المسلمون والعالم
د. يوسف بن صالح الصغير [*]
تمارس الولايات المتحدة هذه الأيام تعرية نفسها أمام العالم سياسياً وعسكرياً
وفكرياً، وفضحت زيف كل الشعارات والمثل التي كانت تتغنى بها، ولم تعد تبالي
بمن كانت تدعوهم بالأصدقاء والحلفاء، وتقلصت دائرة الموثوقين واقتصرت على
الأنجلوساكسون (بريطانيا وأستراليا وكندا) بعد تفجر الخلافات العلنية مع ألمانيا
وفرنسا، وأوروبا لهم تبع.
وتمرد بوتين على سياسة يلتسن السابقة في مجاراة أمريكا والتضحية بمصالح
روسيا؛ مقابل وعود زائفة للبلاد ونقود حاضرة للقواد، ولم تجد الإدارة الأمريكية
في المنطقة العربية من يتحمس لمشاريعها ظاهراً إلا من سلبت حريته في التعبير،
وفقد السيطرة كلياً على قواعد الجو وجزائر البحور؛ فهو لا يستطيع منع الهجوم
من أرضه، وآخر ينفي أن يكون ترحيبه بالأمريكان نكاية بالجيران بل هو حب
خالص ووئام!
لقد حرصت الإدارات الأمريكية السابقة على إبعاد الكيان اليهودي في فلسطين
عن التدخل المباشر في مشاريع السيطرة على المنطقة حرصاً على عدم إثارة
الشعوب، وعلى عدم إحراج الحلفاء في المنطقة، مع التعهد بحماية (إسرائيل)
وضمان تفوقها، ولكن الظروف الحالية اختلفت، والسياسة انقلبت، فلم تعد
الأنظمة تثق بصداقة أمريكا، بل إنها تخشى أن لا تسلم من مصير يشابه مصير
العراق.
أما الشعوب الإسلامية قاطبة فهي تشهد تنامي مشاعر العداء لليهود وحاميتهم
أمريكا، ولم تعد الحكومات قادرة على ضبط هذه المشاعر؛ لأن سياسات بوش
وشارون هي المحركة لهذه المشاعر.
وحيث إن المشروع اليهودي البروتستانتي في إعادة ترتيب المنطقة وفق
(الرؤى التوراتية) غير قابل للتأجيل؛ فإن أمريكا الحالية لا تمانع بل ترحب
بالمشاركة اليهودية المباشرة في الصراع الطويل الذي يمثل فيه تدمير العراق
المرحلة الأولى فحسب. فماذا يفهم من التصريحات المتتالية من بوش وشارون
وغيرهم خلال الزيارة السابعة لشارون، والتي أعلن أن الهدف منها هو تنسيق
ضرب العراق؟ والمثير أن الإعلام الأمريكي كان يتوقع ثبات سياسة إبعاد (دولة
الصهاينة) عن واجهة الصراع، ولكن الذي حدث العكس؛ حيث صرح بوش
للصحافيين بقوله: «إذا هاجم العراق (إسرائيل) غداً فأنا متأكد من أنه سيكون
هناك رد مناسب. أعتقد أن رئيس الوزراء (شارون) سيرد لأن من حقه الدفاع
عن النفس» . إنه تشجيع ودفع للمشاركة، بل وهدد بنفسه الدول التي تستضيف
حزب الله بالقول: «إن مبدأه ما زال قائماً؛ وهو أن من يستضيف الإرهابيين فهو
إرهابي» ، وهذا الكلام يقصد به لبنان، وقد يمتد لكل من سوريا وإيران حسب
الظروف.
والذي أعتقده أن اليهود قد بلعوا الطعم؛ فقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي
الرئيس الأميركي بوش بأنه أفضل رئيس أميركي تعاملت معه (إسرائيل) عبر
تاريخها، وقال (رعنان غيسين) المتحدث باسم أرييل شارون عقب اللقاء: «لم
نكن نتوقع أفضل من هذا من الرئيس الأميركي الذي أقر علناً بحق (إسرائيل) في
الدفاع عن نفسها في حال تعرضها لهجوم من قبل العراق أو حزب الله» ، ونفى
حدوث أي ضغط على شارون من جانب الأميركيين بشأن المسألة الفلسطينية.
