مجله البيان (صفحة 4515)

المسلمون والعالم

استراتيجية فرض الهيمنة

مبادرة الشراكة الأمريكية الـ «شرق أوسطية»

د. سامي محمد صالح الدلال

* مدخل:

عندما دلفت الولايات المتحدة باب الغطرسة، وتربعت على كرسي التجبر،

واستلت سيف القهر؛ حسبت أنها إله العالم، ولسان حالها يردد مقولة فرعون

[فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى] (النازعات: 24) ، [مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ

سَبِيلَ الرَّشَادِ] (غافر: 29) ، وراح ساستها وكتابها وإعلامها يعزفون على وتر

العجرفة والكبرياء؛ حتى مجّت الشعوب مجرد سماع اسم تلك الدولة المتسلطة

المستعلية.

ومن المضحكات حقاً: أن يتساءل رئيسها بعد ذلك فيقول: لماذا يكرهوننا؟!

إنهم يكرهونكم لأنكم تطحنونهم طحناً ثم تطلبون منهم أن يبجلوكم قسراً!!

* البسوا رداءنا:

في مثل هذا الجو المفعم بالانفعالات الأمريكية الضاغطة، وبردود الفعل

الإسلامية الرافضة؛ أطل علينا وزير الخارجية الأمريكي «كولن باول» ليعلن

المشروع الأمريكي المفصل تماماً على قد العالم الإسلامي، والعربي منه على

الأخص؛ ليجعل منه رداءً باطنه فيه الشقاء وظاهره من قبله العذاب!! وطلب من

كل فرد مسلم أن يرتديه وينعم بدفئه القاتل!! وأسمى مشروعه: «مبادرة من أجل

شراكة أمريكية شرق أوسطية في التنمية والديمقراطية» .

* مواصفات الشريك الأمريكي:

هذا «البعبع» الأمريكي الذي يخيف العالم ويريدنا أن ندخل معه في

«شراكة» ؛ ما هي مواصفاته التي يريد أن يكوينا بها؟

لعلنا نعدد بعضها على الوجه التالي:

1 - وجه صليبي، وانبعاث أصولي نصراني صهيوني.

2 - دعم مطلق وشامل للكيان اليهودي المغتصب لأرض فلسطين، وذلك

على جميع المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية والثقافية

والتربوية والاجتماعية وغيرها. وهو شريك قوي وفعلي في جميع الأعمال

الوحشية والجرائم الهمجية التي يمارسها ذلك الكيان على مدار الأيام والسنين ضد

الشعب الفلسطيني الأعزل، كما أنه يوفر له الدعم المعنوي والمادي على جميع

الأصعدة الدولية، وخاصة الأمم المتحدة؛ بما في ذلك استعمال حق النقض (الفيتو)

في مجلس الأمن لإجهاض أي قرار إدانة ضد ذلك الإجرام المذكور.

3 - التدخل في الشؤون الداخلية لمختلف دول العالم؛ بما يجعلها تركع للقرار

الأمريكي في تلك الشؤون.

4 - رسم السياسات الخارجية لمختلف دول العالم بما يحقق مصالح الولايات

المتحدة. إن الدول الكبرى تعاني من هذا الصلف الأمريكي؛ بما في ذلك روسيا

والصين واليابان ودول الاتحاد الأوروبي؛ فما ظنك بالدول الأخرى مثل كوريا

وإندونيسيا وتركيا وإيران وباقي دول العالم الإسلامي؟!

5 - الهيمنة على المصادر الحيوية للطاقة.

6 - توزيع القوات العسكرية الأمريكية البحرية والبرية والجوية على مختلف

القواعد العسكرية والمحيطات والأجواء؛ لتكون تحت الجاهزية التامة لتحقيق

الأهداف الأمريكية بالقوة المسلحة؛ تلك الأهداف التي من أهمها تطويق العالم

الإسلامي ومصادرة قدراته ومقدراته، والقضاء على الصحوة الإسلامية، وإعادة

صبغته بالصبغة الأمريكية، ولا ينفك إعلامها عن ترديد: تأمركوا وإلا..!! إلا

ماذا؟! وإلا أمركناكم بالقوة!!

7 - تقوم الولايات المتحدة بدعم الأنظمة الدكتاتورية في العالم ما دامت سائرة

في الفلك الأمريكي؛ بغض النظر عما تقوم به تلك الأنظمة من قمع لشعوبها،

ومصادرة لحرية الرأي فيها، وإهمال لخدماتها العلمية والعملية وابتزاز لثرواتها.

فإذا ما خرجت تلك الأنظمة قيد أنملة عن ذلك الصلف الأمريكي انفتحت لها الحدقة

الأمريكية الحمراء كي تعيدها إلى صوابها، وإلا اتهمتها بالدكتاتورية والتسلطية..

وهلمَّ جرّاً من الأوصاف المعروفة!!

8 - لا تتقبل الولايات المتحدة قيام أي نظام إسلامي جديد في أي منطقة من

العالم، وضربت لمن يفكر في مثل ذلك مثلاً له في أفغانستان.

9 - إذا أخفق أي نظام حكم في أي بلد إسلامي في تحقيق الغايات القصوى

التي تطلبها الولايات المتحدة منه؛ فإنها لا تتردد في محاولة إسقاطه وإن كان

علمانياً، والعراق مثال شاخص لذلك.

10 - تريد الولايات المتحدة الاستخفاء بالرداء الديمقراطي لتحقيق أهدافها،

على الرغم من أنها قد انقلبت على الديمقراطية في بلادها، وصارت تمارس جميع

أنواع التمييز العنصري والاجتماعي والثقافي والعرقي في داخل حدودها وخارجها.

11 - ضربت الولايات المتحدة بحقوق الإنسان عُرض الحائط، وأصبح

انتهاكها لتلك الحقوق عرفاً دولياً؛ إلى درجة أنها انسحبت من اللجنة الدولية لحقوق

الإنسان، وأصرت على موقفها المعلن في دعمها لانتهاكات تلك الحقوق في فلسطين.

وما قامت هي به بالفعل في أفغانستان، ومن قبل في فيتنام والصومال وغيرها

من الدول.. خير دليل على ذلك.

تلك هي بعض مواصفات «الرامبو» الأمريكي الذي يريدنا أن ندخل معه

في «شراكة أمريكية شرق أوسطية» !

* تمويه وتدليس:

«التمويه» و «التدليس» ، كلاهما وردا في عنوان المشروع المذكور،

فأما «التمويه» فقد ورد في استعمال لفظ «الشراكة» وليس ثمة شراكة في

المشروع، بل هي فرض الرأي الأمريكي على المنضوين فيه، وسيتضح ذلك جلياً

عند عرضنا له.

