مجله البيان (صفحة 4410)

في دائرة الضوء

دروس من حركة تحرير المرأة المصرية

خالد أبو الفتوح

abulfutoh@hotmail.com

مع التحفظ على استخدام كلمة (تحرير) فإن الحركة التي عرفت بذلك الاسم

في مصر إضافة إلى الحركة نفسها في تونس تعد من أهم الحركات ذات الأثر

الاجتماعي التي عرفها عالمنا العربي في عصوره المتأخرة.

وبالنظر إلى سبق التجربة المصرية وإلى موقع مصر وثقلها في العالم العربي

والإسلامي فإن حركة تحرير المرأة فيها تعد حركة خصبة جديرة بالدراسة

والاستفادة منها لمعالجة آثارها من ناحية، ولأنها مرشحة للتكرار بشكل أو بآخر في

مواطن أخرى من ناحية ثانية.

وقبل أن أذكر بعض هذه الدروس وهي عموماً ملحوظات أولية تحتاج إلى

مزيد بحث ونقاش وبسط أحب أن ألفت النظر إلى ملحوظتين عامتين:

الأولى: هي أن واقع المرأة المصرية والمسلمة عموماً آنذاك كان واقعاً يسوده

الجهل والتخلف وأحياناً كثيرة القهر والظلم، وقد كان ذلك الواقع ينسب عند كثيرين

من العامة إلى الدين والشرف والرجولة.. ولم تكن هذه الصورة منبتَّة الصلة عن

واقع المسلمين عموماً الذي كان انحرافهم عن دينهم قد أدى إلى أمراض وتقهقرات

(حضارية) كثيرة.

الثانية: عندما ظهرت حركة تحرير المرأة المصرية بدا أنه يتفاعل فيها ثلاثة

تيارات: اثنان منها رئيسان، هما: التيار المحافظ، والتيار (الوسطي الإصلاحي)

بحسب النظر إلى الطرفين وليس إلى اعتداله والتيار الثالث كان ثانوياً من حيث

حجمه ولكنه كان خطيراً من حيث دوره، وهو التيار التحرري الغربي؛ فإضافة

إلى كون هذا الأخير حاداً في هجومه واضحاً في تبعيته، فإنه لعب دور (الفزاعة)

للتيار المحافظ وللرأي العام، فكان وجوده يدفع من لا يرضى عن واقع المرأة وكان

لا يرضي كثيرين من أصحاب الفكر والضمائر إلى تيار الوسط الإصلاحي

والالتفاف حوله والرضا به رغم كون أفكاره والقائمين عليه ليسوا فوق مستوى

الشبهات، ومن هذا التيار (الوسطي الإصلاحي) خرجت الدعوة (العملية)

لتحرير المرأة لتتفاعل في المجتمع وتسير به خطوة خطوة في عملية متدرجة

متصاعدة صبت في النهاية باتجاه تيار (الفزاعة) الذي بات مألوفاً فيما بعد (التيار

التحرري الغربي) . وقد كان لهاتين الملحوظتين أثرهما في مسيرة هذه الحركة.

وهاكم بعض الملحوظات التي نرى فيها دروساً ينبغي وعيها والاستفادة

منها:

* تحرير المرأة كتلة ضمن بناء ضخم:

يشير أحد الباحثين إلى خطوط التماسِّ بين العرب والغرب، فيقول: « ...

أدى تسرب الثقافة الغربية إلى العالم العربي إلى قيام ثلاث حركات كبرى متداخلة

بعضها في بعض:

أولاها: سياسية: وتتمثل في تزايد المطالبة بتقرير المصير.

وثانيتها: اقتصادية اجتماعية: وتظهر في زيادة الطلب على بضائع الغرب

وفنونه واقتباس المعايير الغربية بتعديلها أو بدون تعديل في تنظيم المظاهر المادية

والخارجية للحياة العربية. كما ظهرت أيضاً في المطالبة بتحرير المرأة، وإلغاء

نظام تعدد الزوجات، والسفور، والمطالبة بتحسين أحوال العامة من الناس.

أما الحركة الثالثة: فثقافية وخلقية: فمن الجانب الخلقي أصبح أساس

السلوك السليم هو الاقتناع الذاتي بسلامته والرغبة في المحافظة عليه، ومعنى هذا

أن سلامة السلوك لم يعد أمراً تحتمه التقاليد أو النصوص المقدسة، بل أمر تقرره

حرية الفرد وشعوره بدوره الاجتماعي ... » [1] .

