مجله البيان (صفحة 4360)

في دائرة الضوء

حوار الأديان من منظور يهودي

يوسف رشاد

بادئ ذي بدء فإن كاتب هذا المقال الذي نحن بصدده ليس كاتباً صحفياً

متخصصاً ولا مفكراً من المفكرين اليهود؛ وإنما هو المستشار القانوني الحالي

للحكومة الصهيونية، وأحد غلاة التطرف اليميني الصهيوني، ومن ثم لم تخل

دعوته لإجراء حوار مع العالم الإسلامي على حد تعبيره والتي أطلقها من خلال

صحيفة هاآرتس الإسرائيلية من دوافع صهيونية خبيثة، خاصة في هذا التوقيت

الذي يعاني فيه العالم الإسلامي من التفكك والعشوائية في اتخاذ القرارات وتكالب

أهل الباطل عليه؛ فهل حان الوقت لتنفيذ المخطط الصهيوني الكامل في المسجد

الأقصى؟ وهل تعكس طبيعة العلاقات بين اليهودية والنصرانية الكهنوتية حالياً،

والحوار القائم بينهما الآن رغبة صادقة من الكاتب الصهيوني للتوصل إلى حلّ ومن

ثم الوقوف أمام ما يسمونه بالأصولية الإسلامية؟ وما هو تصوره لما سيسفر عنه

هذا الحوار لو أجري؟

أسئلة كثيرة تطرحها هذه الدعوة ولا نجد لها إجابة محددة في هذا التقرير.

يقول الكاتب الصهيوني: منذ فترة ونحن يخالجنا إحساس بأن أحد التحديات

التي تواجه دولة (إسرائيل) هو إجراء حوار مع العالم الإسلامي، وربما كان

الواجب يحتم علينا أن نتشجع أكثر في هذا الاتجاه منذ سنوات، إلا أن ذلك لم

يحدث، وكان من الطبيعي أن يكون لذلك أسباب ربما كان بعضها يكمن في

الإحساس بالريبة المطلقة إزاء الحوار مع الأصولية الإسلامية، وربما كان بعضها

الآخر يكمن في الصراع العنيف الذي يخوضه اليهود ضد العنف وإراقة الدماء

اللذين يرتكبان باسم الإسلام، وعلى رأسهما (إرهاب المنتحرين) ! وبخلاف ذلك

فإن هناك اتجاهات أخرى تقف في وجه (إسرائيل) من جانب عناصر إسلامية

متطرفة كثيرة تحول بيننا وبين هذا الحوار من بينها عناصر موجودة بالوسط

العربي في (إسرائيل) . بيد أن ذلك لا ينبغي أن يُنسينا حقيقة أساسية هي وجود

عالم إسلامي كبير قدّر علينا التاريخ أن نعيش في حوار معه. إن التاريخ الإسلامي

في العلاقات مع اليهود (ولم يقل إن تاريخ العلاقات الإسلامية مع اليهود) لم يكن

بصراحة ذا لون واحد. حقاً كان اليهود في السنوات التي عاشوا فيها في ظل

الإسلام قد حظوا باستيعاب ملائم، كما حدث في الإمبراطورية العثمانية بعد طرد

اليهود من إسبانيا، ومع أنهم كانوا في وضع «أهل الذمة» إلا أنهم عوملوا وهم

على هذا النحو بتسامح نسبي. نفس الشيء حدث أيضاً إبان سيطرة الإسلام على

القدس والتي تشير شهادات ووثائق المحكمة الإسلامية في العصر الإسلامي إلى

نزاهة في معاملة اليهود.

حقاً إن ظهور التطرف الإسلامي وتأثيره على الاعتدال الإسلامي، والمظاهر

القاسية والصعبة، كالانتحار في سبيل السماء، لم يسهل قيام مثل هذا الحوار،

وفي نظري فإن ظاهرة الانتحار تعد تحريفاً للإسلام؛ ذلك الدين الذي يحتوي على

كثير من المكونات البشرية والثقافية الغزيرة.

