ملفات
إفريقيا في عالم متغير.. وجهات نظر استراتيجية
سالي هاني [*]
علاقة القارة الإفريقية بالدين الإسلامي وبالنصرانية موغلة في القدم، وثابتة
بالتواتر في كتب التاريخ، ومع أن الديانة المسيحية سبقت الإسلام إلى إفريقيا بما لا
يقل عن ستة قرون إلا أن الإسلام استطاع في أقل من نصف قرن أن يحتوي القارة
بالشكل الذي جعل مراكز المسيحية عبارة عن جزر صغيرة وسط بحار الإسلام.
ولولا تدخل الغرب لاستمر تقلص المسيحية من جهة، وإحراز الإسلام الانتشار
والتقدم من جهة أخرى.
فمع بداية القرن الخامس عشر وجدت ظروف وأحداث أعادت ترتيب التاريخ
الإفريقي، وجثمت بثقلها على الحياة الإفريقية الدينية والثقافية والحضارية، تلك
هي دخول الاستعمار الغربي في حلبة الحياة الإفريقية. ولما كانت النظم الاقتصادية
تتشكل حسب المفاهيم والمعتقدات بل حسب الديانة السائدة، أقحم المغامرون
الأوروبيون الدين المسيحي الذي يؤمنون به إيجاباً أو سلباً في علاقتهم بإفريقيا؛
فلذلك انطلقوا من أوروبا بعدما أقسموا لأباطرتهم بأنهم يسعون لنشر المسيحية
بالإضافة إلى الوصول لبلاد التوابل.
ومع استهلال القرن التاسع عشر كانت هذه العلاقة ترسو على تثبيت مركزية
أوروبا وطرفية إفريقيا في كل مجالات الدين والاقتصاد، وانتهت إلى تقرير هذه
الدول الإمبريالية نزعتها الاستعمارية وسيطرتها المطلقة على إفريقيا عام 1885م
في مؤتمر برلين.
والذي يهمنا أكثر في هذه التطورات هو أن الدين المسيحي الذي تعطلت
محركاته منذ قرون في إثيوبيا ومصر بدأ يستعيد حيويته من جديد في ظل الوصاية
الإمبريالية على أيدي بعض الدومينيكان والجزويت بين زعماء القبائل المنتشرة
على نهر الزمبيزي.
وفي البداية لم يكن سوى دين رمزي يبارك به أباطرة أوروبا المتسلطون
منجزات سفنهم فيما وراء البحار، فكانت معظم السفن تحمل أسماء مسيحية مثل
سفينة يسوع التي شاركت بها ملكة إنجلترا اليزابيث الأولى في ستينيات القرن
السادس عشر لدعم رحلات جون هربكنز للنخاسة بغرب إفريقيا، وكذلك كان أول
حصن يشيده المغامرون على السواحل الإفريقية يرسل له ملك الدولة التي يتبعها قساً
يعطيه اسماً من أسماء القديسين مثل حصن قاعدة سان جورج قرب ساحل العاج،
وقاعدة سانتا جون قرب الرأس الأخضر.
ومع الثورة الصناعية في أوروبا وما لابسها من تثبيط علاقة الناس بالدين
وجدت الكنيسة نفسها على هامش الحياة العامة وخاصة في ظروف الثورة الفرنسية
التي هبت عدواها على معظم الدول الأوروبية، فبارت تجارة رجال الدين في سوق
الشعوب الأوروبية، وكسدت سلعة الكنيسة في معارضها الروحية، فوجدت
الفرصة من خلال تلك الصيحات المنبعثة الداعية إلى ضرورة هداية الشعوب
الإفريقية، وأن على الرجل الأبيض أن يتحمل عبء تبشير هذه الشعوب وتمدنها،
فهبت البعثات التنصيرية، ودبت حركات المنصرين من كل حدب وصوب لخلق
مملكة المسيح على الأرض. وإذا كانت هذه الأمنية لم تتحقق فإن من الأهمية بمكان
ألا ننسى نجاح هذه البعثات في نشر المسيحية.
وقد أوجدت هذه الجهود التنصيرية في ظل الحماية الاستعمارية جواً خصباً
للمسيحية في إفريقيا؛ فلارتباطها بمدارس وإدارات المستعمر كسبت لها أتباعاً في
كل هذه الدول على نسب متفاوتة؛ ففي ظل المناطق التي لم يصلها الإسلام من قبل
لبعدها عن بؤرة التأثير بين الثقافة العربية الإفريقية سواء في المبادلات التجارية أو
الهجرات والدعوة الإسلامية لأسباب في معظمها جغرافية، كان انسياب المسيحية
فيها طليقاً في لباس المدنية الغربية حراً لم يواجه بكثير من العقبات إذا استثنينا ذلك
الرفض الذي ينطلق في غالبه من اعتبارها دين الرجل الأبيض الغازي، وأما في
باقي القارة الإفريقية حيث كان للإسلام مواطئ قدم سابقة؛ فقد كان دخول المسيحية
يتم على صورة الصراع بين المسلمين والمستعمرين، والحركات الجهادية التي
احتوت أحداث القرن التاسع عشر كانت علامات رفض للاستعمار وسياساته
التنصيرية في إفريقيا، فظهرت حركة الشيخ عثمان بن فوديو في نيجيريا
(1804 - 1810م) ، وحركة محمد أحمد عبد الله المهدي في السودان
(1843 - 1885م) وحركة رابح بن عبد الله في وادي تشاد، وحركة الشيخ
عمر المختار في ليبيا، والشيخ عمر الفوتي في منطقة السودان الغربي (1797 -
1864م) .
