المسلمون والعالم
صور من تجاوزات المنظمات الإنسانية الدولية
د. محمد بن عبد الله السلومي
* السائحون على الكوارث [1] :
تقوم المنظمات العالمية المعنية بالعمل داخل بلادها أو خارجها بأعمال إنسانية
جيدة في مجالات الإغاثة والإسعاف والجوانب الصحية. ولا شك أن لبعضها آثاراً
إيجابية في مناطق الاحتياج وأماكن الكوارث والأزمات. ومن المعلوم أن معظم
المنظمات العالمية إن لم يكن كلها تحتفظ بأهداف خاصة غير الأهداف المعلنة، وقد
تعمل بهما معاً.
إن المشكلة التي تواجه تلك المؤسسات هي ما يتعلق بتنفيذ الأهداف الخفية؛
لأن معظم مناطق الأزمات والكوارث ومواقع اللاجئين تعتبر في البلاد الإسلامية أو
مناطق للأقليات المسلمة؛ حيث تشكل حوالي 70% من عموم مناطق الاحتياج في
العالم. وتتعمد الكثير من المنظمات العمل المنظم والقوي لتغيير الأديان والثقافات؛
وهذا يتعارض مع النظام الدولي المعلن والقوانين المنظمة لأعمال المؤسسات
والمنظمات الإنسانية.
من هنا تبرز ضرورة إيراد بعض الصور الموجزة عن الأيدي البيضاء هل
هي بريئة دوماً؟ وذلك كما تساءلت مجلة الأوروبية - كما سيأتي - التي رصدت
بعض هذه الصور نقلاً عن بعض الخبراء الألمان وغيرهم.
كما أن صاحب كتاب (سادة الفقر) (غراهام هانكوك) قد كشف من خلال
خبرته وعمله بجوار بعض الهيئات والمنظمات الدولية الشيء الكثير؛ حيث وصف
هذا الباحث الذي عمل مراسلاً لصحيفة (الإيكونومست) الاقتصادية اللندنية في
شرق أفريقيا، ومحرراً (لجريدة الدولي الجديد) الإنجليزية، ومحرراً لمجلة
(المرشد لأفريقيا) كما عمل في عدد من البلدان النامية مما أتاح له فرص مراقبة
أنشطة وكالات الغوث عن كثب، وفي ظروف مختلفة وأحوال عديدة، ورغم أنه
نال جائزة على جهوده في مجاعة إثيوبيا عام 1984/ 1985م؛ إلا أنه أبصر
حقيقة هذه الوكالات وأعمالها وسلوك كثير من كبار العاملين، ويعتبر هذا الكتاب
أول كتاب يأتي موثقاً وعارضاً لحقائق صناعة العون والإغاثة التي كانت في أوائل
التسعينيات تصرف ما لا يقل عن (60) مليار دولار سنوياً [2] من البلدان الغنية
إلى البلدان الفقيرة.
وإنه لمن المناسب حقاً إيراد نماذج من تجاوزات بعض المنظمات الإنسانية
التي حدثت، والتي لا تقل خطورة في ذاتها أو أعمالها وآثارها المباشرة وغير
المباشرة عن أخطاء قد تكون حدثت من قبل بعض فروع أو أحد منسوبي المؤسسات
الخيرية الإسلامية، ومع ذلك لم يكن التشهير، أو المصادرة والإغلاق من نصيبها.
إن ما تقوم به بعض المنظمات الإنسانية الدولية في داخل أمريكا أو في أنحاء
متفرقة من العالم، ولا سيما في مواقع الأزمات والحروب والصراعات يعتبر من
المخجل حقاً أنْ يقع من مؤسسات معنيةٍ بالدرجة الأولى بحقوق الإنسان، ومن ذلك
على سبيل المثال:
1 - مليار دولار من التبرعات لتغطية فضائح القسس الجنسية في أمريكا.
2 - استغلال الإغاثة في تغيير الدين والثقافة.
3 - توزيع الأطعمة والأدوية الفاسدة.
4 - الفساد الإداري والمالي وقصص استغلال الضرائب.
5 - الجنس مقابل الغذاء.
1 - مليار دولار من التبرعات لتغطية فضائح القسس الجنسية في أمريكا في عام
2002م:
استدعى البابا (يوحنا بولس الثاني) كبار رجال كنيسة الروم الكاثوليك في
الولايات المتحدة إلى الفاتيكان في روما، لبحث ما تكشّف أخيراً من ضلوع بعض
القساوسة الأمريكيين في فضائح جنسية هزت بشدة صورة الكنيسة هناك. وقال
الفاتيكان: إن الاجتماع مع الكرادلة الأمريكيين ربما يُعقد في وقت لاحق.
ويخضع أسقفا (نيويورك) و (بوسطن) ؛ صاحبا أكبر منصبين في الكنيسة
الأمريكية لضغوط كبيرة من أجل تقديم استقالتيهما لما يقال عن ضلوعهما في
محاولة للتستر على تورُّط بعض القساوسة في فضائح جنسية، كما اتُّهم أسقف
ميلووكي بحجب معلومات عن فضائح جنسية مماثلة.
ويواجه بعض رجالات كنيسة الروم الكاثوليك في عدة دول اتهامات مماثلة
بالضلوع في فضائح جنسية، وكان البابا قد ندد علناً الشهر الماضي لأول مرة
بالقساوسة المتهمين.
* مصداقية الكنيسة:
واتُّهم كذلك رئيس أساقفة (بوسطن) الكاردينال (برنارد لو) البالغ من
العمر 70 عاماً، بأنه كان على علم بأن عدداً من القساوسة في أبرشيته يتحرشون
بالأطفال جنسياً بشكل مستمر، ولكنه لم يقم بتأديبهم بل اكتفى بنقلهم إلى أبرشية
أخرى، حيث زادوا من ممارساتهم على ضحايا جدد. وهناك فضائح مماثلة في كل
من (سانت لويس) و (فلوريدا) و (كاليفورنيا) و (فيلادلفيا) و (ديترويت) .
وقال مراسل الـ «بي. بي. سي» : إن المشكلة أثرت على مصداقية
الكنيسة، ومن الواضح أن الفاتيكان يريد أن يتخذ الخطوات اللازمة.
ولم يحضر الكاردينال القداس الأخير في الشهر الماضي في كاتدرائيته لتجمع
عدد من المحتجين خارجها هو الأمر الذي أعاق المراسم.