وأما «التدليس» فهو في استعمال مصطلح الـ «شرق أوسطية» ، وهذا

التركيب يشمل دول الشرق الأوسط، ومن بينها دولة الكيان اليهودي، في حين أنها

لم تكن مشمولة في المشروع بالكلية إلا من إشارة تعزز موقف ذلك الكيان على

حساب الفلسطينيين، بل إن المشروع شمل دولاً في المغرب العربي، وهي بالتأكيد

ليست شرق أوسطية.

والواقع أن المشروع شامل للدول العربية فقط؛ ولذا فالعنوان الحقيقي لهذا

المشروع هو «مبادرة من أجل فرض الرأي الأمريكي على الدول العربية» ، أو

إن شئت اختصاره قلت: «مبادرة فرض الأمركة على العرب» ؛ أي: أيها

العرب، نأمركم أن تتأمركوا!!

* «هاس» مؤصل المبادرة:

إن كان «كولن باول» قد أعطى تفاصيل المبادرة؛ فإن الذي أصل قواعدها

هو «ريتشارد هاس» مدير إدارة التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية، وذلك

في خطابه أمام مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية في واشنطن بتاريخ 4/12/

2002م.

وقد تضمن خطابه ثلاث نقاط رئيسة هي:

- شرح مسهب للديمقراطية.

- الممارسات المضادة للديمقراطية في البلاد العربية.

- الخطوط العريضة للاستراتيجية الأمريكية لترويج الديمقراطية.

ومن المفارقات أن «هاس» قرر في محاضرته أن «مساندة رقعة

الديمقراطية وتوسيعها كانت دائماً مسألة مركزية بالنسبة للسياسة الخارجية

الأمريكية، فمنذ ظهور نقاط الرئيس» وودر ويلسون «الأربع عشرة إلى

مشروع» مارشال «؛ رأينا في توسيع الحرية والديمقراطية مصلحة قومية

أساسية» .

يعقِّب الباحث السيد ياسين على ذلك بقوله: «والواقع أن هذا الحكم العام

الذي يسوقه» ريتشارد هاس «بكل بساطة وبراءة في مفتتح محاضرته؛ يتناقض

مع الوقائع التاريخية الثابتة التي تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية عبر تاريخها

كثيراً ما مارست التدخل العسكري ضد نظم ديمقراطية، وكثيراً ما ساندت -

وخصوصاً في أمريكا اللاتينية - بلاداً تحكمها نظم ديكتاتورية صريحة؛ تحقيقاً

لمصالحها الاستراتيجية.

ويؤكد ذلك الكاتب الأمريكي الشهير» جورفيدال «في كتابه المهم الذي

أصدره عقب أحداث 11 سبتمبر، ورفضت مؤسسات النشر الأمريكية نشره،

وعنوانه: (حرب دائمة من أجل سلام دائم) !! فقد تضمن جدولاً حصر فيه

حالات تعتدي فيها الولايات المتحدة على القيم الديمقراطية، وبعضها مخالفة بشكل

واضح لقواعد الشرعية الدولية» [1] .

* وثيقة «كونداليزا رايس» التمهيدية:

قبل أن يقدم «باول» مبادرته عرضت الإدارة الأمريكية على الدول العربية

«وثيقة خاصة» تتضمن «شروطاً» ، وقد صدرت تلك الوثيقة من مكتب

مستشارة الأمن القومي «كونداليزا رايس» ، وقد تضمنت ما يلي:

«1 - ضرورة امتداد الديمقراطية إلى المؤسسات السياسية والدستورية،

وأن تعبر هذه المؤسسات عن كل الاتجاهات القائمة في المجتمع.

2 - اشتراط تقديم المنح والمساعدات للدول ذات النظام الحزبي القوي (أي

التعددية الحزبية) ، والذي لا يترك لحزب واحد احتكار السلطة وإبعاد الأحزاب

الأخرى.

3 - الفصل بين منصب رئيس الدولة ورئيس الوزراء؛ أي كالنظام القائم في

» إسرائيل «؛ إذ هو الأمثل.

4 - التأكيد لأهمية وجود معايير لحماية حقوق الإنسان، وكفالة تطبيقها،

ومراقبة احترامها، وتسجيل أوجه الانتهاكات لحقوق الإنسان ومعاقبة مرتكبيها»

[2] !

* فريق عمل:

بينما كان «ريتشارد هاس» غارقاً في إعداد القواعد التأصيلية، وبينما

كانت «كونداليزا رايس» منشغلة في ترتيب بنود الوثيقة الأمريكية؛ كان «باول»

منهمكاً في إعداد المعلومات الواقعية التي تتشكل منها خريطة الساحة التنفيذية،

فقام بتكليف عدد من سفراء الولايات المتحدة الحاليين والسابقين، وخبراء أمريكيين

آخرين، من المعنيين بمتابعة تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية

والثقافية في الدول العربية؛ بوضع تقرير حول كيفية تنفيذ الإصلاحات الديمقراطية

والاقتصادية والتربوية في البلاد العربية.

وقد بلغ عدد فريق العمل حوالي 30 خبيراً؛ بينهم اثنان من أعضاء

الكونجرس الأمريكي، وقد تم كل ذلك بقرار مباشر من الرئيس الأمريكي «جورج

بوش» .

* مبادرة «باول» :

في 12/12/2002م أعلن «باول» مبادرة الشراكة في خطاب ألقاه أمام

مؤسسة التراث في واشنطن، ضمَّنه الخلفية التي انطلقت منها المبادرة، وتشمل

النقاط التالية:

1 - أن 65% من العرب أميون، و 50% من النساء العربيات جاهلات

ويعانين الفقر والمرض!!

2 - تعاني أغلب الدول العربية من استشراء الفساد والرشوة والمحسوبية

والتخلف.

3 - أن نسبة المنتجات التي تصدرها دول الشرق الأوسط لا تتجاوز 1% من

إجمالي الصادرات العالمية باستثناء البترول، وقد أدى ذلك إلى إضعاف اقتصاديات

تلك الدول، وشيوع الإحباط بين مواطنيها.

4 - إن شعوب المنطقة بحاجة إلى نظم انتخابية تساعد على تداول السلطة،

وتسد افتقارها إلى صوت سياسي قوي، فالمبادرة تهدف إلى تعزيز المشاركة

السياسية لدى الشعوب العربية، ويتضمن ذلك إنشاء مدارس تدريبية للسياسيين

ورجال الأعمال.

5 - ضرورة المساهمة الفعلية للولايات المتحدة في تحسين مستوى التعليم

والثقافة لدى البنات، وتقوية النظم التعليمية.

6 - تخصيص مبلغ قدره 29 مليون دولار كرصيد افتتاحي للبدء بتنفيذ

المشروع.