وقد احتلت قضية تحرير المرأة مكاناً بارزاً في حركة الاختراق الغربي لعالمنا

العربي والإسلامي، حتى إن المعتمد البريطاني (كرومر) يشير إلى أن «وضع

النساء في مصر وفي البلاد الإسلامية يعد عقبة قاتلة تحول دون رفع المستوى

الفكري والشخصي الذي يجب أن يصحب دخول الحضارة الأوروبية إلى هذه البلاد

[مصر] ، وإذا أرادت هذه الحضارة أن تحقق أفضل فائدة ممكنة فليس أمامنا إلا

تعليم المرأة ... ويذكر كرومر ما نصه: إن هناك سؤالاً مفتوحاً يحتاج إلى إجابة،

ألا وهو: هل تعليم المرأة [حسب المنظومة الغربية] يمكن أن يترك آثاراً صحية

وإيجابية على سلوك الرجال؟ كما أنه يناقش على المستوى التصوري النتائج التي

قد تنشأ عن ضعف التأثير الأخلاقي لتعليم المرأة، وما قد يترتب عليه من يأس من

متابعة جهود الإصلاح، كما أنه يشير إلى أن تعدد الأدوار الإصلاحية (توجيه

وإرشاد وشرح ومناقشة) لن تحدث التأثير المرجو ما لم يكن المرء قادراً على رفع

مستوى المرأة، فذلك هو المدخل الأساسي لتنمية الرجل المصري وفق قواعد التعليم

الأوروبي» [2] ، ولذلك نجد أن حركة تحرير المرأة تواكبت مع حركة اجتماعية

وسياسية ووطنية قوية وشاملة.

وعلى ذلك فمن الخطأ بمكان محاولة معالجة موضوع المرأة منفصلاً عن

الأبعاد (الحضارية) الأخرى، فالمسألة مسألة رؤية شاملة للإنسان والحياة والكون،

وليست مسألة امرأة تخرج من بيتها أو لا تخرج، تعمل أو لا تعمل، ترتدي زياً

معيناً أو لا ترتدي ... كما أن (كتلة) تحرير المرأة تحتوي على محاور متعددة

عمل عليها دعاة التحرير، فكان هناك محور فكري ثقافي عمل من خلال النشاط في

الصحافة والإعلام والتعليم الملوث بالأفكار العلمانية والاتجاهات الغربية، ثم بعد

ذلك من خلال الأعمال الفنية المتنوعة.

كما كان هناك محور تشريعي عمل على تغيير التشريعات الخاصة بالمرأة

والأسرة لتتوافق مع النظرة الغربية للمرأة وحقوقها، كأحكام الزواج والطلاق

والقوامة والحضانة والميراث.

إضافة إلى ذلك كان هناك محور سياسي تمثل في إقحام المرأة إقحاماً في

العمل السياسي، وفي التدخل بالضغوط السياسية بهدف التأثير على الأطراف

المشاركة في الصراع حول القضية.

وقد كانت هذه المحاور متواكبة وإن أحرز بعضها تقدماً ملحوظاً عن غيره في

فترات ما، ولكن أصحاب التوجه التغريبي والعلماني لم يكلُّوا عن استكمال الدائرة

من جميع محاورها؛ فكما أننا يجب أن ننتبه إلى مكان (أو مكانة) الكتلة في البناء

الكلي يجب أن ننتبه أيضاً إلى جميع العناصر التي تتكون منها هذه الكتلة، كما

يجب أن ننتبه كذلك إلى المتغيرات والتطورات التي تطرأ دائماً عليها وعلى من

يحملها وعلى المستهدفين منها.

* استغلال التباس الدين بالعادات والتقاليد:

التبست في الواقع آنذاك الأحكام الشرعية للمرأة بالعادات والتقاليد، فكان

ينظر إلى بعض هذه الأحكام على أنها (عيب) ، كما كان ينظر إلى بعض هذه

العادات والتقاليد الخاصة بالمرأة على أنها (حرام) حتى ولو لم تكن كذلك في

الحقيقة.

