دراسات في السيرة والتاريخ
رؤية إسلامية للأحداث المعاصرة على ضوء السيرة النبوية
د. منير محمد الغضبان
ghadban14@hotmail.com
الجاهلية التي نتحدث عنها اليوم هي جاهلية القرن الحادي والعشرين التي
مثلها النظام الأمريكي، وهو الذي يزعم أنه يمثل أقصى ما وصلت إليه البشرية من
تقنين لقضايا الحرية، وقضايا حقوق الإنسان؛ وتمثال الحرية شاهد عليها بأنها هي
أم الحريات في الأرض، وقد آلت على نفسها أن تحارب الإرهاب وتلاحقه في كل
مكان في الأرض، ولو احتملت الحرب خمسين عاماً؛ فلا يضرها ذلك.
أما حكم الإسلام فنعرض له من خلال فتح مكة على يدي رسول رب العالمين
محمد عليه الصلاة والسلام.
أمريكا هي الأقوى اليوم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأقوى آنذاك،
وسيتم هذا العرض والمقارنة في قضايا سبع محددة.
* القضية الأولى: الدولتان تعرضتا لاعتداء:
فالولايات المتحدة الأمريكية تستيقظ على هجوم عليها صباح الثلاثاء الحادي
عشر من سبتمبر؛ حيث تنقضُّ طائرات مدنية على برجي التجارة فتدمرهما تدميراً
كاملاً، وتضرب البنتاغون مقر وزارة الدفاع الأمريكية، وتكون الضحايا البشرية
قرابة أربعة آلاف شخص من القتلى كما تقول الإحصائيات الرسمية. والخسائر
المدنية بعشرات الآلاف من المليارات تصيب الاقتصاد الأمريكي في قلبه.
في المدينة المنورة عاصمة دولة الإسلام يصل وفد خزاعة حليفة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليعلن لمحمد أن قريشاً وحليفتها قبيلة بكر قد انقضوا على
خزاعة ليلاً وقتلوهم رُكَّعاً وسُجَّداً؛ إذ يقول وافد خزاعة وسيدها عمرو بن سالم:
... يا رب إني ناشد محمدا ...
... ... ... ... ... ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا ...
... قد كنتمُ ولداً وكنا والدا ...
... ... ... ... ... ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا ...
... فانصر هداك الله نصراً أعتدا ...
... ... ... ... ... ... وادعُ عباد الله يأتوا مددا ...
... في فيلق كالبحر يجري مزبدا ...
... ... ... ... ... ... إن قريشاً أخلفوك الموعدا ...
... ونقضوا ميثاقك المؤكدا ...
... ... ... ... ... ... وجعلوا لي في كداء رصدا ...
... وزعموا أن لست أدعو أحدا ...
... ... ... ... ... ... وهم أذل وأقل عددا ...
... هم بيتونا بالوتير هجدا ...
... ... ... ... ... ... وقتلونا ركعاً وسجدا [1]
إذن هو اعتداء سافر من حلفاء قريش وقريش نفسها التي هادنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم على إيقاف الحرب معه عشر سنين، ونقض لهذه الهدنة.
* القضية الثانية: التثبت من هوية المعتدين:
لقد أعلن الإعلام الأمريكي للوهلة الأولى أن الطائرات لم يكن فيها أحد من
الركاب العرب، ثم عاد فذكر أن في هذه الطائرات تسعة عشر عربياً هم الذين
نفذوه. ثم أعلن أن الشيخ أسامة بن لادن هو المتهم الأول بالتخطيط له. كما ذكر
الإعلام الأمريكي أن هناك أربعة آلاف محقق يدرسون أربعين ألف دليل للتعرف
على هوية المنفذين للهجوم. وقياساً على تفجير المدمرة كول فقد استغرقت
التحقيقات عامين كاملين ولم يصدر بعد التقرير النهائي عن الهجوم.
وأعلن مدير التحقيقات الأمريكية في22/2/2000م عن كشف كثير من
المعلومات والأدلة الجديدة في تفجير المدمرة كول الذي حدث في شهر 3/2000م،
وقياساً على هذه الدقة في التحقيق فيحتاج حادث الأبراج لأربع سنين على الأقل
للتثبت من هوية المنفذين والمخططين. لكن العالم فوجئ بإعلان أن التسعة عشر
هم المنفذون، وأن المدبر للعملية هو أسامة بن لادن بعد أقل من أسبوع واحد،
وأعلنت أمريكا الحرب على بن لادن، وطالبت دولة طالبان بتسليمه من دون تقديم
أي دليل على أنه هو الذي خطط ونفذ الهجوم على الأبراج والبنتاغون. وأعلنت
دولة طالبان استعدادها لتسليمه إلى محكمة عادلة لو قدمت أمريكا الأدلة على ذلك.
فرفضت أمريكا العرض الأفغاني، وأعلنت الحرب على دولة طالبان ما لم تسلم
دولة أفغانستان بن لادن إليها خلال مدة معينة هي أقل من شهر. هذا في دولة
الجاهلية الحديثة التي تمثل أعلى مستويات العدالة والحرية في الأرض كما تزعم؛
فماذا في دولة النبوة؟
لقد جاء الوحي من السماء بنقض قريش للعهد؛ فقد روى محمد بن عمر «أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة صبيحة كانت وقعة بني نفاثة وخزاعة
بالوتير: يا عائشة! لقد حدث في خزاعة أمر. فقالت عائشة: يا رسول الله!
أترى قريشاً تجترئ على نقض العهد الذي بينك وبينهم، وقد أفناهم السيف؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينقضون العهد لأمر يريده الله تعالى. فقالت: يا
رسول الله! خير؟ قال: خير.