لا شك أن المتمعن في محتوى هذه المبادرة وفحواها سيتبين له أن معظمها

حق أريد به باطل؛ ذلك أن الأسباب التي ولَّدت هذا الواقع المهين وأضفت على

البلاد العربية ذلك اللون الباهت، وجعلت منه جداراً منخفضاً يتسلق عليه «باول»

وأمثاله؛ لم تتعرض لها المبادرة، وبناء عليه؛ لا بد لنا أن نذكرها باختصار،

على الوجه التالي:

1 - إقرار مبدأ فصل الدين عن الدولة في إطار «الحكم الجبري» ، أو ما

يطلق عليه حالياً «الحكم الديكتاتوري» ، وقد ترتب على ذلك عزل الإسلام

بوصفه منهج حياة، كتاباً وسنة عن واقع المسلمين.

2 - صبغ المجتمع الإسلامي بالصبغة العلمانية الغربية، وذلك عن طريق

إخضاعه قانونياً إلى أحكام دساتير بشرية وضعية استُوردت من الغرب والشرق.

3 - تطبيق مناهج دراسية ذات طابع دخيل على الأمة؛ يستظهر تقديم

المعلومات المعرفية، ويستبطن عزل الناشئة المثقفة عن أصول دينها ومنابع

حضارتها.

4 - فتح بوابات تدفق الإعلام العلماني على مصاريعها؛ لتدلف منها أمواجُ

الفساد في الثقافات والأفكار والمبادئ والمناهج والأخلاق، الغربية منها والشرقية؛

لتعشش في عقول المسلمين وقلوبهم وسلوكهم، فتبث فيهم الشبهات والشعوذات

وفاسد الممارسات، وتؤجج فيهم نار الأهواء وأنواع الشبهات.

5 - عزل الأمة الإسلامية عن تاريخها المجيد؛ لتبقى في الحضيض،

وتنسى أيام عزها، وعلو كلمتها، وامتداد رقعتها، وبث الرعب في نفوس أعدائها.

6 - تكريس حالة الذل والهوان التي ألمت بالأمة الإسلامية، وذلك من خلال

محاربة الجهاد أو ما يؤدي إليه.

7 - محاربة الدعوة الإسلامية دون هوادة، وذلك من خلال اضطهاد علمائها،

والتضيق على أنصارها، ومصادرة ممتلكاتها، وتجفيف منابعها (العلمية

والعملية) ، والتشكيك في مبادئها، واعتقال رموزها، وبث الفرقة والخلاف بين

منتسبيها، وجمع العالم على محاربتها، وإخضاعها للإرهاب والعنف والتهديد،

ومعاملتها بالشدة والنار والحديد.

8 - الابتزاز الدولي المتمثل بمصادرة ثروات هذه الأمة، ومحاولة حرمانها

من خيرات بلادها؛ مما جعل معظم أفراد شعوبها يعانون الفقر والمرض والجهل.

9 - إعادة إحياء أسلوب الاستعمار القديم، والمتمثل في الحضور المباشر

للقوات الغازية إلى بلادنا الإسلامية.

10 - استجماع العالم من خلال مجلس الأمن لتمرير قرارات التدخل المباشر

في خصوصيات الدول الإسلامية.

11 - زرع الكيان اليهودي في قلب الأمة الإسلامية لتكون طليعة تنفيذ كل ما

ذكرناه، وعامل ضغط دائم لأجل ذلك.

هذه أهم الأسباب التي أفضت بالعالم الإسلامي إلى أن يؤول إلى ما آل إليه،

وكلها مجموعة في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ثوبان رضي الله عنه:

«يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن

قلة نحن يؤمئذ؟ قال: بل أنتم يؤمئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن

الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل:

يا رسول الله! وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت» [3] .

* المذكرة التنفيذية لمبادرة «باول» :

لا نستطيع استقراء تفاصيل ما خلف سطور مبادرة «باول» إلا إذا استطلعنا

ما جاء في المذكرة التنفيذية لتلك المبادرة التي خطتها يد «الحليف اللدود!!» [4] .

لأجل التيسير على القارئ سنجتهد في وضع عناوين رئيسة لفقرات المذكرة،

وسنعرضها (أي المذكرة) على النسق الآتي:

أولاً: هدف المبادرة وأد الإرهاب:

ترى المذكرة «أن أهمية هذا البرنامج - المبادرة - تأتي من كونه يمثل

الدعامة الأولى لوأد الإرهاب في الشرق الأوسط؛ عبر إجراء إصلاحات سياسية

واقتصادية عاجلة، تمكن الساخطين والمارقين على شرعية نظم الحكم من الاندماج

والائتلاف معها من جانب، ومع السياسة الأمريكية والدولية من جانب آخر؛ حيث

إن مشكلة النظم العربية تكمن في كونها أصبحت منذ حقبة الثمانينيات هي المصدر

الرئيس للإرهاب في العالم، وأن أكثر من 82% من الإرهابيين ينتمون إلى الدول

العربية، وأنهم نشؤوا وعاشوا في هذه الدول، واكتسبوا قيمهم ومهاراتهم الأساسية

في تلك البيئة» .

لا شك أن هذا النص من المذكرة تضمن كثيراً من قلب الحقائق؛ من أهم ذلك:

1 - اتهام الشرق الأوسط أنه منبع الإرهاب، وهذا افتئات واضح، إلا إذا

كان المقصود به الإرهاب اليهودي، ولكنه ليس المقصود طبعاً، وفيه أيضاً أي

النص صرف النظر عن منابع الإرهاب الكثيرة في العالم.

ونحن نقول إن أخطر أنواع الإرهاب هو «إرهاب الولايات المتحدة»

باعتباره إرهاب دولة ذات إمكانيات خرافية وليس إرهاب أفراد أو منظمات.

2 - تزعم المذكرة إن معالجة الإرهاب تتم من خلال إصلاحات سياسية

واقتصادية.

ونحن نقول إن هذا مجرد تسطيح للقضية؛ إذ إنها لم تتطرق لأصل المشكلة،

وهي مصادرة حقوق الاحتكام إلى الإسلام لدى الشعوب الإسلامية.

ثانياً: مشاكل البيئة العربية:

تقول المذكرة: «إن البرنامج الأمريكي على قناعة بأنه لا يجب غض

البصر عن هذه البيئة أو تجاوزها لمجرد الصداقة والتعاون مع بعض الأنظمة

العربية هنا أو هناك، وأن البيئة العربية تعاني منذ أوائل حقبة الثمانينيات من أربع

مشكلات أساسية؛ هي:

1 - جمود العمل الاقتصادي الذي لازمه غياب الإجراءات والمعايير

الديمقراطية التي تساعد في تحسينه، إضافة إلى انتشار ظواهر المحسوبية والفساد.

2 - الزيادة السكانية غير المبرمجة؛ مما أدى إلى زيادة حدة المشكلات

الاقتصادية الداخلية، خاصة مع عدم وجود رعاية اقتصادية أو اجتماعية مكافئة لهذه

الزيادات السكانية؛ مما ترتب عليه انخراطهم بقوة في التيارات الإرهابية.

