خواطر في الدعوة
محمد العبدة
من المبادئ الأساسية في الدعوة الإسلامية التعاون والتناصر بين المؤمنين،
وتطبيق مبدأ الأخوة تطبيقاً عملياً، والابتعاد عن خلق التفاخر الجاهلي بالأنساب
والقبائل، هذا هو الأصل ولكن قد تأتى النصرة والمساعدة الفردية من القريب أو
العشيرة أو من صديق الدراسة، لا من قبيل التدين والأخوة الإسلامية، ولكن
عصبية نسبية، وأريحية ونخوة، فهل يرفض المسلم هذا التأييد، خاصة إذا كان
في مرحلة الضعف، مع أنه لا يتنازل عن شيء من دينه أو عقيدته، ولا هم
يساومونه أو يطلبون منه المداهنة.
إن بعضاً من الشباب المسلم ولحساسية هذا الموضوع، ولقلة فقههم في أصول
الدعوة يرفضون مثل هذه المساعدة والتأييد، ولكنهم لو تدبروا القرآن لوجدوا أنه
ذكر قصص الأنبياء وكيف امتنعوا بأقوامهم أو قبائلهم عصبية من أذى الكفار، قال
تعالى حاكياً عن شعيب عليه السلام وقومه: [قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا
تَقُولُ وإنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً ولَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ومَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ] [هود:
91] .
فهذه الآية تنبئنا أن الكفار لم يستطيعوا الوصول إلى شعيب بالأذى، خوفاً من
قبيلته.
وكذلك ذكر تعالى في صالح وقومه: [قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ
لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإنَّا لَصَادِقُونَ] [النمل: 49] فهم يخافون من
أولياء صالح عليه السلام (عشيرته الأقربين) ولو فعلوا به سوءاً لفعلوه سراً،
ولحلفوا لهم أنهم ما فعلوا شيئاً، وقال تعالى مخاطباً نبينا عليه الصلاة والسلام: [ألم يجدك يتيما فآوى] أي آواك إلى عمك أبي طالب، قال الشيخ الشنقيطي معلقاً
على هذه الآيات: وهو دليل على أن المتمسك بدينه قد يعينه الله ويعزه بنصرة
قريبه الكافر، ولهذا لما كان نبي الله لوط عليه السلام ليس له عصبة ظهر هذا فيهم
لقوله تعالى: [قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ] [هود: 80] ولما ناصر بنو المطلب بن عبد مناف بنى هاشم ولم يناصرهم بنو عبد شمس عرف النبي -صلى الله عليه وسلم- لبنى المطلب تلك المناصرة التي هي عصبية النسب، لا صلة لها بالدين فأعطاهم من خمس الغنيمة مع بنى هاشم وقال: «إنا وبنى المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام» ومنع بني عبد شمس وبني نوفل مع أن الجميع أولاد عبد مناف (أضواء البيان 3/41) .
هناك فرق بين الموالاة والمداهنة، وبين أن يعرض قريب أو صديق خدماته
ومساعدته لمسلم ويستفيد المسلم من هذا لدفع ظلم أو تخفيف ضرر، ويبقى الأصل
هو عدم موالاة الكفار وزجر أهل الفسوق والبدع، وكل هذا يحتاج لفقه في الدعوة
واستقامة على الطريق.