قصة قصيرة
السيد علي
تهاوت ظلمات الليل تترى.. وادلهمَّت خطوب الآهات صمتاً.. وتشرذمت
المعاني فرقاً.. وبت أنعى وحشة المكان.. ألتمس النهار.. أتحسس الفجر..
انشقاق الصبح.. لكن الخيوط الصماء السوداء تكالبت وتجمعت واستأسدت عليّ..
لتتركني قطعاً متناثرة..
ينادي اللسان بقية الأعضاء ليأتلفوا، لكن اليد اليمنى انشقت.. حالفتها القدم
اليسرى.. وصارت القدم اليمنى مع اليد اليسرى في حال سبيلهما..
وهكذا تناثرت الأعضاء واختلفت، وبات القلب يئن.. ينزف.. يستغيث..
يستصرخهم ليتماسكوا قبل الانهيار.. لكن غالبية الأعضاء أبت إلا النفور..
ألا تمثلون جسداً واحداً.. لماذا تتمزقون، إذا تفرقتم إرباً.. إرباً؛ فمن
سيحملني لأحيا؟! ألا تصل العروق الممتلئة بالدماء بينكم.. ألا تتدفق في أركانكم؟!
الحزن والألم.. السعادة والفرح.. الراحة والتعب.. الهدوء والغضب.. ألا
تشعرون بهم سوياً..؟!
الفراق يقتلعكم من جذوركم.. اقتربوا لا تبتعدوا.. نبضاتي كادت تتوقف..
ولم أعد أملك سوى أنفاس الاستغاثة هذه!!
واسترخى القلب بعد هذه الصرخات ينتظر الموت.. وأثناء ذلك أنصت
لسماسرة (تجارة الأعضاء) يتقاسمون جسده الممدد.. القابع بلا حراك..
لقد نهبوا خيرات هذا الجسد من قبل.. صادروا ممتلكاته.. وابتلعوا
استحقاقاته..
وجاء اليوم الذي يقتسمون فيه أعضاءه.. إذن فلتصمتوا أيها المتصايحون..
فالدور آت لا محالة على ألسنتكم.. ولتتوقفي يا نبضات القلب.. فإن نبضك لم يعد
يجدي نفعاً.. وصرخاتك ذهبت أدراج الرياح.. وهانت على الأعضاء أنفسهم،
فهانوا كذلك على سالخيهم..!!
وتعمقت جروح القلب الدامي.. وتراخت عضلاته أكثر وأكثر في انتظار
الموت الذي لا يأتي.. أبداً لا يأتي..
إن الموت لا يخطئ طريقه.. فماذا حدث له هذه المرة؟! ألا يريد أن ينهي
عذاب هذه الأعضاء التي انسلخت وتشرذمت وسال دمها أنهاراً حمراء.. ينجرف
في طريقها كل كائن يريد أن يحيا فوق بساط الحرية؟! والكرامة التي بعثرت مع
تبعثر الأعضاء، واندثرت في ثنايا الآهات حين مزقت هذا القلب المنفطر.. وكان
انفطاره حزناً على الأرواح التي تركت أجسادها.. وارتحلت (لا بل رحل الافتراق
بها) .. فماذا تبقى بعدئذ للأنفاس كي تستنشق مرة أخرى الهواء، وتزفره..؟!
يا لها من أهوال تتراءى أمام هذا القلب المكلوم.. الممدد لا يستطيع حراكاً..
ولا طاقة له ليدافع عن بنيه (الأعضاء) التي تتهاوى لحظة بعد أخرى..
أجل إنها لحظات.. ليست ساعات ولا أياماً ولا شهوراً، فقط لحظات ودقائق
سوف تختطف ما تبقى من هذه (البنية) التي كانت يوماً ما قوة.. جبارة.. هائلة
.. مخيفة، يتعجب لفتوتها أقوى الأقوياء..
ورغم أن بقية الأعضاء لم تصمت.. بل أدانت التفرقة، وشجبت الاختلاف،
واستنكرت الاندثار، واستهجنت التشرذم والانسلاخ..! وأعلنت بكل صرامة
وصراحة ووضوح: أنها مع التآلف والتآخي والاتحاد، والتحام والتئام.. الجراح!!
ولا رجعة عن ذلك ولا استسلام!!
وبعد أن استجمع القلب الجريح خيوط هذه الحقائق، وتجلت ملحمة استبسال
الأعضاء هذه أمامه، اطمأن..، واستراح.. واسترخى..!! وتوقف.. لم يعد
يئن أو ينزف أو يستغيث أو يستصرخ.. وصمد.. وصمت.. ثم انتظر..
وانتظر..