3 - غياب فرص العمل وانتشار البطالة؛ مما ساعد على نمو هذه التيارات

الإرهابية بسرعة شديدة.

4 - إن معظم الإرهابيين العرب تلقوا تعليماً جامعياً عالياً، ونسبة غير قليلة

منهم تلقت تعليماً متوسطاً، وأقلية محدودة لم تتلق تعليماً، وهذا يعني أن المناهج

التعليمية، وسوء إدارة المرافق التعليمية، وغياب الوعي التعليمي؛ مارست دوراً

كبيراً في زيادة حدة مخاطر الجماعات والتيارات الإرهابية» .

وتمضي المذكرة قائلة: «وقد لوحظ أن الأنظمة العربية على اختلاف

أنواعها لم تبد أي اهتمام بما آل إليه الأمر من تصدير المشكلات الإرهابية الموجودة

في داخل أوطانها إلى العالم الغربي، بل عندما قرر الإرهابيون الرحيل عنها

اعتبروا أنفسهم قد نجحوا في القضاء على الإرهاب» .

نلاحظ أن خلاصة المشكلات تتعلق بأمرين: الاقتصاد، والتعليم (حسب

رأي المذكرة) .

ونحن نرى أن مشكلات البيئة العربية متعددة؛ حيث تتناول جوانب عقدية،

وسياسية، واقتصادية، وتربوية، وثقافية، وتعليمية، واجتماعية، وإدارية،

وصحية، وإنسانية، وتقنية وصناعية، وزراعية، وغيرها. وأن هذه الجوانب

متداخلة، وبعضها أوفر حظاً في البروز من الآخر بحسب كل دولة عربية أو

إسلامية، وأنها تسير عموماً نحو التعمق والتجذر مع الأيام؛ بسبب ضعف الجهود

الرسمية والشعبية للحد من ذلك.

ولا شك أن التدخل الأمريكي في هذه المشكلات سيعقد حتى مجرد طريقة

التفكير في كيفية حلها، فضلاً عن حلها بالفعل، لكن هذه المشكلات ليست وليدة

الانبعاث الذاتي غير المسبب، كما أن بعضها لا ينفصل عن بعض؛ فهي في

العموم وليدة ضعف الشعور بهوية الانتماء العقدي، وهو الإسلام؛ مما قطع حبل

اتصالها بمنابع القوة والعزة، ونأى بها عن مسالك منهجية الممارسة وفق الشريعة

التي ارتضاها ربها لها.

ثالثاً: خطوط عريضة في برنامج الإصلاحات:

تحدد المذكرة الخطوط العريضة لبرنامج الإصلاحات كما يأتي:

1 - وضع برامج تنفيذية.

2 - لها أهداف معينة.

3 - ذات جداول زمنية محددة.

4 - تتسم بالمرونة؛ بحيث تستجيب لكل الظروف السياسية في المنطقة.

رابعاً: المسائل الأساسية المشترطة لتنفيذ الشراكة:

تحدد المذكرة المسائل الأساسية التي يجب أن تعنى بها جميع الأنظمة بلا

استثناء؛ على سبيل الإلزام وليس الاختيار. وهي أربع مسائل رئيسة:

- المسألة الأولى: التعليم:

ويتضمن حسب نص المذكرة:

1 - إنشاء مدارس أمريكية في مختلف البلدان العربية لكل مراحل التعليم

الأساسي الابتدائي والإعدادي والثانوي تؤهل طلابها للالتحاق بالجامعات الأمريكية.

2 - يجب أن يلقى المشروع دعماً مالياً كبيراً من الإدارة الأمريكية، وخاصة

أن بعض الدول ستحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير.

3 - في المراحل الأولى سيتم الاعتماد على الخبراء والأكاديميين الأمريكيين

لإدارة تلك المدارس، مع تطعيمها بأكبر عدد ممكن من خبراء التعليم في الدول

العربية.

4 - عقد عدد كبير من الدورات التأهيلية للتدريس في هذه المدارس لعدد كبير

من المدرسين، والمدرسات، والموظفين؛ من أبناء هذه الدول؛ لمشاركتنا في

تحمل مسؤوليات هذه المدارس.

5 - خفض رسوم الالتحاق بهذه المدارس، مع تخفيض أسعار المناهج

الأمريكية التي ستدرس؛ لتشجيع أكبر عدد ممكن من التلاميذ العرب للانتظام فيها.

6 - إن المناهج التعليمية الأمريكية لن تقتصر على محتوى المناهج المعتادة

فقط، وإنما جزء كبير منها سيتم تكريسه لتشجيع المشاركة السياسية والديمقراطية،

وأسلوب اتخاذ القرارات السليمة، بالإضافة إلى أهم محتوى فيها؛ وهو الخاص

بالعملية الانتخابية من حيث إدارتها والمشاركة فيها.

7 - سيتم إنشاء نواد في هذه المدارس يطلق عليها «نوادي الحرية

الأمريكية» ؛ حيث ستوفر محضناً لممارسة التطبيقات الديمقراطية وأسلوب

الحياة الأمثل بعيداً عن العنف والإرهاب، كما أنها ستوفر فرصاً لنشر ثقافات

تتعلق بقيود الآخرين، وتشجيع البنات على ممارسة السياسة، واتخاذ قراراتها

بعيداً عن التعصب الديني، أو المفهومات الخاطئة المنتشرة في دول المنطقة.

أهداف الخطة التعليمية:

إن أهداف مشروع الخطة التعليمية كما حددتها المذكرة هي:

1 - إن الفائدة الأساسية لهذه المؤسسات أنها ستضمن إيجاد فرص عمل

لخريجي هذه المدارس والجامعات الأمريكية برواتب مغرية؛ مما يؤدي إلى زيادة

الإقبال عليها، وبذلك يتحقق غرض ثقافي مهم؛ وهو ربط أبناء الدول العربية

بأنماط الثقافات الأمريكية.

2 - إن هؤلاء الذين سيتلقون تعليماً عالياً متميزاً لا بد أن يدخلوا في دائرة

الضوء والمناصب السياسية في بلادهم؛ وبذلك سنضمن ارتباطهم العاطفي،

وترتيب أفكارهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، وسيمثل هؤلاء في المستقبل

دعامات أساسية لتأييد السياسات الأمريكية، وتلافي خطر الإرهاب ونتائجه.

3 - إن هذا المشروع يحتاج إلى قدر كبير من الموازنات المالية المستقلة

والقادرة على تطوير هذه المدارس في المستقبل؛ لذا فإنه من المهم أن تدعم إقامتها

سلسلة من المصالح والمشروعات والمؤسسات الاقتصادية الأمريكية التي ينبغي

إنشاؤها في داخل هذه الدول، وهذا سيحقق فائدة كبرى لتوسع الاقتصاد الأمريكي.