ورغم ذلك فقد بعث يتثبت من صحة الأمر من قريش أنفسهم: قال عبد الله
بن عمرو رضي الله عنهما: إن ركب خزاعة لما قدموا على رسول الله وأخبروه
خبرهم قال: فمن تهمتكم وظنتكم؟ قالوا: بنو بكر. قال أكُلُّها؟ قالوا: لا، ولكن
بنو نفاثة قصرةً ورأس القوم نوفل بن معاوية النفاثي، قال: هذا بطن من بني بكر،
وأنا باعث إلى أهل مكة أسألهم عن هذا الأمر ومخيرهم بين خصال ثلاث.
فبعث إليهم ضمرة يخيرهم بين إحدى ثلاث: بين أن يَدُوا قتلى خزاعة، أو
يبرؤوا من حلف بني نفاثة، أو يُنبذَ إليهم على سواء.
فأتاهم ضمرةُ رسولُ رسولِ صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بالذي أمره رسول
الله به، فقال قرظة بن عبد عمرو الأعمى: أما أن ندي قتلى خزاعة؛ فإن نفاثة
فيهم عُرام (قوة الشراسة) فلا نديهم. وأما أن نتبرأ من حلف نفاثة فإنه ليس قبيلة
من العرب تحج هذا البيت أشد تعظيماً له من نفاثة وهم حلفاؤنا فلا نبرأ من حلفهم،
ولكن ننبذ إليه على سواء. فرجع ضمرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
من قولهم» [2] وأدرك أبو سفيان خطورة إعلان الحرب على محمد، وعدم البراءة
من بكر، وعدم دفع ديات خزاعة، فقال: «ما الرأي إلا جحد هذا الأمر؛ والله
ليغزونا محمد إن صدقني ظني وهو صادقي، ولا بد من أن آتي محمداً فأكلمه أن
يزيد الهدنة ويجدد في العهد» [3] .
وجاء دور الموقف السياسي: جاء أبو سفيان المدينة، ودخل على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فقال: يا محمد! إني كنت غائباً عن صلح
الحديبية فاشدد العهد وزدنا في المدة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«فلذلك جئت يا أبا سفيان؟» قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«هل كان قِبَلَكم مِنْ حَدَثٍ؟» قال: معاذ الله! نحن على عهدنا وصلحنا يوم
الحديبية لا نغير ولا نبدل. فأعاد أبو سفيان القول على رسول الله فلم يرد علينا
شيئاً « [4] .
إن أبا سفيان هو القائد الأعلى لقريش؛ وبناء على جواب قريش بإعلان
الحرب كان بإمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتقله ويقتله؛ فهو رئيس
دولة مكة، وهو ينكر نقض العهد، وهو في حالة حرب مع المسلمين بعد هذا
النقض. فجحد ما جرى كله. وجاء الجواب النبوي: إنه إذ لم يكن هناك حدث؛
فنحن على الصلح.
وأدرك أبو سفيان إخفاق سفارته؛ وإخفاق سياسة التجاهل، وعاد إلى مكة،
فقال له قومه: ما وراءك، هل جئت بكتاب من محمد أو زيادة في مدة ما نأمن به
أن يغزونا محمد؟ فقال: والله لقد أبى عليَّ، وفي لفظ: لقد كلمته فلم يرد عليَّ
شيئاً.
ولم يعتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان ولم يقتله حتى لا تنكشف
المخططات النبوية في قرار غزو مكة وفتحها بعد أن نبذت له على سواء.
* القضية الثالثة: الحرب الجاهلية والحرب الإسلامية:
هذه هي حرب أمريكا في أفغانستان بدون تقديم أدلة، وبدون إثباتات: تضع
هدفها الأكبر قتل بن لادن رئيس تنظيم القاعدة، والقضاء على تنظيم القاعدة، وقتل
رئيس دولة طالبان والقضاء على الدولة كلها؛ لأنها لم تتخل عن ابن لادن.
يقول الأستاذ أحمد منصور واصفاً هذه الحرب: أخذت الولايات المتحدة
الأمريكية زمام القانون بيدها في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي،
وأصبحت هي الخصم والحكم في مواجهة كل من تعتقد أنه يهدد أمنها ومصالحها
دون حاجة إلى أدلة أو إثباتات، فقامت بحرب طاحنة في أفغانستان أزالت فيها نظام
طالبان عن السلطة، وولت نظاماً جديداً حليفاً لها، ونتج عن حملتها العسكرية على
أفغانستان تدمير عشرات القرى، ومقتل آلاف الأفغان من المدنيين وتشريد عشرات
الآلاف، عدا القتلى من تنظيم القاعدة وحركة طالبان؛ وذلك وفق تقارير عديدة
أهمها التقرير الذي أصدره البروفسور الأمريكي (مارل دبليو هيرولد) من جامعة
» ديوها مبشير «حول القتلى المدنيين الأفغان والذي قدرهم من بداية الهجوم
الأمريكي في السابع من أكتوبر وحتى الثالث من ديسمبر الماضي فقط بأنهم 3767
قتيلاً من الأطفال والنساء والعجائز والعزل، ولا يزال القصف الأمريكي مستمراً
حتى الآن. والآن تدور في الأفق سيناريوهات عن أهداف أخرى وعلى رأسها
العراق والصومال. هذه هي حرب الأشهر الأربعة وهذه ثمارها المرة في الشعب
الأفغاني فماذا عن فتح مكة؟
أ - وقع أبو سفيان أسيراً بيد محمد صلى الله عليه وسلم؛ وأبو سفيان هنا
مثله مثل أسامة بن لادن لو أنه وقع أسيراً في يد القوات الأمريكية أو الملا عمر
رئيس دولة طالبان. وبدلاً من أن يمثل به أو ينزل به أشد أنواع التعذيب قبل
التنكيل به وقتله، ويضع رأسه على الرمح يعلن بذلك انتصاره على قريش،
ويصلبه أو يمثل بجثته. نستمع معاً إلى هذا الحوار:
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا سفيان! ألم يأنِ لك أن تعلم أن لا
إله إلا الله؟
أبو سفيان: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! إنه لو كان
مع الله إله، لقد أغنى عني شيئاً بعد. لقد استنصرتُ إلهي، واستنصرتَ إلهك؛ فو
الله ما لقيتك مرة إلا نصرت علي؛ فلو كان إلهي محقاً وإلهك مبطلاً لقد غلبتك.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك يا أبا سفيان ألم يأنِ لك أن تعلم أني
رسول الله؟
أبو سفيان: بأبي أنت وأمي يا محمد ما أحلمك وأكرمك وأعظم عفوك! أمَّا
هذه؛ فوالله إن في النفس منها شيئاً حتى الآن ... وظاهر كلام ابن عقبة ومحمد بن
عمر في مكان آخر أن أبا سفيان قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول
الله من غير أن يعرض ذلك عليه أحد.