ولرجحان كفة الاستعمار العسكرية بسلاحه الناري تمكن من أن يطيح بكل هذه
المقاومات المناهضة له، بإعدام قادتها في بعض الأحيان أو طمس حركاتهم في
معظم الأحيان ومتابعة السياسة التوسعية الاقتصادية والدينية دون مبالاة.
وقد بقي الإسلام بالرغم من كل ذلك دين السواد الأعظم من الإفريقيين،
وتمكن من الوصول إلى كثير من المناطق التي لم يصلها قبل مجيء الاستعمار.
إن هذا الأمر يثير التساؤل حول: لماذا ينتشر الإسلام بهذا الشكل في إفريقيا
على الرغم من كل ما يبذل من جانب التنصير؟
هناك عدة عوامل أسهمت في انتشار الدين الإسلامي في إفريقيا ترجع إلى
التنصير، على الرغم مما ينفق عليه بسخاء، كما ترجع إلى مضمون المسيحية
نفسها بمواجهتها مع المجتمع الإفريقي، وإلى الاستعمار الغربي، وهو الأمر الذي
لم يأت عن قصد، ولكن نتاجه المباشر أو غير المباشر كان الإسهام في انتشار
الدين الإسلامي في إفريقيا؛ فعوامل الطرد في إطار المسيحية عملت في الوقت
نفسه كعوامل جذب للإسلام.
* المسيحية ... دين الرجل الأبيض:
حرصت الإرساليات التنصيرية على نقل الحضارة الغربية الأوروبية لإفريقيا
مما جعل صفة الأجنبية والتغريب ترتبط في الأذهان بالمسيحية في إفريقيا، وهو ما
ترتب عليه استخدام تعبير «الأورو مسيحية» صلى الله عليه وسلمuro-Christianity في هذا
المجال، والنظر إلى الإفريقي المسيحي على أنه أورو مسيحي أو مسيحي أوروبي.
فالعمل التنصيري لم يقتصر على نشر الديانة المسيحية والدعوة للإنجيل،
ولكن تضمن أيضاً التعليم والحِرَف والفنون والرعاية الطبية، كما أن زراعة الثقافة
الأوروبية أصبحت بُعداً أساسياً من الأهداف التنصيرية.
ويلاحظ أن المحطات التنصيرية نمت حول تلك المدارس والعيادات الطبية
التي أنشأتها الإرساليات، ولم تعكس إلا القليل جداً من الحياة الإفريقية في القرى
المحيطة. فالإفريقيون المسيحيون المقيمون في الإرسالية كانوا في الواقع تقريباً
يعيشون في أرض أجنبية، ويتلقون ثقافة أجنبية وديناً أجنبياً. وقد أعطيت أسماء
أجنبية للإفريقيين في تلك المحطات التنصيرية، وكانت الشكوى من الأجنبية
والتغريب في الاتجاه والعبادة والحياة وطريقة المعيشة؛ حيث ترددت في إفريقيا
على اتساعها شكوى من الارتباط بأنماط ومؤسسات غير إفريقية مثلت المسيحية
كعقيدة أجنبية.
وفي الواقع فإن المسيحية في الأساس قد طوعت نفسها للحياة الاجتماعية
والشخصية للشعوب الأوروبية إلى الحد الذي أصبحت فيه مرادفة لهذه الحياة بكافة
أنواعها، أي ذات صبغة أوروبية. فقد حدث توليف بين المسيحية والثقافة في
الغرب أدى واقعياً إلى عرقلة انتشار المسيحية خارج نطاق من يتبعون الحضارة
الأوروبية.
وفي هذا المجال يؤكد بعض الباحثين المهتمين بدراسة المسيحية في إفريقيا
أنه من الناحية الاجتماعية يجب أن تتعرف الكنيسة على المظاهر الأساسية للنماذج
الثقافية الإفريقية وأن تتمسك بها، وإلا فإنها ستظل أجنبية بدون جذور؛ فكيف
يمكن للكنيسة أن تنتمي للمجتمع الإفريقي إذا كانت تعطي بوضوح الانطباع على
أنها جزء من طريقة الحياة الغربية؟
فالظروف والأساليب التي نجحت في الغرب لا يمكن تطبيقها تلقائياً في
إفريقيا. فإذا حملت المسيحية وصمة أنها مجرد فقرة أو مادة أخرى مستوردة من
الغرب فستبقى عميقة في اتصالها بالغرب، ومن ثم تصبح عميقة في مهمتها.