المراحل الزمنية لتنفيذ المشروع:

تحدد المذكرة التنفيذية مراحل تنفيذ المشروع على الوجه الآتي:

1 - البدء في طرح المشروع أول عام 2003م.

2 - تستمر خطوات التنفيذ والإعداد والإنشاء حتى عام 2005م، ويتضمن

ذلك أيضاً البدء في الإعداد للدراسات التدريبية، والبرامج المشتركة، والتأهيل مع

حكومات دول المنطقة.

3 - الدراسات الفعلية تبدأ من عام 2005م.

وقفات مع المسألة التعليمية:

نسجل الوقفات السريعة التالية مع المسألة التعليمية بحسب ما جاء في المذكرة

التنفيذية:

1 - لاحظ الخبراء الأمريكيون أن من يسيطر على التعليم؛ فإنه يضمن

السيطرة على باقي الدوائر حاضراً وفي المستقبل، وهذا صحيح.

2 - هذا الهجوم التعليمي الأمريكي يفرض على المسلمين جميعاً، وهم يد

واحدة، النفور إلى هذه الساحة متدرعين بجميع الوسائل الرسمية والشعبية؛ لرد

هذه الهجمة الضروس.

3 - تمهد هذه الهجمة التعليمية الأمريكية لإدخال المجتمع العربي كله دفعة

واحدة في بوتقة التغريب الفكري والسلوكي على النمط الأمريكي؛ لذا فإن الرد

عليها لا ينبغي أن يتوقف عند حدود المدارس والجامعات، بل يجب أن يشمل جميع

المرافق التي لها تأثير على الرأي العام الداخلة في إطار الصياغة الثقافية والسلوكية

له، كالإعلام وغيره. ولا بد من عقد الندوات والدعوة إلى المؤتمرات التي تفند هذا

التوجه وتفضح أهدافه وتجلي آفاقه؛ ليكون المسلمون على بينة من أمرهم، ومما

يراد بهم وبدينهم.

4 - إن هذه المدارس الأمريكية سيكون لها دور خطير في المستقبل، على

الرغم من أن عددها مهما كثر؛ فإنه لن يشكل إلا نسبة بسيطة من أعداد المدارس

في البلاد العربية، والتي تقدر بعشرات الآلاف، لكن خطورتها تكمن في أن

المتخرجين منها سيحظون بالدعم المادي والمعنوي؛ ليشكلوا مستقبلاً طبقة النخبة

التي يراد لها الهيمنة على جميع مرافق توجيه المجتمعات الإسلامية، وعلى أعلى

المستويات.

- المسألة الثانية: التدريب:

تدعو المذكرة إلى عقد دورات تدريبية مشتركة؛ سواء تمت في البلاد العربية

أو في أمريكا، وتقول: «أمامنا برامج عمل متخصصة لهذه الدورات؛ في العلوم

السياسية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية؛ بما يؤكد الصورة الأمريكية المثلى

في الديمقراطية ونظم الحكم» .

وأما بخصوص الجانب العملي فتدعو المذكرة «إلى اعتماد برنامج منفصل

لترجمة مئات الكتب الأمريكية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية

والتربوية إلى اللغة العربية، وتوزيع هذه الترجمات على المؤسسات الدستورية في

البلدان العربية، وخاصة البرلمانات، وما يتعلق بالحكم المحلي والجامعات

والوزارات والهيئات الاقتصادية الكبرى، والعديد من المؤسسات الاقتصادية

الخاصة، إضافة إلى برنامج خاص بالترجمة يهدف إلى ترجمة كتب أمريكية ميسرة

حول الأنماط المثلى للحياة الأمريكية في جوانبها المختلفة، وقصص رمزية توجه

النظر إلى أغراض وأهداف معينة؛ سيتم توزيعها على طلبة المدارس التعليمية،

وإدخالها في صلب المناهج التعليمية للمدارس الحكومية في هذه البلدان، ويجب أن

تتم الترجمات تحت إشراف وزارة الخارجية الأمريكية، والتي ستقوم بتعيين عدد

من الخبراء والمختصين على صلة مباشرة بكبار المسؤولين المعنيين بتنفيذ

البرنامج» .

وتعليقنا على ذلك متصل بتعليقنا على المسألة التعليمية، ولكن أضيف إليه:

ضرورة اهتمام الأوساط الإسلامية بعملية التحصين العقدي لأبناء المسلمين، الرجال

والنساء، وعلى المستويات كافة، وفي المنشآت التعليمية وخارجها، وأن يتضمن

ذلك إضافة لما ذكرنا إيلاء موضوع التدريب وما يتعلق به من دورات ومناهج

ومتابعات الاهتمام المناسب.

وأما ترجمة الفكر الغربي وتراثه، فليس ذلك بجديد على الساحة الإسلامية؛

فإن دور النشر في كثير من البلاد العربية وخاصة في البلاد التي خرج منها الإنكليز

والفرنسيون لم تأل جهداً في ترجمة كل ما يتعلق بالتراث الغربي؛ سواء ما تعلق

منه بالأدب أو السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو الثقافة العامة أو غير ذلك،

وأغرقت بتلك المترجمات المكتبات العربية، وعلى الرغم من ذلك خرج من بين

ذلك الركام وتلك الأنقاض صحوة إسلامية عظيمة لا تزال أمواج مدها تتعاظم،

ومساحات امتداداتها تتكاثر.

- المسألة الثالثة: المجالس التشريعية وهي البرلمانات العربية:

تدعو المذكرة إلى اعتماد أسلوب الانتخاب، «وأن يتم التعامل مع البرلمانات

المعينة كمجالس استشارية، ولا يجوز أن يطلق عليها مجالس تشريعية أو برلمانات

تجاوزاً!! ... وفي حال الدول التي تصر على إبقاء» مجالس معينة «فإنه يجب

ألا يعتد بها في شكل صورة قرارات برلمانية، وأنه يلزمها تقديم تقاريرها

ومذكراتها إلى رأس الدولة وليس إلى المجلس الآخر المنتخب؛ لأنه لا علاقة بين

المجلسين» .

وتطالب المذكرة «بضرورة التأكد تماماً من استقلالية دور المجالس المنتخبة

إزاء السلطة التنفيذية، مع دعم لدورها الرقابي؛ لتتمكن من السيطرة على الحالات

الفاسدة الناشئة من الأخطار الحكومية» .

التصور الأمريكي للمجالس التشريعية:

طالبت المذكرة بإحالة الموضوع إلى خبراء الكونجرس الأمريكي؛ لإعداد

تصور وبرنامج تفصيلي حول كيفية تأهيل المجالس التشريعية العربية؛ لممارسة

الدور المنوط بها في ظل أجواء ديمقراطية سليمة.