* انتقادات شديدة:
ويواجه نحو (3000) من القساوسة اتهامات بالتحرش الجنسي بالأطفال،
وقد وجهت انتقادات شديدة للكاردينال لعدم معاقبة القس السابق في (بوسطن) ،
(جون جيوجان) الذي يعتقد بأنه تحرش بنحو (100) مائة شخص خلال عشرين
عاماً، بل اكتفى بنقله إلى أبرشية أخرى.
وقد كلفت هذه الفضائح الكنسية مبالغ طائلة وصلت إلى (مليار دولار) ،
حيث اضطرت لعقد تسوية خارج المحكمة في عدد من القضايا، وذكر أن عدداً من
الأبرشيات قد أفلست تماماً بسبب الفضائح [3] !!
2 - استغلال الإغاثة في تغيير الدين والثقافة:
تعمد بعض المنظمات غير الحكومية انتهاج سياسة المنح الدراسية لطلاب
الدول الفقيرة لأهداف سياسية أو ثقافية، وتعتبر منظمة سورس الأمريكية من أقوى
المنظمات في هذا المجال، حتى تعرضت المؤسسة لمشاكل إدارية وسياسية مع
الاتحاد السوفييتي لهذا السبب.
وعند التأمل في سياسة المنح الدراسية والمساعدات الأكاديمية التي ترعاها
حكومات الدول الصناعية، أو المؤسسات غير الحكومية في تلك الدول للطلاب
والأكاديميين من دول العالم الثالث، تبرز ملاحظات دقيقة.
فلا جدال أن الدول النامية والفقيرة حصدت مكاسب من ورائها، ولكن ثمارها
لم تكن جيدة دوماً، فثمة اتهام شائع يلاحق هذه السياسة بأنها أداة للتبعية الثقافية
والغزو الفكري، كما أنها تتحمل جانباً من المسؤولية عن ظاهرة «نزوح الأدمغة»
إلى العالم الصناعي، حيث يجري اصطفاء نخبتهم للعمل في الصوامع العلمية
والتقنية الغربية لقاء حوافز لا يحلمون بها في بلادهم، وهذا ما يسمى (استقطاب
الكفاءات) .
وزيادة على ذلك؛ فإن الدول المقدمة للمنح الدراسية تكون قد وظفت في
الواقع سفراء جيدين لها في بلدان العالم الثالث؛ فهم مؤهلون بشكل مرموق،
وسرعان ما يرتقون إلى قمة الهرم الاجتماعي والسياسي والوظيفي والاقتصادي في
دولهم والمكاسب هنا تكون مركبة.
من جانب آخر تكون هذه الدول الصناعية قد أَثْرت رصيدها المعلوماتي
والبحثي عن العالم الثالث عبر ذلك الكم الهائل من الدراسات والرسائل الأكاديمية
التي تعدها الصفوة العلمية القادمة من ذلك العالم، فترسو في خزائن المعاهد الغربية
لتشكل من ثَمَّ قواعد معلومات، وأرضية أبحاث فائقة الجودة تمكن من فهم هذا العالم
النامي عن كثب، والتعامل معه بالطريقة الأمثل في مسارات المصالح كلها.
وبعيداً عن أشكال المساعدات الحكومية وما يلفها، تجدر مراجعة أنماط
المساعدات التي تقدمها المنظمات غير الحكومية وخاصة أن القطاع غير الحكومي
سلطة لا يستهان بها في عالم اليوم، وعناصر قوة هذه السلطة تتمثل أساساً في
بنيتها التخصصية الكفؤة؛ فهي تغطي كافة المجالات والاهتمامات، وفي قدرتها
التمويلية العالية التي تتمتع بها، وهي مستفيدة من التسهيلات وحرية الحركة القائمة
في البلدان الغربية، وفي امتداداتها العالمية عبر البحار مع اعتبار الغرب مركزاً
للتحرك ومحوراً له.
النظرة السائدة إلى المنظمات غير الحكومية على جانبي الأطلسي ترى فيها
أذرعة ممتدة للعالم الغربي باعتبارها أحد العناصر المشكِّلة لنسيجه العام. فالتي
تعنى منها بشؤون الأسرة أو المرأة أو حقوق الإنسان مثلاً، غالباً ما تروج
للتصورات الغربية الخاصة بهذه القضايا، بل ويعمل بعضها على تكوين دوائر
نخبوية ومؤسسات تابعة في العالم الإسلامي تتبنى النظرة ذاتها، وبذلك تتم العولمة
الثقافية والفكرية، وعولمة القيم التي قد تتعارض مع دين وثقافة البلدان المستهدفة
[4] .
يعتبر تغيير الدين أو التنصير من الأنشطة الملازمة لأي عمل إغاثي في العالم
الثالث عامة أو الدول الفقيرة على وجه الخصوص، وفي ذلك يشير غراهام
هانكوك صاحب كتاب (سادة الفقر) عن جوانب من استغلال الإغاثة لتغيير الأديان
والثقافة بقوله: «لقد كنت كصحفي في إثيوبيا في إحدى الكوارث، لكنَّ الصحفيين
ليسو وحدهم الذين يصطفون للسياحة على الكارثة؛ فهناك الوكالات التطوعية مثل
الفاو، واليونسيف، برنامج الغذاء العالمي، وبجوارهم جميعاً مجلس الكنائس
العالمي؛ وكما يقول المؤلف:» فقد أرسل ممثليه بوجوههم الرمادية يبعثون كميات
مناسبة من الوجوم والوقار والإخلاص للعمل، وحتى الأمين العام للأمم المتحدة قد
وجد لنفسه فرصة ليرى بنفسه كيف يبدو الأطفال الجوعى، وأن تؤخذ له صور
وهو يعمل ذلك «.
ينقل (غراهام هانكوك) عن (نيد أنغستروم) الذي كان رئيساً لمنظمة رؤية
العالم (watch World) قوله:» إننا نحلل أي مشروع أو برنامج نقوم بتنفيذه
للتأكد بأن ذلك البرنامج يمثل الجانب التنصيري (الدعوة) فيه مكوناً مهماً، إننا لا
نستطيع أن نطعم الناس ثم نتركهم يذهبون إلى جهنم «.
