حوار
حوار مع فضيلة الشيخ قاضي حسين..
أمير الجماعة الإسلامية في باكستان
البرنامج النووي والقوة العسكرية الباكستانية وهويتنا الإسلامية
ليست من مصالح أمريكا
برزت الباكستان في بؤرة الأحداث العالمية بعد الحملة الأمريكية على
أفغانستان، وتعرضت لضغوط وتهديدات غربيَّة وهنديَّة، وكان أداء الحكومة
الباكستانية العسكرية غاية في الضعف والعمالة، لإعراضها عن تطلعات الشعب
ومطالبه، مما أدى إلى تمرير كثير من المخططات الغربية في المنطقة بشكل فاضح.
ولكشف كثير من الحقائق الغائبة عن الكثيرين، يسعدنا في هذا العدد أن نلتقي
بفضيلة الشيخ القاضي حسين أحمد، أمير الجماعة الإسلامية في باكستان - التي
أسسها أبو الأعلى المودودي - رحمه الله -، وهي من أكبر الجماعات الإسلامية
في شبه القارة الهندية، وأكثرها تأثيرًا في الساحة السياسية الباكستانية، وقد
حرصنا على الحوار مع فضيلته منذ بداية الحملة الأمريكية الجائرة على أفغانستان،
لكن الحكومة الباكستانية فرضت الإقامة الجبرية على الشيخ مدة طويلة، وبعد
خروجه كانت تنتظره برامج كثيرة، حتى تيسر - بحمد الله - هذا اللقاء الذي
تطرقنا فيه إلى ثلاث محاور:
1 - المحور الباكستاني.
2 - المحور الهندي.
3 - المحور الأفغاني.
نسأل الله تعالى أن يعز دينه، وأن ينصر أولياءه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المحور الأول: الباكستاني:
البيان: مضى على التدخل الأمريكي في أفغانستان عدة أشهر، وكان
للتحالف (الباكستاني - الأمريكي) دور رئيس في نجاح المخطط الأمريكي.. فهل
تحققت المصالح التي تطمح إليها الباكستان؟! أم أن أمريكا تجاوزت الجميع ولم
تر إلا مصالحها؟
- مشاركة (برويز مشرف) في التحالف الدولي كانت نتيجة للضعف
الشخصي، ولم يكن لهذه المشاركة والتعاون أية صفة قانونية أو أخلاقية، عندما
كان بل كلينتون رئيسًا للولايات المتحدة وقام بزيارة للهند توقف في باكستان لمدة
ست ساعات، واشترط لذلك ألا يصافح برويز مشرف أمام عدسات الكاميرات؛
لأنه حاكم عسكري غير دستوري قد سيطر على الحكم عنوة، هذا الأمر ظل بمثابة
عقدة نفسية ونقطة ضعف لدى برويز مشرف، وعندما هدده الرئيس بوش بتاريخ
13/9/2001، وخيَّره بين أن يكون «مع» أو «ضد» فاختار الرئيس غير
الدستوري والواقع تحت الضغوط اختار الوقوف مع أمريكا.
ثم قامت الآلة الإعلامية الحكومية بمحاولة إقناع الشعب بأن باكستان إن لم
تقف مع أمريكا فسوف يكون مصيرها مثل مصير أفغانستان، وترجع إلى
«العصر الحجري» كما هدد به بوش. وتناسى برويز مشرف أن باكستان
دولة نووية لم تبلغ من الضعف ما وصلت إليه أفغانستان، ولم يكن من السهل
معاملتها معاملة أفغانستان، وكان يجب أن يتخذ موقفًا مغايرًا لموقفه الراهن،
ولكن هذا الأمر كان يحتاج إلى قوة الإرادة وعزة النفس.
لو أشركت الحكومة الشعب في اتخاذ القرار، وقررت الحفاظ على حرية البلد
ومصالحه حتى وإن تعرض في سبيل ذلك لبعض الصعاب لكن الوضع مختلفاً،
ولكنه أخلد إلى الأرض، واختار الهوان.. منذ تلك اللحظة وباكستان في ذل وهوان
مستمر، لا نهاية له. حيث فقدنا استقلاليتنا، وأصبحت الحدود الغربية أيضًا غير
آمنة. ألتقى قبل أشهر حامد كرزاي بمندوب الصهاينة في آلما آتا وعرض عليه كل
التعاون لمحاربة «الإرهاب» .
