المسلمون والعالم
ممدوح إسماعيل [*]
في ظل العدوان الأمريكي البريطاني على العراق ارتفعت أصوات عالية
تتحدث عن العروبة والقومية العربية، وأنها سبيل النصر للعراق في ظل محنته
الحالية. وتعالمت تلك الأصوات العالية عن الحقيقة الناصعة والسبيل الوحيد للنصر
ألا وهو التمسك بالإسلام؛ ولعل هذا يدفعنا إلى توضيح حقيقة القومية العربية.
* البداية:
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت أول بوادر ما سمي بالقومية
العربية، وقيل إن الذي انزلق إلى لفت الانتباه إلى العصبية العربية هو الشريف
حسين، ولكن الحقيقة أن الرجل لم يَعِ خطورة هذا الانزالق بخلاف ابنه فيصل
الذي وجد الإنجليز ضالتهم فيه في إرساء هذا التيار؛ لذلك توجه لورانس إليه بدلاً
من أبيه في بحثه عن ذلك الزعيم؛ فهو يقول: (وأخذت طول الطريق أفكر في
سوريا وفي الحج وأتساءل: هل تتغلب القومية ذات يوم على النزعة الدينية؟ وهل
يغلب الاعتقاد الوطني الاعتقاد الديني؟ وبمعنى أوضح: هل تحل المثل العليا
السياسية مكان الوحي والإلهام، وتستبدل سوريا مثلها الأعلى الديني بمثلها الأعلى
الوطني؟ هذا ما كان يجول بخاطري طوال الطريق) ، وقد كوفئ فيصل وعينه
الإنجليز حاكماً للعراق؛ لذلك كان لورانس الضابط الإنجليزي هو مؤسس القومية
العربية التي ما لبث أن حمل لواءها نصارى الشام، وأسسوا كثيراً من الجمعيات
الأدبية والعلمية في دمشق وبيروت والقاهرة.
وهذا يدفعنا إلى التأكيد على أن ظهور القومية العربية لم يكن كما قيل نتيجة
ظهور القومية الطورانية في تركيا، ولكن هذا يؤكد أنه مخطط استعماري لتضيع
الهوية الإسلامية قبل القضاء على الخلافة الإسلامية نهائياً؛ ففي نفس الوقت
ظهرت أيضاً القومية الكردية.
وانطلت الحيلة والمخطط على كثير من أبناء المسلمين المغفلين خاصة الذين
تأثروا بالفكر الغربي الذين آمنوا بالعلمانية وإقامة الرابط القومي بدلاً من رابط الدين
الإسلامي.
كما أراد الغرب أن تكون القومية رابطاً لتكوين أمة بديلاً للدين، وبرزت
أفكار عديدة من أهمها:
1 - وحدة الأصل والعرق.
2 - وحدة اللغة.
3 - وحدة التاريخ.
4 - وحدة الثقافة.
5 - المصالح المشتركة.
ولكنهم لما أرادوا تصدير وإرساء فكرة القومية في البلاد العربية الإسلامية
جعلوا القومية العربية ترتكز على عنصرين اثنين فقط لا غير:
1 - وحدة اللغة:
فبغض النظر عن التدقيق في عناصر القومية الأخرى؛ فكل من يتكلم العربية
فهو عربي، ولو لم تكن أصوله عربية ومن كانت لغة آبائه العربية فهو عربي.
2 - وحدة التاريخ:
يقول ساطع الحصري أحد أهم وأبرز مؤسسي ومفكري القومية العربية: (إن
وحدة التاريخ هي التي تلعب أهم الأدوار في تكوين القرابة المعنوية) .
ويلاحظ أنه لدى تطبيق القوميين العرب عنصر وحدة التاريخ على واقع
الشعوب العربية نجدهم يقفزون عن تاريخ العرب المسلمين؛ لأنه لا يمثل وحدة
تاريخ بين كل العرب مسلميهم، وغير مسلميهم، بل قد يحقدون عليه وهم لا
يعترفون بأنه تاريخ لهم؛ إنما هو تاريخ خصومهم، بل أعدائهم؛ فكيف يكون
عنصراً يربطهم بالأمة العربية؛ فهؤلاء لهم تاريخ خاص بهم غير تاريخ العرب
المسلمين ولو عاشوا بينهم أقلية.