ويضيف الكاتب بناء على شهادات عيان لمنظمات إغاثية تعمل مع منظمة
(رؤية العالم) أن العاملين في رؤية العالم عادة ما يستخدمون التهديد بوقف الطعام
لإجبار اللاجئين من السلفادور لحضور القداس البروتستانتي.
ويشير الكاتب إلى أنه أينما اختلط الدين بالعمل الإغاثي فإن تكاليف بشرية
يجب أن تدفع. وكذلك في كثير من الأحيان فإن تصرفات بعض العاملين في هذه
المنظمات تغضب المغاثين، ومن ذلك ما حدث في الصومال عندما أضاعت منظمة
(صلى الله عليه وسلم.I.C) ومنظمة (رؤية العالم) دولارات المانحين بتعيينها لجماعة من
المسيحيين المتطرفين للإشراف على برامجها في معسكرات للاجئين، والتي أقيمت
في أعقاب الحرب على الحدود مع أثيوبيا. فبالإضافة إلى معاداة وإغضاب
المسلمين الذين يعملون في أوساطهم، فقد كان هؤلاء الناس صغار السن وعديمي
التدريب والخبرة [5] .
يستطرد غراهام هانكوك قائلاً: " لقد أحدث (روبرت سميث) أحد العاملين
في منظمة (رؤية العالم) في الصومال ارتباكاً وحيرة وسط متعهدي المواد
والمعدات بتوقيعه لكل المكاتبات التلكسية بعبارة: (بارك الله في روبرت) . كما
أن إحدى الممرضات التي عملت مع منظمة (صلى الله عليه وسلم.I.C) في مشروع بناء مظلات
بمواد مستوردة لم تعامل جيداً بالمبيدات، فانهارت بفعل الأرضة، وقد استقالت
الممرضة؛ لأن المشرفين على المعسكر غير مدربين على مثل هذا النوع من العمل.
ويضيف الكاتب أن بعض العاملين يضع التبشير في مقام أعلى من إدارة
المتطلبات المادية للاجئين، مما أدى إلى وقوع كثير من الأخطاء الفادحة، ومن
ذلك» أن إحدى المنظمات الأمريكية طلبت مبلغ مائة ألف دولار لمؤن ومعدات
للمعسكر، ثم ألغت ذلك عندما اتضح أن الميزانية قد استهلكت بصورة رديئة،
والأسوأ من ذلك أن المسيحيين المنصِّرين المشاركين في إحدى العمليات الصحية
لجهلهم في بعض الجوانب الطبية اختاروا لتوفير النفقات إلغاء العمل الجاري في
المجال الصحي والذي كان متضمناً كل الجرعات المنشطة في المرحلة الثانية لحملة
تطعيم للأطفال، قامت تلك المنظمة بجولاتها الأولى في أحد عشر معسكراً. نتيجة
لذلك أصبح آلاف الأطفال الذين تناولوا الجرعة الأولى أكثر تعرضاً للوبائيات
المميتة مما لو تركوا دون الجرعة الأولى « [6] .
وفي سياق آخر ذكر ستان جوثري Guthrie Stan أن مجموعة من
النصارى العرب المقيمين في الولايات المتحدة قاموا بإنشاء منظمة تسمى (المعونة
الصحية للشرق الأوسط) واختصارها HOMصلى الله عليه وسلم، وتضم هذه المجموعة 60 عضواً
يعملون من خلال مهام طبية قصيرة الأمد في الشرق؛ وذلك من خلال إرسال
المساعدات الطبية إلى المناطق المحتاجة، ولا يقف دورهم عند علاج المرضى
فحسب، بل يعقب الدكتور عصام رعد أحد أفراد المنظمة: واجبنا تجاه أولئك هو
الحد من موت الأفراد على غير النصرانية! [7] .
أياً كان الأمر؛ فبالإضافة إلى ذلك كله فإن بعض هذه المنظمات مسؤولة إلى
حد ما عن تشجيع بروز» نخب معزولة «عن سياقها المجتمعي والتاريخي
والحضاري؛ فهي نخب تنتمي نظرياً فقط إلى مجتمعها وأمتها؛ بينما تستنشق
هواءها، وتستقي غذاءها من بيئات غربية، ويمارس بعضها احتكار الحقيقة، وقد
تعيش في أبراج عاجية بعيداً عن هموم مجتمعها وتحديات أمنها.
ومع ذلك كله لا يجوز وصف هذه المؤسسات بالنعوت السلبية من حيث المبدأ،
ولا على سبيل التعميم أو إغفال جوانبها الإيجابية، ولكننا نلاحظ تجاهل كثير
منها للقيم والخصوصيات الحضارية والثقافية غير الأوروبية أو الأمريكية، ولا
سيما عندما تنشط وتتحرك في عالم الجنوب. مما يوحي باعتبارها التجربة المدنية
الغربية بمثابة المثل الأعلى لما ينبغي أن تكون عليه أمم العالم الأخرى. أو أن هذه
التجربة تمثل قمة الرقي الذي حازته الإنسانية في تاريخها الطويل. وهنا تلتقي هذه
المنظمات مع فرانسيس فوكوياما ونظريته» نهاية التاريخ «بل ومن هذا الوجه فقد
لاحقت هذه الفئة من المنظمات تهمة ممارسة الوصاية على الآخرين [8] ، وفي
حالات عديدة تبرز مرامي بعيدة لتقديم المعونات مثل نشر المعتقد وكسب الأتباع،
وتغيير الخارطة الاجتماعية والعبث بالتناقضات الداخلية للشعوب المستهدفة.
* تنصير المسلمين..
تفتتح أمريكا كليات ومعاهد ومدارس للدعوة وأصول التبشير النصراني في
أراضيها بشكل مستمر، لا للحفاظ على هويتهم الدينية؛ فهذا له مؤسساته وكنائسه
وإعلامه، ولكن الكليات التي تفتتح والمؤتمرات التي تنظم إنما هي متخصصة في
تبديل الأديان واختراق المجتمعات خارج أمريكا. تلك الجمعيات التي يراد لها
الهداية إلى المسيحية!! وهي موجهة للشعوب المسلمة بوسائل قوية وحديثة
ومدروسة، وليعمل الخريجون بعد ذلك في المؤسسات الإغاثية العالمية، أو تحت
غطاء آخر. وعلى سبيل المثال فإن ما تقوم به (جامعة كولمبيا الدولية) بأمريكا
يوضح الدور المتخصص؛ حيث تقوم الجامعة المذكورة بإعداد دروس خاصة في
التنكر والتخفي لتيسير تنصير المسلمين وهو ما تسميه بعض المجلات الأمريكية
(الحرب الصليبية الحذرة) ، وهذا ما نشرته مجلة (الأم جونز) الأمريكية في شهر
يونيو 2002م، وقد وصل عدد المنصرين لهذا الغرض (3000) منصر لتنصير
المسلمين فقط ينتشرون في (50) دولة إسلامية.