أما الحدود الشرقية فالهند تهددها كالمعتاد وتستعين بـ (إسرائيل) لسحق
المقاومة وحركة التحرير في كشمير؛ والتعاون النووي بينهما لا يخفي على أحد،
كما تحظى الهند بدعم أمريكي وبريطاني مكشوف، فأصبحنا بين فكي كماشة،
علاوة على هذا وذاك تسعى أطراف مختلفة للإيقاع بين الجيش والشعب. القوى
الجهادية والمناطق القبلية والمدارس الدينية: كل هذه الفئات أصبحت في حالة
الامتعاض من سياسات الحكومة العسكرية، الإدراة الأمريكية تمارس ضغوطها على
باكستان لتعترف بهيمنة الهند على المنطقة. ويكفي تصريح بوش للدلالة على ما قد
تواجهه المنطقة من مصائب عندما قال: «إن صداقتنا مع باكستان سوف تستمر
إلى الوقت الذي تكون فيه مصالحنا ومصالح باكستان مشتركة» . الجميع يعرف أن
البرنامج النووي والقوة العسكرية الباكستانية وهويتنا الإسلامية ليست من مصالح
أمريكا.
البيان: تحدثت كثير من وسائل الإعلام الغربية عن ضرورة العمل على
تفكيك القوة النووية الباكستانية، ويرى بعض المحللين أن من أبرز أهداف التدخل
الأمريكي في المنطقة هو العمل على هذا.. فهل يرى فضيلتكم أن الجيش
الباكستاني يعي ذلك؟! وهل يمكن مواجهة هذا التهديد الأمريكي؟
- وقعت الحكومة الباكستانية في فخ وشراك كبير، ووقعت في مخالب أمريكا،
النفوذ الأمريكي يتزايد يوماً فيومًا (إف. بي. آي) فتحت مكاتبها في المدن
الكبيرة والصغيرة. القواعد الأمريكية موجودة في مناطق حساسة، وهذه المخاوف
في محلها بأن البرنامج النووي وقع تحت تهديدهم المباشر.
بعد التخلص من حكومة الطالبان أجبرت الإدارة الأمريكية الحكومة الباكستانية
على التخلي عن مجاهدي كشمير، والآن تمارس ضغوطها للتخلي عن البرنامج
النووي، الحكومة تعلن أنها لن تتخلى عن كشمير، أو عن البرنامج النووي؛ لكن
هل تستطيع ذلك؟ لا يمكن تصديق ذلك متى التزمت باكستان بموقفها المبدئي أمام
الضغوط الأمريكية.
البيان: لماذا لم تستفد باكستان من قوتها النووية في لعب دور قيادي
ومحوري في العالم الإسلامي؛ حيث يلاحظ أن وضع باكستان لم يتغير سياسيًا
واقتصاديًا إلا إلى الأسوأ؟
- العالم الإسلامي يحتاج إلى القيادة، والطاقة النووية لا تكتفي لذلك. لا بد
من القوة الأخلاقية والاعتماد على الله، ثم الثقة في النفس وبُعد النظر، أهمية القوة
المادية تأتي في الدرجة الثانية في قائمة مواصفات القيادة.
المؤسف أن معظم حكام العالم الإسلامي يفقدون الاعتماد على الذات، وهم
عالة على الغرب، ومحرومون من القوة الأخلاقية، ولا يملكون أي مشروع
للتخلص من المخالب الغربية الاقتصادية.
البيان: أنشأت القوات الأمريكية قواعد عسكرية دائمة في أفغانستان قريبًا
من الحدود الباكستانية والحدود الإيرانية.. فما أهداف هذه القواعد؟ وما
مستقبلها؟ وهل ستقبل الدول المعنية في المنطقة بها؟
- صحيح أن القوات الأمريكية أقامت قواعدها العسكرية في أفغانستان وفي
باكستان، والآن تهدد وتسعى لذلك في إيران والعراق، لكن كل الدول المحيطة
قلقة من هذا التصرف الأمريكي الأرعن، وحتى الدول الأوروبية لا تتفق مع هذا
التوجه الأمريكي؛ لأن ذلك يعرض العالم لحادث وخيم، وقد تغوص الولايات
المتحدة الأمريكية نفسها في هذا الوحل القاتل.
