مجله البيان (صفحة 4567)

المسلمون والعالم

العمل الخيري والعراق

د. محمد عبد الله السلومي

بدأت الحرب العسكرية.. كما أن الحرب الإعلامية والنفسية على العراق

وبعض الدول المجاورة قائمة ومستمرة؛ وعلى رأسها إيران، والسعودية،

ومصر، ولبنان، وسوريا، وهي تزداد يوماً بعد يوم، هذه الحرب العسكرية على

العراق، بدأت لتحقق أهدافها من العراق، كما تحقق الأهداف نفسها من دول

الجوار بحرب من نوع آخر، كما قال صانعو السياسة الأمريكية وبعض مفكريها،

ومنها حرب المسجد والمدرسة والمناهج، وإلى ذلك أشار الكاتب الأمريكي

(فريدمان) حيث يسميها حرب (الإيديولوجيا) ، ولا شك أن أمريكا وفق استراتيجية

اليمين المتطرف فيها، والمتمكن من سياستها مع القوى الصهيونية المسيطرة

خاضت هذه الحرب العسكرية لتحقيق أهدافها التي يجمع بينها تحقيق الأمن

الإسرائيلي، وتأمين المصالح الأمريكية الاقتصادية المنهارة، والتي تحقق من

خلالها السيطرة العالمية حتى على أوروبا الموحدة، وإن كانت هذه الحرب

العسكرية تعتبر من الانتحار كسابقتها في أفغانستان، كما أن العراق أو رئيسه أو

سلاحه ما هي جميعاً إلا غطاء، ويصدق فيها أنها (قميص عثمان) .

لقد عبر المحافظون الجدد عن هذه الرؤى في مواضع مختلفة؛ من أهمها

مشروع القرن الأمريكي الجديد، (org.century american new.www)

الذي أسس عام 1997م للبحث في سبل دعم القيادة الأمريكية للعالم، ورؤيتهم

لمنطقة الشرق الأوسط، والسياسة الأمريكية التي تقوم على حماية أمن وسلامة

دولة (إسرائيل) ؛ عن طريق تدخل أمريكي كبير لإعادة رسم خريطة القوى في

المنطقة [1] .

وقد أشار الكاتب البريطاني ميلان ري (Rai Milan) في كتاب له صدر

حديثاً بعنوان خطة حرب العراق Iraq Plan War إلى العلاقة الوثيقة بين أزمة

العراق وأمن (إسرائيل) ، وأنها علاقة متلازمة أوضحتها العلاقة الوثيقة بين لجنة

مراقبة أسلحة الدمار الشامل للعراق (يونسكوم) و (إسرائيل) ، خاصة في

السنوات ما بين 1994م 1997م [2] .

وتأتي أهمية العمل الخيري في العراق من أن هذ الأزمة والله أعلم بوابة

جديدة لأزمات تتلازم معها أو تتبعها، فلا بد أن يكون العمل الخيري ومؤسساته

على مستوى المرحلة ومتطلباتها؛ بوضع خطط واستراتيجيات بعيدة المدى،

ومجالس تنسيقية لجميع جوانب العمل الخيري، وليس في جانب الإغاثة والعلاج

فحسب؛ وإنما في جوانب المعركة الأخرى المعلنة التي تستهدف تغيير مفاهيم

العقيدة والدين؛ من خلال عولمة القيم الأمريكية، وتغيير المناهج والثقافات داخل

العراق، وفي جميع الدول المجاورة لـ (إسرائيل) ؛ والعمل الخيري بمفهومه

الشمولي يجب أن يستمر ويتضاعف في فترات الحرب العسكرية وبعدها؛ لأن ذلك

من متطلبات المرحلة التي تركز على تفريغ قوة الأمة العربية والإسلامية من

مصادر قوتها الدينية والعلمية والعسكرية.

* لماذا العمل الخيري في العراق؟

1 - لأن العراق قد عاش حربين طاحنتين عرفتا بحرب الخليج الأولى

والثانية، مع حصار حكومي في جوانب الدعوة والتعليم؛ بقيت آثاره تتطلب

مضاعفة مجهودات العمل الخيري، وقد أدركت الحكومة العراقية أخيراً أن رصيدها

وقوتها بالانفتاح والاستثمار لمصادر القوة الحقيقية (الدعوة الإسلامية) للمرحلة

المستقبلية، ثم عاشت حصاراً ظالماً تجاوز اثني عشر عاماً، فُقد فيه أكثر من

(نصف مليون) طفل نتيجة سوء التغذية وعدم توفر العلاج، إضافة إلى أن العراق

قد فقد بشكل جماعي أكثر من (مليون ونصف المليون) من البشر أثناء تلك

الحرب الثانية وما تلاها؛ حسب إحصائيات منظمات الأمم المتحدة.