ويقول (ديفيد كاشين) أستاذ الدراسات الثقافية في الجامعة المذكورة؛ الذي
يرتدي الملابس الإسلامية ويتواصل مع الذين اعتنقوا النصرانية: (نحن نعتبر
الإسلام هو الجبهة الأخيرة!!) ويقول: (إن المسيح أجَّل عودته طيلة ألفي سنة؛
لأننا لم ننجز المهمة الموكلة إلينا!!) .
كما يقول الدارسون في جامعة كولمبيا من تلاميذ الأستاذ (ريك لون) إن أي
ضرر بسبب عملهم لا يقارن بالهدف الذي يسعون إليه والمتمثل في تقويض الإسلام
قائلين: (إذا لم تتح الفرصة للمسلمين كي يعيشوا تجربة المسيح فسوف يذهبون
إلى الجحيم!!) وذلك رداً على الناقدين لهم بأن أعمالهم التبشيرية تتسبب في
تعطيل توصيل المعونات الإغاثية وتؤجج مشاعر الكراهية تجاه الغربيين.
المنصرون يكثفون جهودهم في كل مكان يستطيعون الوصول إليه من العالم
الإسلامي، وهم يتعلمون منهج (السياقية) ، وخلاصتها أن يضع المنصر نفسه في
سياق المجتمع الذي يخاطبه؛ فيجب عليهم أن يتحولوا إلى مسلمين في مظهرهم
حتى يصلوا إلى مفاتيح قلوب المسلمين؛ فقد يظهرون بأسماء مسلمة ويطلقون
لحاهم ويرتدون الجلابيب، والنساء يرتدين الحجاب، وليس هناك ما يمنع أن يؤدي
المنصرون الصلوات مع المسلمين أو أن يصوموا خلال شهر رمضان. وما أسهل
أن يشاركوا المسلمين في عيدي الأضحى والفطر، فهذا (روبرت تلفرسون) الذي
يعمل مديراً لمنظمة (كير) للإغاثة حينما خدم مع قوات المارينز الأمريكية في
الصومال في بداية التسعينيات، كانت هناك (200) منظمة تعمل من أجل
السيطرة على المجاعة التي هددت ذلك البلد المنغمس في الحرب، يقول: (غير
أن المنصرين تسببوا في تدهور الموقف، وذلك حينما ظهروا في مراكز توزيع
الطعام، وتصرفوا على نحو أقنع الناس بأن عملية الإغاثة من خلال الطعام مرتبطة
بالتنصير؛ حيث أدى ذلك إلى كارثة؛ فقد تزاحم الصوماليون لسرقة الطعام، ثم
أشعلوا النار في الحافلات) [9] .
لقد اجتمع المنصرون في عام 1977م في (بال) بسويسرا بشأن تنصير
العالم، وفي عام 1978م اجتمع المنصرون الأمريكان في ولاية (كلورادوا)
بزعامة (150) منصراً من أشهر المنصرين، وقدموا (40) دراسة حول
الإسلام وعلاقته بالمسيحية، وكان الهدف المعلن هو تنصير المسلمين في العالم،
ورصدوا لذلك ألف مليون (مليار) دولار، وأنشؤوا لذلك معهد (زويمر) لتخريج
المنصرين تخليداً لذكرى أحد المبشرين الكبار الذي كان مقره في (البحرين) في
أوائل القرن العشرين، والذي ترأس مؤتمر المبشرين بالقاهرة في عام 1906م.
وفي عام 1995م عقد اجتماع باسم (مؤتمر المجلس العام لتنصير العالم)
عقده المجلس العام لتنصير العالم sultation on world صلى الله عليه وسلمvangelizatiom)
(Global con قام بدعوة 500 شخصية مختارة، كل منها قادرة على تعبئة
شبكات تنصيرية جديدة، وهي الأخرى بدورها قادرة على تعبئة 10 آلاف شخص
آخر لهم القدرة على تعبئة 200 ألف إرسالية تنصيرية جديدة مع حلول عام
2000م، كما تم اختيار 500 منسق مناطق جغرافية لتنسيق شؤون التنصير،
ودعوة 250 متخصصاً قومياً يعملون في إقامة دراسات تنصيرية دائمة في بلادهم،
ودعوة 550 قساً ملتزماً بتعبئة جماهيره لدعم التنصير المحلي والعالمي، ودعوة
300 متخصص في وضع نماذج مبتكرة لأعمال تنصيرية مشتركة وشبكات تعاون
تنصيرية، ودعوة 300 متخصص في تنصير المدن ومتخصص في إنشاء
الكنائس، ودعوة ما يزيد عن 500 رجل دين متخصص في إقامة المقدسات
الدينية الجماهيرية، ودعوة ما يزيد عن 100 متفرغ ومتخصص في التنصير
الإذاعي، ودعوة 300 زعيم متميز في ترجمة وتوزيع وإنتاج الإعلام التنصيري،
إضافة لدعوة ما يزيد عن 300 زعيم نصراني يعمل في تغذية الجهود الساعية
لإقامة كنائس في بلادهم [10] .
وأخيراً ماذا يعني برنامج المنح الدراسية الذي يتبناه (جورج شورس)
ومؤسسته العملاقة (المجتمع المفتوح) ؟ خاصة في جمهوريات آسيا الوسطى
الإسلامية، وبلاد البلقان الإسلامية، ولا سيما أن المنح لفئات متميزة من المسلمين
وبأعداد كثيرة تصل إلى الآلاف.