وحيث إن الكنيسة في إفريقيا تعتبر أجنبية أساساً، فإنها من ثم ترفض بشدة
من جانب الإفريقيين الذين يسعون لإبراز الشخصية الإفريقية والتخلص من آثار
الاستعمار التقليدي.
ومن الجدير بالملاحظة أن أسلوب التنصير القائم على تحويل روح واحدة أي
إدخال كل فرد على حدة للمسيحية قد اتبع في إفريقيا كما هو متبع في المسيحية
عامة، ولكنه وإن تمشى مع الفردية الغربية إلا أنه أغفل طبيعة الانتماء الجماعي
في إفريقيا، وأعطى الانطباع بأن على الأفراد أن يتركوا قبائلهم لينتموا للقبيلة
المسيحية.
وغني عن الذكر أن أسلوب التنصير الفردي هذا يجعل من الصعب دخول
الإفريقيين للمسيحية كجماعات وإن لم يحل دون دخولهم كأفراد، على خلاف
المشاهد بالنسبة للعائلات بل وللقبائل التي تدخل الإسلام كجماعات تلهج بترديد
الشهادة.
كما يلاحظ أيضاً أن العشيرة عادة ما تمارس ضغطها وخاصة أن التعميد في
العادة يتطلب إذناً كتابياً منها؛ ومن ثم فإن الانتماء التقليدي يجب أخذه في الحسبان.
ومن الواضح أن المنصرين ينصرون في إطار ثقافة المسيحية البروتستانتية
الإنجيلية أو الكاثوليكية الرومانية في القرن التاسع عشر، ومن الواضح أن وجهة
نظر الإفريقي وتجربته عن الحقيقة تختلف عن تلك التي للغربيين. وتبدو تلك
الصعوبة من خضوع الكنيسة لرجال الدين الأوروبيين البيض الغرباء عن الثقافة
الإفريقية وغير القادرين على الإحساس بالإفريقيين والذين يؤكدون سواء كانوا
كاثوليك أو بروتستانت أن المسيحية تنتمي لهم مما يصبغها بصبغة أوروبية، وهذا
ما حدا إلى استخدام الأفرو أمريكيين في التنصير بدلاً من المنصرين الأوروبيين،
وإن كانوا هم أيضاً لم يحققوا الهدف المنشود.
ومن الملاحظ أن بعض النظم الاستعمارية قد لجأت إلى اتباع سياسة
الاستيعاب كما هو حال فرنسا التي جعلت الإفريقيين يفكرون كأوروبيين لا
كإفريقيين بكل ما يتضمنه الأمر من معان أدت إلى تغريب الشخص الإفريقي
ومعاداة الثقافة الإفريقية والقيم المتوارثة.
وإذا كانت فرنسا قد أخذت سياسة الاستيعاب بجدية وركزت على الاستيعاب
الثقافي والحضاري فإن البرتغال قد ركزت على الاستيعاب الثقافي والديني؛ حيث
جعلت نشاطها مُرَكَّزاً على نشر الدين المسيحي الكاثوليكي مع استخدام الاستيعاب
كصمام أمان رفعته كشعار بالدرجة الأولى.
ومن هنا يؤكد البعض أنه في كثير من الحالات ينبغي على الإفريقي المسيحي
أن يعيد اكتشاف نفسه؛ فهو كمسيحي لم يكف عن أن يصبح إفريقياً، وتقبُّله
المسيحية لا يستوجب بالضرورة جعله أجنبياً عن أهله، ومن ثم تثور مشكلة
أساسية تتمثل في تكريس أزمة الهوية؛ حيث الاستيعاب لم يخرج في حقيقته عن
عملية إفناء حضاري.
وفي الوقت الذي حرصت فيه الإرساليات التنصيرية كما حرصت فيه النظم
الاستعمارية المختلفة على نقل الحضارة الأوروبية لإفريقيا، فقد طلبوا من
الإفريقيين ترك العديد من القيم المتوارثة التي لا تتمشى في رأي المنصرين
والمستعمرين مع نظام القيم الأوروبية والمسيحية.