قال أبو سفيان، وحكيم بن حزام: جئت بأوباش الناس من يعرف ومن لا
يعرف إلى أهلك وعشيرتك (أي لفتح مكة) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم أظلم وأفجر: قد غدرتم بعهد الحديبية،
وظاهرتم على بني كعب (خزاعة) بالإثم والعدوان في حرم الله تعالى وأمنه.
قال حكيم وأبو سفيان: صدقت يا رسول الله! قالا: يا رسول الله لو كنت
جعلت جدتك ومكيدتك لهوازن؛ فهم أبعد رحماً وأشد عداوة لك.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو ربي أن يجمع لي ذلك كله:
فتح مكة، وإعزاز الإسلام، وهزيمة هوازن وغنيمة أموالهم وذراريهم؛ فإني
لأرغب إلى الله تعالى في ذلك.
أبو سفيان وحكيم: يا رسول الله! ادع الناس بالأمان: أرأيت إن اعتزلت
قريش وكفت أيديها: آمنون هم؟ رسول الله: نعم.
العباس: يا رسول الله! إن أبا سفيان وجه الشرف والفخر فاجعل له شيئاً.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن
دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن) [5] .
وأثمرت المفاوضات عن إعطاء الأمان لدولة مكة وشعب مكة إذا كفوا عن
القتال، ودخلوا بيوتهم.
غير أن فريقاً من المتطرفين رفضوا هذه المفاوضات، وكانت قيادتهم لعكرمة
بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو، وهند بنت عتبة زوجة أبي
سفيان، فواجهوا فصيل الجيش الإسلامي الذي يقوده خالد بن الوليد، ووقعت
الحرب لعدة ساعات، ثم انهزم جيش مكة وفرت قياداته، وقتل منهم أربعة
وعشرون رجلاً من قريش، وأربعة من هذيل؛ ومع ذلك أجرى رسول الله صلى
الله عليه وسلم حساباً لخالد على حربه.
رسول الله: لِمَ قاتلت وقد نُهيت عن القتال؟
خالد: يا رسول الله! هم بدؤونا بالقتال، ورشقونا بالنبل، ووضعوا فينا
السلاح، وقد كففت ما استطعت، وقد دعوتهم إلى الإسلام، وأن يدخلوا فيما دخل
فيه الناس فأبوا حتى إذا لم أجد بداً قاتلتهم فظفَّرنا الله تعالى عليهم فهربوا في كل
وجه.
رسول الله: كفَّ عن الطلب.
خالد: قد فعلت) [6] .
* القضية الرابعة: آثار الحرب على أفغانستان:
على الرغم من أن أفغانستان تصنف ضمن الدول الأكثر فقراً في العالم إلا أنها
تعرضت لأقسى حربين من أكبر قوتين في العالم خلال عقدين من الزمان؛ بحيث
لم يبق شبر من أراضيها إلا وزرع بصاروخ أو قنبلة أو لغم، وأكملته الحرب
الأهلية في تدمير ما تبقى من مظاهر الحياة الإنسانية في هذا البلد البائس.. إن
إعادة بعث أفغانستان من الركام بعد 23 عاماً من الخراب والتدمير والصراعات
تبدو من المهمات الصعبة إن لم تكن المستحيلة نتيجة كبر حجم المشكلة؛ فقد تسببت
هذه الحروب في تشريد نحو 6 ملايين أفغاني بالإضافة إلى مليون مشرد داخل
أفغانستان، كما يتهدد الجوع نحو سبعة ملايين آخرين؛ بينما دُمرت الطرق
والمؤسسات والمنازل.
ويقول تقرير البنك الدولي: (إن المؤسسات الاقتصادية للدولة الرئيسية مثل
البنك المركزي والخزانة والضرائب والجمارك والإحصاءات والخدمات والأمن
والقانون والنظام الفضائي في حالة ضعف شديدة أو غير موجودة في الأصل.
وكدليل على تردي الأوضاع الاقتصادية فإن نسبة الوفيات بين الأطفال تصل 49%
وهي من أعلى النسب في العالم، كما أصابت الألغام الزراعة بالشلل التام؛ إذ
سيجد كل عائد إلى أفغانستان أكبر نسبة من المعاقين في العالم؛ مع سقوط ما يصل
إلى 500 ضحية شهرياً بسبب الألغام ومخلفات القنابل.
وتقول الأمم المتحدة إن ما يتراوح بين خمسة وعشرة ملايين لغم ما زالت
مزروعة في أفغانستان عدا تلك التي ستخلفها الغارات الأمريكية) [7] ، ونحن نعلم
أن هذه آثار حرب ثلاثة وعشرين عاماً في أفغانستان، وليست آثار حرب أربعة
أشهر. لكننا نعلم كذلك أن القنابل التي استعملت في هذه الحرب لا مثيل لها في
تاريخ البشرية، ونعلم أن الحرب التي شنتها أمريكا من أجل شخص في أفغانستان
إنما شنت على دولة بهذه المواصفات، وشعب بهذه المواصفات. وأضخم الجرائم
الأمريكية على الإطلاق هو الجانب الاجتماعي؛ إذ غذّت وأججت الأحقاد والثارات
في أبناء الشعب الأفغاني؛ حيث سندت فريقاً وطائفة وحزباُ على آخر؛ فهي تدمر.