وقد يكون هذا الالتباس مفيداً على المدى القصير؛ حيث يكون هناك أكثر من

حائط صد ضد الهجمات المتوقعة، ولكنه على المدى البعيد له خطورته: ففضلاً

عن كونه قد لا يقدم الدين في صورته الصحيحة فإن الارتباط بين هذين الحائطين

يجعل سقوط أحدهما سقوطاً للآخر بشكل تلقائي، وهذا ما فعله دعاة تحرير المرأة

الأوائل، فإنهم دعوا إلى تحرير المرأة في بادئ الأمر باعتبارهم مهاجمين لأوضاع

اجتماعية شائنة يرفضها الدين وليسوا مهاجمين للدين، واستخدموا في هذا الهجوم

آراء شرعية تحتمل الصحة والخطأ ولكنها عموماً قد يكون لها قبول فقهي للترويج

لدعوتهم؛ فماذا فعل الرافضون لهذه الدعوة؟

الذي حدث أن معظمهم تخندق في موقع (المحافظين) فرفضوا هذه الآراء

رغم وجاهة بعضها من منطلق أنها (عيب وحرام) ، وليس أدل على ذلك من كون

أبرز من ردوا على قاسم أمين عندما أخرج كتابه (تحرير المرأة) كان محمد

طلعت حرب الذي ارتبط اسمه فيما بعد بتأسيس الاقتصاد الربوي في مصر، بل إن

القبطي واصف بطرس غالي كان مع علي الشمسي وهما عضوان في الوفد ممن

عارضوا أمر سعد زغلول لصفية زوجته بخلع (البرقع) ومواجهة مستقبليهم في

مصر سافرة الوجه.. صحيح أنه قد يكون لواصف بطرس غالي أغراض أخرى

من هذا الرفض، ولكن صحيح أيضاً أن هذا البرقع ارتبط بقيم معينة في أوساط

طبقية واجتماعية معروفة بغض النظر عن دين صاحبته أو التزامها بهذا الدين.

والذي حدث أنه رغم الردود على دعاة تحرير المرأة فقد بقيت آراؤهم

(الشرعية) يسعها الدين، وقد عزز هذه الآراء لدى الناس الواقع الذي كانت تعيشه

المرأة، ومع طول الأمد، ومع المثابرة، ومع ضغوط القوى السياسية، ومع تغير

تركيبة المرأة المصرية الفكرية والثقافية.. أصبحت آراء دعاة تحرير المرأة مقبولة،

ومع قبولها انهارت المنظومة الاجتماعية الدينية الخاصة بالمرأة بأكملها.. وكان

لا بد فيما بعد من تأسيس المنظومة من جديد على أسس صحيحة، وهي أن الأحكام

الشرعية الخاصة بالمرأة (دين) يجب أن يلتزم به (كما هو) طاعة لله واستسلاماً

له.

* سبق أصحاب الاتجاهات التغريبية في التأثير على المرأة وتبني قضاياها:

ويظهر ذلك جلياً في ظهور الصحافة النسائية وتعليم البنات: فباكورة

الصحافة النسائية كانت مجلة (الفتاة) التي أصدرتها عام 1892م هند نوفل التي

تنتمي لأسرة لبنانية وخريجة إحدى مدارس الراهبات بالإسكندرية، وقد تولى والد

هند اليوناني الأرثوذكسي وكان كاتباً إدارة مكتب (الفتاة) متناولين قضايا المرأة.

وفي يونيو 1896م ظهرت ثاني مجلة نسائية، وهي (الفردوس) للويزا

حابلين التي نزحت عائلتها من قرية زوق ميخائيل بالشام.

وفي نوفمبر 1896م ظهرت مجلة (مرآة الحسناء) نصف الشهرية التي كان

يصدرها (سليم سركيس) تحت اسم مستعار هو (مريم مظهر) .

وفي 1898م أنشأت ألكسندرا أفيرينوه، وهي تنحدر من أسرة يونانية

أرثوذكسية كانت تتمتع بالحماية الروسية قبل نزوحها من بيروت، ودرست في

إحدى مدارس الراهبات بالإسكندرية.. أنشأت مجلة (أنيس الجليس) الشهرية..

وجدير بالذكر أن ألكسندرا هذه مثلت نساء مصر في مؤتمر اتحاد المرأة العالمي

للسلام المقام بباريس عام 1900م رغم أنها كانت حاصلة على الجنسية البريطانية،

كما كان لها نشاط اجتماعي وسياسي ملحوظ، وكانت تعقد صالوناً دورياً بمنزلها

يلتقي فيه المفكرون والكتاب والشعراء من النساء والرجال، وقد عدها أحد

المسؤولين البريطانيين «ذات فائدة كبيرة لجهاز مخابراتنا في هذا البلد [مصر] في

العديد من المواقف» [3] .

وفي عام 1899م أنشأت إستر أزهري مويال وهي يهودية من بيروت،

ومتزوجة من شمعون مويال الماسوني مجلة (العائلة) نصف الشهرية، والغريب

أن إحدى الجمعيات الخيرية الإسلامية أسندت لهذه اليهودية إدارة مدرسة بنات تابعة

للجمعية.

ومع احتدام الجدل حول قضايا المرأة في مطلع القرن العشرين خاصة بعد

ظهور كتابات قاسم أمين بدأ في الظهور الصحافة النسائية (الإسلامية) ، أي التي

لا يملكها ويصدرها غير مسلمين، وإلا فإن الوعي الإسلامي الصحيح بمثل هذه

القضايا لم يكن تبلور بعد: فظهرت مجلة (الهوانم) الأسبوعية عام 1900م،

ويرأس تحريرها أحمد حلمي، وفي العام نفسه ظهرت مجلة (المرأة في الإسلام)

نصف الشهرية، ويرأس تحريرها إبراهيم رمزي، وفي العام التالي ظهرت مجلة

(المرأة) نصف الشهرية ورأست تحريرها أنيسة عطا الله وهي في الغالب مسلمة من

الشام، وظهرت أيضاً مجلة (شجرة الدر) الشهرية، ورأست تحريرها سعدية سعد

الدين زادة، وهي أول مصرية مسلمة تصدر مجلة نسائية.