2 - لأن الحرب على العراق لا تخرح عن دائرة تأثير اليمين المتطرف

وقوى الضغط اليهودي لصالح (إسرائيل) ، وتحقيق مطامعها وأمنها. كما أن

الحرب تعمل على تحقيق مصالح سياسية واقتصادية متعددة، وقد أصبحت لدى تلك

القوى ضرورة دينية وأخلاقية لتحديث الخرائط السياسية، والسيطرة على مصادر

رئيسة عالمية في الاقتصاد داخل العراق وخارجه، وهذا هدف رئيس تسعى إلى

تحقيقه الإدارة الأمريكية بأي شكل من أشكال السيطرة. ومن أجل هذا وذاك؛ فإن

الشعوب الغربية التي تقوم بمظاهرات الاحتجاج ضد الحرب على العراق تدرك

أخطار الحرب، وإمكانية توسعها وامتدادها. وهذا يتطلب مقابلة الإيمان بالإيمان،

والاستراتيجيات بمثلها؛ ولو على مستوى مؤسسات العمل الخيري.

3 - لأن المستهدف الشعب العراقي وعلماؤه المتميزون بقدرات التصنيع

والتطوير، والعراق قد لا يمتلك السلاح المعني ولكنه يمتلك القدرة على تجاوز

الأزمات، وعلى العمل والإنتاج في تطوير القدرات العسكرية والمهارات الحربية،

وهذا يهدد الأمن والسلام لـ (إسرائيل) والمصالح الأمريكية في المنطقة، ولهذا

الشعب حقوق قديمة وجديدة على مؤسسات العمل الخيري.

4 - لأن الحرب الأمريكية في العراق يصاحبها تحضير لحرب إبادة الشعب

الفلسطيني في فلسطين، وترحيل البقية الباقية منهم قسراً إلى الأراضي العراقية؛

مما يسمى (الترانسفير) ؛ حسب ما تشير إليه بعض الدراسات والتحليلات

السياسية الأجنبية، وسوف تتضاعف المسؤوليات على العمل الخيري ومؤسساته

حينئذٍ.

5 - لأن الحرب الصليبية التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي جورج دبليو

بوش تعتبر العراق بداية لحروب أشمل، والمبررات جاهزة؛ فالشرعية الدولية

التي حصلت عليها أمريكا سابقاً لحماية الأقليات في العراق وتجاوزت عقداً من

الزمن؛ هي نفسها جاهزة لتطبيقها على الدول المجاورة، وما عليها إلا أن تفتعل

شيئاً من الأزمات في داخل تلك البلدان.

علماً أن الحرب الصليبية الجديدة، والتي أعلنها الرئيس (جورج دبليو

بوش) ، وكما تحدث عنها الكاتب الأمريكي (فريدمان) قد لا تعني الحرب

العكسرية، بل تعني ما هو أشمل؛ حيث حرب الدين والثقافة؛ بحرب المسجد

والمناهج، كما صرح بذلك الكاتب المذكور، وغيره من السياسيين، ورجال الفكر

والإعلام في أمريكا.

كما أن الحرب العسكرية مع أمريكا أو غيرها في عصر فنون الحرب

المتنوعة تعتبر بحق من أوضح أنواع الحروب التي يمكن التعامل معها بنفس القدر

من الوضوح؛ حيث تسقط فيها الأقنعة والشعارات الزائفة، ويتم التعامل معها بنفس

لغتها، لغة القوة في الدفاع أو الهجوم، والأمة العربية الإسلامية تعيش فتنة القوة أو

(الحرب الناعمة) وهي أشد من القتل، ولم تتنفس الصعداء من أنواع الحروب

النفسية والدينية والثقافية والاقتصادية، وذلك منذ سقوط الدولة العثمانية.

والحرب العسكرية لا تعدو أن تكون الحلقة الأخيرة والمكشوفة، وقد قال

تعالى: [وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ] (البقرة: 191) ، كما قال تعالى: [وَالْفِتْنَةُ

أَكْبَرُ مِنَ القَتْل] (البقرة: 217) ، وقال تعالى: [وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ

أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ] (يوسف: 21) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015