فالحضارة الأوروبية اعتُبرت إحلالية محل الحضارة الإفريقية التي حرصت
الإرساليات على تدميرها كمتطلب سابق للدخول في المسيحية، وكما يعبر البعض؛
فإن ما قامت به الإرساليات هو في حقيقته عملية إفناء وليس عملية استيعاب، وأن
على الإفريقي وخاصة الإفريقي المسيحي التعامل مع هذه المشكلة. فالمنصرون
طلبوا من الإفريقيين الذين يتبعونهم في المسيحية ترك العادات التي تربوا عليها،
ونبذ قيمهم التقليدية، وكذلك فرضت المسيحية الالتزام بالزواج بواحدة فقط والنظر
إلى تعدد الزوجات على أنه تحلل خلقي؛ بينما المجتمعات الإفريقية بصفة عامة
قائمة على تعدد الزوجات. وهذه بالطبع نظرة سطحية تأخذ بظواهر الأمور دون
التعمق في حقيقة المعتقدات الإفريقية التي لها جوهر ومضمون. وهذا الأمر الذي
يستهجنه المنصرون يعتبره الإفريقيون مظهراً طبيعياً في المجتمعات الإفريقية التي
يختل فيها التوازن العددي لصالح النساء؛ حيث لا يتفهم المنصرون المضمون
الثقافي والمجتمعي لتعدد الزوجات، فلا يوجد في المجتمعات الإفريقية عامة مكان
للمرأة غير المتزوجة، وطالما كانت هناك قدرة على إعالة المرأة ومدها بالنذر
اللازم من الطعام والكساء والمأوى فإنه من الطبيعي والمنطقي في المفهوم الإفريقي
أن يتزوج الشخص القادر على ذلك؛ فهناك اعتبارات إنسانية تتدخل في موضوع
تعدد الزوجات، والإفريقيون لا يجدون حساسية في ذلك حتى إن الزوجة نفسها هي
التي تسعى لتزويج زوجها من أقرب صديقاتها، وهي التي تتولى الدعوة للزفاف
والاحتفال بالمناسبة، وتعيش الزوجات عيشة أسرية عادية باعتبارها النمط الطبيعي
للحياة؛ بحيث تكون الزوجة الأولى هي الأساس وهي المبلغة لكلمة الزوج لبقية
الزوجات وأفراد الأسرة، ومن ثم عندما يطلب المنصرون قطع الصلة بتعدد
الزوجات يعتبر طلبهم غير متقبل وغير طبيعي وغير منطقي بالمفهوم الإفريقي،
كما يفتح المجال للتحلل الخلقي في حالة عدم استطاعة استيعاب عدد من النساء
بدون زواج. بينما ما فرضه الإسلام من تنظيم العلاقة الأسرية من حيث السماح
بتعدد الزوجات وتحديده من الناحية العددية، وتنظيم القيود التي فرضت على
الطلاق وغيرها تعتبر خطوة تقدمية ومنطقية في إطار النظرة الإفريقية في هذا
المجال.
ومن الملاحظ أن المنصرين بدؤوا يغضون الطرف عن تعدد الزوجات؛ وذلك
في محاولة لجذب الإفريقيين للمسيحية وتطويعها للقيم التقليدية، وفي بدء الأمر كان
التشدد تجاه تعدد الزوجات بالنسبة لمن يدخل في المسيحية؛ حيث كان الاقتصار
على زوجة واحدة، ثم بدأ التجاوز عن هذا الشرط بالنسبة لمن كان لديه أكثر من
زوجة قبل دخوله المسيحية، ثم امتد بالتغاضي عن التعدد حتى بعد الدخول إليها في
محاولة لكسب الأعداد.
ولعل من أهم عوامل إخفاق المسيحية وعدم تحقيقها ما كان يرجى لها من
نجاح في إفريقيا هو إخفاقها في تفهم القيم الروحية الإفريقية أي عدم تفهم المنصرين
أنفسهم للتقاليد الإفريقية، حيث الدخول في المسيحية يعني قطع الصلة بالعديد من
القيم والعادات المتوارثة.
فمن الجدير بالملاحظة أن كثيراً من المنصرين الغربيين بصفة عامة
يستهجنون اعتقاد وإيمان الإفريقيين بالأرواح وعالم الغيب، وهو جزء أساسي من
المعتقدات والقيم الإفريقية التي استمرت حتى بعد دخول الكثير من الإفريقيين
للديانات السماوية.
ويؤكد المنصرون على ضرورة ترك ما يطلقون عليه الأفكار والمعتقدات غير
الرشيدة، بل إن المنصرين يضعون الدخول في المسيحية في كفة وترك الاعتقاد
بعالم الأرواح والإيمان بالغيب والعالم غير المرئي الذي يعتقد فيه قبل الانضمام
للمسيحية في كفة أخرى. فهم يعتبرونها أحد مظاهر الوثنية من جهة ما سبق أن تم
في أوروبا في العصور المظلمة عندما ساد الاعتقاد بها من جهة أخرى. ويرى
البعض أن المنصرين يجب أن يفهموا العالم الإفريقي كما يفهمه الإفريقيون وأن
يكيفوا أنفسهم مع هذا الواقع ويغيروا وجهة نظرهم فيما يطلقون عليه بالظاهرة غير
الرشيدة «ظاهرة الروح» .
وعليه فإن الإفريقيين وعلى وجه الخصوص النخبة الجديدة من الزعماء
والشباب أي العناصر التي تحركت اجتماعياً واكتسبت وعياً يشعرون بالمرارة من
استهزاء المنصرين وسخريتهم من التقاليد والعادات الإفريقية.