3 - توزيع الأطعمة والأدوية الفاسدة:
يقول (غراهام هانكوك) في كتابه: (سادة الفقر) :» إن الغذاء المقدم من
المجموعة الأوروبية كهدية عادة ما تصحبه كثير من الشكاوى من المنتفعين، بناء
على قول عضو البرلمان الأوروبي (ريتشارد بالف) الذي قال: «إنه من غير
المقبول تماماً أن نقوم بتصدير غذاء لا نأكله نحن أنفسنا» ، ويضيف الكاتب: في
«أعقاب انتشار الإشعاع الصادر عن حادث تشرنوبيل في روسيا عام 1986م،
تحولت كميات من الأغذية الملوثة التي تعتبر غير قانونية في أوروبا إلى شحنات
إغاثة؛ فقد تم إغلاق مصنع أغذية في البحر الأحمر بعد أن استخدم دقيقاً إيطالياً من
قمح يوناني ملوث بالإشعاع» . علاوة على ذلك «في عام 1988م، أجبرت
مجموعة من الدول الأفريقية المسحوقة لرفض أغذية من المجموعة الأوروبية؛ لأنه
ثبت أنها ملوثة تلوثاً خطيراً» .
وينقل الكاتب ما قاله (لاري سايمون) المسؤول عن أوكسفام أمريكا: «في
أوقات الكارثة تتدحرج إلينا كل أنواع القاذورات» ؛ حيث قامت إحدى المنظمات
التطوعية الأمريكية الخاصة الغذاء للجوعى بشحن (?) طناً من الأدوية والأغذية
المنقذة للحياة إلى كمبوديا إبان المجاعة الكبرى 1979 - 1980م، فكان الغذاء
قديماً لدرجة أن أصحاب حدائق الحيوان رفضوا إعطاءه لحيواناتهم. كما أن فعالية
الأدوية كانت منتهية قبل خمس عشرة سنة!!
قامت منظمات الإغاثة بشحن (800) حقيبة من أغذية الأطفال الفاسدة إلى
معسكرات اللاجئين في هندوراس؛ كما شحنت (?) ألف طن من الأغذية
الأوروبية إلى مناطق موزمبيق المتأثرة بالمجاعة في أفريقيا، وعند وصول تلك
الشحنة وجد أنها قديمة ومليئة بالحبوب المكسرة والأوساخ والطين وغير صالحة
للاستهلاك. ومثال آخر شحنة من الذرة الشامية (26) ألف طن أرسلت كمساعدة
إلى النيجر تبين بعد فحصها أنها لا يمكن أن تكون مقبولة حتى كغذاء للحيوانات.
في سنة 1982م رفضت جيبوتي التي خربها الجفاف شحنة إغاثة من السوق
الأوروبية (974) ألف طن التي كانت مصممة على فرض شحنتها الغذائية على
الأفريقيين الجائعين بأي طريقة، وأخيراً قبلت زائير الشحنة نفسها بعد عامين في
1984م.
في المغرب أُوقف عام 1983م استخدام (240) طناً من الشحوم لصناعة
الصابون، تبين أن الزيت يحتوي على أربعة أضعاف لأعلى معدل جرثومي
مسموح به، وفي نفس العام أتلفت تونس (354) طناً من زيت شحوم أخرى أكثر
خطورة لاحتوائه على نسبة عالية من البروكسيد ولتلوثه بالديدان. في حين أن
الشحوم الأوروبية التي سمح ببيعها إلى ليبيا وهي دولة بترولية في عام 1986م
وبسعر مخفض (?) بنساً كانت سليمة؛ في صفقة تقدر بسبعة ملايين جنيه
متضمنة (700) طن من لحوم مخفضة السعر [11] .
وقد ذكرت مجلة الأوروبية الصادرة في بريطانيا تقريراً عن بعض هذه
الأخطاء، وأن الدوافع للمساعدات تنعش إمبراطورية العقاقير الدوائية، وأوردت
بعض الإحصائيات، فقالت: وصلت إلى البوسنة والهرسك خلال الحرب الطاحنة
في التسعينيات مساعدات دوائية وطبية يعود تاريخ تصنيعها إلى الحرب العالمية
الثانية؛ حيث تؤكد منظمة أطباء بلا حدود أن 60% من الأدوية التي وصلت إلى
البوسنة والهرسك خلال سنوات الحرب الأخيرة لم تكن صالحة، وحسب بيانات
المنظمة فإن (?) ألف طن منها لم يكن صالحاً أو موافقاً للمعايير العالمية، وأن
المتبرعين بها قد ربحوا (25) مليون دولار هي نفقات التخلص منها في بلادهم.
كما بلغت كلفة إتلاف المساعدات الدوائية غير الصالحة التي وصلت إلى
البوسنة والهرسك خلال سنوات الحرب (1992 - 1996م) قرابة (34) مليون
دولار، بينما كانت قيمة هذه الأدوية الفاسدة في الكشوف الرسمية (?) مليار
دولار حسب تقديرات منظمة أطباء بلا حدود.
منظمة (مشروع الأمل) الأمريكية تبرعت لمتضرري حرب كوسوفا في
ربيع عام 1999م بأدوية قيمتها المعلنة مليون ونصف المليون دولار، وعند فتح
الصناديق في الميدان اكتشفت فرق الإغاثة أنها لم تكن أكثر من مواد تجميل
وأقراص لتخفيف آلام الرأس.
كما تؤكد منظمة الصحة العالمية أن نصف الأدوية التي وصلت إلى متضرري
حرب كوسوفا في عام 1999م على هيئة مساعدات لم تكن صالحة بعد أن انتهت
مدة صلاحيتها أو قاربت على الانتهاء.
إن حملات جمع التبرعات الدوائية التي كانت تجري لصالح البلدان المنكوبة
في العالم الإسلامي، كانت مناسبة انتهزتها بعض الشركات لتخليص مستودعاتها
من العقاقير الدوائية الكاسدة والمتقادمة وغير المجدية [12] .
وفي عام 2002م أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق برنامج الغداء
العالمي التابع لهيئة الأمم المتحدة 12 ألف طن من الذرة المعدّلة وراثياً إلى زامبيا
للتخفيف من آثار المجاعة، وعندما اكتشفت الحكومة الزامبية ذلك رفضت هذه
المساعدات، وقال الرئيس الزامبي: يفضل أن يجوع الزامبيون ولا يأكلوا أطعمة
معدلة وراثياً! [13] .
وبعد أيام قلائل قبلت خمس دول إفريقية هذه المواد الغذائية المعدلة وراثياً
بسبب شدة المجاعة! [14] .