والعجيب أنهم حين يقفزون عن تاريخ العرب المسلمين يسقطون على تاريخ
عصور الجاهلية العربية البائدة والعاربة والمستعربة، ويبرزونه أدبياً وثقافياً على
أنه تاريخ العرب.
أما بعد الإسلام فلا يظهرون إلا ما كان فيه نقائض في التاريخ الإسلامي أو لا
تأثير واضح للإسلام فيه، أو مراحل الضعف، أو ما يتعلق بتاريخ غير المسلمين
وتزيينه؛ لذلك نجدهم في عنصر وحدة التاريخ ينحُّون كل ما هو إسلامي مجيد
ويسلطون الأضواء على غيره.
ولا يهمل مفكرو ومفلسفو القومية العربية العناصر التالية:
أ - وحدة المشاعر والمنازع.
ب - وحدة الآلام والآمال.
ج - وحدة الثقافة.
ولكنهم يجعلونها نتائج طبيعية لوحدة اللغة ووحدة التاريخ.
وفي ذلك يقول ساطع الحصري إمام القومية العربية: (إن أسس الأساس في
تكوين الأمة وبناء القومية هو وحدة اللغة ووحدة التاريخ؛ لأن الوحدة في هذين
الميدانين هي التي تؤدي إلى وحدة المشاعر، وحدة الآلام والآمال ووحدة الثقافة؛
وبكل ذلك تجعل الناس يشعرون بأنهم أمة واحدة متميزة عن الأمم الأخرى. ولكن
لا وحدة الدين ولا وحدة الدولة ولا وحدة الحياة الاقتصادية تدخل بين مقومات الأمة
الأساسية.. كما أن الاشتراك في الرقعة الجغرافية أيضاً لا يمكن أن يعتبر من
مقومات الأمة الأساسية، وإذا أردنا أن نعين عمل كل من اللغة والتاريخ في تكوين
الأمة قلنا: اللغة: تكوِّن روح الأمة وحياتها، والتاريخ: يكوِّن ذاكرة الأمة
وشعورها) .
واستناداً إلى ما سبق فالقومية العربية تجمع كل من يتكلم العربية وينتسب إلى
البلاد العربية مهما كان دينه أو بلده أو مذهبه أو أصله، والعروبة تشمل المصري،
والعراقي، والمغربي المسلم، والمسيحي، والسني، والشيعي، والدرزي،
والنصيري، والكاثوليكي، والأرثوذكسي، والبروتستانتي فهم أبناء العروبة.
وهكذا استطاعت القومية العربية أن تسلب المسلمين العرب أصحاب الدين
الحق والأرض والسيادة، بل والأكثرية العددية من حقهم في السيادة على أرضهم
لصالح الأقليات غير المسلمة التي دافعت عن القومية العربية بكل ما تستطيع، ومع
ذلك لم تتنازل عن عصبياتها الطائفية المضادة للإسلام والمسلمين مرة واحدة،
ووقائع الأحداث في كثير من البلاد العربية تؤكد ذلك في لبنان وسوريا والعراق؛
ليظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن شعار القومية العربية لم يستطع أن يوحد بين أتباع
الأديان المختلفة والمذاهب المتعارضة ليثبت سقوط الفكرة من أساسها؛ لأن عناصر
القومية غير صالحة لتكوين أمة متحدة؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يكون خالياً على
الدوام من مبدأ أو عقيدة يعمل له، ويعطي له ويبذل من أجله، ويستظل بفكره،
وينطلق نحو أهدافه.
* فساد وضعف رابطة اللغة والتاريخ:
فالرابط اللغوي وذكريات التاريخ بطبيعة مكوناتهما لا يشبعان نهمة العقول
حول معرفة كثير من أسرار الحياة والغيب والبعث والنشور والعبادة ولا منهج حياة
مستقيم فيه العدل والخير؛ وأجمع جامع للناس في هذا دين رباني حق تدفعهم للأخذ
به والاجتماع عليه عدالته وكماله، والرغبة بالثواب العظيم، والرهبة من عذاب
أليم أعدهما الرب الخالق منزل الدين.