وفي عام 1902م ظهرت (الزهرة) لمريم سعد، ثم في عام 1903م ظهرت

(الموضة) لسليم خليل فرح، «وقد تراوحت موضوعاتها من النقد الاجتماعي

إلى التسلية، ولكن معظم هذه المجلات كانت قصيرة الأجل لم تترك أثراً يذكر»

[4] . ثم عاود النصارى الشوام إصداراتهم، فصدرت مجلة (السعادة) برئاسة

تحرير ريجينا عواد عام 1902م، وفي عام 1903م أصدرت روزا أنطون التي

تنتمي لأسرة يونانية أرثوذكسية نزحت من بيروت، وهي أخت فرح أنطون

صاحب مجلة الجامعة وزوجة نيقولا حداد الكاتب المعروف، وكلاهما من الداعين

إلى الفكر الاشتراكي، أصدرت مجلة (السيدات والبنات) .

وفي عام 1906م أصدرت لبيبة هاشم، وهي بيروتية مارونية درست في

مدارس الإرساليات الإنجليزية والأمريكية، وكانت متزوجة من عبده هاشم

الماسوني المعروف، أصدرت مجلة (فتاة الشرق) الشهرية، لتستمر في الصدور

ثلاثة عقود بدون توقف، وهي أطول فترة صدور لمجلة نسائية آنذاك، وقد نشطت

لبيبة على مستوى الجمعيات النسائية، وجابت أنحاء مصر وسورية لإلقاء

محاضراتها.

وبعد ذلك صدرت عدة مجلات نسائية لمصريات قبطيات ومسلمات معظمهن

صاحبات رؤية مشوشة وملتبسة عن المرأة والإسلام، وقد كانت مجلة (الريحانة)

التي أصدرتها جميلة حافظ عام 1907م أول مجلة ترى في الإسلام طريقاً لتحسين

أوضاع المرأة، مؤكدة أن العلمانيين والحداثيين لا يمكنهم احتكار الدفاع عن حقوق

المرأة، ولكن هذه الخطوة جاءت متأخرة خمسة عشر عاماً استطاع فيها هؤلاء

العلمانيون والحداثيون بذر أفكارهم في المجتمع المصري بشكل أو بآخر.

والأمر نفسه يمكن قوله عن التعليم؛ وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى الدور

الخطير الذي لعبته إرساليات التنصير الأجنبية والحكومات والجاليات الأجنبية؛ فقد

كان للمدارس التي أنشؤوها ثلاثة أهداف: هدف ديني يتمثل في التنصير ونشر

مذاهبهم الدينية، وهدف طائفي يتمثل في تزويد أفراد الجاليات بثقافاتهم الخاصة،

وهدف سياسي يتمثل في نشر الثقافات والدعاية السياسية الأجنبية.

وعلى هذه الأهداف أنشئت في عام 1835م أول مدرسة أجنبية للبنات على يد

المستر ليدز أحد المبشرين الإنجليز، ثم جاءت راهبات المحبة وأسسن مدرسة

لتربية البنات سنة 1846م، وحذا حذوهن الراهبات الفرنسيسكان وأنشأن مدرسة

بالقاهرة سنة 1859م، ثم أسست مس وتلي سنة 1860م مدرسة إنجليزية، وقد

نجحت بعد عشر سنوات من الدأب والمجاهدة في جذب كثير من الفتيات المصريات

إليها، ثم أنشأت الراهبات الفرنسيسكان مدرسة أخرى ببولاق سنة 1868م،

وغيرها بالمنصورة سنة 1872م.

ولمواجهة هذه الحملات (التبشيرية) المذهبية بدأ الأقباط في منتصف القرن

التاسع عشر في إنشاء مدارس للبنات، فأسست الكنيسة القبطية مدرسة للبنات في

حي الأزبكية عام 1853م، وأخرى في حارة السقايين بالقاهرة تحت إدارة البطريك

سيريل الرابع، كما تم إنشاء مدارس قبطية أخرى بجهود أهلية.

