بعدد إجمالي من قضايا الطلاق يبلغ 11.714 قضية أمام المحاكم
المصرية في أكبر ست محافظات في مصر، ومعظم هذه القضايا تقدمت بها نسوة
في مدينتي القاهرة والإسكندرية، وذلك وفقاً لأرقام إحصائية صادرة عن مركز
المساعدة القانونية للنساء.
وقد تم إصدار 220 قراراً بطلاق الخلع لصالح زوجات في عام 2000م،
ولكن ليس هنالك أرقام إحصائية بعد عن القرارات الصادرة في السنوات التالية [31] .
وقد شهد عام 2002م إنشاء (مكتب لشكاوى المرأة) ضمن المجلس القومي
للمرأة؛ لتلقي أي شكوى في نطاق العمل أو الأسرة أو أي مشكلة عامة أو شخصية
تعاني منها أي امرأة يزيد عمرها عن 18 عاماً، وكانت أبرز الشكاوى التي أخذت
شكل الشكوى العامة هي شكوى المطلقات من عدم استطاعتهن تنفيذ حكم النفقة في
الحالات التي لا يكون فيها الزوج موظفاً حكومياً. وكان قانون الأحوال الشخصية
الذي صدر عام 2000م يسمح للمطلقة أو الزوجة بالتوجه إلى بنك ناصر
الاجتماعي لصرف هذه النفقة ويتولى البنك تحصيلها من الزوج، لكن هذا لم يحدث.
كما درس مجلس الشورى المصري مشروع قانون لتخصيص محكمة خاصة
للنظر في قضايا الأحوال الشخصية مثل: النفقة، ورؤية الطفل أو الحضانة، أو
الطلاق.. أو غيرها؛ بهدف حماية الأسرة والأطفال، واشترطت أن تتضمن
المحكمة اختصاصيين اجتماعيين من بينهم امرأة، والمشروع ينظر أمام مجلس
الشعب، وينتظر أن يُعمل به في أكتوبر القادم من هذا العام الميلادي 2003م [32] .
** ثالثاً: بعض القيم الاجتماعية:
أ - دمج ونشر مفهوم «الجندر» :
مصطلح «الجندر» يعدُّ من المصطلحات الجديدة، وأول ظهور لهذا
المصطلح كان في وثيقة مؤتمر المرأة الرابع في بكين، وقد اعترضت كثير من
الدول والوفود على هذا المصطلح؛ لعدم معرفتها بدلالة هذا اللفظ، وطلبت تفسيراً
لمعناه من الجهات التي أعدت وثيقة المؤتمر، ولم تكن هناك إجابة واضحة في ذلك
الوقت. إلا أنه اتضح فيما بعد أن «الجندر» (Gender) يعني «النوع» ،
وهو بديل عن كلمة (Sex) التي تشير إلى الذكر والأنثى. وهذا التحريف في
اللغة والمفهوم؛ يهدف إلى تمرير ما أسمته مؤتمرات الأمم المتحدة «التنوع
الجنسي» أو «المثلية الجنسية» الذي يعني الاتصال الجنسي بين رجلين
(ويسمى الاتصال المثلي) وهو اللواط، أو بين امرأتين (السحاق) ، أو بين رجل
وامرأة (الاتصال الفطري) ، ذلك أن كلمة «sex» لا تشمل هذه المعاني كلها.
وقد كانت هناك جهود حثيثة إلى نشر مفهوم «الجندر» في الدول العربية
من قِبَل المنظمات والحركات النسائية الغربية، بمساعدة من اللجان والمنظمات
النسائية العربية، عن طريق ورش وحلقات نقاش تعقد بين حين وآخر قي بعض
البلاد العربية؛ وذلك من باب إدماج الشواذ جنسياً في المجتمع، وعدم اعتبارهم
منبوذين كما نصت على ذلك المؤتمرات الدولية.
ومن ذلك ما عقد في دولة «قطر» ، فقد أقيمت ورشة عمل بعنوان [33]
«مأسسة النوع الاجتماعي في المؤسسات» ، والتي نظمتها «الاستراتيجية
الوطنية لتقدم المرأة» ، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة
«اليونيفيم» في معهد التنمية الإدارية. في إطار فعاليات الاستراتيجية الوطنية
«لتقدم المرأة» التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة.
تهدف هذه الورشة التي حاضرت فيها (خبيرة تدريب في اليونيفيم) إلى
تعريف المشاركين والمشاركات بآليات دمج مفهوم «الجندر» في المستويات كافة
داخل الوزارات والمؤسسات المختلفة بإطارها النظري والعملي، وتعريف
«المأسسة» والعمليات المرتبطة بها، وتقديم بعض الأدوات التحليلية المختلفة
التي تصف الوضع الراهن في المؤسسات، وتحديد أساليب وآليات دمج مفهوم
«الجندر» في المؤسسات، وتحديد الخطوات اللازمة لدمج مفهوم الجندر في
المؤسسات على كل المستويات، ومناقشة بعض المعوقات التي من الممكن أن
تواجه عملية دمج مفهوم الجندر في المؤسسات وكيفية التعامل معها.