البيان: هناك صراع قوي يبدو أنه طويل النَّفس بين الجماعات الإسلامية في
الباكستان بمختلف اتجاهاتها وبين حكومة برويز مشرف والاتجاهات العلمانية في
الباكستان.. فما أبعاد هذا الصراع، وما رؤيتكم الاستراتيجية له، خاصة أن
لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (صلى الله عليه وسلم. I. C) اليد الطولى في تأجيج هذا
الصراع؟
- لا شك أن الحكومة الأمريكية تسعى لتأجيج نار الصراع بين الأحزاب
الدينية بحجة محاربة الإرهاب، كما تقوم بالتضييق على المدارس الدينية وإلحاقها
بالحكومة، وكما تعلمون أن هناك آلافًا من المدارس الدينية في باكستان، وجلها تقع
خارج نطاق التأثير الحكومي عليها، وتوفير ميزانياتها بمساعدة أهل الخير.
حكومة برويز تقع حالياً تحت تأثير ونفوذ الحكومة الأمريكية، ولكن مع ذلك
لا يمكن لها أن تفتح جبهاتها مع الحركات الإسلامية ومع المدارس الدينية.
قد لا تملك الأحزاب الدينية قوة انتخابية كبيرة، ولكن من حيث تأثيرها في
المؤسسات الوطنية المختلفة فتملك خبرة طويلة لممارسة الضغوط الشعبية على
الحكومة عبر تنظيم حركات احتجاجية سلمية كبيرة.
كما أنها تحظى بعلاقات واسعة مع كل الفئات الشعبية، وتصل قنوات
اتصالاتها إلى داخل المؤسسة العسكرية؛ فكلنا أبناء هذا البلد. وبإذن الله تعالى لا
يمكن للحكومة العسكرية أن تحول باكستان إلى تركيا أو الجزائر. وهذا ما اعترف
به برويز مشرف نفسه خلال لقائه مع قادة مجلس العمل الموحد عندما قال: «لا
يمكن لأحد أن يجعل من باكستان تركيا أخرى، ولا ننوي أن نحاول ذلك» وقال
برويز بكل وضوح: «إن باكستان كانت دولة إسلامية وستظل دولة إسلامية» .
إنهم اخترعوا مصطلح (الإسلام الحديث) للتستر على علمانيتهم وللأسف أن
النفاق تحت دعاوى (الإسلام الحديث) دين كل من يحكم باكستان، وهذا ما نخشاه
في المستقبل أيضًا، لكن الآن وقد اتحدت بفضل الله الأحزاب الدينية وتكوَّن
مجلس العمل الموحد نأمل بأن يزداد تأثير القوى المحبة للإسلام، ولن تتمكن بإذن
الله أية حكومة مقبلة أن تسبح عكس التيار الإسلامي للشعب الباكستاني. أمريكا
تدرك أبعاد هذا السيناريو، ولذلك تسعى لتكوين حكومة تلبي احتياجاتها من ناحية،
وتلهي الأحزاب الدينية بوعودها المعسولة من الناحية الأخرى، ولكن لن نُخْدَع
بذلك إن شاء الله، وسوف نحدد سياساتنا في ضوء المصالح الإسلامية، وفي ضوء
مصالح الأمة الإسلامية، وفي ضوء المتغيرات الدولية.
البيان: اختلفت تحليلات بعض الصحفيين في تفسير مواقف الجنرال برويز
مشرف، فمنهم من يرجح أنه عميل هزيل لأمريكا، ومنهم من يرى أنه رجل
وطني تعامل مع الأحداث بواقعية، واستطاع اتقاء الهجوم الأمريكي على
الباكستان والحفاظ على القوة النووية.. فماذا يرجح فضيلتكم؟ وهل هناك أطراف
قوية ومعارضة لمشرف داخل الجيش الباكستاني؟
- هناك آراء متضاربة حول شخصية برويز مشرف خارج باكستان وداخلها.
الرأي الأول يقول إنه نظرًا لضعفه الشخصي وضعف وضعه القانوني وقع في
أحضان أمريكا، والرأي الثاني يرى أنه حاول أن ينقذ باكستان من الولايات المتحدة
الأمريكية التي أصيبت بجنون، وأنه كان مجبرًا على ذلك، ولم يكن له أي مخرج
آخر. ونحن نقول إنه لو كان صادقًا في إنقاذ باكستان فإنه لم يسلك الطريق
الصحيح لذلك، ولم يضع الاستراتيجية المناسبة. أما أن يصبح مجرد تابع وخاضع
لأمريكا في محاربة ما تصفه هي بالإرهاب فهذه هي الأشواك التي لم ولن تثمر
العنب.
أما ما يتعلق بوضع برويز داخل المؤسسة العسكرية، فمؤسستنا العسكرية
مؤسسة متماسكة جيدة التنظيم، وكلنا حريصون على هذا التماسك وهذا التنظيم.