فتفسير المنصرين للعادات التقليدية ومحاولات إحياء التراث وبعض القيم غير
المعترف بها في المسيحية أسهم في عدم الثقة بالمنصرين؛ حيث الاتجاه حالياً في
إفريقيا نحو التأكيد على الإفريقية وإحياء الروحانيات وإعادة بعث القيم التقليدية
القديمة.
باختصار: فقد عمل المنصرون من وجهة نظر الكثير من الإفريقيين على
تدمير الحضارة الإفريقية وقطع صلة الإفريقيين بالعادات والقيم التقليدية مع إعادة
تشكيلهم وفقاً لما ارتأوه. ومن ثم استمر الشعور بالرغبة في المقاومة لدى الإفريقيين
وتحركوا خطوات في هذا الاتجاه بقصد العودة إلى كل ما هو تقليدي، فالأصالة
أصبحت هي الصيحة الإفريقية خاصة بعد الاستقلال، وفي هذا المجال نظر
الكثيرون للإسلام على أنه جزء من الأصالة الإفريقية التي سعت النظم الاستعمارية
والإرساليات التنصيرية إلى طمسها، وأنه من وجهة نظر الشعوب الإفريقية قد تم
استيعابه تماماً، وأصبح أحد سمات الشخصية الإفريقية؛ فالدخول في الإسلام لا
يتطلب بالضرورة الانتماء إلى الحضارة العربية.
* الإرساليات التنصيرية تحمل بذور فنائها ... !
هناك عدة أبعاد للنشاط التنصيري على الرغم مما ينفق عليه بسخاء أسهمت
في الإساءة لصورته ومن ثم انعكست على مدى انتشار المسيحية. ولعل أول هذه
الأبعاد هي الاتصال؛ فالمسيحية جاءت إلى إفريقيا على يد المنصرين الأوروبيين،
وما زالت لهم اليد الطولى في هذا المجال على الرغم من انتشار الكنائس المستقلة؛
فهناك في الواقع حائل حضاري ونفسي يفصل بين المنصرين وبين المخاطبين من
الإفريقيين، وعادة ما يردد المهتمون بالشؤون الإفريقية بأن الإفريقي لا يفهمه بحق
سوى الإفريقي مثله؛ فعلى الرغم من أن الاتصال في الإرسالية أخذ كحقيقة مسلَّم
بها، إلا أن المسيحية في الواقع عانت من تخلف في توصيل الرسالة المسيحية ليس
فقط لمن يعيشون بعيداً عن المناطق الحضرية، ولكن أيضاً لمن يعيشون في المدن؛
حيث التحريك الاجتماعي وعوامل التغيير الثوري في كثير من الحالات.
فمن الواضح حتى للدارسين المهتمين بالمسيحية وانتشارها أنه لم يتمكن من زرع
المسيحية بعمق في إفريقيا؛ حيث إن الأساليب التي استخدمت وصلحت في الغرب
لا تصلح بالضرورة في إفريقيا. ويأتي عدم الثقة في جدية التنصير والقائمين عليه
كبعد ثانٍ من أبعاد إخفاق المسيحية في إفريقيا.
ومن الملاحظ أن المنصرين في سعيهم لجمع الأموال اللازمة للعمل التنصيري
في إفريقيا قد أساؤوا دون قصد إلى صورة المجتمعات الإفريقية؛ وذلك بإبراز
بعض أوجه الحياة والنواحي غير المشرقة في تلك المجتمعات كالفقر والمرض
والتخلف الاجتماعي والمبالغة في إظهارها جذباً للعطف والأموال، أي بمعنى آخر:
عمل المنصرون على إظهار صورة سيئة عن إفريقيا والإفريقيين في أوروبا
وأمريكا حتى يستمروا في عملهم التنصيري والحصول على الأموال اللازمة لذلك.
ولكن من ناحية أخرى يسيء هذا الأمر لشعور الإفريقيين وخاصة الدارسين
والعاملين في الدول الأوروبية والأمريكية والمحتكين بالمجتمعات الغربية عامة.
وفي مسابقة أجريت بين الدارسين من الدول الإفريقية المختلفة في الولايات
المتحدة الأمريكية لإبداء رأيهم في التنصير بما يعكس وجهات نظر الطليعة الجديدة
في هذا المجال، جاءت معظم الآراء سلبية، ومن ذلك القول بأن المنصرين الذين
يذهبون إلى إفريقيا يؤكدون حقيقة أن الإفريقيين فقراء؛ ومن ثم فهم يحاولون جمع
المال من وطنهم لمساعدة إفريقيا، ويكون من الأفضل جداً لو أنهم أكدوا أن
الأفريقيين فقراء؛ لأن الاستغلال والسيطرة حرمتهم من مواردهم الطبيعية وثروة
قارتهم.
وعلى أي حال فإنه على الرغم مما قد يقال عن النوايا الحسنة للمنصرين
والدوافع الإنسانية إلا أن ذلك السلوك من جانبهم أسهم في تشويه صورة إفريقيا في
العالم، واستثار الإفريقيين المحتكين بالخارج ضد المنصرين وضد الإرساليات
المسيحية في إفريقيا عامة.