نعم لقد بلعوا الطعم، وسيقعون في خضم صراع لا قِبَل لهم به، وبدلاً من أن
تقاتل أمريكا من أجل مصالح اليهود فإنهم سيقاتلون من أجل مصالح البروتستانت،
فإذا نجح المخطط فإن المستفيد الأساسي هو أمريكا، وإن سارت الأمور عكس ذلك
فإن اليهود سيدفعون ثمناً غالياً.
وعلى كل حال فإنه مما لا شك فيه أن اعتقاد النصارى هو أن اليهود هم وقود
الملحمة الكبرى وأكبر ضحاياها، وما لدينا من الأحاديث يؤكد على قتالهم وإبادتهم
حتى يقول الحجر والشجر: «يا مسلم يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال
فاقتله!» [1] .
والمتتبع للتصريحات الأمريكية يلاحظ استعجالاً لضرب العراق بقرار دولي
أو بدونه سواء شاركت دول كثيرة أم قامت به وحدها.
وكما أسلفنا لم تعد هناك تحفظات على طبيعة المشاركين؛ فقد أعلن البيت
الأبيض أن الولايات المتحدة لن تنتظر شهوراً لتتحرك لضرب العراق، وذلك في
حال تأخر صدور قرار عن الأمم المتحدة يحدد بدقة إجراءات التفتيش في العراق
والعواقب في حال أعاقت بغداد عمل المفتشين. وأضاف الناطق الرسمي للبيت
الأبيض (فلايشر) أن «الرئيس ما زال يأمل في أن تتحرك الأمم المتحدة» .
وأضاف أنه «إن لم تفعل، فقد قال الرئيس بوضوح إن الولايات المتحدة ستشكل
ائتلافاً يضم كل من هم مستعدون لتطبيق قرارات الأمم المتحدة حول نزع أسلحة
العراق» بل إن الرئيس بنفسه أعلن أن «على الأمم المتحدة أن تكون على
مستوى الهدف الذي أنشئت من أجله، وهو الدفاع عن أمننا» .. نعم! لقد أوضح
حقيقة الهدف من إنشاء الأمم المتحدة ألا وهو الدفاع عن أمن أمريكا وحماية
مصالحها حول العالم، وعلى هذا الأساس يجب أن نفهم تعامل الأمم المتحدة مع
قضايا فلسطين والبوسنة وكشمير والشيشان وأفغانستان والكونغو وكوريا
وفيتنام و ... وتيمور الشرقية.
إن مهمة أمريكا ليست سهلة في مجال تسويق هذه المشاريع سواء داخلياً أو
خارجياً، وسنعرض فيما يلي تلخيصاً لخطابين رسميين: الأول ألقاه الرئيس بوش
أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لإقناع العالم والشعب الأمريكي بوجهة نظر الإدارة
الحالية، والثاني ألقاه رئيس وزراء بريطانيا أمام مجلس العموم لإقناع الرأي العام،
وإيهام العالم أن هناك مسوغات كافية وقانونية وشرعية لما ستقوم به أمريكا في
العراق.
وسنبدأ بخطاب بوش مع إضافة بعض التعليقات المختصرة:
لقد بدأ الرئيس بتخويف الناس، وذلك من أجل دفعهم للقبول والتسليم بالحجج
والبراهين الواهية بدون تدبر وتمحيص، فقال: «علينا ألا ننسى الأحداث الأكثر
قوة في تاريخنا الحديث، في يوم 11/9/2001م شعرت أميركا بضعفها حتى أمام
تهديدات كانت تتجمع في الجانب الآخر من الأرض، وقد عقدنا العزم، ونحن
عاقدو العزم هذا اليوم على مواجهة كل تهديد من أي مصدر يمكن أن يعرض أميركا
للرعب والمعاناة» ، وحاول أن يظهر نفسه أنه يعرض وجهة نظر الكونجرس
ومجلس الأمن، وأنه يتكلم باسمهم فقال: «إن أعضاء الكونجرس الذين ينتمون
إلى الحزبين السياسيين وأعضاء مجلس الأمن الدولي يوافقون على أن صدام حسين
هو تهديد للسلام وعليه أن ينزع أسلحته، ونحن متفقون على أن الدكتاتور العراقي
يجب ألا يُسمح له بتهديد أميركا والعالم بسموم رهيبة، وبالأمراض والغازات
والأسلحة الذرية» .