وجود برويز على رأس هذه المؤسسة أمر طارئ وآنى، أما المؤسسة العسكرية
فهي قوة وسند للعالم الإسلامي كله، ولا بد من الحفاظ على هذه القوة.
برويز مشرف أصبح ضعيفًا بعد الاستفتاء، وسوف يكون أكثر ضعفًا بعد
الانتخابات القادمة مهما كانت نتائجها - شعار المؤسسة العسكرية هو: إيمان،
تقوى، جهاد في سبيل الله. وهناك فئات قوية داخل المؤسسة التي هي مخلصة لهذا
الشعار، وترى من واجبها الحفاظ على هذا الشعار وعلى روحه.
البيان: تشهد الباكستان ضغوطًا أمريكية كبيرة للضغط على الأحزاب
والجمعيات والمدارس الدينية وتقزيم دورها.. فما موقف تلك الأحزاب
والجمعيات؟ وهل ستستسلم لهذه الضغوط؟
- الأحزاب السياسية التي حكمت باكستان في فترات مختلفة لا تختلف كثيرًا
عن الحكومة العسكرية الحالية في تعاملها مع أمريكا، ولكن الحكومات المنتخبة
(مهما كانت) تقع تحت الضغوط الداخلية أكثر من وقوعها تحت الضغوط الخارجية،
ولذلك لا يمكن للحكومة المنتخبة أن تستسلم للولايات المتحدة الأمريكية استسلام
الحكومات غير الدستورية. لذلك نسعى أن تكون هناك حكومة ديمقراطية منتخبة
بدلاً من حكومة ديكتاتورية، وهو الأمر الذي يكبح جماح الحكومة العسكرية نحو
تضييق الخناق على الأحزاب الدينية.
البيان: تآلفت بعض التيارات الإسلامية لمواجهة التدخل الأمريكي في
المنطقة، وأسست ما عرف (بمجلس الدفاع عن الباكستان وأفغانستان) ، فهل لا
يزال المجلس قائمًا؟ وما أعماله ومنجزاته؟ وهل هناك خطوات عملية لتطوير
أدائه؟
- مجلس الدفاع عن أفغانستان وباكستان كان تنظيمًا فضفاضًا طارئًا. أما
مجلس العمل الموحد فله قواعد ثابتة، سعينا لتكوينه سنين طويلة. والآن خرج
بدستور وبرنامج انتخابي موحد يضم جميع المدارس الفقهية. الجماعة الإسلامية
محور أنشطته والقوة الجامعة له، ويكون لها دورها المشهود له بإذن الله في أدائه.
البيان: في هذه الظروف الحرجة، ما هو مستوى العلاقة بين مختلف
الأحزاب الإسلامية؟ وهل هي علاقة تحالف أو تنسيق أو تنافس أو ... ؟
- مجلس العمل يضم ستة أحزاب دينية رئيسة: الجماعة الإسلامية، جمعية
علماء الإسلام (ف) ، جمعية علماء الإسلام (س) ، جمعية علماء باكستان،
جمعية أهل الحديث، الحركة الإسلامية (الحركة الجعفرية سابقاً) بين هذه
الأحزاب تنافس تقليدي، ولكن بما أنها جزء في التحالف الواحد بدأ تنافسها هذا
يتحول إلى تعاون وتآلف. الخلافات الفقهية بينها موجودة منذ قرون طويلة، ولا
يمكن القضاء عليها فورًا، ولكن إدراكًا من الجميع للتحديات الدولية الكبيرة
يشعرون ويدركون أهمية مثل هذا التحالف. ويسعون أن يتفادوا الخلافات ويركزوا
على المشتركات.
البيان: تمارس القوات الأمريكية في الباكستان أعمالاً استفزازية سافرة مثل
عمليات البحث والتفتيش عن عناصر القاعدة وطالبان في المنطقة الجبلية
الحدودية.. فهل ستقبل القبائل الباكستانية بمثل هذا؟ وما رأي الأحزاب
الباكستانية المعارضة؟
- القوات الأمريكية المتمركزة في باكستان تخوض عمليات مشتركة مع
القوات الباكستانية وخاصة في منطقة القبائل، وهذه العمليات أثارت غضب القبائل
وموجة من السخط والقلق داخل الأوساط الشعبية والعسكرية المختلفة. المؤسسة
العسكرية تدرك أن التضييق على القبائل وإثارتها يضعف الدفاع الوطني. ويبدو أن
هناك بعض المحاولات لإقناع القوات الأمريكية أن التدخل في المناطق القبلية ليس
في صالحها.