* الجامعة العربية:
لقد سعى أولئك القوميون إلى تقويض كل اتحاد باسم الإسلام، وأخذوا يبذلون
كل ما لديهم لاتحاد باسم العروبة.. رفضوا فكرة الجامعة الإسلامية في بداية القرن
العشرين، وسعوا إلى الجامعة العربية؛ فماذا صنعت الجامعة العربية التي كانت
أهم الصعاب التي تواجهها الاحتلال اليهودي لفلسطين؟ جعلوا القضية عربية
وأعدوا الجيوش العربية عام 1948م، فكانت النكبة والهزيمة والخسران، وكان
ترسيخ الاحتلال؛ لأنها لم تكن لله ولا جهاداً في سبيل الله، ولا من أجل الإسلام
والمسلمين ولا أرض إسلامية، وقالوا: فلسطين عربية، والصراع العربي
الإسرائيلي، ثم ما لبثوا أن قالوا: القضية الفلسطينية.
لقد حافظوا على الجامعة العربية للمحافظة على الشكل بدون أي مضمون أو
عمل حقيقي؛ لأن الإسلام بعيد عن أساس وأهداف عملهم.
* شعراء القومية العربية:
قال أحدهم:
يا مسلمون ويا نصارى دينكم ... دين العروبة واحد لا اثنان
وقال الآخر:
سلام على كفر يوحد بيننا ... وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم
وقال ثالثهم:
آمنت بالبعث رباً لا شريك له ... وبالعروبة ديناً ما له ثان
* القومية في ثوبها الجديد:
ما قدمناه كشف لثوابت وأسس القومية العربية، ولقد سيطرت القومية العربية
بتلك الأفكار والأسس على المنطقة العربية فترة الخمسينيات، وتمكنت من السيطرة
على بعض نظم الحكم في البلاد العربية، وسيطرت على الإعلام والثقافة لتضمن
التحكم في التوجيه الفكري للشعوب.
وظهر حزب البعث العربي الذي أسسه النصراني ميشيل عفلق القائل في
كتابه: (سبيل البعث) : «إن الأمة العربية تفصح عن نفسها بأشكال متنوعة في
تشريع حمورابي، وتارة في الشعر الجاهلي، وتارة بدين محمد (!!) وأخرى
بعصر المأمون» .
وانقسم حزب البعث إلى شقين: واحد في العراق، وآخر في سوريا، وبينهما
عداوة وصراع وبغضاء لا تنتهي.
وتبنى الرئيس المصري جمال عبد الناصر فكرة القومية العربية وعلا صوته
بها في الستينيات، وكان من نتائج القومية العربية على مصر أن ذهب الجنود
المصريون إلى اليمن لقتال اليمنيين، ثم هزيمة 1967م النكراء، وانقسم القوميون
ما بين الشيوعية والرأسمالية والفوضوية والإباحية، ومنهم من عاد للإسلام، ومنهم
من ظل تائهاً يتخبط.
ولكن في الآونة الأخيرة ونظراً لظهور المد الإسلامي مع بداية السبعينيات
حاول بعض القوميين ارتداء عباءة الإسلام مع القومية العربية كما فعل بداية
الشريف حسين، والبعض ظل على موقفه مع الاعتراف بالتواجد الإسلامي،
والآخر وهم كثيرون ظلوا يناصبون التيار الإسلامي العداء علانية وخفية.
ولكن المشكلة الحقيقية أن بعض الإسلاميين نظراً لظروف سياسية معقدة
يتنازل عن وضوح فكره الإسلامي وعقيدته من أجل العمل السياسي المشترك الذي
ظهر باسم العمل أو اللجان القومية، ولقد ظهر ذلك بوضوح في مواجهة الاحتلال
اليهودي لفلسطين وانتفاضة الأقصى، والعدوان الأمريكي البريطاني على العراق.