ثم حاول عرض الأدلة والبراهين التي تُسوِّغ ضرب العراق واحتلاله عسكرياً،
ويمكن تلخيصها فيما يلي:
- قوله: (نحن نعلم أن العراق وتنظيم القاعدة الإرهابي يتشاطران عدواً
مشتركاً؛ هو الولايات المتحدة الأميركية. ونحن نعلم أن العراق والقاعدة يقيمان
اتصالاً على مستوى رفيع يعود عهده إلى عقد من الزمن) . هل كان للقاعدة وجود
قبل عقد من الزمن؟ !!
- قوله: (بإمكان العراق أن يقرر في أي يوم يريد أن يقدم أسلحة كيميائية
وبيولوجية إلى جماعة إرهابية أو إرهابيين فرادى) .
- قوله: (إذا تمكن العراق من إنتاج أو شراء أو سرقة كمية من اليورانيوم
العالي التخصيب بكمية لا تعدو حجم كرة البيسبول، فسيكون قادراً على اقتناء
سلاح نووي في أقل من عام، وسيكون في وضع يمكنه من الهيمنة على الشرق
الأوسط) .
- قوله: (وخلال العام الماضي وحده أطلقت القوات المسلحة العراقية نيرانها
على الطيارين الأميركيين والبريطانيين أكثر من 750 مرة) أين، وفوق أي
أرض؟!
- قوله: (إن العراق يمتلك صواريخ باليستية ذات مدى يمكن أن يصل إلى
مئات الأميال؛ أي بما يكفي لضرب (العربية السعودية) ، و (إسرائيل) ،
وتركيا وبلدان أخرى في منطقة يعيش ويعمل بها أكثر من 135 ألف عسكري ومدني
أميركي) .
لاحظ كلمات: (بإمكان، وإذا، ويمكن أن) ، وقد خلص إلى تبشير الشعب
العراقي أن مصيره سيشبه مصير شعب أفغانستان الذي يرفل بالسلام والأمن ورغد
العيش بعد سنة من الغزو الأمريكي!! فقد قال: «يخشى البعض من احتمال أن
يؤدي تغيير القيادة في العراق إلى إيجاد عدم استقرار، ويجعل الوضع أسوأ، إن
من الصعب أن يصبح الوضع أسوأ مما هو عليه بالنسبة إلى أمن العالم، وأمن
الشعب العراقي، إن حياة المواطنين العراقيين ستتحسن تحسناً دراماتيكياً إذا لم يعد
صدام حسين في السلطة، مثلما تحسنت حياة المواطنين الأفغان بعد طالبان» !!!
أما خطاب بلير فقد حاول تسويق المشروع بأسلوب مشابه، ولكنه أكثر
تفصيلاً، وفيه تكرار كثير، وقد حاول في البداية إضفاء المصداقية على التقرير؛
فقد بدأ بقوله: «إن الملف الذي نُشر اليوم يقوم في معظمه على تحريات لجنة
الاستخبارات المشتركة JCعز وجل، إن جُلَّ الأعمال والدراسات التحليلية التي تضطلع
بها لجنة الاستخبارات المشتركة JCعز وجل هي ذات طابع سِرّي. وتُعَدُّ سابقة لم تقع
من قبل أن تقوم الحكومة بنشر وثائق من هذا النوع. ولكن في ظل الجدل الدائر
حول العراق وأسلحة الدمار الشامل؛ نشأت لدي الرغبة في إشراك الشعب
البريطاني وإطلاعه على الأسباب التي تجعلني أعتقد أن هذه المسألة [العراق
وأسلحة الدمار الشامل] إنما هي خطر داهم وقائم يتهدَّد المصالح القومية للمملكة
المتحدة» .
ثم ذكر بعض المعلومات التي نسبها للتقارير الاستخباراتية المتوفرة عن
العراق كما يلي:
- استَمرَّ العراق في إنتاج الوسائط الكيماوية والبيولوجية.
- يوجد لدى العراق خطط عسكرية لاستخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية،
وبعضها يمكن إطلاقه خلال 45 دقيقة من صدور الأمر باستخدامها.