الأحزاب السياسية والدينية الباكستانية أيضًا قلقة على توسيع رقعة العمليات
العسكرية باسم مكافحة الإرهاب. وترى أن هذا الأمر سوف يدفع باكستان إلى أتون
الحرب الداخلية (لا سمح الله) ولكن القوات الأمريكية لم تعدل في سياستها إلى
الآن، وتسعى لازدياد نفوذها واتساع دائرة عملياتها، وهذا الأمر لن تحمد عقباه.
البيان: هل يوجد هناك أصدقاء مخلصون لباكستان في المنطقة بعد فقد
طالبان للسلطة أو بصورة أخرى ما مدى مصداقية الصين، وهل تعتبر إيران
أقرب لباكستان منها للهند؟
- بدخول باكستان في التحالف الأمريكي تأثرت صداقتنا مع الصين تأثرًا
سلبيًّا كبيرًا، ولم يعد ذلك الدفء الذي تفتخر به باكستان في صداقتها مع الصين،
وإن بدت تلك العلاقات كأنها لم يطرأ عليها تغيير، كما أن هناك جهودًا خارجية
للتأثير على علاقاتنا مع إيران؛ وذلك من خلال إثارة النزاعات الطائفية بين الشيعة
والسنة، ولم تعد الجارة الإيرانية في الدرجة المطلوبة أو المتوقعة من الصداقة مع
باكستان.
الجميع يدرك الطموحات والنزعات الهندية للسيطرة والتحكم على المنطقة
بالتنسيق الشامل مع الكيان الصهيوني، ولذلك تحتاج كل دول المنطقة مثل سري
لانكا والنيبال وميانمار وبنجلاديش وأفغانستان وإيران والدول الخليجية تقع
تحت التأثير الهندي الكبير، والهند تستغل عدد سكانها الكبير وقوتها الاقتصادية
للتأثير على هذه الدول، ولكن المستقبل يشير إلى ضرورة التقارب بين هذه الدول
وخاصة الدول الإسلامية والصين، وهذا ما تحاول أمريكا تفاديه ومحاصرته عن
طريق تقوية الهند وإخضاع دول المنطقة للهيمنة والشيطنة الهندية الصهيونية.
المحور الثاني: الهند:
البيان: هناك تحالف استراتيجي (أمريكي - هندي - إسرائيلي) موجه
أساسًا ضد الباكستان؛ فما رؤيتكم لهذا التحالف؟ وما موقف الجيش الباكستاني؟
- إن أهداف هذه القوى الثلاث مصالح مشتركة؛ فللولايات المتحدة مصالحها؛
لكنها واقعة في مخالب صهيونية، ولذلك دخلت في ساحة حددتها لها الصهيونية،
مصدر الويلات لأمريكا.
الكيان الصهيوني المحاط بالعالم الإسلامي لا يمكن لأحد أن يدافع عنه؛ حتى
في الداخل عدد الفلسطينيين أكثر من الصهاينة رغم أنهم اجتمعوا هناك من جميع
أنحاء العالم، الكيان الصناعي مثل الكيان المذكور لا يمكن أن يدوم طويلاً،
وتصبح له السيطرة على العالم كله. وهذه إحدى أسباب تحالف اللوبي الصهيوني
مع اللوبي الهندوسي، إنهم يعملون سويًا داخل الولايات المتحدة وخارجها،
ويؤثرون على السياسات الأمريكية. الخوف الأمريكي من البرنامج النووي
الباكستاني في الأصل خوف صهيوني أكثر من أن يكون خوفًا هندوسيًّا. والصهاينة
لا يمكنهم القضاء على البرنامج النووي إلا بالإتفاق والتنسيق مع القوات الهندية.
القوات الباكستانية تدرك أبعاد هذا التحالف الثلاثي الخطير. ولكن المؤسف
أن العالم في رعب من هذا التحالف. ولا يملك قدرة السير على خط استراتيجي
مستقل عن تأثيره. الجامعة العربية ومنظمة الدول الإسلامية وغيرهما من
المنظمات الإسلامية أصبحت شبه معدومة التأثير من حيث أدوارها المطلوبة.
الأمة الإسلامية في حاجة إلى قيادة شجاعة وحكيمة تستطيع الاستفادة من
القوى والقدرات الكامنة في شباب الأمة الإسلامية ويعيد لها ثقتها في نفسها ويوحد
صفوفها. والأمل في الله تعالى كبير.