4 - الفساد الإداري والمالي وقصص الضرائب:
إن البيانات التي توردها الهيئات الحكومية في أوروبا عن المساعدات للدول
الفقيرة والنامية تثير الإعجاب للوهلة الأولى، ولكن بعض العارفين ببواطن الأمور
وخلفياتها يثيرون الكثير من الشكوك حول جدوى هذه المساعدات التنموية ومصداقية
القائمين عليها. كما أن الأعمال الإنسانية تزدهر في البلدان الأوروبية بشكل
ملموس، وهناك تنافس كبير وحالة اندفاع لمكافحة الثالوث الفتاك؛ (الفقر،
والجوع، والمرض) ولكن جهود المنظمات غير الحكومية في هذا المضمار
ليست هي الأخرى بمنأى عن النقد الذي يكون لاذعاً أحياناً.
الناقدون لديهم حججهم الجديرة بالاهتمام؛ فإذا كانت المساعدات الحكومية
مقدمة إلى البلدان الفقيرة على هيئة قروض مثلاً، فإن سدادها يتوجب غالباً مع
استيفاء خدمة الدين، أي مع إضافة الفائدة الربوية، وتعتبر هذه القروض متسببة
في تدمير اقتصاديات الكثير من دول العالم الثالث، والتي باتت تكافح وتبذل
خلاصة عائدها السنوي لخدمة الدِّين وحده.
ومن الواضح أن قضية الديون تزداد مع الأيام تفاقماً، مما أدى إلى تعميق
الهوة بين الدول الصناعية الدائنة والدول المستدينة، ويقود الأمر أحياناً إلى خضوع
المستدين للدائن حتى في قراره السياسي والاقتصادي.
وفي كل الأحوال؛ فإن تلك الديون التراكمية تؤدي إلى مشكلات سياسية
واقتصادية واجتماعية، كما أن هناك من يرى أن الهبات المالية وتوفير القروض
وشتى وسائل المساعدات الأخرى بما فيها هبات المنظمات غير الحكومية لا يمكن
فصلها عن السياق السياسي والمصالح الاقتصادية، ومن الجدير بالذكر في هذا
السياق أن كوريا الشمالية التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية منذ
تعرضها لسلسلة من الكوارث الطبيعية والتدهور الاقتصادي منذ عام 1995م قد
اتهمت أمريكا باستغلال المساعدات الإنسانية لتحقيق مآرب سياسية [15] ، بل قد
يكون لهذه المساعدات خلفيات دينية وأيديولوجية وتاريخية.
والتساؤلات المطروحة في هذا المجال معروفة للجميع؛ فهل كانت موسكو
ستحصل على مساعدات هائلة من واشنطن وعواصم أوروبا الغربية كما حدث في
مطلع التسعينيات، لو كان شعار المطرقة والمنجل مرفوعاً فوق الميدان الأحمر؟
وهل كنا سنسمع عن دول مانحة للمساعدات للسلطة الفلسطينية بدون المصافحة
التاريخية بين عرفات ورابين في ساحة البيت الأبيض عام 1993م؟ وهل كانت
كوريا الشمالية ستحصل على شحنات البترول الأمريكية لسد حاجتها من الطاقة إذا
لم توافق على الرقابة على برنامجها النووي لتحقيق التوازن بينها وبين كوريا
الجنوبية الموالية لأمريكا؟ من يطرح تساؤلات كهذه لا بد أن يلاحظ أن «الشرعية
الدولية» تمارس عملية تجويع لشعوب وذرف الدموع على شعوب أخرى.
ويحسن هنا ذكر قول الرئيس الأمريكي السابق جون كنيدي عام 1961م حين
قال: «إن المعونة الأجنبية وسيلة يمكن للولايات المتحدة الأمريكية عن طريقها أن
تثبت مركز النفوذ والسيطرة حول العالم» ، وبعد سبع سنوات أضاف الرئيس
الأمريكي نيكسون قائلاً: «دعونا نتذكر بأن الهدف الرئيسي من المعونة ليس هو
مساعدة الأمم الأخرى، بل مساعدة أنفسنا أيضاً» [16] .
لقد أورد مؤلف كتاب سادة الفقر (غراهام هانكوك) نماذج متعددة عن سوء
استخدام هذه الأموال، وكيف تعود بطريقة أو بأخرى إلى الدول المانحة، أي أن
هذه الدول تأخذ باليمين ما تعطيه باليسار، ومنها على سبيل المثال أن برنامج
(الجوع الأمريكي) تَسلَّم هبات تصل إلى حوالي سبعة ملايين دولار في عام
1985م، لم يصل منها سوى ربع مليون فقط كمعونات لمنظمات تعمل في حقل
الإغاثة في تلك البلدان المنكوبة، وأنفق كل المتبقي في الولايات المتحدة الأمريكية
تحت بنود مثل الدعم العام، وقد وصلت نفقات الهاتف إلى نصف مليون دولار في
السنة، وهناك مئات الأمثلة على ما يحدث من سرقة الأموال باسم الدول المنكوبة
[17] .
* وتؤكد مجلة أوروبية بعض هذه الجوانب قائلة:
ووفقاً لهذا فلا بأس من الإنصات إلى من يؤكدون بأن المساعدات المادية يمكن
أن تكون عرضة للتوظيف السياسي الذي يفقدها براءتها ويجعلها مجرد أداة
استعمارية، وعلى حد تعبير الألمانيين (روبرت مان) و (فرنر بوكات) فإن من
يقف في المعسكر الخطأ أيديولوجياً يتوجب عليه أن يأخذ في الحسبان أن ما سيتلقاه
من مساعدات وتبرعات سيكون أقلَّها، إن لم يكن لا شيء مطلقاً، والخبيران
يشيران هنا إلى ممارسة شائعة في سوق التبرعات الألماني.
إن هذا لا يعني أن الهبات المالية تبذل فقط للأصدقاء، أو كأثمان لمواقف
معينة، وإنما يمكن أن تقدَّم على هيئة حبوب منومة لأمم منكوبة وجائعة، ولشعوب
وقعت ضحية لظلم شاركت المجموعة الدولية في صناعته بقصد منها أو بدون قصد،
ويكفي هنا الإشارة إلى إنشاء الأمم المتحدة لوكالة «غوث اللاجئين الفلسطينيين»
(أونروا) بعد أن اكتملت عمليات تشريدهم القسرية عن بلادهم، أو ملاحظة
التناقض بين تمرير المذابح الصربية البشعة ضد مسلمي البوسنة على مدى سنوات،
وتقديم مساعدات للضحايا البوسنيين كانت مجرد خبز وخيام وعقاقير دوائية
مشكوك في جدواها.