- َطوَّر العراق مختبرات مَحمولَة / مُتنقِّلة بغرض الاستخدامات العسكرية؛
مما يؤكد تقارير سابقة عن وجود وحدات متنقلة لإنتاج الوسائط / المواد البيولوجية
ذات الاستخدامات الحربية.
- اتَّبع العراق سبلاً غير شرعية للحصول على مواد محظورة من الممكن
استخدامها في برامج تصنيع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية.
- حاول الحصول على كميات كبيرة من اليورانيوم من إفريقيا؛ على الرغم
من أن العراق ليس لديه مشروعات مدنية نشطة للطاقة النووية تستلزم استيراد
اليورانيوم.
- قام باستدعاء خبراء للعمل في برنامجه النووي.
- ويحتفظ العراق الآن وبصورة غير شرعية بقرابة عشرين صاروخاً من
طراز (الحسين) يبلغ مداها 650 كم، وهي قادرة على حمل رؤوس كيماوية
وبيولوجية.
- بدأ في نشر صواريخ طراز (الصمود) التي تعمل بالوقود السائل،
واستغل غياب مفتشي الأسلحة وعمل على إطالة مداها؛ بحيث يصل مداها إلى
200 كم على الأقل.
- كما بدأ العراق في إنتاج الصاروخ الذي يعمل بالوقود الجاف من طراز
(أبابيل 100) ، ويعمل على إطالة مداه إلى 200 كم.
- أنشأ العراق موقعاً لاختبار محركات الصواريخ بهدف تطوير صواريخ
قادرة على الوصول إلى كل من (إسرائيل) وجيران العراق من دول الخليج،
وكذلك إلى مناطق السيادة والقواعد العسكرية للمملكة المتحدة في قبرص، ومثيلاتها
في باقي دول حلف شمال الأطلسي (كقواعد الناتو في اليونان وتركيا) .
- أن القوة العسكرية العراقية تستطيع أن تنشر الأسلحة الكيماوية والبيولوجية
خلال 45 دقيقة من إصدار الأوامر لذلك.
- أن العراق يتمتع بالاكتفاء الذاتي في التقنية المطلوبة لإنتاج الأسلحة
البيولوجية، ومعظم الموظفين ذوي الخبرة الذين كانوا ناشطين في البرنامج ظلوا
في العراق.
وقد لخص أعمال لجان التفتيش بقوله:
قامت الـ UNSCOM بالتفتيش على 105 مواقع داخل العراق، ويصل
عدد حملات التفتيش إلى 272 حملة منفصلة، ورغم العثرات وأساليب الترهيب
التي اتبعها العراق كشف مفتشو الأمم المتحدة عن تفاصيل برامج التسلح العراقي
الكيماوية والبيولوجية والذرية والباليستية. وأكبر إنجازات الـ UNSCOM
والـ Iصلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم هي:
- تدمير أربعين ألف قطعة من أعتدة الحرب الكيماوية، و 2610 أطنان من
الكيماويات التحضيرية، و 41 ألف طن من المواد الوسيطة التي تستخدم في
الحرب الكيماوية.
- تفكيك محطة (المثنى) التي كانت المحطة الرئيسة لتطوير وإنتاج الأسلحة
الكيماوية بالعراق بما فيها من خطوط إنتاج رئيسة.
- تدمير 48 صاروخاً من طراز سكود، و 11 منصة متحركة لإطلاق
الصواريخ، و 65 موقعاً صاروخياً، و 30 رأساً صاروخية معبأة بالوسائط
الكيماوية، إضافة إلى 20 رأساً حربية تقليدية.
- هدم محطة (الحكم) لإنتاج الأسلحة البيولوجية، وعدد من معدات الإنتاج،
ومخزونات من البذور والوسائط المَزرعيَّة [عادة ما تكون محاليل لعمل مزارع
جرثومية وبكتيرية] لإعداد الأسلحة البيولوجية.
- اكتشاف عينات مصنَّعة محلياً من اليورانيوم المُخَصَّب في عام 1991م؛
مما أجبر العراق على الاعتراف ببرامج تخصيب اليورانيوم لديه، ومحاولاته
للحفاظ على المكونات الرئيسة لبرنامجه النووي المحظور، وإزالة وهدم البنية
التحتية لبرنامج التسلح النووي العراقي بما في ذلك منشأة (الأثير) لاختبار
الأسلحة.
