قراءة في كتاب
محمد حامد الأحمري
الكتاب: اقرأ وربك الأكرم.
المؤلف: جودت سعيد.
الناشر: أيمن نويلاتي.
الطبعة الأولى 1408 هـ-1988 م 290 من صفحة القطع الصغير.
يأتي هذا الكتاب بعد عدد من المؤلفات للكاتب الإسلامي المعروف جودت
سعيد، وقد سبقه (حتى يغيروا ما بأنفسهم) و (العمل قدرة وإرادة) و (مذهب ابن آدم
الأول) وغيرها، وقد سلسل هذه الكتب تحت عنوان: (أبحاث في سنن تغيير
النفس والمجتمع) كما سلسل أستاذه مالك بن نبي كتبه تحت (مشكلات الحضارة) .
يناقش المؤلف في هذا الكتاب قضايا عديدة جداً، يوحي السياق بكثرتها
وتزاحم أفكارها، تضيق بها حيناً فترفضها، ويدعوك زخم الفكر والإثارة إلى
الغضب والعناد والاستمرار فتقرأ بلا توقف، أسوق في هذا التعريف نزراً مما أثار
الكاتب، مشيراً إلى أفكار مهمة في الكتاب مقدماً ما يمكن اعتباره مما لا يتفق مع
الفكر الإسلامي القويم معقباً بعدها بالإشارة إلى بعض الجوانب الرائدة والمهمة في
الكتاب ملمحاً إلى أن الحسنات يذهبن السيئات.
اتجاه إنساني عالمي:
لدى الكاتب هذا الاتجاه الذي نسميه إنسانياً عالمياً مائعاً، يتعامل مع [لا
إكْرَاهَ فِي الدِّينِ] و [لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ] وما إليها من الأدلة القرآنية
ويفسرها تفسيراً خاصاً به. يقول بعد تقرير منهجه الغريب:
(إن التسامح هو حاجة إنسانية عالمية ملحة في هذا العصر، وظهرت آياته
بأنه هو الذي يرث الأرض) [ص246-247] هذا التسامح الذي يلح عليه المؤلف
ليس بالمفهوم الإسلامي، إنما هو مفهوم فلسفي بارد يعرض لمشكلات العالم، ثم
يرى حلها بخيالات الفلاسفة، فيرى أن المعرفة والتفكير العلمي سبيل لمجتمع
إنساني بلا خلافات، وهذه مسألة تتعارض مع بدهيات الواقع والعقل والشرع، فهذا
تاريخ البشر مشهود الآن ومعلوم من الماضي، وذلك واقع البشر منذ (ابني آدم)
والعقل يدل على تعارض المصالح وتنافس القوى واختلاف الأهواء، والشرع بين
لنا أمر آدم وإبليس والخير والشر والمؤمن والكافر، [ولا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ]
[وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ] [ولَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ ولا النَّصَارَى]
[قَاتلُوا الَذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ] ، «بعثت بالسيف» ... لكأنه يلغي جهاد
الدفاع فضلاً عن الطلب والابتداء، إنه يُغيب الجهاد.
قضية الجهاد والقتل:
تغيب في هذا الكتاب مسألة الجهاد والمواجهة والصراع، وقد جعل الله الجهاد
حلاً لصلف الكافرين وإدبارهم وتجبرهم، والكاتب منذ كتابه (مذهب ابن آدم الأول)
قد قرر تشنيع إراقة الدماء في الأرض، فهو لا يرى لهذه المسألة وجوداً في عالمه
الخيالي الفلسفي (الفاضل) وهو متأثر أو موافق لمالك بن نبي إذ جعل - الأخير -
من غاندي صاحب الحلول السلمية مثالاً متبوعا في بعض ما كتب.
وبلا شك إن الحل السلمي دائما هو المقدم ولكنه ليس الدائم أبداً. وتستولي
الأمنيات السلمية والتعاون واللطف والمودة على خيالات الفلاسفة من قديم، فالمدينة
الفاضلة للفارابي ومن قبله ومن بعده فلاسفة اليونان والمزج الغريب عند إخوان
الصفا ثم برتراند رسل في العصر الحديث والروحانية المشرقية لدى ميخائيل نعيمة
وجبران خليل جبران وأتباعهم، وهذه النزعة الراكدة التي تسمى ركودها تسامحاً
تظهر لدى المسلمين الآن وهم بحاجة لمن يوقظهم مع العلم أن قدسية المعرفة
وبرودها ينتج على العكس أحياناً فلاسفة عدوانيين ك (نيتشة) الذي مهد للنازية،
جودت يرى (أن السلام وليد العلم، وأن الإنسان لم ينقذه إلا العلم) [ص17] .
أي علم يريد؟ هل يمكن للكاتب أن يفسر التاريخ وبخاصة الحديث بمعزل
عن المعرفة التي قادت للصناعة فالسلاح فالأسواق والاستعمار. ألم يخدم العلم
الحربين ويهلك البشرية، ونحن الآن نعيش أقسى درجات الاستعمار الذي هو وليد
العلم! ! كيف تغفل خطورة الحد الآخر، وقد ناقش شيئاً من هذا دون تمييز لحامل
هذه المعرفة فالأمر عنده عام بلا حدود جادة.