وتحالُف الشمال يقتل ويحتل ويمثل وينكل وكل هذا لمصلحتها. وعقوبة هذه
الدولة أنها آوت بن لادن ولم تسلمه لها؛ فمن أجل شخص يُدمّر شعب وتحطم أمة.
فماذا عن نتائج فتح مكة عند إمام الأنبياء في معركة الثأر والانتقام ممن
أخرجوه وحاربوه وطاردوه وقادوا الجيش لاستئصال شأفته، واحتباس دينه
وصحبه؟
1 - حادث سرقة واحدة لأخت أبي بكر الصديق لم يعرف صاحبها» فقام أبو
بكر فأخذ بيد أخته فقال: أنشدكم بالله والإسلام طوق أختي؛ فوالله ما جاء أحد، ثم
قال الثانية والثالثة فما جاء به أحد، فقال: يا أخية احتسبي طوقك؛ فوالله إن
الأمانة في الناس اليوم لقليل « [8] .
2 - حادث سرقة آخر قامت به امرأة قرشية مخزومية ضبطت متلبسة
بجرمها، وجرت محاولات ووساطات كبرى لتفادي عقوبتها بقطع يدها.
وروى البخاري عن عروة بن الزبير أن امرأة سرقت في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه.
قال عروة: فلما كلمه أسامة فيها تلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
أتكلمني في حد من حدود الله؟ قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلما كان
العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فأثنى على الله بما هو أهله. ثم
قال: أما بعد؛ فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه،
وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد؛ والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت
محمد سرقت لقطعت يدها. ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة
فقُطعت يدها، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت. قالت عائشة: فكانت تأتيني بعد
ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) [9] .
3 - حادثة قتل واحدة لثأر قديم: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم
لخزاعة التي قُتل منها أربعة وعشرون قتيلاً غدراً ونُهبت أموالها حق الثأر لنفسها
ساعة محددة من النهار فقال:» كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر إلى صلاة
العصر، فخبطوهم ساعة وهي الساعة التي أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما كان بعد الفتح بيوم أقبل خراش بن أمية فحمل على جندب بن الأدلع الهذلي،
فطعنه في بطنه فمات. فجعلت حشوته تسيل من بطنه، فسمع بذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فقال: يا معشر خزاعة! ارفعوا أيديكم عن القتل؛ فقد والله
كثر إن نفع. إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم أو قتل غير قاتله أو قتل
بذحول الجاهلية. فقد قتلتم قتيلاً لأدِيَنَّه. فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير
النظرين إن شاؤوا فدِيتُه كاملة، وإن شاؤوا فقتله. ثم ودى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة. قال ابن هشام: مائة ناقة. وبلغني أنه
أول قتيل وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم « [10] .
4 - بيوت المسلمين المهاجرين جميعاً كانت في مكة، وهي حقهم المغتصب؛
ومع ذلك فقد أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم استردادها، بل نزل خارج مكة.
فقد روى البخاري وغيره عن أسامة بن زيد أنه قال:» يا رسول الله! أين
تنزل غداً؟ تنزل في دارك؟ قال: وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دار « [11]
وكان عقيل قد باع منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنزل إخوته من الرجال
والنساء بمكة، فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انزل في بعض بيوت مكة
غير منازلك، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:» لا أدخل البيوت «
[12] ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطرباً بالحجون لم يدخل بيتاً،
وكان يأتي المسجد لكل صلاة من الحجون» [13] .
5 - «الثلاثة والعشرون الذين قتلوا في مكة كان هناك من قتل في الحرب
والمواجهة مع خالد وخراش الذي سبق ذكره، وكان هناك مجرمو حرب فثلثهم
كانوا بالمدينة، فارتدوا عن الإسلام وهربوا إلى مكة وقتلوا بعض القتلى. وآخرون
كانوا من عتاة المجرمين ومن بينهم ثلاثة نسوة ارتدت إحداهن وكانت اثنتان منهن
تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عددهم ثلاثة عشر أسلم ثمانية
منهم واستؤمن لهم، وقتل منهم خمسة» [14] .
6 - هدمت أصنام المشركين فقط؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما «أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم فتحها وحول الكعبة ثلاثمائة وستون
صنماً مرصعة بالرصاص، وكان هبل اعظمها، وفي يد رسول الله صلى الله عليه
وسلم قوس وقد أخذ بسِيَة القوس فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما مر
بصنم منها يشير إليه ويطعن في عينيه ويقول: [جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ
البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً] (الإسراء: 81) فما يشير إلى صنم إلا سقط لوجهه، وفي
لفظ لقفاه من غير أن يمسه» [15] .
7 - عفا رسول الله عن فضالة بن عمير الليثي من بني بكر الذي حاول
اغتياله ومسح صدره ودعاه إلى الإسلام فأسلم.
8 - أما موائد الفاتحين الكبرى، والسرادقات الضخمة التي أقيمت لطعام قائد
الجيش الفاتح فها هي: روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه «أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لأم هانئ (ابنة عمه) يوم الفتح: هل عندك من طعام
نأكله؟ قالت: ليس عندي إلا كسر يابسة (خبز يابس جاف) ، وإني لأستحي أن
أقدمها لك، فقال: هلمي بهن. فكسَّرهن في ماء وجاء بملح، فقال: هل من أدم؟
فقالت: يا رسول الله! ما عندي إلا شيء من خل، فقال: هلميه، فصبه على
الطعام وأكل منه، ثم حمد الله، ثم قال: يا أم هانئ! لا يفقر بيت فيه خل» [16] .