العالم الإسلامي لا ينقصه الحماس وروح الفداء. استشهاديو الأمة أقضوا على
الأعداء مضاجعهم في فلسطين. التضحيات الكبيرة التي يقدمها المسلمون في كشمير
وفي الشيشان ترعب من يعاديهم. إن هذه الروح موجودة في جميع فئات الأمة.
ومنصة العالم جاهزة لاستقبال قائد العصر، ليأتي ويوقظ أسود الأمة من سباتها.
وما ذلك على الله بعزيز.
البيان: كشمير منطقة من مناطق الصراع الملتهبة، وقد استغلت الهند ما
سمي بالحرب على الإرهاب للضغط على الباكستان لتصفية الأحزاب والمنظمات
الجهادية؛ فهل ستضحي (حكومة مشرف) بمصالحها في كشمير كما ضحت
بمصالحها في أفغانستان؟
- تغيير سياسة باكستان في كشمير بمائة وثمانين درجة يصعب على برويز
مشرف. والهند تسعى لأن تصبح باكستان على قائمة الدول الإرهابية بحجة أنها
تدعم ما وصفته بالإرهاب في كشمير، نجحت الهند بممارسة الضغط على باكستان؛
وذلك بالتنسيق والتعاون مع القوى الغربية، واستطاعت إجبار باكستان على
إغلاق الطرق بين شطري كشمير رغم أن هذا الأمر غير قانوني وغير أخلاقي؛
لأن الكشميريين يعيشون على طرفي خط وقف إطلاق النار، ومن حقهم أن يتصل
بعضهم ببعض. بل إنشاء حركة المقاومة والتحرير من حق الكشميريين الذين
يقبعون تحت الاستعمار الهندوسي. وخط وقف إطلاق النار ليس بحدود دولية.
لكن رغم كل ذلك وقف الغرب كله مع الدعاوي والاتهامات الهندية، وأجبر باكستان
على هذه الخطوات غير الأخلاقية. ولكن ليعلم الجميع أن إجبار باكستان على
تغيير سياستها في كشمير بدرجة تغييرها في أفغانستان أمر مستحيل. إن مثل هذه
المواقف تؤدي - لا محالة - إلى ثورة وعصيان داخل كل الفئات الشعبية والرسمية.
والله أعلم.
البيان: سباق التسلح بين الهند والباكستان إلى أين يسير؟ وهل شبح
الحرب الذي تلوّح به الهند شبح حقيقي أم أنها أداة جديدة للضغط على الباكستان
والحصول على مزيد من التنازل؟
- التهديد الهندي لم يحصل إلا بدعم ورضى وإشارة من القوى الغربية. إنهم
قاموا أولاً بإبعاد القبائل عن القوة الدفاعية الوطنية ثم بإبعاد الحركات الجهادية
وبالقضاء على حكومة أفغانية صديقة على الحدود الغربية وبفرض حكومة لا تخفى
عداءها لباكستان، ثم بالحشودات الهندية على طول الحدود الشرقية، كل ذلك للنيل
من المواقف الباكستانية. وسيلتهم الأساسية في كل ذلك ممارسة الضغوط على
باكستان؛ فلو تحققت مآربهم عبر الضغوط والتهديد فقط فما ضرورة الحرب إذن؟
والجميع يدرك خطورة وأبعاد الحرب بين القوتين النوويتين.
البيان: ما دور الأحزاب الإسلامية في الباكستان لدعم وتقوية الوجود
الإسلامي في كشمير؟ وما رؤيتكم المستقبلية للقضية الكشميرية؟
- قضية كشمير أحياها الشعب الكشميري بنفسه. وكانت باكستان قد تخلت
عن ذكر قضية كشمير في المحافل الدولية، ولكن الشعب الكشميري لم ولن يرضى
بحياة الذل والاستعمار. إنه بدأ مقاومته المسلحة للاستعمار منذ انتخابات عام
1989م عندما قاطعها مقاطعة تامة. والآن المقاومة الكشميرية قوة سياسية كبيرة مع
كونها قوة جهادية. الشعب الكشميري لن يقبل أن يظل خاضعًا للحكومة الهندوسية،
وليست هناك أدنى إمكانية لأن يقبل الكشميريون أن يكونوا رعايا الهند. إنهم
يعلنون ذلك عبر إضراباتهم واحتجاجاتهم. والهند تعرف هذا الأمر. والخيار
الأصح لها أن تعطي الكشميريين حق تقرير المصير، ومن ثم تفتح لنفسها أبواب
الاستقرار والنمو الاقتصادي التي تصل إمكانياتها إلى آسيا الوسطى عبر باكستان.