فلقد انبرى القوميون ليعلو صوتهم في الأمرين في شتى المحافل ليظهر على
السطح العمل القومي الذي لا يتميز فيه الإسلاميون بفكرهم في تجمع يجمع اليساري
الشيوعي العلماني القومي النصراني والناصري؛ والإسلامي مطلوب منه أن ينسجم
في تلك البوتقة بدون تمييز ولو حتى بشعار ملفت للنظر لنجد من يخرج من الأزهر
الشريف يهتف: يحيا الهلال مع الصليب في مظاهرات تندد بالعدوان على العراق.
ولقد خفف القوميون خطابهم المعادي للإسلام تحت ضغط ارتفاع المد
الإسلامي في شتى بقاع الأراضي العربية، ولكنهم استطاعوا أن ينفذوا ببعض
المصطلحات على الساحة الإعلامية مثل: العدو الأجنبي، وأعداء العروبة،
وشهداء الوطن، والمؤتمر القومي الإسلامي.
* موقف الإسلام والعصبية للقومية العربية:
لقد قاوم الإسلام العصبية القومية ورفضها واعتبرها نزعة جاهلية منتنة،
وأقام بين المسلمين الأخوة الإيمانية الإسلامية.
فالحق تبارك وتعالى يقول في كتابه الكريم: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] (الحجرات: 10) .
فعقد الله بهذه الآية الأخوة بين كل المؤمنين دون استثناء منهم أخوة برابطة
وحدة الإيمان بالله الواحد الأحد وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
فالمسلمون في الصين أخوة للمسلمين في المغرب العربي، وكذلك المسلمون
في إفريقيا أخوة للمسلمين في أمريكا.. الكل ارتبط بعضه ببعض بوحدة الإسلام
التي أوجبت عليهم حقوقاً لبعضهم على الآخر.
فقد روى البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» [1] .
فالمسلم في ماليزيا يألم لمصاب إخوته في فلسطين، والمسلم في إفريقيا يحزن
لما أصاب إخوانه في العراق.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف يوم الفتح
على راحلته يستلم الأركان بمجحفة: فلما خرج ولم يجد مناخاً تنزل على أيدي
الرجال فخطبهم، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «الحمد لله الذي أذهب عنكم
عصبية الجاهلية وتكبرها بآبائها. الناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر
شقي هين على الله؛ والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب. قال الله: [يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] (الحجرات: 13) ، ثم قال:» أقول قولي هذا
واستغفر الله لي ولكم « [2] .
* وفي خطبة الوداع:
عن جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط
أيام التشريق خطبة الوداع فقال:» يا أيها الناس! ألا إن ربكم واحد، ألا إن أباكم
واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على
أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. إن أكرمكم عند الله أتقاكم؛ ألا هل بلغت؟
قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فليبلغ الشاهد الغائب « [3] فالإسلام بكل وضوح
يرفض التعصب للانتماء إلى جنس أو لون؛ فلا تاريخ ولا جغرافية ولا لغة ولا
جنس ولا لون.
فبلال الحبشي مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم، وسلمان الفارسي قال
عنه صلى الله عليه وسلم:» سلمان منا آل البيت « [4] .
والبخاري والترمذي أئمة الحديث، وطارق بن زياد قائد لجيوش المسلمين.
* العراق ما كان لينتصر إلا بالإسلام:
لقد فرضت الحرب على العراق جدية الاهتمام بالبحث عن أسباب النصر،
وبعدما قدمنا عن القومية العربية ونشأتها وأفكارها يتضح لنا كم هي مناقضة ومعادية
للإسلام.
ولقد بسط الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - الحديث عن ذلك في كتابه:
(نقد القومية العربية) ولكننا إزاء ما حدث في العراق ينبغي أن نتوقف عند عدة
نقاط هامة وحيوية:
أولاً: العراق كنظام وحكومة تدين بالقومية العربية وبأفكار ميشيل عفلق
مؤسس حزب البعث.
ثانياً: الشعب العراقي ينقسم إلى شيعة وسنة، وأكراد.