كما أن المساعدات التي قدمتها (الصناعات الدوائية الألمانية) خلال حرب
كوسوفا في 1999م من المخزون الفائض عن احتياجات السوق المحلي أعفتها من
16% من الضرائب المترتبة على أرباحها، كما تؤكد مصادر الصندوق الألماني
للصحة الدوائية.
تقول دراسة صدرت في أغسطس 1999م عن معهد الصحة العامة التابع
لجامعة هارفارد الأمريكية إن نصف المساعدات الأمريكية من الأدوية لكل من
هاييتي وأرمينيا وتنزانيا لم تكن تحتاجها هذه البلدان بالفعل، ولم تكن مدرجة على
قوائم العقاقير المطلوبة. ويبدو أن دوافع التخلص من الضرائب هو السبب.
ومن المسائل الجديرة بالاهتمام أن أي منظمة غير حكومية تحصل على الدعم
اللازم لنشاطها من قواعدها الجماهيرية المتفاعلة معها، ومن المؤسسات الحكومية
أو المنظمات الدولية المعنية بالإضافة إلى قاعدتها الوقفية، ويتم ذلك كله باسم
القضية التي تعنى بها المنظمة، في حين يصعب تحديد ما إذا كانت الأموال
المرصودة لهذه القضايا قد صرفت فعلاً لصالحها بالشكل المطلوب، وكم من
الأموال قد حسمت للنفقات الإدارية الباهظة وتوسيع أملاك المؤسسة، وكم تبقّى
للقضية الجوهرية.
وليس جديداً أن بعض المؤسسات المشتغلة في المجال الإنساني تجني عوائد
مالية عالية جراء إيداع رؤوس الأمول الطائلة المجموعة في الحسابات المصرفية
الخاصة بالمؤسسة، وقد يجري تأخير إنفاق التبرعات المجموعة، طمعاً في
تحصيل الفائدة الربوية العالية التي تعود على المؤسسة، حتى في أحلك الظروف
التي تتطلب سرعة التحرك.
هناك ممارسات سلبية يصعب غض الطرف عنها تقوم بها بعض المنظمات
غير الحكومية خلال تقديمها للمساعدات منها الانتقائية، والتمييز، والاستغلال،
وغير ذلك من التصرفات التي لا تعكس رغبة المتبرع الذي أناب المؤسسة لتقدم
تبرعه للمحتاجين.
قليلاً ما يجري الالتفات إلى التوظيف الاقتصادي النفعي للمساعدات؛
فالسياسات التنموية التي تعتمدها الدول الصناعية يمكنها أن تتماشى مع مصالحها
الذاتية، مثل تعزيز المكانة الدولية وإنعاش التجارة الخارجية، ولهذا لا يستغرب
عندما نجد الفريق الذي يقدم المساعدات الحكومية لدولة فقيرة أو المساعدات غير
الحكومية، وخاصة من المؤسسات الخيرية المرتبطة ببعض رجال المال والأعمال؛
حيث يكون مصحوباً أو متبوعاً بطوابير من رجال الأعمال الذين يتحسسون
السوق ويعقدون الصفقات ويروجون لبضائعهم.
ليست المساعدات الإنسانية هي أفضل المنافذ الاستثمارية التجارية إلى البلدان
المدمَّرة جراء الكوارث والحروب أو الكيانات السياسية الناشئة، وخاصة أن هذه
البلدان هي في واقع الأمر سوق مغرية تحتاج إلى الإعمار أو إعادة الإعمار وهيكلة
البنية التحتية مجدداً، كما تبحث عن موردين ومستثمرين وشركاء وفي ظل أطماع
غزو الأسواق الواعدة يمكن القول إن المساعدة الاقتصادية خير تمهيد للشراكة
التجارية على أساس علاقة «منتج ومستهلك» [18] .
ويضرب غراهام هانكوك مثلاً لاستغلال قوانين الضرائب بقوله: «تسلمت
منظمة (مآب انترناشونال) من شركة (ويتون بالينوس) منحة قدرها (?)
مليون دولار قيمة مُنظِّمات لضربات القلب من هيئة (المستشفى الأمريكي للإمداد)
وبذلك تكون شركة (ويتون بالينوس) قد تخلصت من الضرائب في منطقة عملياتها
التي كان قد تقرر إلغاؤها، علاوة على أن هذه المنظمة سببت مشاكل لدول العالم
الثالث التي استقبلتها، منها قابلية معظم هذه الوحدات لتنظيم ضربات القلب لخسارة
البطاريات وبعض صور سوء الاستخدام الذي يهدد الحياة [19] .
ويلاحظ في هذه العملية أن الشركة التي باعت الأجهزة تخلصت من
الضرائب، كما أن المنظمة أعفيت أيضاً من كل الضرائب الصادرة من دولتها،
وأعفيت من الجمارك والضرائب في الدولة المضيفة لأجهزة لا تصلح.
أما الشركات والمؤسسات الاقتصادية فلها مساعداتها، ولأن هذه الأطراف
تتحرك بدافع الربح والخسارة، وفي مربع السوق والتجارة، فإن نصيبها من
الشكوك كان الأوفر على الإطلاق، إذ لا تزيد أهداف بعض المؤسسات التجارية من
وراء تقديمها المساعدات على أهداف الترويج الدعائي وكسب الأسواق الجديدة
والتخلص من النفايات والبضائع المكدسة والآلات المتقادمة التي تحتاج إلى نفقات
عالية للتخلص منها وأحياناً للتخلص من الضرائب.
كما تهدف هذه الشركات إلى كسب الاهتمام والبقاء في دائرة الضوء وتلميع
الذات، لنجاح العلاقات العامة، وهو تلميع لا بد منه لقبول المؤسسة ومنتجاتها من
قبل الزبائن حول العالم، وهنا تكون المساعدات والتبرعات بوابة العبور.
ومثال ذلك ما تقدم به مؤخراً» بل غيتس Gates رضي الله عنهill «من تبرع سخي
للهند بلغ (100) مليون دولار للأعمال الخيرية في الهند، حيث خصص هذا
التبرع لمكافحة مرض نقص المناعة (الإيدز) .