ولكن هذا لن يتحقق إلا إذا تخلت الهند عن عدائها للمسلمين وللعالم الإسلامي.
المحور الثالث: أفغانستان:
البيان: تفاوتت مواقف بعض الاتجاهات الإسلامية في أفغانستان من التدخل
الأمريكي، بل رأينا من تحالف مع أمريكا، ومن تحالف مع روسيا لإسقاط حكومة
طالبان، فما تفسير فضيلتكم لهذه المواقف؟ وهل حقق المجاهدون السابقون
طموحاتهم بتكوين حكومة إسلامية؟
- المؤسف أن التوجه الإسلامي الأفغاني أصبح ضحية الزعامات الشخصية؛
والتنافس الشخصي بين القادة الأفغان ألقى بأفغانستان وبالحركات الإسلامية في
غياهب الخراب والدمار الكبير. النزاعات العرقية واللغوية والإقليمية طغت على
الهوية الإسلامية. حتى قَبِلَ بعض القادة أن يتحالفوا مع الروس والأمريكان
للقضاء على منافسيهم. أين الروح الإسلامية الكبيرة التي أحياها الجهاد ضد
السوفيات؟ والتضحيات الجبارة التي قدمها الشعب الأفغاني ألقيت ثمارها في النهاية
في أحضان أمريكا. ومرة أخرى تعيش أفغانستان حالة من الفوضى. القوى
الاستعمارية تصول وتجول في أرض المليون ونصف المليون شهيد، ولكن دون أن
تستطيع أو يستطيع غيرها السيطرة على الأوضاع الأمنية. حتى المجتمع
الأوروبي بدأ يشتكي من أن القوات الأمريكية حولت أفغانستان ميدانًا للحرب
بدعوى مكافحة الإرهاب ولا تسهم مساهمة جدية في إعادة إعمار أفغانستان. النظام
الأفغاني الحالي، أيضًا يشتكي من عدم وجود البنية التحتية، وهو ما يهدر كل
المعونات في سبيل الحوادث الطارئة. ولا تلوح إلى الآن بوادر الخروج من حالة
الفوضى هذه.
حركة الطالبان رغم ضحالة الإمكانيات والرؤى تمكنت من استتباب الأمن
في 90% من الأراضي الأفغانية بعد أن كانت هناك حرب داخلية تلتهم الأخضر
واليابس، وتمكنت حركة الطالبان من فرض نظام القضاء والقسط حسب رؤيتهم،
وهذا ما جعل الشعب يحس بالأمن في الحل والترحال، وكانت تلك الحركة تحظى
بدعم من المولوية والزعامات الدينية المحلية والتي تعتبر نوعًا من البنية التحتية
تصل خطوطها وخيوطها إلى جميع أنحاء البلاد؛ ودون تعاون هذه البنية لا يمكن
لأي حركة من الحركات أن تتمكن من إعادة الأمن والاستقرار.
البيان: الحكومة الأفغانية المعينة في (بون) ، ثم الحكومة المنتخبة بعد
اجتماعات مجلس الأعيان الأفغاني (اللويا جركا) في كابل، هل تمثل حقًا الشعب
الأفغاني؟ وهل هي قادرة على إدارة البلاد؟
- الحكومة التي تشكلت في بون والتي تكونت بعد انعقاد (اللويا جركا)
حكومة مفروضة على الشعب من الخارج، ويعتبر التحالف الشمالي وقوات أحمد
شاه مسعود (شورائي نظار) أهم داعم لها، ولكن لا يمكن لمثل هذه التركيبة
الحكومية أن تحافظ على وحدة البلد. (حامد كرزاي) يواجه المعارضة حتى من
داخل أفراد قبيلته خاصة بعد الهجوم الأمريكي على منطقته. وزراء الحكومة
يقتلون في العاصمة واحدًا بعد الآخر. بعد مقتل عبد الرحمن الذي كان ينتمي إلى
منطقة نورستان قتل حاجي قدير الذي كان من ننجرهار ومن البشتون حتى الرئيس
كرازي نفسه تعرض لمحاولة اغتيال، وهذه دلالة واضحة على أنه لا أحد يستطيع
أن يطمئن على حياته وإن كان مسؤولاً حكوميًّا كبيرًا.