* القضية الخامسة: أسرى الحرب:
وندع الحديث عنها في حرب الجاهلية الحديثة إلى جمعية أصدقاء الإنسان
الدولية:
أعربت منظمة أصدقاء الإنسان الدولية عن استيائها الشديد للأسلوب الذي
تعامل به القوات الأمريكية أسرى الحرب الذين احتجزتهم في أفغانستان، ثم رحلتهم
إلى قاعدة (جوانتانامو) ، وشبهت المنظمة التي تتخذ من فيينا مقراً ملابسات
ترحيل الأسرى، وطريقة احتجازهم برحلات أساطيل الرقيق البحرية من أفريقيا
إلى أمريكا منذ منتصف القرن الخامس عشر مشددة على أنها تراقب بقلق بالغ
عمليات نقل أسرى الحرب وظروف احتجازهم.
وأضافت المنظمة في بيان لها: لقد استدعت معاناة هؤلاء الأسرى خلال
عملية نقلهم وطبيعة الظروف التي يحتجزون فيها لدى أصدقاء الإنسان الصور
المشينة لعمليات شحن المستعبدين الأفارقة من مواطنهم الأصلية إلى بلاد الاستعباد
بواسطة بعض القوى الغربية، والآن تتم عمليات النقل والاحتجاز لأسرى حرب
أفغانستان تحت مسمى مكافحة الإرهاب والمحافظة على قيم السلامة والحرية.
وقال البيان: إن أصدقاء الإنسان يتساءلون عن طبيعة الجرم الذي ارتكبه
هؤلاء الأسرى، وطبيعة التهم الموجهة إليهم، وبناءً على فرضية ضلوع مجموعة
ما في هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م في مدينتي نيويورك وواشنطن؛
فهل يسوِّغ ذلك اعتقال مئات البشر ونقلهم واحتجازهم بطريقة همجية بعيدة عن القيم
العرفية الحضارية؟
وأعربت (أصدقاء الإنسان الدولية) عن استيائها؛ لأن اعتقال هؤلاء
الأسرى واحتجازهم في أوضاع مهينة، وكذلك إبادة ما يربو على 600 أسير في
قلعة جانجي بالقرب من مدينة مزار شريف الأفغانية في 25 و 26/9/2001م من
قبل القوات الأمريكية والبريطانية والمليشيات الأفغانية المحلية هناك لتشكل خروقاً
خطيرة للقانون الإنساني الدولي تستوجب التحقيق فيما إذا كانت تساوي جرائم
الحرب وأشارت أيضاً إلى أن تسلُّم الولايات المتحدة لستة من حملة الجنسية
البوسنية من السلطات البوسنية بتاريخ 18/1/2002م بعد قرار المحكمة العليا
للاتحاد الفيدرالي البوسني الكرواتي الإفراج عنهم لعدم تقديم أدلة تصلح لمحاكمتهم
ليشكل ذلك خرقاً واضحاً من قبل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة
البوسنية لقرارات القضاء التي تستوجب الاحترام والتنفيذ.
وفي الصفحة المقابلة لهذا التقرير نجد الخبر التالي: صرح الجنرال عبد
الرشيد دوستم نائب وزير الدفاع الأفغاني بأن لديه زهاء أربعة آلاف أسير من قوات
طالبان، ولا أحد يدري عن أوضاعهم وأحوالهم وحياتهم ومعاناتهم [17] .
فماذا عن أسرى الحرب في فتح مكة؟ ليس لدى المسلمين أسير واحد في هذه
الغزوة، وحتى لا تبقى الصورة غائمة عن معاملة أسرى الحرب تجدنا مساقين
لعرض معاملة أسرى بدر السبعين كما ورد في السيرة النبوية.
وندع الحديث هنا للمباركفوري صاحب الرحيق المختوم يلخص لنا هذه
المعاملة:
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة استشار أصحابه في
الأسرى. فقال أبو بكر: يا رسول الله! هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني
أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم
الله فيكونوا لنا عضداً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: قلت:
يا رسول الله! والله ما أرى رأي أبي بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان قريب
لعمر فأضرب عنقه وتمكن علياً من عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن
حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه. حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة
للمشركين. وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم.
فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلتُ وأخذ
منهم الفداء.
وأنزل الله تعالى: [مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ
تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ
لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ] (الأنفال: 67-69) .
والكتاب الذي سبق من الله هو قوله تعالى: [فَإِمَّا مَناًّ بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء]
(محمد: 4) ففيه الإذن بأخذ الفدية من الأسرى؛ ولذلك لم يعذبوا. وإنما نزل
العتاب؛ لأنهم أسروا الكفار قبل أن يثخنوا في الأرض، ثم إنهم قبلوا الفداء من
أولئك المجرمين الذين لم يكونوا أسرى حرب فقط، بل كانوا أكابر مجرمي الحرب
الذين لا يتركهم قانون الحرب الحديث إلا ويحاكمهم. ولا يكون الحكم في الغالب إلا
في الإعدام أو بالحبس حتى الموت.
واستقر الأمر على رأي الصديق فأخذ منهم الفداء، وكان الفداء من أربعة
آلاف درهم إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألف درهم. وكان أهل مكة يكتبون، وأهل
المدينة لا يكتبون. فمن لم يكن عنده فداء دُفِعَ إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة
يعلمهم. فإذا حذقوا فهو فداء.
«ومنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدة من الأسرى، فأطلقهم بغير
فداء. ومنَّ على ختنه (زوج ابنته) أبي العاص بن الربيع بشرط أن يخلي سبيل
زينب، وكانت قد بعثت في فدائه بمال، بعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة
أدخلتها بها على أبي العاص. فرقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة،
واستأذن أصحابه في إطلاق أبي العاص ففعلوه، واشترط رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يخلي سبيل زينب فخلاها، فهاجرت ... » [18] ونعرض صورة واحدة
فقط من طبيعة معاملة الأسرى لأحدهم وهو أبو عزيز بن عمير. يقول: كنت في
الأسارى يوم بدر فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: استوصوا
بالأسارى خيراً؛ فإن كان ليقدم إليهم الطعام؛ فما يقع بيد أحدهم كسرة إلا رمى بها
إليّ ويأكلون التمر فيؤثروني. فكنت أستحي فآخذ الكسرة فأرمي بها إليه فيرمي بها
إلي « [19] وأما سبايا هوازن اللاتي تجاوزن ستة آلاف سبية كن قد شاركن جيش
هوازن وحضرن الحرب معه انتهى أمرهن بأن منَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
عليهن بدون فداء بعد أن صرن بيد المسلمين. ومن تمسك بسبيه من المسلمين وعده
رسول الله صلى الله عليه وسلم بست جمال من أول غنم يغنمه [20] .
* القضية السادسة: التعامل مع المدنيين:
وحرب القرن الحادي والعشرين إنما كانت ذريعتها في تدمير أفغانستان من
أمريكا هو سقوط القتلى من المدنيين الأبرياء في برجي التجارة الذين بلغوا بضعة
آلاف.
يقول الأستاذ منير شفيق في مقال له: مع إعلان الحرب العالمية على
الإرهاب ركزت إدارة بوش على الضحايا البريئة من المدنيين الذين سقطوا في
هجمات نيويورك وواشنطن حتى كاد الإرهاب يعرف بأنه قتل مدنيين. والأمر
نفسه تكرر بالنسبة إلى الإسرائيليين وفقاً لخطاب وزير الخارجية كولن باول في
كنتاكي 19/11/2001م فاعتبرت الانتفاضة والمقاومة في كل من فلسطين ولبنان
إرهاباً، وحتى الرئيس الفلسطيني اتهم بالتواطؤ والإرهاب. أما قتل المدنيين
الفلسطينيين واللبنانيين والأفغان ومن وصله أو سيصله الدور من العرب والمسلمين
وغيرهم من بلدان العالم الثالث فالقاتل هنا لا يسمى إرهابياً؛ فهو يمارس حق الدفاع
عن النفس.
وقد لفت وزير العدل الأمريكي الأسبق ورئيس مركز العمل الدولي رمزي
كلارك في قناة الجزيرة برنامج بلا حدود في 9/1/2001م إلى أن أمريكا شنت 75
تدخلاً عسكرياً رئيسياً منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد بطشت في حربها
ضد الأسبان بالمدنيين وأثخنت في التدمير.
وفي حرب فيتنام قتل أكثر من مليون، وسقط في حروب كوريا 5.3 مليون مدني،
وسلَّط الضوء على القصف ضد المدنيين الأفغان ضحايا الحرب الراهنة وعلى
معاملة أسرى غوانتانامو كما ركز على مئات الآلاف من الأطفال العراقيين الذين
ماتوا بسبب الحصار.
ونشر نعوم تشومسكي مقالة حول الحرب الجديدة ضد الإرهاب في موقعه
على الإنترنت بتاريخ 18/10/2001م أجاب خلالها على خمسة أسئلة، وقد
عززها بأمثلة على ما اقترفته أمريكا من جرائم بحق المدنيين في عشرات البلدان،
فشدد بداية على أن الحرب الني يشنها بوش على أفغانستان عرَّضت ما بين ثلاثة
إلى أربعة ملايين مدني للمجاعة والموت. وهؤلاء لا علاقة لهم من قريب أو بعيد
بمن وجهت الحرب ضدهم مستنتجاً أننا أمام إبادة بشرية.
وباختصار: إن من تأمل السجل التاريخي يفهم بعمق لماذا لا تطرف عينا
بوش ورامسفيلد بينما الطائرات الأمريكية تدك المدنيين في أفغانستان وفلسطين؟
ولماذا هما متفاهمان كل ذلك مع شارون وبيريز وإيلعازر وموفاز حول سياسات
الاغتيالات والتدمير والاعتداء على المدنيين؟ [21] .
هذا عن المدنيين عند زعيمة الجاهلية الحديثة زعيمة العالم الحر. فماذا عن
المدنيين في فتح مكة، والذين أغلقوا بيوتهم طلباً للأمن، وكانوا في المسجد طلباً
للأمن يستمعون لرسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم خطبته.
راويتنا هنا امرأة صحابية هي زينب بنت أبي تجراة قالت: أنا أنظر إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من البيت، فوقف على الباب وأخذ
بعضادتي الباب فأشرف على الناس وبيده المفتاح، ثم جعله في كمهِ. وقد ليط بهم
حول الكعبة فهم جلوس. قال: الحمد لله صدق وعده، ونصر عبده، وهزم
الأحزاب وحده. ماذا تقولون؟ وماذا تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: نقول خيراً.
ونظن خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف:» [لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ
لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ] (يوسف: 92) . اذهبوا فأنتم الطلقاء « [22] ،
فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا الإسلام.
لقد كان هؤلاء جميعاً محاربين لكنهم عندما سمعوا نداء الأمان التزموا بيوتهم
أو المسجد أو دار أبي سفيان، فأصبحوا مدنيين لا يمسون بسوء. ورأينا كيف أن
رجلاً واحداً فقط هو الذي قُتِلَ بعدما توقفت الحرب ووداه رسول الله صلى الله عليه
وسلم. وألغى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكرة الثأر والانتقام نهائياً في تحركه
وهجومه، وحرض على حياة مكة وسلامتها، ورد على مقولة سعد بن عبادة:
» اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشاَ «. بمقولة النبوة
الشهيرة:» اليوم يوم المرحمة، اليوم تعظيم الحرمة، اليوم أعز الله قريشاً «.