ولا ندري ماذا بقي في العراق بعد هذا؟
وقد انتقد بعض السياسيين الإنجليز هذا التقرير؛ فمثلاً النائب العمالي في
مجلس العموم البريطاني جيريمي كوربين، وصف الملف الذي أصدرته الحكومة
البريطانية مؤخراً حول أسلحة الدمار الشامل العراقية بأنه «يحتوي على القليل من
الوقائع أو مما هو جوهري» . وأضاف: «في الواقع إنه تقيؤ للوثيقة التي
أصدرها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية قبل أسبوع» .
ولا يخفى غموض الهدف البريطاني من الحماسة لكل مشروع توسعي
أمريكي؛ فقد استمرت بريطانيا في لعب دور تسويق المشروع الأمريكي سواء في
أفغانستان أو العراق، وكان لقب بلير هو (وزير خارجية بوش) ، وتمادى بعض
الفنانين الإنجليز بوصفه بـ (كلب بوش) .
ونلاحظ أن الجهد الدبلوماسي تتولاه بريطانيا وكأنها تريد دفع أمريكا
للاستمرار في مغامرات متوالية، ولكني أشك في إخلاص الإنجليز وحسن نيتهم
بالنسبة لمستعمرَتهم السابقة التي يحتمون بها، ويحسدونها في الوقت نفسه.
وإذا كان بلير لم يقنع قومه فماذا عن فرنسا التي عانت كثيراً من التوسع
الأمريكي على حسابها في إفريقيا (رواندا، وبوروندي، والكونغو..) ، وهي
هنا تتعرض لفقد مصالحها في العراق؟ وقد وقفت فرنسا في مواجهة المشاريع
الأمريكية تساندها في ذلك روسيا وألمانيا، وقد أكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك
حين زيارته الإسكندرية أن «فرنسا ستضطلع بمسؤولياتها كعضو دائم في مجلس
الأمن الدولي» فيما يتعلق بالمسألة العراقية مؤكداً أن «المنطقة ليست بحاجة الى
حرب جديدة إن أمكن تفاديها» . وقد تعالت الدعوات في فرنسا وروسيا لاستعمال
حق النقض ضد المشروع الأمريكي البريطاني حفاظاً على المصالح، وتململاً من
سيطرة القطب الواحد وتلاعبه بالمنظمة الدولية.
وأخيراً فإن إمريكا مقبلة على مغامرة تتطلع فيها للسيطرة التامة على مقدرات
المنطقة وثرواتها، وتعرف أن عدوها الأساسي الذي يمكن أن يعرقل أو يحبط هذا
المشروع هو الإسلام الذي يجب أن يكون أهله على مستوى الحدث، وأن يدافعوا
عن دينهم وأرضهم وثرواتهم ووجودهم بكل ما يستطيعون.
إن القضية ليست خاصة بتنظيم جهادي أو نظام متمرد أو غير خاضع؛ إن
الذي يريد تدمير نظام بعثي علماني لأنه يحكم بلداً مسلماً لديه شيء من أسباب
القوة بدعوى الدكتاتورية والبطش وأسلحة الدمار الشامل الموجودة والمتوهمة؛ لن
يعدم الأعذار المقنعة من وجهة نظره لضرب بلدان وأنظمة تمثل مصدراً محتملاً
للتطرف والإرهاب. إن إخفاق أمريكا في أفغانستان وتخبطها يوحي بما يمكن أن
يحدث في العراق، ومَنْ أخفق في التعامل مع شعب فقير يسيطر عليه الجهل
والتخلف قد تخلى عنه القريب قبل البعيد؛ فلا نتوقع أن ينجح في بلد غني يحتوي
على أكبر احتياطي نفطي في العالم تتنافس الأمم على ثرواته، ويقع في منطقة
حساسة، وتحيط به دول يتعاظم فيها الشعور الإسلامي والمعادي لأمريكا
و (إسرائيل) .
فهل آن أوان انحسار الفرات عما يختزنه من أشراط الساعة؟! [قُلِ اللَّهُمَّ
مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن
تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] (آل عمران: 26) .