أما اللويا جركا فكانت أضحوكة، لم يسمح القائمون على المجلس لأي من
المشاركين بإبداء الرأي ولم يمنحوهم حرية القرار، وبعد مسرحية مكشوفة فرضوا
حكومة مقبولة لدى بعض الجهات الخارجية. الفائدة الوحيدة من اللويا جركا أن
عددًا من الناس وجدوا فرصة الخطابة، وخيل إليهم أنهم بذلك يدلون بدلائهم
ويساهمون في تقرير مصير البلد.
البيان: ما رؤيتكم لمستقبل القوات الأمريكية وقوات الأمم المتحدة في
أفغانستان؟ وهل هي قادرة حقا على فرض الأمن في أفغانستان كلها؟ وما
مستقبل الأحزاب والميليشيات العسكرية الأفغانية؟
- تسعى الولايات المتحدة والأمم المتحدة أن تنشيء في أفغانستان قوة عسكرية
نظامية تستطيع أن تتحكم في الأمور، وتعمل مستقلة عن العناصر الأمريكية
والغربية، وتحقق السيطرة على الأوضاع والفئات بما فيها الميليشيات المختلفة؛
ولكن السؤال هو: هل يمكنهم أن ينشئوا مثل هذه القوة المتناسقة؟ صحيح أنهم
استطاعوا أن يسلموا معظمي الدول الإسلامية إلى مثل هذه القوات القمعية، ولكن
هل يستطيعون فعل ذلك في أفغانستان والشعب يدرك أن هذه الإجراءات قد تمت
على الأيدي الخارجية.
لو استطاعت أمريكا أن تنشىء مثل هذه القوى العسكرية النظامية في
أفغانستان فسوف تصبح أفغانستان مثل عديد من الدول الإسلامية التي تحكمها الفئات
المدربة على الأيدي الغربية ليحفظوا لها مصالحها وتحكم شعوبها بالحديد والنار،
وتكون خطرًا على دول المنطقة ولكن العائق الأكبر في مثل هذه المهمة هو الخلاف
الكبير الذي يوجد بين معظم فئات الشعب.
الآمال الغربية بأن يكون للملك المخلوع ظاهر شاه دور قد ضاعت وراء
السراب، واضطر ظاهر أن يكتفي ببعض تحركات «الباطن» [*] ، وهناك بعض
الإشاعات حول إمكانية عودته إلى الغرب. وتجدر الإشارة إلى أن الوزراء الذين
لقوا حتفهم كانوا من مؤيدي ظاهر.
البيان: مع تكرار عمليات تدمير القرى وقتل المدنيين في أفغانستان.. هل
هي نتيجة سياسة مقصودة لترويض الشعب الأفغاني، أم هي دليل تدني في
المعنويات مع ضعف في المعلومات؟
- كلا الاحتمالين وارد. يعتقد الأمريكان أنهم يستطيعون السيطرة على رقاب
الأفغان بالتهديد والتخويف وفي الوقت نفسه يساورهم القلق والذعر تجاه طبائع
الأفغان.
إنهم دخلوا في بيت مفخخ. الأفغان لا يملكون ما يخشون عليه. إنهم لا
يملكون سوى حياتهم وبندقيتهم التي يخففون بها ضغوطهم النفسية.
إنهم يرون دولتهم مدمرة وتزداد تدميرا، فلجأ الكثيرون إلى حيلهم القبلية
القديمة: الغش، الخداع، والمساومة، والحرص على المال. الذي يأتي غازيًا أو
حاكمًا من الخارج لا يعرف طبائعهم هذه، ولا يحسن التعامل معهم. الملك المخلوع
كان على علم بهذا، ولكنه عجوز ولا توجد هناك أية شخصية أخرى تجتمع عليه
كل الفئات.
في الأوضاع الراهنة المتشابكة يستحيل على القوات الأمريكية أن تحقق
مآربها ثم تخرج من أفغانستان سالمة؛ وخاصة أن القوات الأمريكية حديثة العهد
بأفغانستان، ولا تعرف كثيرًا من دقائق الأمور وكنهها. الإنكليز كانوا يلمون بهذه
الحقائق ولكن الأوضاع الآن متغيرة، كما أن رعيلهم الأول والجيل الذي قضى
عمره في أفغانستان قد انتهى. وسوف يأتي الآوان الذي تفهم فيه أمريكا أن نزعة
السيطرة على العالم كله ضرب من الجنون، والأوهام سوف تتبدد وتتحطم على
صخور الحقيقة.