أهل السنة في الأصل بعضهم ينتمي إلى أحزاب علمانية ويسارية موالية
للكفار أعداء الإسلام من الأمريكان، وأهل السنة مثل جماعة أنصار الإسلام أو
الجماعة الإسلامية وعوام الأكراد.
أما الشيعة فهم يسيطرون على مناطق النجف، وكربلاء. ومعلوم فساد
عقيدتهم وبدعتهم، غير أنهم موالون لنظام الحكم في إيران.
وبالنظر لأهل السنة في العراق لا يخفى سيطرة الأفكار البعثية على البعض،
والآخر يسيطر عليه شرك القبور وهو شر مستطير منتشر في العراق، ولا يخلو
العراق من أقلية من النصارى، وأيضاً فيه قلة من الصابئة، ولكن الإسلام هو دين
أغلبية الشعب العراقي.
والنظام العراقي كم حارب التوجهات الإسلامية الداعية إلى الالتزام بشريعة
الإسلام والأخلاق والفضائل، وكان نتيجة ابتعاد الدعاة المخلصين عن توعية
الشعب أن انتشرت المنكرات والكبائر والمعاصي؛ غير أن كثيراً من الشعب اكتوى
بنار الظلم والاستبداد، ورغم أن الحكومة العراقية عدلت من خطابها السياسي،
وأضافت إليه بعض العبارات الإسلامية والاستدلال بآيات القرآن والإفراج عن كل
المسجونين قبل سقوطها إلا أن العقيدة البعثية القومية ظلت هي المسيطرة.
هذه نظرة سريعة لشكل العراق من الداخل كجبهة أمام جبهة الكفر الصليبي
الحاقد التي استعدت لتلك الحرب بكل الإمكانيات المتاحة لها من أرقى أنواع الأسلحة
المتنوعة في زيادة القوة التدميرية غير تعبئة الأفراد والتمويل المالي؛ يضاف إلى
ذلك السيطرة العسكرية على المناطق المحيطة بالعراق فضلاً عن وضوح الهدف
الذي أعلنته الإدارة الأمريكية عقب أحداث 11 سبتمبر أنها حرب صليبية بدأت
بأفغانستان المسلمة وهو عنوان لم يضعه المسلمون لتلك الحرب، بل تتحمل تبعته
الإدارة الأمريكية؛ وذلك بأسلوبها المعادي لكل نشاط إسلامي على مستوى العالم،
وملاحقتها بكافة السبل الجماعات الإسلامية المجاهدة في كشمير، والشيشان،
وفلسطين المقطوعة الصلة تماماً بأحداث 11 سبتمبر، وكان اختيار العراق هدفاً
للحرب ليس من أجل إسقاط نظام استبدادي، ولا من أجل أسلحة الدمار الشامل أو
البترول فقط، ولكن العراق كان هدفاً لما يمثله من تاريخ إسلامي وعاصمة للخلافة
في أزهى عصور الخلافة الإسلامية، والعراق كان هدفاً؛ لأنها في تقدير الإدارة
الأمريكية هدف ضعيف يسهل التغلب عليه بأقل الخسائر لما يلي:
1 - الخلافات والانقسامات الموجودة داخل العراق: سنة، وشيعة، أكراد.
2 - الاعتماد على ظلم النظام للشعب مما جعلهم يتوقعون أن يتعاون مع
القوات الغازية تحت زعم التخلص من الاستبداد.
3 - كثرة الحروب التي خاضها النظام العراقي أضعفت قدراته العسكرية.
4 - طول مدة الحصار الاقتصادي الذي أنهك العراق في كل النواحي، وأثر
تأثيراً بالغاً على قدراته العسكرية.
كل ذلك يجعل العراق هدفاً سهلاً يسهل على أمريكا أن تجعل منه نموذجاً في
التغريب الأمريكي وإقامة نظام حكم موالٍ للأمريكان يعمل على مسح هوية الشعب
تماماً، وتغريب أفكاره ومبادئه، وتنحية الفهم الإسلامي الصحيح عن الحياة تماماً،
ثم يتجهون بعد ذلك إلى بلد عربي آخر.