ومن ناحية أخرى فمن أهم ما أسهم في ابتعاد الإفريقيين عن التنصير هو
النظرة إلى أنه قاصر في نشاطه، فلم يستطع أن يحل المشكلات الروحية للشعوب
الإفريقية، كما لم يواكب التطورات السريعة والثورية التي تطرأ على تلك الشعوب؛
فالندوات الدينية في إفريقيا خاصة تلك التي في أقاصي المناطق الريفية تعطي
الانطباع على أنها بقايا لأديرة القرون الوسطى؛ حيث تعيش بعيداً عن المشاكل
والموضوعات الحقيقية في الحياة، ومعظم تلك الندوات الدينية يقوم بالتدريس بها
مدرسون غير إفريقيين بعضهم يبدون وكأنهم غير مهتمين البتة بدراسة الوضع
الإفريقي.
على الرغم من أن الكنيسة هي التي بدأت التغيير الاجتماعي في إفريقيا عن
طريق التعليم الذي يعد أهم عامل ثوري في التحريك الاجتماعي إلا أنها لم تستوعبه؛
فقد تعلم الكثير من الشباب المتحركين اجتماعياً والعاملين في المصانع والمدن
عامة أن يجدوا طريقهم بدون الكنيسة التي أخفقت في أن تبني جماعة جديدة في
المدن، وأن تواجه انهيار النظم الاجتماعية المرتبطة بالانتقال من الريف إلى
الحضر، وأن تعطي توجيهاً إيجابياً لحركة الطبقة العاملة والفئات المتحركة
اجتماعياً في المدن؛ حيث لا تقدم المسيحية برنامجاً اجتماعياً، وأصبح الكثيرون
منجذبين للسحر كحماية ضد القوى الاجتماعية، كما انجذب الكثيرون للإسلام
وزعاماته وتنظيماته الدينية المنتشرة في المدن.
باختصار: فإن الكنيسة أصبحت في حاجة إلى إعادة تجديد للتمشي مع
الأوضاع الاجتماعية الجديدة؛ وذلك كما يؤكد المهتمون بدراسة المسيحية في إفريقيا.
فمن المتفق عليه عامة بين الدارسين والمحللين للمسيحية في إفريقيا أن انقسامية
الكنيسة لا تمكنها من القيام بدور فعال في مجتمع يتطور في كافة نواحيه.
ويأتي اتباع المنصرين للسياسة الاستعلائية كثالث بُعد من أبعاد إخفاق العمل
التنصيري داخل القارة الإفريقية؛ فالمنصرون المسيحيون يذهبون إلى القارة
الإفريقية حاملين معهم تلك الطبيعة الاستعلائية والإحساس بتفوق المجتمع الغربي
الذي جاؤوا منه؛ فهم لا يندمجون مع المجتمع الإفريقي، ولا يتزوجون منهم، بل
يحافظون دائماً على مسافة بينهم وبين الإفريقيين. وإذا كان المنصرون كثيراً ما
يركزون في دولهم الأصلية في سعيهم لجمع الأموال لاستمرار عملهم التنصيري في
إفريقيا على سوء الحياة المعيشية التي يعيشونها والمعاناة الضخمة التي يتلقونها من
المعيشة في المجتمعات المتخلفة مقارنة بمستوى المعيشة في دولهم الأصلية، إلا أن
مما يزيد من استثارة الإفريقيين أن من أهم ما يلاحظ هو المستوى المعيشي المرتفع
للمنصرين بالنسبة لما يحياه الإفريقيون مما يجعل المبشر يعيش حياة مغايرة تماماً
للحياة الإفريقية، وينعزل إليها بعد دروسه التنصيرية؛ حتى المحطات الإرسالية
فإنها تحاط بعزلة عن بقية المجتمع؛ فهي تمثل بؤرة أوروبية في المجتمع الإفريقي
مع الفواصل الحضارية والنفسية والمادية بين المنتمين للاثنين.
ومن الجدير بالذكر في هذا المجال أن نشر الدعوة الإسلامية وإن كان ينقصه
الإمكانيات والدعم المنظم للنشاط الدعوي، إلا أنه لا يواجه مثل ما يواجهه ذلك
النشاط التنصيري المسيحي من مشاكل؛ حيث المسلمون يعملون بمبدأ كل مسلم
داعية لدينه.
وقد تميزت المحطات التنصيرية منذ البداية بالاستغلال الذي بدأ بالاستعباد
التنصيري وذلك منذ إقامتها خاصة في غرب إفريقيا في ضوء مثلث الأطلنطي
للتجارة الذي مثل العنصر البشري الإفريقي الذي اقتلع من جذوره في ظل تجارة
الرقيق لينقل للعالم الحديث أهم أضلاعه بحيث أطلق عليه «المثلث الذهبي» .