وكان لليهود أيضاً مدارسهم الخاصة بهم، ففي عام 1840م افتتح أدولف

كريميو وهو أحد رجال الدولة اليهود بفرنسا عدة مدارس في القاهرة والإسكندرية،

ورغم أن هذه المدارس ما لبثت أن أغلقت أبوابها إلا أن الطائفة عادت فأنشأت

مدرسة للبنات في الإسكندرية عام 1862م، ثم جاءت الدفعة اليهودية التالية لتعليم

البنات في التسعينيات من القرن التاسع عشر، عندما افتتحت جماعة الأليانس

الإسرائيلية العالمية وهي مؤسسة خيرية يهودية فرنسية مدارس تعليم مشترك

بالقاهرة والإسكندرية وطنطا.

وبعد أن أخذت هذه الاتجاهات زمام المبادرة أنشئت أول مدرسة مصرية

(غير طائفية) بخلاف مدرسة الحكيمات التي أنشئت عام 1832م برعاية إحدى

زوجات الخديوي إسماعيل سنة 1872م هي المدرسة السيوفية، من أجل تعليم

الجواري وبنات العائلة المالكة وكبار موظفي الدولة.

وإضافة إلى الكتاتيب وبعض المدارس التي أنشئت بجهود فردية تعد جمعية

تعليم البنات الإسلامية التي أنشئت عام 1901م باكورة العمل الموجه لتعليم البنات

المسلمات.

ويمكن القول إن هذه المدارس كانت إسلامية الانتماء، وهناك علامات

استفهام كثيرة حول المفاهيم والمناهج التي كانت تدرسها، وهو ما يدل عليه ما سبق

ذكره من تسنم إحدى الناشطات اليهوديات الماسونيات إدارة مدرسة بنات تابعة

لجمعية خيرية إسلامية.

وفي حين أن مدارس البنات (الإسلامية) متأخرة النشأة كانت تتوجه إلى

تقديم تعليم مجاني لبنات الطبقات الفقيرة والمحرومة مرتكزة على تبرعات المحسنين

وهو جهد تشكر عليه على أي حال فإن شريحة الأغنياء وعلية القوم اتجهوا إلى

المدارس الأجنبية «ليتعود أبناؤهم وبناتهم الحياة الأوروبية والتفكير الأوروبي،

فيصبح بينهم وبين سواد الشعب حائل كثيف من حيث الأخلاق والعادات والتفكير»

[5] .

ويلاحظ في هذا المقام وجود نمو ملحوظ لتأييد الرأي العام لتعليم البنات على

الوضع الذي كان قائماً، الأمر الذي رصده المعتمد البريطاني اللورد كرومر؛ حيث

كتب عام 1898م: إنه بالرغم من بطء التقدم إلا أنه «لم يعد هناك وجود للامبالاة

التامة التي كان الرأي العام يواجه بها قضية تعليم البنات في السنوات الماضية» ،

ثم عاد ليكتب بعد سنتين: «إن التغيير الذي حدث للرأي العام المصري في خلال

السنوات القليلة الماضية بخصوص قضية تعليم النساء لهو تغيير مثير للانتباه» ،

وفي عام 1904م توصل إلى أن الرأي العام بالنسبة لتلك القضية قد «تحول

تماماً» .. وكتب جورست الذي خلف كرومر في عام 1907م: «أصبح لدى

المصريين رغبة قوية في تعليم بناتهن تعليماً جيداً» .. وفي سنة 1913م كتب

المستشار العام كتشنر: «إن المعارضة واللامبالاة التي كان المصريون يقابلون بها

قضية تعليم البنات قد انتهت الآن تماماً» [6] .

وقد صاحب هذا النمو في الرأي العام نمو آخر في نسبة البنات المسلمات

الملتحقات بمدارس الإرساليات التنصيرية؛ فمع تراخي الدولة في الاستجابة للطلب

المتزايد على تعليم البنات «وجدت الإرساليات التبشيرية المسيحية المجال واسعاً

أمامها لإقامة مدارسها، وظلت لوقت طويل أكبر مركز لتعليم البنات في مصر من

حيث عدد التلميذات، ففي عام 1892م كان عدد المدرسين بمدارس الإرساليات

التبشيرية يبلغ 360 معلماً في أكثر من 50 مدرسة تولوا التدريس لحوالي 9 آلاف

تلميذة، في حين عمل 200 مدرس في 40 مدرسة أهلية ضمت أكثر من 4 آلاف

تلميذة. أما المدارس الحكومية فكان يعمل بها عشر مدرسين موزعين على ثلاث

مدارس ضمت 242 تلميذة. وإلى جانب ذلك فقد بدأت نسبة التلميذات المسلمات

إلى نسبة التلميذات المسيحيات تتغير؛ ففي أوائل التسعينيات من القرن التاسع عشر

كان من النادر وجود تلميذة مسلمة في إحدى مدارس الإرساليات التبشيرية، كما كان

الالتحاق بتلك المدارس قاصراً على المسيحيات، وفي خلال العقدين التاليين أصبح

30% من التلميذات في المدارس التابعة للإرساليات التبشيرية من المسلمات.