الإغراب بلا داعٍ:
في الكتاب نص مجمل موهم لا يليق وجوده مع ما فيه من تعمية، إضافة إلى
مصطلحات ليست مفهومة لكثير من القراء، قال: (إننا بحاجة إلى ابستمولوجيا
جديدة لتحملها انتلجنسيا رائدة، لنتخلص من الدغمائية الهابطة والمثيولوجيا
المتغلغلة أو الثيولوجيا الخانقة، وقد قرر علماؤنا ألا مشاحة في الاصطلاح والمهم
أن نفهم المعنى ثم كل واحد يستعمل اللغة التي تساعد على الفهم الميسر والعلم
بالبيان وكل ما وصل إلى فهم الحقائق بأيسر السبل فهو الأولى) [ص 257 -
258] .
عجباً لهذا الكلام الذي ينقض بعضه بعضاً، أي يسر وبيان وتوصيل للحقائق
بأيسر السبل هنا؟ !
قد نقول لا بأس، لكن هذه الكلمات ذات معانٍ لا يليق إطلاقها وبخاصة
الثيولوجيا إنها تعنى التوحيد، علم الكلام وما حولها مما هو ضروري للمسلم والكلمة
لا تميز بين مصطلح أهل السنة وغيرهم في مسائل علم الكلام أو التوحيد والكاتب
يتعسف بعض التفسيرات حسب هواه أو فهمه كتفسيره: (اقرأ وارق) بأنهما عموم
القراءة في أي مجالات القراءة [ص 134] ، وتفسيره للنشأة الآخرة بأنها الأجيال
القادمة وليس البعث [ص 215] ثم هو يقدم الأسلوب المنطقي على النصوص [ص
266] .
مكانة القراءة:
على الجانب الآخر: ناقش المؤلف في المقدمة والمدخل قضية القراءة،
ودلالة كلمات القرآن الأولى التي تلقاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره له
أن يقرأ ولأمته أن تولى القراءة اهتمامها، وذكر أن إنجيل يوحنا بدأ أيضاً بـ (في
البدء كانت الكلمة) وعقب بأمثلة وأرقام تؤيد مكانة القراءة لدى - الأمم اليوم: منها
أن اليابان تصدر خمسة وثلاثين ألف عنوان سنوياً تقريباً، وهذا يمثل ضعفي ما
ينشر في الولايات المتحدة، يستشهد بقول توينبي على (أن ارتفاع نسبة قراءة
الكلمة المطبوعة هو الأساس الحضاري لتصنيف البلدان في العالم إلى دول متخلفة
أو نامية أو متقدمة [1] [ص 27] .
يرى الأستاذ جودت سعيد أن الذكاء ليس أسمى من القراءة، وأن القراءة هي
التي تقعد الأقزام على رقاب العمالقة، ويشير إلى شهيد العلم الجاحظ الذي سماه
شهيد الكتاب والقراءة (!) الذي مات تحت كتبه كأنموذج لحرص الأمة الناجحة
على القراءة والعلم.
يؤكد المؤلف على قضية مهمة يفقدها الشباب والقارئ في هذه الأيام ألا وهي
الكزازة من كتب وكتّاب والتضييق على النفس في القراءة لنوع محدد من الكتب
وعدد محدد من الكتّاب. يقول:
(وإن القراءة المحدودة الضحلة المرعوبة لا تخلص من التقليد والآبائية) [ص
42] ومما ساق: (إن كون النبي -صلى الله عليه وسلم-أمياً معناه أن أحداً من
البشر لن يأتي بشيء وهو أمي) [ص 33] .
لقد نعى على الأمة إهمالها للقراءة وقال: (إن الأمي غير قابل أن يبلغ الرشد، وإن صلة الإنسان بالكتاب تغير من سحنة الإنسان وتؤثر في عضلاته وسمات
وجهه) [ص 76] وأحياناً يغالي في أهمية القراءة بما يتجاوز المدى [ص77] ثم
أنحى باللائمة على سذاجة المسلمين في تحرير المفاهيم فبدلاً من أن يفهموا سر [ن
* والْقَلَمِ ومَا يَسْطُرُونَ] بدل تعظيم القراءة والمعرفة تحول الأمر إلى جمع
قصاصات الأوراق من الطرقات [ص79] .
الكتاب في مجمله من الكتب التي تستحق القراءة والتمعن وهو يحتاج إلى
مزيد من الرد والتحقيق في كثير مما كتب، وبعض أفكاره جديرة بالنشر والتأييد.
إنه يصدر في زمن شكا فيه المؤلف من عدم وجود الكاتب الذي يبعث نهم
القراءة أي لم يأت بعد ورثة الأنبياء بجدارة [ص254] .
ثم يختم الكتاب بتواضع جم بقول: (آه لقد شوهت الفكرة وعرضت أفكاراً في
منتهى الأهمية بشكل هزيل) [ص255] ثم كتب تلخيصاً مختصراً جداً لكتابه سماه
دليل الأفكار.
إن هذا التقديم مشاركة في قراءة الكتاب وفهمه ونقاشه وليست عائقا ولا حجراً
بالمقررات السابقة حرصت على إبراز جوانب مهمة في الكتاب، ومهمة في خطئها
وصوابها.