ولنا أيضاً أن نتساءل كما تساءلت صحيفة الحياة: هل كسب بيل غيتس
حرب الهند من خلال تجارة المعلومات والتجارة الألكترونية؟
لقد بدا» بل غيتس «في زيارته الأخيرة للهند أواخر عام 2002م، وهو
المؤسس الأسطوري لشركة (مايكروسوفت) العملاقة كأنه جنرال كسب معركة
كبيرة.
استطاع» بل غيتس «إقناع مهندسي الكومبيوتر الهنود باستخدام نظام تشغيل
الكومبيوتر» ويندوز «الذي تنتجه شركته، ونجح مؤقتاً في القضاء على خطر
منافسة نظام التشغيل لينوكس (Linux) .
يتميز (لينوكس) بأنه أرخص من ويندوز بمرات عدة، وتتيح شفافيته - أي
أن شفرته مفتوحة - لأي مبرمج أن يصنع به ما يشاء من تطبيقات، وبرامج،
وأدوات معلوماتية، وبالطريقة التي تناسب احتياجاته وظروفه.
لقد استطاع الرجل الأغنى في العالم قيادة حملة دعائية ناجحة، ولا سيما أنه
أعلن أنه سوف تستثمر مؤسسته (400) مليون دولار في الهند [20] .
5 - الجنس مقابل الغذاء في عام 2002م:
ومن صور الأخطاء الفادحة للمنظمات الدولية؛ صورة أخرى تعتبر من
الظواهر التي قل ما يتم الحديث عنها رغم انتشارها في بلدان عديدة، وهذه الصورة
تبرز من خلال ما كتبت عنه بعض الصحف بعنوان: كوفي عنان الأمين العام للأمم
المتحدة يحقق في اتهامات» الجنس مقابل الغذاء «في مخيمات اللاجئين، وهذا
يعتبر من أقذر أنواع الاستغلال والإرهاب البشع، وضحايا هذا الأمر لا تتجاوز
أعمارهن الثالثة عشرة، فقد قالت متحدثة باسم الأمم المتحدة أن الأمين العام للأمم
المتحدة كوفي عنان أمر بالتحقيق بشكل دقيق بقدر المستطاع وفي أسرع وقت ممكن
في شكاوى الاستغلال الجنسي للأطفال في مخيمات اللاجئين التي أقامتها الأمم
المتحدة في بعض دول غرب أفريقيا.
وجاء الأمر الذي أصدره عنان في أعقاب بيان مشترك للمفوض الأعلى
للاجئين ومنظمة (أنقذوا الأطفال) الخيرية البريطانية جاء فيه أن الأطفال ولاجئين
آخرين في غينيا وليبريا وسيراليون شهدوا أن (70) شخصاً من ضمنهم جنود
لحفظ السلام بالأمم المتحدة و (40) منظمة للمساعدات الإنسانية متورطون في
عمليات استغلال جنسي للاجئين في المخيمات.
وجاء في تقرير المنظمتين أيضاً: (إن عدد الاتهامات مع ذلك لا يدع مجالاً
للشك في أن هناك مشكلة خطيرة تتمثل في الاستغلال الجنسي؛ وتطلب مزيداً من
المبادرات والتحقيقات) ، وفي نيويورك قالت المتحدثة باسم الأمم المتحدة ماري
أوكابي: (إن عنان طلب اتخاذ المبادرات الملائمة بهدف تعزيز حماية النساء
والأطفال كلما اقتضت الضرورة ذلك) .
وأوضحت المتحدثة: أن فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة يوجد بالفعل في
المنطقة (للكشف) عن صحة الاتهامات التي ستكون إن ثبتت صحتها أخطر حالة
من حالات استغلال الأطفال يتورط فيها موظفون في وكالات المساعدات الإنسانية
التابعة للأمم المتحدة وعسكريون من قوة حفظ السلام الدولية.
وقالت أيضاً: إن عنان سيتصرف بصرامة مع مرتكبي هذه الجريمة إذا
أسفرت التحقيقات عن وقوعها فعلاً، وجاء في تقرير المنظمتين أنهما تحدثتا مع
(1500) طفلة، وأن شهاداتهن أفادت أن موظفي منظمات المساعدة في بعض
مخيمات للاجئين طلبوا ممارسة الفاحشة معهن مقابل منحهن نقوداً وهدايا وأغذية،
وتتراوح أعمار معظم الفتيات اللاتي تعرضن للاستغلال بين (?) و (?)
عاماً في حين صادق الرجال البنات الأصغر سناً بهدف الوصول إلى أخواتهن
الأكبر عمراً، وأمهاتهن.
وأشار التقرير إلى أن الآباء والأمهات كانوا يعلمون بهذا الاستغلال الجنسي،
ولكنهم لا يملكون سوى الإذعان من أجل الحصول على طعام، وشجع بعض الأهل
بناتهم على ممارسة الفاحشة ليحصلوا على نقود، وأوضحت المنظمتان أن رجالاً
مارسوا الفاحشة مع بنات قاصرات، وأكد التقرير أن تقييم الوضع أظهر أن أولئك
الذين يستغلون الأطفال هم غالباً رجال في موقع السلطة ولهم نفوذ نسبي، وهم إما
يتحكمون في توزيع السلع والخدمات، أو يملكون ثروة أو دخلاً مرتفعاً، وأضاف
أن النفوذ والسلطة يستخدمان مقابل الفاحشة، وأوضح التقرير أن الموظفين الدوليين
والمحليين من المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة هم كما أفادت
الشهادات أكثر مستغلي الأطفال جنسياً.
كما أفادت بعض المصادر المطلعة أن نقاشاً حاداً دار في مركز المفوضية
العليا لشؤون اللاجئين في مقرها (جنيف) ، شارك فيه ممثلون عن (30) دولة،
عبروا عن صدمتهم واستيائهم الشديد إزاء هذا التصرف، وطالبوا باتخاذ إجراءات
فورية لوقف الاعتداء الجنسي على الفتيات القاصرات!! [21] .
ولسائل أن يقول: أين العقوبات؟ وأين قوة الحملات وصرامة الإجراءات؟
وهل تم تجميد أرصدة تلك المؤسسات العالمية الكبيرة أو الصغيرة منها؟ وهل تم
تصنيفها مع منظمات الإرهاب والاستغلال؟