ويستطرد هذا الخبيث قائلاً: والسؤال المطروح على بساط البحث حالياً هو:

هل هناك احتمال لإجراء حوار مع عناصر إسلامية يكون مرتكزاً على التسامح

وعلى مصالح مشتركة في السلام والازدهار؟ إنني لست متأكداً من ذلك؛ لكن من

واجبنا أن نحاول؛ فذلك من شأنه أن يجذب اهتمام عناصر بالعالم الإسلامي

والعربي، وعناصر أخرى بالعالم طبعاً.

ويذكر أن معاهدة السلام التي وقعتها كل من إسرائيل والأردن في عام 1994

م تتضمن بنداً تمت صياغته بعد محادثات جرت بين الأمير عبد الله وبيني وحظي

بمباركة الملك حسين ورئيس الحكومة آنذاك إسحاق رابين، ثم صادق عليه بعد ذلك

كل من الكنيست والبرلمان الأردني، وهذا نص الاتفاق: [بند 9 (3) ] «يعمل

الطرفان معاً على دفع وتطوير العلاقات الدينية بين الأديان السماوية الثلاث بغية

العمل معاً من أجل التوصل إلى تفهم ديني والتزام أخلاقي وحرية العبادة الدينية

والتسامح والسلام» .

وهذا البند لم يطبق، ولم يعمل به لأسباب مختلفة، بيد أن الرسالة والغاية من

وراء هذا البند كانتا واضحتين وكانتا بمثابة مُثل دينية وسياسية وأخلاقية. لقد حدث

تقدم كبير في العلاقات بين النصرانية واليهودية في هذه الاتجاهات، ومن ثم فإنه

ليس ثمة مجال في رأيي لليأس في كل ما يتعلق بالإسلام.

لقد تركز جزء من المفاوضات التي جرت في كامب ديفيد في صيف عام

2000م حول القدس وجبل المسجد الأقصى، وكان هناك إحساس في هذه

المحادثات أن الفلسطينيين لا يعترفون إطلاقاً بالرابطة التي تربط (إسرائيل) بجبل

المسجد الأقصى، وهو إحساس اندهش له حتى الرئيس كلينتون بحكم معرفته بالعهد

القديم، وهذا مجال يمكن التوصل إلى تفاهم بشأنه يكون مرتكزاً على بدهيات

ومسلَّمات تاريخية روحية كانت معروفة ومعترفاً بها أيضاً في العصور الماضية.

إن تحت يدي صفحات من دليل المسجد الأقصى الذي كان قد أصدره المجلس

الأعلى للشؤون الإسلامية في عام 1929م والتي تشير إلى الخلفية التاريخية للمسجد

الأقصى وقد جاء فيها: «إن علاقة المسجد بهيكل سليمان لا تحتمل أي جدال» .

وتلك أيضاً النقطة التي قيل فيها حسب الاعتقاد الكوني والإيمان العالمي:

«وبنى داود هناك مذبحاً للرب، وقرّب القرابين والأضاحي» (سفر التكوين)

لقد كُتب هذا في عصر لم يكن بسيطاً في حد ذاته، ولكنه مثل تفهماً واقتناعاً

منذ سنوات عديدة بلا منازع فيما يتعلق بالجذور التاريخية التي أخذت تطمسها

بمضي الوقت التطورات السياسية وكذلك العنف.

وليس هناك سبب يدعو إلى عدم العودة إلى هذه التفهمات، وهذا الجهد يتفق

بالنسبة لنا وقيم دولة (إسرائيل) كدولة يهودية وديمقراطية، وهناك حاجة إلى بذل

جهد فكري عميق لتحقيق هذا الغرض يشترك فيه العلماء الدينيون والمفكرون

والأكاديميون والقضاة من (إسرائيل) وخارجها.

وعلى حد علمي هناك شخصيات في العالم الإسلامي سوف تكون مهتمة بهذا

الموضوع، وفي هذا الوقت بالذات، حيث تعتري الكآبة علاقات العالم الغربي مع

الإسلام، حتى وإن كان الغضب الحقيقي موجهاً ومنصرفاً إلى المتطرفين به؛ فإن

ثمة مجالاً لقيام إسرائيل بفتح كوة والتفكير في إجراء حوار معه.

