مجله البيان (صفحة 4527)

البيان الأدبي

خطوة للقضاء على (الدكاترة)

د. أم. ع؟

سليمان بن عبد العزيز العيوني

ما زال الغُيُر من أبناء الأمة يدعون إلى تنقية اللغة العربية من أدران العجمة،

وكلام السلف الصالح في ذم الرطانة بالأعجمية، أو خلط العربية بالأعجمية

مشهور مذكور.

ويشتد النكير إذا كانت تلك الكلمات الأعجمية ذات أصول دينية، كلفظة

(دكتور) ، التي وإن كانت أصولها تضرب في الإغريقية أو اللاتينية أطلقها اليهود

على العالم بشريعتهم، وأطلقها النصارى على مفسِّر كتبهم المقدسة.

ويشتد النكير أكثر إذا ولغت هذه الألفاظ الأعجمية في منابع العلم، ورتعت

في معاقله، وصارت ألقاباً لدرجاته، وشعاراً على صدور أهله.

ويشتد النكير أكثر وأكثر إذا أطلقت هذه الألفاظ الأعجمية على تلك الألقاب

والدرجات رسمياً، وأقرتها أعلى المجالس المختصة، ووافق عليها المسؤولون.

ومن تلك الألفاظ التي ينطبق عليها ما سبق لفظة (دكتوراه) ، ويسمى

صاحبها بـ (دكتور) ، ونحوها أختها (ماجستير) ، ولا أعرف بِمَ يسمى صاحبها

من اسمها، اللتان استشرى البلاء بهما في طول العالم الإسلامي وعرضه إلا ما شاء

الله.

وقد قامت جهود مشكورة لإيجاد بديل مناسب لهاتين اللفظتين الأعجميتين،

من أفراد وجهات عدة، ليس المقال لذكرها، ولكنها جهود مذكورة مشكورة،

ومأجورة بإذن الله.

ومن هذه البدائل (العَالمِيَّة) عن (الماجستير) ، و (العَالمِيَّة العالية) عن

(الدكتوراه) ، ولا يَقُلْ أحد إن هاتين اللفظتين منتشرتان جداً، ويصعب اقتلاعهما؛

لأن انتشارهما «في الحقيقة لا يعدو أن يكون كالوَعْكة والصُّداع العارض ما يلبث

أن يزول، ما دام أن ثَمَّةَ جهداً متواصلاً ونَزْعَةً متينة للتعريب» [1] .

وأقر بأن انتشار مثل هذه الألفاظ ليس المرض، ولكنه من أعراض المرض

الأكبر، وهو التخلف الحضاري الذي تتمرغ فيه الأمة الإسلامية، وأن هذه الألفاظ

نتاج دول وحضارات تقدمت علينا في الصناعات والعلوم المادية، وأنها نشرت مع

صناعاتها وعلومها لغتها ومصطلحاتها، ولكن كل ذلك لا يعني ترك علاج ما

نستطيع علاجه من أعراض المرض، حتى يأذن الله للمسلمين بالدخول على

المرض في وكره، واقتلاعه من جذوره.

ومن تلك الخطوات الحضارية على الطريق الصحيح، التي انتصرت

للتعريب على التغريب، وتستحق أن تكتب بماء الفخر على جبهة اللغة العربية

اليوم ما أقره مجلس التعليم العالي في المملكة العربية السعودية في جلسته السادسة

في 26/8/1417هـ، المتوج بموافقة رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس

التعليم العالي في 17/6/1418هـ المتضمن اللائحة الموحدة للدراسات العليا في

الجامعات السعودية التي جاء في المادة الثانية منها ما نصه: «يمنح مجلس

الجامعات الدرجات العلمية الآتية، بناءً على توصية مجلس القسم والكلية وتأييد

مجلس عمادة الدراسات العليا:

1 - الدبلوم.

2 - الماجستير (العالمِيَّة) .

3 - الدكتوراه (العالمِيَّة العالية) » [2] .

وقد أسعدنا هذا القرار، ونأمل أن تتبعه خطوات أخرى أعمق في الإصلاح

اللغوي، وأحب أن أعلق على المادة السابقة منبهاً ومقترحاً:

1 - لم تضع المادة بديلاً للفظة (الدبلوم) ، ومن البدائل المقترحة لها كلمة

(براءة) ، ولا أرى أن نجعل بديلها كلمة (العالية) ؛ لكي لا تلتبس ببديل

(الدكتوراه) .

2 - وضعت المادة اللفظة الأعجمية أولاً، وبعدها البديل العربي بين قوسين،

ولعل هذا من شدة انتشار اللفظتين الأعجميتين، ونرجو أن تكون هذه الخطوة

الأولى، ويتلوها وضع الكلمة العربية أولاً، بعدها الأعجمية بين قوسين، ويتلوهما

الاكتفاء بالكلمة العربية، والاستغناء عن اللفظة الأعجمية، والتعجيل بهذا سيخدم

الأمر الآتي.

3 - مضى على القرار أكثر من خمس سنوات، وبدأت البدائل العربية تشقُّ

طريقها بقوة إلى الرسائل الجامعية، والمراسلات العلمية، وشيء قليل من الكتابات

الصحفية، والمأمول من وزارة التعليم العالي أن تطالب الجامعات باستعمال

المصطلحات العربية، والحرص عليها تمهيداً للاكتفاء بها، ولو تدريجياً، بأن

يكتب المصطلحان أحدهما بين قوسين، ويفضل كون المحبوس بين قوسين

الأعجمي لا العربي.

كما نأمل من جميع الجامعات السعودية بأساتذتها الكرام أن تعتز بهذا الإنجاز

الكبير، وأن تحرص على تطبيقه واستعماله، وأن تدعم التعريب، وتشجعه،

وتدعو إلى المزيد منه.

4 - نأمل أن تكون هذه الخطوة بداية تنسيق أوسع وأشمل بقنواته الخاصة

بين جامعات العالم العربي كله، للاتفاق على بدائل ومصطلحات متفق عليها لنرى

حينها العربي يحمل علمه بلقب عربي لا أعجمي.

5 - وضعت المادة أسماء عربية للدرجات العلمية (العالمِيَّة، والعالمِيَّة

العالية) ، ولم تضع منها ألقاباً تطلق على الحاصلين عليها، وهو أمر لا غنى

عنه؛ فالوصف اللغوي حينئذ سيكون: (صاحب العالمِيَّة أو ذو العالمية) للحاصل

على العالمية (الماجستير) ، واستعماله على كل حال قليل، ولكن الملح لقب

الحاصل على العالمية العالية (الدكتوراه) ، فالوصف اللغوي سيكون صاحب العالمية

العالية، أو ذو العالمية العالية، ويمكن أن يختصر فيقال: ذو العالية؛ لأن من

أسباب نجاح المصطلح كونه قصيراً، وأقترح أن يشتق منه اسم فاعل يكون

مصطلحاً دالاً على صاحبه، فيقال: العالي فلان وجمعه العالون، والعالية فلانة

وجمعه العاليات، وأن يرمز له بحرف العين (ع.) ؛ ليكون بديلاً لحرف الدال

(د.) .

المهم أن يصطلح على أسماء وألقاب عربية تكون بدائل متفقاً عليها عن

الألفاظ الأعجمية، بين الناطقين بالضاد، والله ولي التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015