ويلفت النظر استعداد الأهالي أو ربما اضطرارهم نظراً لانعدام البدائل لإلحاق بناتهم

من دون أبنائهم بمدارس الإرساليات التبشيرية..» [7] .

ثم كانت خريجات هذه المدارس وأضرابها هن طلائع حركة تحرير المرأة

المصرية وحجر الزاوية فيها.

يقول الدكتور رؤوف عباس أحمد بعد أن يذكر أن النخبة المثقفة المصرية

التي احتضنت (الجامعة المصرية) في العقد الأول من القرن العشرين كانت تؤمن

بتحرير المرأة وبحقها في التعليم، وضرورة أن يكون لها دور في بناء المجتمع،

يقول تحت عنوان: (الجامعة والتعليم المختلط) : «وما كان إنشاء القسم النسائي

في رأينا إلا اختباراً من جانب القائمين على أمور الجامعة لمدى تقبل الناس لفكرة

تلقي النساء العلم في الجامعة؛ فاللاتي انتسبن إلى القسم النسائي كن من سيدات

الطبقة العليا في المجتمع اللائي نلن حظاً من التعليم في المدارس المصرية

والأجنبية إلى جانب الأجنبيات المقيمات في مصر؛ فلم يكن الهدف إذن فتح أبواب

التعليم الجامعي للمرأة المصرية بقدر ما كان اختباراً للنوايا والمواقف من تلك الفكرة»

[8] .

ولا شك أن التيارات التغريبية والعلمانية في حركة تحرير المرأة وجدت واقعاً

يقتضي التغيير، وفي الوقت نفسه كان هذا الواقع خالياً من المعارض أو المقاوم ذي

الشأن، فانطلقت هذه التيارات بحرية وقوة ترسم للمرأة المصرية معالم تحررها من

هذا الواقع وتقودها نحو تغييره.. وفرق كبير لو انتبهت لهذا الواقع وخطورته قوى

إسلامية أصيلة وواعية، وأخذت زمام المبادرة نحو التغيير في الاتجاه الصحيح.

* استخدام دعاة تحرير المرأة لحجج ضبابية:

فتحرير المرأة المصرية كانت دعوة أقرب إلى الدعوى منها إلى الحقائق

العلمية الاجتماعية، وقد استخدمت في هذه الدعوى أساليب كثيرة من الدعاية الهادفة

إلى التأثير على العقول والنفوس، ليس من ضمنها المنطق الهادئ الرزين،

ونضرب على ذلك مثالين:

الأول: ما ادعاه مروجو هذه الدعوة فيما يخص العلاقة بين تحرير المرأة

ورفع الحجاب وبين تقدم الأمم، فقد ربط هؤلاء بين تقدم الأمم الأوروبية وتحرير

المرأة هناك، باعتبار أن تحرير المرأة هناك كان أحد مقومات وأسباب تقدم هذه

الأمم، ثم قارنوا ذلك مع واقع تخلف البلدان الأخرى (وعلى رأسها الإسلامية)

ووضع المرأة فيها، باعتبار أن وضع المرأة في هذه البلدان هو أحد الأسباب

الرئيسة في تخلف هذه البلدان، ثم رتبوا على ذلك أن تقدم هذه البلدان مرهون إلى

حد بعيد بتحرير المرأة، ويقصدون من ذلك: خروجها من إطارها الاجتماعي

الإسلامي ولحوقها بنموذج المرأة الأوروبية أو نموذج قريب منه. فهل بالفعل

كان تحرير المرأة الأوروبية سبباً في تقدم أوروبا، وعدم تحرير المرأة المسلمة

(بمفهومهم) كان سبباً في تخلف البلدان الإسلامية؟

يشير الباحثون عادة إلى أن نقطة تحول المنحنى العمراني الأوروبي نحو

الصعود كانت في الفترة ما بين 1450 - 1700م، وقد شهدت هذه الفترة وما

تلاها تحولات دينية وثقافية وفنية وعلمية وصناعية عديدة أثرت بلا شك على بنية

المجتمع الأوروبي فيما بعد، ولم تشهد هذه الفترة تقدماً يذكر في وضع المرأة في

الغرب سواء من جهة النظرة إليها، أو من جهة حقوقها الاجتماعية ووضعها

القانوني، أو من جهة تكوينها الثقافي ومساهمتها في نهوض المجتمع.

هذا في حين أن بداية الحركة النسائية في الغرب التي أخذت على عاتقها

الكفاح من أجل حصول النساء على حقوق متساوية ووضع قانوني عادل، والتي

أدت إلى تغيرات جذرية في وضعهن الاجتماعي والقانوني وأحدثت تغيراً هائلاً في

المجتمع الغربي تمشياً مع قيمه المتطورة الجديدة.. هذه الحركة تؤرخ عادة بعام

1792م، عندما نشرت ميري ولستن كرافت (Craft Wollston Mary) كتابها

الذي بعنوان (دفاع عن حقوق النساء) في إنجلترا.