ثم ذكرت صحيفة هاآرتس الصادرة بتاريخ 27/12/2001م تقول: «إن

الأدباء والمفكرين اليهود اعتادوا الآن على التذكير بأنه كان للشعب الإسرائيلي خبرة

وتجربة في حياة التعايش والتسامح تحت الحكم الإسلامي أفضل من خبرتهم تحت

(الحكم المسيحي) ؛ فالكتب الجديدة التي صدرت عن النصرانية مؤخراً تشير إلى أن

هناك عداءً ثيولوجياً مبدئياً لليهودية موجودة بهذه الكتب؛ في حين أن الإسلام يرى

أن اليهودية كدين أقل دونية ووضاعة لكن من الممكن احتماله. ومن الناحية

التاريخية فإن هناك حقائق كبيرة وكثيرة تؤكد ذلك، إلا أن يهود الشتات وخاصة في

الولايات المتحدة التي توجد بها مجموعات إسلامية كبيرة لا يمكنهم تجاهل حقيقة أن

الأصولية الإسلامية هي التهديد الرئيسي والكبير الذي يتعرضون له حالياً.

إن التطرف الإسلامي يصنف اليهودية في العالم لا مع الصهيونية فقط وإنما

مع دولة (إسرائيل) ؛ فاليهودية بالنسبة للإسلام المتشدد تعني الصهيونية ودولة

إسرائيل أيضاً، وعلى الرغم من سقوط» طالبان «فإن الإسلام المتطرف هو

الذي يحدد اليوم علاقة الإسلام باليهودية، وفي المقابل، فإن معظم المؤسسات

المسيحية تسعى إلى تحسين العلاقات مع اليهودية.

إن الأدباء اليهود مشتاقون إلى العصر الذهبي (عصر الثقافة اليهودية في

الدول الإسلامية) ولكن الإسلام اليوم، وليس المتطرف فقط، هو الذي يوفر البنية

الدينية للعنصرية العربية المعادية للسامية.

إن الثقافة الغربية هي ثقافة نصرانية، وفي المنظور التاريخي، فإن الصدام

الفكري المبدئي لليهودية هو مع المسيحية لا مع الإسلام؛ بيد أن الأصولية

الإسلامية هي الآن بالفعل في مرحلتها العدوانية» .

إن الدعوة التي تبنتها بعض الصحف الإسرائيلية والمتمثلة في دعوة الإسلام

(الرسمي) للحوار مع اليهودية والنصرانية الكاثوليكية أو الإنجيلية هي دعوة لها

مغزى معين ودلالة واضحة، وقد انبثق عن هذه الدعوة المؤتمر المشبوه الذي عُقد

في الإسكندرية يومي الإثنين والثلاثاء من منتصف شهر يناير من عام 2002م؛

وذلك بناءً على اقتراح الحاخام اليهودي مايكل مليكور نائب وزير الخارجية

الصهيوني والذي شارك فيه من الجانب اليهودي الحاخام «إلياهو بقشي دورن»

كبير حاخامات (إسرائيل) والشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، وامتنع بابا

الكنيسة الأرثوذكسية «شنودة» عن الحضور.

وفي ظل الغموض الذي أحاط بهذا المؤتمر المشبوه إلا أن الحاخامات

الصهاينة استطاعوا جر المشاركين إلى تبني وجهات نظرهم، ومما قاله الحاخام

بقشي في ختام المؤتمر بعدما شكر الدكتور محمد سيد طنطاوي وأثنى على فتاواه:

«أنا أكن الاحترام والتقدير لما أبداه الشيخ محمد سيد طنطاوي ومعه رجال الدين

المسلمين من شجاعة وعزيمة في إفتائهم الحاسم الذي يقضي بأن قتل الأبرياء يتنافى

وأصول الدين، وهو ليس فريضة بل جريمة وتجديف لاسم الله، إن هذا الإفتاء

الذي يتنافى وإفتاءات أخرى تشجع المنتحرين على قتل الأبرياء، يجلب الاحترام

والتقدير للديانة الإسلامية وينقذها من السمعة الخطيرة كديانة غير إنسانية وخطرة.