شارك في هذه الورشة جهات مختلفة في «قطر» ، كالمجلس الأعلى لشؤون
الأسرة، ووزارة التربية، والتعليم، والداخلية، وشؤون الخدمة المدنية،
والإسكان، والصحة العامة، والعدل، والخارجية، والأوقاف، والمجلس الأعلى
للبيئة والمحميات الطبيعية، ودار تنمية الأسرة، وقطر للبترول، ومؤسسة حمد
الطبية، وجمعية مرضى السكري، وجمعية الهلال الأحمر القطري، وجامعة
قطر، والجمعية القطرية لمكافحة السرطان.
كما أقيمت في «اليمن» حلقة نقاش حول الأمر ذاته، فقد نظمت «اللجنة
الوطنية للمرأة اليمنية» حلقة نقاش حول «بناء القدرات من منظور النوع
الاجتماعي» بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان [34] .
وركزت الحلقة التي استمرت يومين في العاصمة «صنعاء» على عديد من
القضايا المتعلقة بأوضاع المرأة بشكل عام في المجالات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية وما تقوم به من دور فعال في تنمية المجتمع.
وناقش المشاركون من الجهات المانحة ومنظمات المجتمع المدني، مفهوم
التخطيط الاستراتيجي التنموي، وأهمية إشراك المرأة في التخطيط، وكذا إدماج
النوع الاجتماعي في التنمية، وتقليص الفجوة بين الجنسين، إضافة إلى تحديد
الاحتياجات الخاصة بالنساء، ودور التنمويين بتوعية المجتمع بالأدوار الفعالة
للمرأة، وتحديد المشكلات التي تعوق وصولها إلى مواقع العمل، ومواقع صناعة
القرار وإدماجها في عملية التنمية.
وأوضحت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان أهمية حلقة النقاش التي تدخل
في إطار منهجية عمل علمية وعملية من أجل دمج النوع الاجتماعي في عملية
التخطيط التنموي.
وأشارت الخبيرة إلى تجربة اليمن في إطار الخطط التنموية لدمج المرأة.
وقالت: «إن الحكومة واللجنة الوطنية للمرأة والمنظمات الأخرى المعنية بصدد
المباشرة في إعداد خطط جديدة في هذا الاتجاه» .
ب - مفهوم الصحة الإنجابية:
وهو مفهوم يشتمل على حق وباطل، فمما تشمله «الصحة الإنجابية» :
الأمومة الآمنة، وكل ما يتعلق بصحة المرأة من حيث التغذية الصحيحة للحامل
والولادة والنفاس، وكذلك الإرضاع الطبيعي، وصحة المرضع.. إلخ. فهذه
الأمور حق لا جدال فيها، والإسلام يدعو إلى ما فيه صحة وسلامة الإنسان وبدنه.
أما الأمور الباطلة التي يشتمل عليها هذا المفهوم فهي: التنفير من الزواج
المبكر، والحد من الإنجاب، وتناول حبوب منع الحمل للمراهقات، وإباحة
الإجهاض.. إلخ. وهذه القضايا دعت إليها مؤتمرات الأمم المتحدة حول المرأة
والسكان والتنمية الاجتماعية، وتعتبرها الوسيلة الرئيسة للنهوض بالمرأة!! .
وفي الوقت الذي تُحذَّر فيه نساء العالم العربي والإسلامي مثلاً من الزواج
المبكر، وتدعى إلى تحديد النسل؛ نجد ميزانيات دعم إنجاب الأطفال والتشجيع
عليه في الدول الغربية تعادل عشرات أضعاف ميزانيات ما يوصف بالمساعدات
الإنمائية.
فالمنظمة الدولية لرعاية الطفولة (يونيسيف) مثلاً اختارت قضية «الزواج
المبكر» للتركيز عليها في يوم المرأة العالمي، داعية إلى مكافحته عالمياً [35] ، مع
ذكر أمثلة من النيبال وبنجلادش وسواها؛ دون أن تتعرّض إلى حقيقة ما تقول به
الدراسات الطبية، من أن الإنجاب في سن مبكرة، هو الكفيل بإذن الله برعاية
أسرية أفضل للطفل، أو أن المرأة التي تنجب الأطفال بعد بلوغها الثلاثين عامًا،
أشدّ عرضة أثناء الحمل والوضع للمشكلات الصحية والنفسانية والاجتماعية.
كذلك لم تتعرّض منظمة رعاية الطفولة لانحسار ظاهرة الزواج المبكر في
الدول الغربية، والتي أدت مع أسباب أخرى إلى انحسار ظاهرة الزواج نفسها في
نهاية المطاف، وإلى انتشار العلاقات الجنسية دون زواج على أوسع نطاق؛ مما
هبط بنسبة الزواج إلى نصف ما كانت عليه قبل ثلاثين عاماً، ورفع نسبة الطلاق
من تلك الزيجات المحدودة العدد من حوالي 30 إلى ما يناهز 50 في المائة حالياً.
كما أنه كانت هناك محاولات عديدة لإدخال مفاهيم الصحة الإنجابية إلى
مناهج التعليم في بعض البلاد العربية، وهنا مكمن الخطورة؛ حتى ينشأ الجيل
الجديد من المراهقين والمراهقات على هذه المفاهيم الغربية ويتشربها منذ الصغر،
ومن ثَمَّ تصبح جزءاً من ثقافته.
ومن هذه الدول: الأردن، وسوريا، حيث بيّن مسؤول في وزارة التربية
والتعليم بسوريا [36] ، أنه سيتم تضمين مفهومات «الصحة الإنجابية» و «النوع
الاجتماعي: الجندر» في المناهج.