* القضية السابعة: خطاب الرئيس الأمريكي:
وهو الخطاب الذي ألقاه في الكونغرس بمناسبة مرور سنة على حكمه مساء
الثلاثاء 29/1/2002م، ونشهد تحليلاً قيماً له للأستاذ حسن منيمنة ننتقي مقتطفات
من هذا التحليل. يحدد الخطاب أهداف الحرب عبر صيغتين: تسرد الأولى منها
الدول والمنظمات المستهدفة. وباستثناء كوريا الشمالية فإن كافة الأطراف المستهدفة
إما عربية أو إسلامية» العراق، إيران، حماس، الجهاد الإسلامي، حزب الله،
جيش محمد، أبو سياف؛ بالإضافة إلى القاعدة «. وإذا جاء إدراج كوريا الشمالية
ليثير الاستغراب دولياً ويذكر في هذا الصدد فإن معظم لوائح المنظمات الإرهابية
الصادرة عن السلطات الأمريكية تتضمن أقلية ضئيلة من المنظمات غير المسلمة،
بما يضفي على اللوائح من وجهة نظر شعبية أمريكية طابعاًَ من المصداقية
والموضوعية من دون أن يبدد الواقع الذي يتفق عليه معظم الأمريكيين ضمناً من أن
الخطر الإرهابي هو أولاًَ خطر إسلامي.
أما الصيغة الثانية التي يعتمدها خطاب» حال الاتحاد «في تحديد أهداف
الحرب فهي التي تؤكد الطبيعة العقائدية للمواجهة. وذلك عبر إعلان المبادئ غير
القابلة للتفاوض وفق نص الخطاب والذي تعتزم الحكومة الأمريكية العمل بها في
مختلف أرجاء العالم» حكم القانون، الضوابط على سلطة الدولة، احترام النساء،
الملكية الشخصية، حرية التعبير، المساواة امام القضاء، التسامح الديني «.
يمكن بالطبع نقد استعمال بوش لهذه المبادئ من حيث الانتقائية في اختيارها
ومن حيث اعتبار الحكومة الأمريكية ضمناً الجهة المخولة الحكم على سلامة
تطبيقها. فحق تقرير المصير، والحق بعدم النزوح تحت الاحتلال الأجنبي
مثلاًَ ليسا مدرجين على هذه القائمة. والولايات المتحدة ليست بصدد الاعتراض على
التجاوز اليومي الفادح الذي تقدم عليه الحكومة الإسرائيلية لمعظم هذه المبادئ.. ولا
يغيب عن ذهن المستمع الأمريكي لخطاب الرئيس بوش أن المعني بطرح المبادئ
غير القابلة للتفاوض هو العالم الإسلامي؛ ذلك أن المجتمع الأمريكي في صورته
الذاتيه قد تجاوز موضوع مساواة المرأة مع الرجل ومسألة التسامح الديني. فإدراج
هذين المبدأين هو تعبير وحسب عن القصور المفترض في الثقافة الإسلامية..
فالحرب على الإرهاب من وجهة نظر معظم الأمريكيين ليست بالطبع حرباً
صليبية، ولا علاقة للمسيحية بها. لكنها رغم ذلك بالإضافة إلى كونها حرباً دفاعية
مشروعة هي حرب عقائدية بين مفهوم مستنير متطور، وآخر ظلامي متخلف
للحاكمية والعدالة الاجتماعية. وتأكيد خطاب الرئيس حول إصراره على دعم
الرجال والنساء من الذين يعتنقون المبادئ الأساسية التي تلتزم بها الولايات المتحدة
في مختلف أرجاء العالم بما في ذلك العالم الإسلامي. ويقدم خطاب بوش
للمستمع الأمريكي في استخلاص العبر من مجريات الأحداث في أفغانستان تأكيداً
على أن القيم والمبادئ الأمريكية ولا سيما الحرية والعدالة هي الأسمى.
ومن كان لديه شك في ذلك فعليه أن ينظر إلى أفغانستان؛ حيث استقبل
الشارع المسلم سقوط الطغيان بالغناء والاحتفال ومن نص الخطاب.
وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن مراراً في أعقاب هجمات الحادي عشر من
أيلول أنه أضحى يعتبر مواجهة الإرهاب هدفه الأول مشدداً على أن الحرب لن
تقف عند حد أفغانستان، وأنها قد تمتد إلى أمد طويل [23] .
لا أدري كيف تجتمع الحرية والإرهاب في آن واحد؟ فهو يريد أن يحقق
الحرية بإرهاب العالم.
ولا أرى تعريفاً للإرهاب أوجز من قوله: من لم يكن معنا فهو ضدنا. فإما
أن تسير في ركاب أمريكا وقيمها ومبادئها، وإما أنك إرهابي يجب أن تحارب؛
لأنك ضد معسكر الحرية.
خلاصة الخطاب تأليه أمريكا قيماً وسلوكاً وحرباًَ، والعالم كله يجب أن يسير
بعصاها النووية.
فماذا عن عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة وانتصاره
ليكون السيد الأول في الجزيرة العربية؟
لقد كان الفعل قبل الكلام؛ فقد أطلق الحرية لأعدائه وخصومه قائلاً لهم:
» اذهبوا فأنتم الطلقاء «.
وجاء بعدها ليحدد المبادئ العليا التي تنطلق منها البشرية.
1- إعلان التوحيد:
» لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم
الأحزاب وحده « [24] .
2 - إلغاء الجاهلية وآثارها:
» ألا إن كل رباً في الجاهلية أو دم أو مأثرة أو مال يدعى فهو تحت قدميَّ
هاتين. وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة البيت وسقاية الحاج « [25] .