نحن نناشد جميع رجال الدين من جميع الديانات المؤمنة بالرب الواحد الرحمن

والأمين، أن يحذوا حذو الشيخ سيد طنطاوي وأن يحذروا من الخطر الذي يهدد

العالم، أي من الأعمال الإرهابية ومرتكبيها» .

نخرج من هذا أن هدف المؤتمر الذي عُقد في الإسكندرية وهيأت له قبل ذلك

الصحافة الإسرائيلية كما أوضحنا هو الخروج بفتوى تدين العمل المشروع الذي

يقوم به أبطال المقاومة الفلسطينية، وبكل لؤم وخبث ومكر اليهود أرادوا توريط

شيخ الأزهر بتبني موقفهم من العمليات الاستشهادية التي يقوم بها أبناء الشعب

الفلسطيني؛ ولكن شيخ الأزهر لم يوقع على الوثيقة النهائية؛ لأنه يعلم خباياهم،

وهو الذي قال في رسالته التي نال عليها درجة الدكتوراه:

* يجب أن نوقن بأن الأيام دول، وأن ما أصابنا بفلسطين من الممكن تداركه،

متى تحلينا بالإيمان الصادق وبالعزم القوي وبالتصميم على استعادة أرضنا

المقدسة، وباتخاذ الوسائل الكفيلة بذلك.

* يجب على الأمة الإسلامية والعربية، أن توحد قيادة المعركة وأن تسلمها

لأيد أمينة مخلصة، وأن تحوطها بالتأييد إذا أحسنت واستقامت، وأن تنأى بها عن

الخلافات والمنازعات التي قد تحدث بين الزعماء والملوك والرؤساء، أريد أن

أقول: إن إنقاذ فلسطين من السرطان الصهيوني يحتاج إلى جيش موحد القيادة

محدد الهدف معد إعداداً كاملاً وقوياً من جميع النواحي، مؤمن بقدسية المعركة التي

يخوضها، بعيد عن التأثر بخلافات السياسيين الذين بيدهم مقاليد الحكم في البلاد

العربية.

* يجب أن تبذل الأمة العربية والإسلامية قصارى جهدها في التذكير بقضية

فلسطين، وأن تقوم وسائل الإعلام المختلفة في كل دولة بالدعاية الواسعة لها.

* يجب أن تقف الأمة الإسلامية والعربية من الدول التي ناصرت الصهيونية

موقفاً قوياً حاسماً.

* يجب أن تعمل الدول العربية والإسلامية على تقوية الفدائيين الفلسطينيين

من كل النواحي، وأن تختارهم من العناصر المأمونة والمؤمنة بربها وبدينها

وبوطنها، وأن تعطيهم من الإمكانات ما يجعلهم يستطيعون أن يزلزلوا كيان

الصهيونيين، عن طريق (حرب العصابات) ؛ لأن هذه الحرب من شأنها أن تهدد

أمن إسرائيل واستقرارها واقتصادها وجميع مرافقها. وتكون هذه الحرب كمقدمة

للمعركة الفاصلة التي يجب على الأمة الإسلامية أن تخوضها ضد إسرائيل حتى

تطهر الأرض المقدسة من اليهود.

* يجب أن تخوض معركة فلسطين المقبلة على أساس من الجهاد الديني

وليس على أساس النعرة الوطنية وحدها.

* يجب على الأمة العربية والإسلامية (قبل ذلك وبعد ذلك) ، إذا أرادت أن

تعيد فلسطين، أن تعود هي إلى تعاليم الإسلام فتطبقها على نفسها تطبيقاً كاملاً وأن

تحارب الرذائل فيها.

هذه هي الأسس التي وضعها شيخ الأزهر منذ ما يقرب من خمسة عشر عاماً

أو يزيد في خاتمة رسالته: (بنو إسرائيل في القرآن والسنة) ، فليراجعها من شاء

وليتخذها أبناء الأمة الإسلامية عامة وإخواننا في فلسطين خاصة جزءاً من المنهج

الإسلامي لاستعادة أرضنا المقدسة، كما أهدي هذا البرنامج الذي خطه الدكتور

محمد سيد طنطاوي بيده إلى حاخامات اليهود والقائمين على أمور بلداننا العربية

والإسلامية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015