المدة المقررة لإعداد الدراسة:

أعطت المذكرة خبراء الكونجرس الأمريكي مدة ثلاثة أشهر لتقديم الدراسة

المطلوبة، وسيتم الاتفاق على فعاليات التنفيذ مع الحكومات العربية المعنية خلال

النصف الثاني مع عام 2003م.

وقفات مع هذه المسألة:

لنا مع هذه المسألة الوقفات التالية:

1 - تريد حكومة الولايات المتحدة أمركة النظم السياسية في البلاد العربية

بطريقة الأستاذ والتلميذ.

2 - إن إلغاء المجالس المعينة أو الحد من صلاحياتها سيترك الساحة فارغة

للمجلس المنتخب، وهو مجلس يضم الغث والسمين والضار والنافع، والمعارض

الذي ليده بالموافقة رافع!!

3 - إن هذه المجالس تلغي تماماً استقلالية الدين الإسلامي بالتشريع، وتجعل

من الآراء البشرية المستند الأساس والأول للتشريعات، وهذا شرك واضح بالله

تعالى في مسألة الحكم.

4 - تريد الولايات المتحدة إضفاء أوضاع قانونية من خلال مجالس تشريعية

على جميع مخططاتها التي تريد تنفيذها في البلاد العربية.

5 - ينبغي على جميع المسلمين التنبه إلى خطورة هذه المجالس من حيث

الأصل، وأن يزداد تنبههم لذلك بعد أن تنقل هذه المجالس من كونها تحت هيمنة

الأنظمة العربية الحاكمة إلى أن تكون ألعوبة في يد الإدارة الأمريكية.

- المسألة الرابعة: المرأة العربية المسلمة:

دعت المذكرة إلى:

1 - تشجيع المرأة العربية على ممارسة دور مباشر في الحياة السياسية

والاقتصادية، وأن يكون لها حضور قوي في البرلمانات العربية، وأن تشكل في

داخلها لجان معينة بتولي شؤون المرأة والنهوض بتنميتها.

2 - إزالة الصور الكريهة - هكذا! - التي تحرم المرأة من تلك المشاركة،

ومن توليها أعلى المناصب؛ لذا يحق لتلك اللجان مخاطبة الجهات الدولية، خاصة

الأمريكية، في حال استمرار العوائق التي تعرقل دورها.

3 - أن تكون برامج دعم المرأة العربية ذات محتوى حقيقي؛ من حيث البدء

في برامج تتعلق بحقوقها في المجالات المختلفة، وكذلك واجباتها تجاه المجتمع.

4 - تشكيل مجالس عليا للمرأة لتنفيذ بعض السياسات العاجلة.

5 - توفير موارد منفصلة لضمان تنفيذ اللجان لدورها.

6 - إن الخطة الأمريكية لتحقيق ما ذكر جاهزة، وسيبدأ تنفيذها ابتداء من

أوائل عام 2003م.

ملاحظاتنا على هذه المسألة هي:

1 - قضية المرأة وموضوع حقوقها ليست وليدة الساعة، إن «أصل

المخطط» المتعلق بصرف المرأة المسلمة عن قيامها بواجباتها المتعلقة بتربية

الأجيال، والمتعلقة بحفاظها على حجابها، وأدائها لرسالتها حسب ما قرره لها

الإسلام؛ كان قد بدأ به الغرب والمتربون من أبناء المسلمين على منهجه، منذ

أواخر القرن التاسع عشر، ولا تزال محاولاتهم دؤوبة ومستمرة، وما طُرح في

هذه المذكرة ينظر إليه في هذا الإطار.

2 - الجديد في المسألة هو الاستعانة المباشرة بالولايات المتحدة؛ لتقوم هي

بفرض تحقيق المشاركات السياسية والاقتصادية وغيرها للمرأة على حكومات الدول

العربية على سبيل الإلزام.

3 - والجديد أيضاً هو الدعم المالي المعلن لتحقيق تلك الأغراض، مع وضع

جداول زمنية تتعلق بالتنفيذ.

4 - هذه الخطة الخطيرة التي ستشرف على تنفيذها الولايات المتحدة؛

تفرض على جميع الجهات الإسلامية أن تتصدى لها عبر جميع الوسائل المشروعة؛

لأن أمريكا لا تريد حقيقة خدمة قضية المرأة المسلمة، بل تريد أن تمتطي صهوة

«موضوع المرأة» للوصول إلى تحقيق مآربها في تفكيك اللحمة الاجتماعية في

المجتمع المسلم، وتفتيت لبنته الأساسية وهي الأسرة.

- خامساً: آليات التنفيذ:

تضمنت آليات التنفيذ ما يلي:

التقسيم إلى مجموعات:

قسمت المذكرة الدول العربية إلى أربع مجموعات:

المجموعة الأولى: تضم الأنظمة العربية التي ستعمل على تنفيذ برنامج

الإصلاحات السياسية والتنموية من تلقاء نفسها. تقول (المذكرة) :

- «إن الجانب الأمريكي سيظل مترقباً للنتائج التي ستتمخض عن حركة هذه

الأنظمة، وبعد تقييم النتائج سيكون هناك تشاور أمريكي معها من أجل دعم

الإصلاحات جزئياً أو كلياً، أو إضافة بنود جديدة، أو العمل على الإسراع من

وتيرة تنفيذ هذه الإصلاحات» .

- «إن البرامج لن تكون مطلقة تماماً، فلا بد من تدخل تلك الأنظمة في

البرامج المطروحة من الجانب الأمريكي، لكن في حال عدم قبولها فعلى تلك الدول

تقديم البديل المناسب من تلقاء نفسها، وسيخضع هذا البديل للتقييم والمشاورات مع

الجانب الأمريكي، من حيث قدرته على تحقيق الأغراض والأهداف التي يسعى

البرنامج الأصلي المطروح إلى تحقيقها» .

- «إن الولايات المتحدة لديها رغبة أكيدة في استقرار نظام الحكم في دول

الشرق الأوسط، وهي ليست على استعداد لتقبل فكرة التغييرات المفاجئة فيها» .

- «على الحكومات تقديم ورقة عمل بصورة فردية، وكذلك دليل عمل حول

برنامج الإصلاحات السياسية والاقتصادية والتعليمية، وأن يكون هذا البرنامج قابلاً

للتنفيذ في عام 2003م، وأن تنتهي مرحلته الأولى في عام 2006م، وسنحترم

بالتأكيد رغبتهم في أن يعبر هذا البرنامج عن ثقافتهم وتقاليدهم، ولكن بالقدر الذي

يدعم الديمقراطية» .

- «أما تلك التقاليد والممارسات التي ستتعارض مع هذا التوجه الديمقراطي

والإصلاحات السياسية المطلوبة؛ فإننا سنطلب وبمنتهى الصراحة أن تبدأ

الحكومات من تلقاء نفسها في إزالة هذه الممارسات، حتى لو كان ذلك في إطار

خطة تدريجية؛ حتى لا يؤثر ذلك على استقرار وتوازن المجتمعات الداخلية» .