ويتم فيها - المحطات التنصيرية - تجنيد العبيد وبيعهم وتشغيلهم وتقسيم القبائل
والممالك، وقصر تعليم الأغلبية على التعليم الابتدائي وتعليمهم الصلاة. ومن هنا
كانت تعد وبحق مقاطعات استعمارية، ولم يكن لها دور مسيحي له اليد العليا في
حياة المواطنين؛ فكان الأهالي في المناسبات الحزينة أو السعيدة يعتمدون على
رجال الديانة التقليدية بشكل أساسي، ثم يأتي القس فقط ليقول الكلمات الأخيرة.
وعليه فقد استمر الاستغلال في استخدام المحطات للنشاط التجاري وجمع الأموال.
ولعل أهم ما واجه المسيحية في إفريقيا من صعوبات عرقلت نشاطها هو
صبغها بالصبغة الاستعمارية؛ حيث نظر إليها على أنها أداة استعمارية وملحقة
بالإدارة الاستعمارية عاشت على حذوها أياً كانت تلك الإدارة، ومن ثم فإن رفض
الاستعمار تضمن بالطبيعة رفض كل ما ارتبط به من قيم بما فيها المسيحية،
والمنصِّر المسيحي كان رائداً لدخول الرجل الأبيض للقارة؛ فالمنصرون كانوا
طليعيين للاستعمار الغربي في إفريقيا؛ فقد سبقوا الجيوش الاستعمارية ووطدوا لها،
كما جاؤوا في ركابها؛ حيث لم تخل الجيوش الاستعمارية من المنصرين ليعملوا
على فتح القلوب. وتضمنت الاتفاقيات التي أبرمت بين النظم الاستعمارية
والزعامات الإفريقية حيثما وجدت بنداً ينص على إطلاق حرية التنصير في طول
البلاد وعرضها، كما عاش المنصرون على الحظوة والتفضيل الإمبريالي
والسياسي، وارتبطت مصالحهم بمصالح دولهم المستعمرة خاصة، وارتأوا استمرار
الوضع القائم الذي يمكنهم من القيام بمهامهم، وبنفس المثل استخدمتهم النظم
الاستعمارية على اختلافها لتحقيق أهدافها؛ فالعلاقة بينهم متبادلة وكذلك المصالح.
فالعلاقة بينهم تكافل بالدرجة الأولى؛ ومن هنا فقد استخدم البعض تعبير (إمبريالية
الجماعات التنصيرية) أو (الإمبريالية التنصيرية) رمزاً لتسلط الإرساليات في
إفريقيا وسياستها في السيطرة على مقدرات الشعوب وتسييرها وفقاً للسياسات
الاستعمارية والقضاء على أي تراث ثقافي قائم غير التراث الغربي المسيحي.
وكان المدخل الواسع للتنصير ونشاطه هو التعليم الذي كان نحو 95% منه على يد
المنصرين في ظل الغارة الاستعمارية، وكان التعميد هو المتطلب السابق للتعليم في
معظم الحالات، لكن في بعض الحالات قام الإفريقيون فيما بعد بإحراق المدارس
والكنائس على أساس أنها مرتبطة بالسلطة ومن ثم بالإخضاع. وكما يعبر البعض
من الإفريقيين أن الشر الأساسي للتنصير في إفريقيا هو تراثها النفساني.
فالمسيحية هي دين الأسياد الجائرين الأجانب، وقد ينظر إلى زيادة انتشارها
بين شعب يحاول أن ينفض عنه آثار سيادة الجائرين نظرة ريبة. وليست فكرة إقناع
الرجل الأسود برب الرجل الأبيض سوى ترادف لإقناعه بقبول دوره الأدنى.
ومما يلاحظ في هذا المجال أنه في الوقت الذي ربطت فيه الشعوب الإفريقية
بين الاستعمار والمسيحية - حيث قدمت المسيحية على أي حال من جانب مواطنين
ينتمون على وجه الخصوص لدول مستعمرة - فإن الإسلام على العكس ارتبط في
أذهان الكثيرين بالوقوف في وجه الاستعمار لا كمجرد دعاية أو تصور ولكن كحقيقة
موضوعية؛ فمن ناحية واجهت الجيوش الاستعمارية محاولة فرض السيطرة من
جانب الدول الأوروبية مقاومة شديدة من جانب الزعماء الدينيين المسلمين الذين
أطلقوا على الأوروبيين من الغزاة اسم الكفار. وقد شهدت القارة الإفريقية في الواقع
هذه الظاهرة التي انتشرت من مكان لآخر مع اختلاف مسمياتها، وجميعها أمثلة
حية على ما يمكن أن نطلق عليه الحروب المقدسة تحت راية الإسلام لمقاومة الغزو
الأوروبي والتسلط الاستعماري.