أي إن الحركة النسائية في الغرب كانت لاحقة لتقدم الغرب وقوته، ومن ثم

فمن الصعب منطقياً قبول القول بأن هذه الحركة كانت السبب في تقدم الغرب وقوته،

كما أن هذا التقدم شمل مجالات عديدة وساهمت فيه عوامل وظروف كثيرة، منها

ما قد يعد إيجابياً يمكن اقتباسه أو محاكاته، ومنها ما قد يعد سلبياً ويعاب اقتباسه

أخلاقياً أو إنسانياً.. فمن هذه العوامل والظروف: نقل علوم الأمم الأخرى

(وخاصة المسلمين) والاستفادة منها وتطويرها، ومنها أيضاً: غزو هذه الأمم

واحتلالها وإذلال سكانها ونهب خيراتها، فهل يستطيع أحد القول إن سبيل تقدمنا

هو الاحتلال والنهب والاستغلال؟ ومن ناحية أخرى: فالناظر إلى واقع تخلفنا

وعلاقته بواقع المرأة يرى أيضاً أن تردي أوضاع المرأة من وجهة النظر الصحيحة

كان لاحقاً أو مصاحباً وليس متقدماً على واقع التخلف والضعف الذي نعيشه في

واقعنا، وأن الأمة الإسلامية عندما كانت تتقدم الأمم كانت مكانة الأسرة والمرأة

وواقعها فيها أقرب إلى تعاليم الإسلام منها إلى مكانتها وواقعها في حالة الضعف

والتخلف؛ وقد كان لهذه الحالة أسباب وظروف عديدة أيضاً ليس من ضمنها تمسك

المرأة المسلمة بتعاليم دينها، بل إن العكس هو الصحيح، وهو أن تخلي المرأة

المسلمة عن هذه التعاليم كان أحد أسباب الضعف والتخلف وخاصة في الجانب

الأسري والاجتماعي.

المثال الثاني للأساليب الضبابية لدعاة تحرير المرأة هو: قضية المرأة

والعمل: فلقد بدأت الدعوة إلى خروج المرأة للعمل وإعدادها لذلك بالمقدمات التالية:

1 - المرأة نصف المجتمع وتعطيلها عن العمل تعطيل لنصف طاقات

المجتمع.

2 - في المجتمع بعض النساء في حاجة للعمل لإعالة أنفسهن أو ذويهن.

3 - بعض النساء المصريات يعملن بالفعل لسد حاجاتهن، ولكن في أعمال

شاقة أو مهينة أو غير أخلاقية؛ لأنها لا تحتاج إلى تعليم، والمجتمع لا يمنعهن من

ممارسة تلك الأعمال.

4 - من الأفضل إعداد المرأة بتعليمها وتأهيلها لأعمال غير شاقة وغير مهينة

ولا تعرضها لابتزاز أو تحرشات أخلاقية.

إلى هنا والكلام جيد ومنطقي، ولكن لأن هذه المقدمات كانت مبتسرة ومنتقاة

فقد أدت إلى نتائج أكثر سوءاً من الواقع المراد علاجه، وهو أن المرأة أصبحت

مبتذلة أمام جميع الأفراد، وأن المشقة التي لاحقتها أنستها تميزها النوعي الأنثوي،

وأفقدتها وظيفتها الاجتماعية، ومن ثم أثر ذلك كله على المجتمع بكامله.

ولو أضيف إلى المقدمات السابقة المقدمات الأخرى (الساقطة عمداً) فلربما

تغيرت النتائج نحو الأفضل، ومن هذه المقدمات:

1 - وجود خصائص تكوينية ونفسية للمرأة تقتضي تفردها وعدم الضغط

عليها بأعمال لا تناسبها حتى وإن كانت أعمالاً شريفة أو تناسب الرجال.

2 - أن عدم أداء المرأة لعمل مهني لا يعني عدم أدائها لدور فعال في المجتمع.

3 - أن عمل المرأة لا يعني التفريط في هوية مجتمعاتنا أو تعاليم ديننا والتي

منها: التكافل الاجتماعي، والتزام المرأة بحجابها الشرعي بالمفهوم الشامل، ونظام

الأسرة في الإسلام.

4 - أن ما سبق كله يقتضي:

أ - إيجاد تعليم نوعي وإعداد خاص للمرأة يناسب طبيعتها، ولا يتعارض مع

هوية مجتمعها وتعاليم دينها.