- «نرى أن خطوات البرامج الإصلاحية تبدأ بعدة خطوات؛ أبرزها:

1 - دعم المؤسسات القائمة حالياً من خلال إدخال تعديلات تستهدف تحقيق

المتطلب الديمقراطي، وإنشاء مؤسسات جديدة لهذا الغرض.

2 - إدخال أفكار جديدة للمتطلب الديمقراطي في أنظمة الحكم وهياكله

المتعددة، وإزالة أفكار قديمة تتعارض مع هذا المتطلب، وتشكل عائقاً أساسياً أمام

الإصلاحات السياسية والديمقراطية.

3 - توسيع نطاق المشاركة السياسية للأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني في

قرارات الدولة المعبرة عن المتطلب الديمقراطي.

4 - زيادة الوعي السياسي من خلال الإعلام والتعليم بأهمية المتطلب

الديمقراطي بوصفه نموذجاً أساسياً لطبيعة التفاعلات السياسية والاقتصادية

والاجتماعية والثقافية في داخل المجتمع.

5 - تحديد خصائص التحول الديمقراطي للريف، والمناطق النائية،

والمناطق المختلفة داخل الدولة.

6 - دعم المتطلب الديمقراطي في إطار برامج توعية منفصلة في مجالات

سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وتربوية.

7 - وضع جداول زمنية لتنفيذ جميع البرامج السابقة» .

- «على الرغم من أن الجداول الزمنية التي ستضعها هذه الحكومات ستكون

ملزمة لها؛ فإننا سنقبل بخطوات المرونة اللازمة في تنفيذ هذه الإصلاحات، كما

أننا لن نتدخل في سرعة التطبيق الديمقراطي في هذه الدول إلا بالقدر الذي ستقف

فيه هذه الإجراءات دون تطوير يذكر أو تغيير ملموس لمدة لا تقل عن 5 سنوات،

ففي هذه الحالة سنكون ملزمين بالتدخل لإجبار هاتين الدولتين على الاستمرار في

تنفيذ برامجهما الإصلاحية» .

المجموعة الثانية: تضم أنظمة عربية وإسلامية يتم فيها إجراء الإصلاحات

السياسية والديمقراطية بالقوة، وهذه المنظومة تضم أربع دول، هي العراق وليبيا

وسوريا وإيران.

فأما ليبيا فستتعرض لعمل عسكري بعد العراق، وذلك في أواخر عام 2003م

أو أوائل عام 2004م؛ حيث إن ذلك النظام كما تقول المذكرة لا توجد فيه بارقة

أمل واحدة للتفاهم معه على إجراء أية إصلاحات سياسية أو ديمقراطية.

أما سوريا فسوف تعطى فرصة أخيرة؛ ذلك أنه «على الرغم من التطورات

الاجتماعية والاقتصادية الهائلة في داخلها؛ فإن النظام لم يبد استجابة لهذه

التطورات بما يتلاءم مع تحقيق قدر أكبر من الديمقراطية والإصلاحات السياسية

المطلوبة، وفي حال الإصرار على الاستمرار في انتهاج بعض السياسات المعادية

للمصالح الأمريكية والغربية بصفة عامة؛ فإنه لن يكون هناك خيار سوى اللجوء

إلى القوة العسكرية لتغيير النظام الحالي. وإذا رفض النظام الحاكم هذا التصنيف

فعليه أن يقدم رؤيته من خلال وثائق رسمية حول الأشكال الملائمة بالنسبة لهم في

إطار خطة الإصلاحات، وكذلك عليهم بيان الآليات التي سيستخدمونها في تحقيق

هذا التغيير وأنماطه؛ فإن عجزوا فستقدم لهم خطة عمل يجبرون على الالتزام بها

قبل تنفيذ الخيار العسكري» .

أما إيران فقط سكتت المذكرة عن التفاصيل الخاصة بها.

المجموعة الثالثة: وتضم الدول التي بدأت فعلياً في تطبيق بعض الإجراءات

على طريق الديمقراطية والإصلاحات. هذه الدول هي البحرين والكويت والمغرب.

وقد حددت المذكرة الإجراءات التالية للتعامل معها:

1 - تعميق البرامج المشتركة مع هذه الدول في تقوية البرلمانات وتعميق

دورها؛ بحيث تكون هي القاطرة الحقيقية لقيادة بقية البرلمانات في الدول العربية

نحو الوفاء بالمتطلب الديمقراطي.

2 - زيادة مساحات الدورات التدريبية لرعايا هذه الدول في الأراضي

الأمريكية، والمتعلقة بالمتطلب الديمقراطي.

3 - تفعيل وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية؛

لتكون لها القدرة على التعبير الكامل عن المشكلات التي تعانيها مجتمعات الدول

الثلاث.

4 - تنظيم برامج بالاشتراك مع الجامعات والمؤسسات في هذه الدول؛ سواء

الحكومية أو غير الحكومية، حول الوعي السياسي والمشاركة في الحملات

الانتخابية.

5 - تدعيم دور اللامركزية السياسية في هذه البلدان وتقويتها؛ بحيث يصبح

مبدأ اللامركزية حقيقة واقعة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية

والاجتماعية، ويتطلب ذلك دعم برامج الحكم المحلي، وخاصة في مجالات التعليم؛

مما يساعد على الوفاء بالمتطلب الديمقراطي.

المجموعة الرابعة: وتضم الدول التي في حالة شراكة مع الولايات المتحدة،

مثل أنظمة قطر والأردن واليمن.

إن الإطار العام للتعامل مع هذه الدول يتم من خلال ما يلي:

- أن تقبل ببرامج أمريكية محددة للإصلاحات السياسية والاجتماعية

سيتم عرضها في أوقات مناسبة، وسيتولى الجانب الأمريكي تطبيق هذه البرامج

وتنفيذها.

- على أنظمة هذه الدول أن تبدي كل تعاون مع الولايات المتحدة من أجل

إنجاح التحول الديمقراطي.

- لا يحق لهذه الأنظمة الاحتجاج على المفهومات المنتشرة في المنطقة حول

السيادة الوطنية والشؤون الداخلية لتتهرب من تطبيق البرامج الأمريكية؛ لأن

الهدف من الارتباط الأمريكي بهذه النظم هو بناء حالة مثلى من نظم الحكم القادرة

على مواجهة كل التحديات بيسر وسهولة.

وستكون النظم الديمقراطية والإصلاحات التي ستنتشر في هذه الدول مقدمة

لزيادة المد الديمقراطي في كل أرجاء المنطقة.