ويلاحظ أن الإسلام كان بطيء الانتشار في القارة الإفريقية عامة حتى القرن
التاسع عشر، حتى فرض الاستعمار سيطرته على القارة، ومن وقتها انتشر
بسرعة واضحة؛ حتى أصبح متغلغلاً في كل دول القارة مع الاختلاف بينها في
نسبة المسلمين العددية؛ فما من دولة في القارة اليوم إلا وفيها نسبة من المسلمين بما
في ذلك أنجولا معقل الكاثوليكية وركيزة البرتغال بالقارة لقرون. وهم مع قلتهم
ظاهرة تدرس في كيفية الصمود والاستمرار رغم الجهود المكثفة للتنصير بالمنطقة
ولقرون.
وهناك عدة جهود لتسويغ أسباب ارتباط سرعة انتشار الإسلام وتعميقه في
إفريقيا بوجود المستعمر؛ فمن ناحية يمكن القول إن الحروب الدينية باسم الجهاد
جذبت إليها الكثيرين لمواجهة الاستعمار، ومن ناحية أخرى فقد يكون هناك اجتياح
تلك الجيوش الإسلامية لكثير من القرى أثناء مواجهة المستعمر جعل الكثيرين
يتبعونه لا بحماس المجموعة الأولى ولكن اتباعاً للكثرة.
ومن ناحية ثالثة فإن زعامة القادة الإفريقيين المسلمين للجهاد ضد المستعمر
الأوروبي أوجد تعاطفاً مع المسلمين، وجعل الإسلام رمزاً للكفاح ضد الاستعمار،
وجذب البعض نحوه ممن نفروا لنفس السبب من المسيحية التي جاءت تحت الراية
الاستعمارية الأوروبية.
يضاف إلى هذا أن النظم الاستعمارية في كثير من الحالات كما حدث في
غرب إفريقيا وشمالها وشرقها لم تستطع أن تقيم حكمها إلا بعد القضاء على الممالك
الإسلامية القائمة والتي مثلت عقبة في سبيل فرض سيطرتها الاستعمارية، إلا أنها
وإن كانت قد استطاعت بذلك أن تضعف النفوذ السياسي للمسلمين في كثير من
المناطق لم تستطع أن تتغلب على حقيقة أن المسلمين كانوا على درجة من التقدم
والتنظيم والثقافة مما جعلها تستعين بهم في الإدارة، كما استخدمت الكثير من
المشايخ ذوي النفوذ الاجتماعي والسياسي لضمان السيطرة على الشعوب عن
طريقهم مما قوَّى من نفوذهم الاجتماعي والسياسي وجذب إليهم المزيد من الأتباع،
ويبدو هذا واضحاً من المشايخ والعلماء المعروفين بالمرابطين في غرب إفريقيا
الناطقة بالفرنسية وخاصة في السنغال. ويلاحظ أن اعتماد إنجلترا على السواحليين
في شرق إفريقيا في الإدارة كان مطلقاً تقريباً على الرغم من كراهيتهم لذلك. ولكن
كونها قد بنت سياساتها الاستعمارية على النفعية (البراجماتية) فإنها كان عليها أن
تستعين بأكثر العناصر تقدماً ألا وهم المسلمون السواحليون، مما أسهم أكثر في
زيادة نفوذهم اجتماعياً، وزاد من نشاط الدعوة الإسلامية. يضاف إلى هذا أن نشاط
الأقليات الإسلامية من الهنود الذين جلبتهم الإدارة البريطانية للعمل في شرق إفريقيا
والجزر الإفريقية أسهم في نشر الإسلام عن طريق هؤلاء الذين، وإن كانوا قد
جاؤوا معهم ببعض الانشقاقات الدينية إلا أنهم على أي حال كانوا مسلمين، ويرجع
الفضل لهؤلاء المسلمين التجار في حمل شعلة الإسلام في شرق وجنوبي إفريقيا؛
بحيث نجد أن نحو 6% من الملونين ذوي الأصل المختلط في جمهورية جنوب
إفريقيا من المسلمين. وأصبح المسلمون بهذا الشكل يعيشون حياة اجتماعية غير
تلك التي يعرفها المسلمون قبل الاستعمار، وأصبح يعرف هذا النوع من الإسلام
بالإسلام العلماني Islam Secular ويقصد به الإسلام الذي اعتنقه السكان أثناء
الاستعمار الأوروبي، أي أنه الإسلام الذي تخفف من بعض الظواهر الاجتماعية
التي لا تمس العقيدة الإسلامية.
ولكن من ناحية أخرى فإن الدين الإسلامي يعد عاملاً هاماً في توحيد الثقافة
الإفريقية، وأنه من بين الشعائر الإسلامية ما يكون رباطاً هاماً للتفهم بين المسلمين
كما يجعل من الثقافة الإسلامية الإفريقية وحدة مترابطة، وأن الشعائر الإسلامية
واحدة في كل مكان. كما أن التعاليم الإسلامية هي التي شكلت الحياة الإفريقية؛
وعليه فالإسلام الإفريقي يمكن أن يفهم بطريقة مزدوجة؛ فهو مظهر إفريقي محلي
في عالم الإسلام، وهو أيضا تنوع إسلامي في الثقافة الإفريقية.