ب - أن يكون القائمون على هذا التعليم والإعداد مؤتمنين ومهيئين لأداء هذه

الرسالة.

ج - وجود إطار إسلامي عام تلتزم به المرأة المسلمة إذا خرجت للعمل.

د - البحث عن وسائل فعالة تساعد المرأة المتعلمة والعاملة على أداء رسالتها

الاجتماعية الأساس.

فإذا أضيفت هذه المقدمات إلى المقدمات السابق ذكرها لاختلفت النظرة

واختلف الاتجاه واختلفت النتائج.

* قوى تحرير المرأة والضرب تحت الحزام:

لم تكن دعوة تحرير المرأة نابتة في بلادنا نبتاً طبيعياً، بل كانت نتيجة وجود

تطورات استثنائية استخدمت فيها أساليب قسرية لإعادة تشكيل مجتمعنا حسب رؤية

جديدة.

ولم يتوان دعاة هذه الدعوة عن استخدام أساليب غير نظيفة والاستعانة بقوى

غير بريئة وتحت مستوى الشبهات.

فقد كانت أول المحاولات لـ (تحرير) المرأة المصرية من إطارها

الاجتماعي الإسلامي على يد زعيم الحرب الفرنسي نابليون بونابرت وعسكره أثناء

حملتهم على مصر والشام، فكما يذكر الجبرتي فإن أعضاء هذه الحملة فتحوا

المجال وأحياناً حملوا على تمرد بعض النساء؛ حيث يقول: «ومنها [أي:

أحداث سنة 1215هـ] تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء، وهو

أنه لما حضر الفرنسيس إلى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في

الشوارع وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة،

ويسدلن على مناكبهن الطُرَح الكشميري والمزركشات المصبوغة، ويركبن الخيول

والحمير ويسوقونها سوقاً عنيفاً مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية [سائقي

الحمير] معهم وحرافيش العامة، فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل

والفواحش، فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن، وكان ذلك التداخل

أولاً مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في إخفائه؛ فلما وقعت الفتنة الأخيرة

بمصر [القاهرة] وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها

وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات صرن مأسورات عندهم فزيُّوهن بزي

نسائهم، وأجروهن على طريقتهم في كامل الأحوال، فخلع أكثرهن نقاب الحياء

بالكلية، وتداخل مع أولئك النساء المأسورات غيرُهُن من النساء الفواجر» [9] .

ثم في عهد محمد علي وخلفائه انفتحت الدولة على الغرب فأرسلت البعثات

إلى أوروبا وفتحت البلاد أمام نشاط الإرساليات التنصيرية تحت رعاية رجال الدولة

فبدأ تعليم البنات على يد هذه الإرساليات كما سبق ذكره، واستغل نصارى الشام

وأصحاب الاتجاهات التغريبية هذه الفرصة فنشطوا في مجال الصحافة والفن

محتمين على وعي بالقوى السياسية والمتنفذين في الدولة.

ثم كان الاحتلال الإنجليزي أكثر دهاءً من الفرنسيين، فأسند عملية التغريب

ومنها تحرير المرأة إلى أيادٍ مصرية من الموالين له المتشربين لثقافته، فعملوا تحت

حمايته بواجهة وطنية، فكان من هؤلاء: الشيخ محمد عبده، والقاضي قاسم أمين،

والمحامي مرقص فهمي، ومنصور فهمي (والد صفية زغلول) ، وأحمد لطفي

السيد.

إلا أن سعد زغلول يعد أخطر هؤلاد دوراً؛ حيث كان على صلة وثيقة

بالإنجليز، متشبعاً بأفكارهم، مقرباً إليهم، وفي الوقت نفسه كان أزهرياً،

واستطاع بمقدرته الخطابية التي برز فيها وبألاعيبه السياسية أن يكتسب شعبية

جارفة جعلت (الجماهير) المخدوعة تقبل منه ما لا تقبله من غيره.. ولم يترك

سعد فرصة للترويج لـ (تحرير) المرأة إلا اغتنمها، فكان هو المنفذ العملي لهذه

الدعوة، حتى إنه كان يشترط على السيدات اللواتي يحضرن لسماع خطبه أن

يزحن النقاب عن وجوههن، ثم كان هو أول من نزع الحجاب عن المرأة المصرية

عندما دخل بعد عودته من المنفى إلى سرادق المستقبلات من النساء، فاستقبلته

هدى شعراوي بحجابها، فمد يده ونزع الحجاب عن وجهها وهو يضحك.

وما زالت هذه الأساليب (غير النظيفة) مستمرة عبر قوانين وقرارات سيادية

تجبر المرأة قسراً على سلوك نهج معين هو النهج الغربي العلماني، وتصدها

وتحاربها للحيلولة دون التحول إلى نهج دينها وشريعة ربها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015