عموميات تخص المجموعات [5] :

أوضحت المذكرة عدداً من العموميات الخاصة بما ذكر؛ وهي:

- إن النظام الجديد للمعونات سيربط بين الحصول عليها وبين إنفاقها الجزء

الأكبر منها في أغراض الإصلاحات السياسية والديمقراطية.

- إن مبلغ الـ 29 مليون دولار يعتبر تخصيصاً عاماً، أما البرامج

التفصيلية الأخرى التي سبق ذكرها فسيتم تخصيص موازنات مالية مستقلة لها،

وذلك من خلال برامج المساعدات والمعونات الخارجية.

- إن مستقبل الحداثة في الشرق الأوسط سيمثل الحلقة الأساسية في تطوير

الديمقراطية.

- إن إحداث التغيير والإصلاح سيتطلب وقتاً، إلا أن هذا الوقت يجب أن

يأتي بأمل كبير؛ لأن تطور النظم في أوروبا الشرقية كان أيضاً صعباً، ولكنه

أصبح حقيقة واقعة بسرعة.

- في المرحلة الحاضرة ينبغي أن يكون برنامج العمل محققاً أغراض

المصالح الاستراتيجية الثابتة، أما المصالح المتغيرة فإنها ستخضع لطبيعة الظروف

السياسية في المنطقة.

وقفات مع نظام المجموعات:

بعد أن عرضنا نظام المجموعات الذي وضعته الإدارة الأمريكية لا بد أن

نسجل الوقفات التالية:

1 - إن طريقة تعامل الولايات المتحدة مع الدول العربية لا يمت بصلة إلى

اعتبار أن هذه الدول هي دول مستقلة ذات سيادة وطنية، بل هي أقرب ما تكون

إلى تعامل المدير مع موظفيه أو ناظر المدرسة مع مدرسيه، وهي فضلاً عن

اتسامها بروح التعالي والاستكبار؛ فإنها أيضاً مفعمة بروح الاحتقار والاستصغار

للدول العربية!!

2 - إن الإدارة الأمريكية انطلقت في مذكرتها تلك من عدة اعتبارات؛ من

أهمها:

- عدم تمكين الإسلام من الاضطلاع بأي دور سياسي في أنظمة الحكم في

الدول العربية، وذلك من خلال مصادرته تماماً لصالح الديمقراطية الأمريكية.

- مصادرة الهوية الإسلامية لشعوب الدول العربية على كل المستويات العقدية

والسياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية، وسائر المقومات الأساسية للبناء

المجتمعي.

- تدجين الدول العربية، أنظمة وشعوباً؛ لتكون كلها في النهاية أدوات

تستخدمها الولايات المتحدة للوصول إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية.

3 - إن استعمال القوة لتنفيذ هذا المخطط الخطير يأتي في سياق مبدأ

«الحرب الاستباقية» الذي أعلنه الرئيس الأمريكي بوش.

4 - إن هذا المخطط هو في حقيقته تعبير عن تجسيد الحقد الصليبي اليهودي،

وصياغته في خطط وبرامج مبنية على دراسات مستفيضة، وتوفر له جميع

الإمكانات لتحقيقه؛ بما في ذلك الموازنات المالية المفتوحة.

5 - لا شك أن القوى اليهودية المهيمنة حالياً على الإدارة الأمريكية لها دور

بارز، أو قل أساسي، في وضع هذه المبادرة ومذكرتها التنفيذية وصياغتها،

وبالتالي فإن الذين وضعوها أخذوا بعين الاعتبار الخدمة العظيمة التي سيتحصلون

عليها من تطبيقها في تثبيت وتقوية أركان الكيان اليهودي، ولسحب البساط من

تحت أقدام الانتفاضة، وخاصة أن من أهداف الحرب على العراق أو ليبيا أو

غيرها من الدول العربية توفير محضن مناسب لاستقبال الفلسطينيين الذين يريد

شارون أو من يخلفه تشريدهم من الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك لاستقبال

اللاجئين الفلسطينيين المفرقين حالياً في أراضي الشتات.

6 - إن نجاح هذا المخطط يعني سقوط المنطقة العربية في براثن استعمار

طويل المدى.

7 - إن المتمعن في هذا المشروع - المبادرة - لن تنقصه الفطنة في تحديد

مواضع الضعف الكثيرة التي يحتويها، ويظهر تماماً أن الجهات الخبراء التي

وضعته تنقصها كثير من المعلومات والخلفيات الحضارية الإسلامية لهذه الأمة،

ودليل ذلك مقارنتهم لها بدول أوروبا الشرقية التي كانت شعوبها تحت الأنظمة

الشيوعية المتسلطة على رقابها، فنبذتها وقضت عليها عندما توفرت لها أول فرصة.

أما الشعوب الإسلامية فإنها متشبثة بدينها، عاضة عليه بالنواجذ، وهو يعيش في

أعماق قلوبها، ومتجذر في أصول نفوسها، وإن حالة الضعف والوهن التي تمر بها

هذه الشعوب حالياً لا تدل على تنكرها لدينها ورفضها لإسلامها، وإن هذه الشعوب

تفرق تماماً بين إسلامها الذي تنتمي إليه، وبين ما هو مفروض عليها من أنظمة

فاسدة ومستوردة.

8 - إن أقرب ما يمكن قوله بشأن هذه المبادرة: إن واضعيها قد سيطر على

عقولهم مفهوم (صراع الحضارات) الذي كتبه «هنتنجتون» ، و (نهاية التاريخ)

الذي كتبه «فوكوياما» .

9 - إن هذه المبادرة تتضمن بين أسطرها معنى خفياً يتعلق بأن الغرب هو

صاحب النصر النهائي في هذه المواجهة؛ وذلك من خلال تصوره أنه بذلك

سيفرض منهاج نظرته للحياة والإنسان على المسلمين.

10 - ونحن نقول إن هذا التصور سراب خادع؛ لأن انتصار الإسلام في

نهاية مطاف الصراع هو قدر كوني وحقيقة شرعية، قال الله تعالى: [يُرِيدُونَ

لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ

رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ] (الصف:

8-9) . غير أن الوصول إلى تحقيق هذا الموعود يمر عبر الأخذ بالأسباب المادية

والمعنوية بجميع أنواعها؛ لتتمكن الأمة من الوقوف مرة أخرى على قدميها ورد كيد

أعدائها.

* كلمة أخيرة:

إن على جميع المسلمين أن يأخذوا مأخذ الجد ما يحيكه لهم عدوهم من

مؤامرات، وما يعده لهم من مكائد، وإن نصر الله تعالى لهم مرهون بعودتهم إلى

التمسك بأحكام إسلامهم وشريعة ربهم، و [إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا

بِأَنفُسِهِمْ] (الرعد: 11) .

اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، وهيئ لنا من أمرنا رشداً، وأعل كلمة دينك،

وأذل أعدائك، واجعلنا من صفوة خلقك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015