فقد أعلن المبدأ، وأعلن تنفيذه مباشرة، فأسقط دم ابن عمه ربيعة بن الحارث
» وفي رواية: وأول رباً أضعه ربا العباس بن عبد المطلب «فيسقط ربا عمه
العباس مع دم ابن عمه ربيعة.
لو كان الرئيس بوش صاحب مبدأ حقيقة؛ وكما أعلن أنه سيحارب الدنيا
ليحكم القانون لوضع نفسه تحت تصرف الأمم المتحدة لتحاكمه على الآلاف من
المدنيين الذين أزهقهم في أفغانستان هو وجيشه وكبار قادته. ولكنه الهوى البشري
يقابله الوحي النبوي، وليس الإلغاء في الإسلام للإلغاء والسيطرة؛ فسدانة البيت
وسقاية الحاج من بقايا حنيفية إبراهيم عليه الصلاة والسلام يوم أن أمره ربه أن
يؤذن للناس في الحج.
3 - دية قتيل الخطأ:
» ألا وفي قتيل العصا والسوط والخطأ شبه العمد الدية مغلظة مائة ناقة منها
أربعون في بطونها أولادها « [26] . وذلك لتغليظ حرمة الدم فلا يتساهل فيه.
4 - إلغاء الفوارق الطبقية، ووحدة البشرية:
» ألا وإن الله تعالى قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتكبرها بآبائها. كلكم لآدم
وآدم من تراب «ثم تلا هذه الآية: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ]
(الحجرات: 13) » [27] .
فالناس كلهم من أصل واحد. يتفاوتون بقربهم من ربهم أو بعدهم عنه. وليس
الأمر الضابط على سلطة الدولة فقط كما يقول الرئيس الأمريكي؛ بل الضوابط
على سلطة الخلق جميعاً بحيث لا يطغى فرد على فرد بنسب أو جاه أو مال. إنما
الكفاءة والبر التقي الكريم.
لقد كان يعلن هذه المبادئ في بيت الله الحرام، وفي سلطان قريش التي تفخر
على العرب جميعاً بأنسابها، وفي عشرة آلاف من العرب وبجوارهم ألفان من
قريش، ويسقط كل الفضل العربي أو المصري أو اليمني أو القرشي؛ يعلن هذا
ضد عواطف جيشه كله الذي يفخر بانتمائه العربي ويعتز بنسبه، ويخوض
الحروب والأهوال من أجل كرامة القبيلة وسيادتها.
ولم يكن إعلان هذا المبدأ نتيجة ثورة شعبية مثلت أكثرية جيشه اضطر
لمجاراتها من الفرس والروم، بل أعلن ذلك أمام قريش ومَنْ وراءها من العرب:
«إن الله أذهب عنهم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. كلكم لآدم وآدم من تراب»
[28] .
5 - حرمة مكة والبيت الحرام، واعتبار السلم أساس العلاقات الدولية:
«ألا إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، ووضع هذين
الأخشبين؛ فهي حرام بحرام الله، لم تحل لأحد كان قبلي ولن تحل لأحد كائن بعدي،
لم تحل لي إلا ساعة من نهار يقصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده هكذا
ولا ينفَّر صيدها، ولا يعضد عضاها، ولا تحل لقتطها إلا لمنشد، ولا يختلى
خلاها» فقال العباس وكان شيخاًَ مجرباً: إلا الإذخر يا رسول الله؛ فإنه لا بد منه
للقبر وظهور البيوت. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم قال: إلا
الإذخر؛ فإنه حلال « [29] فرمز السلام في الوجود ومعقله هو مكة والبيت الحرام
حيث يأمن الطير فلا يصاد، والحشيش فلا يقطع، والشوك فلا يقلع. بَلْهَ الإنسان
إنه مركز السلام والأمن في الوجود.
* كلمة أخيرة وتقويم موضوعي:
فماذا جرى في حرب الجاهلية في القرن الواحد والعشرين في تقويم عام لها
مع مبادئها؟ ندع للكاتب السعودي خالد الدخيل وصفه بقوله:
أ - دور إسرائيل واليهود:
» التأثير اليهودي على بنية الخطاب الثقافي السياسي الأمريكي يتجاوز ذلك
إلى التناقض مع منطلقات الديموقراطية الإسرائيلية؛ فنقد إسرائيل يعتبر من
المحرمات الذي قد يصل إلى نوع من العداء للسامية. حتى عضو الكونغرس في
واشنطن لا يملك الجرأة على توجيه النقد للسياسة الإسرائيلية، أو للقوة السياسية
والمالية الضخمة التي يتمتع بها اللوبي الصهيوني في العاصمة الأمريكية. هذا النقد
يعني الدخول في القائمة السوداء لهذا اللوبي، وكل من تجرأ على ذلك حتى لو لم
يكن معادياً للسياسة الإسرائيلية لن يتمكن من كسب معركة الترشيح للحزب؛ دع
عنك الفوز في الانتخابات. وإذا كانت هذه حال من يعمل في المجال السياسي؛ فلك
أن تتصور حال من يعمل في المجال الإعلامي. هذا هو ثمن فقدان الاستقلال الذي
تراجعت بسببه الحرية وتوارت معها المصداقية، مصداقية الخطاب الذي يصدر
عنه الإعلام، ومصداقية الموقف الذي يعبر عنه رجل السياسة؛ ويخطئ
الأمريكيون إذا اعتقدوا أنهم بذلك يساهمون في تحقيق المزيد من الحرية، والمزيد
من السلام. إنهم يدفعون العالم نحو المزيد من العنف ونحو المزيد من الإرهاب «
[30] .
ب - عسكرة جديدة للعالم:
وهذا ما يتحدث عنه الأستاذ منير شفيق بقوله:» وباختصار فإن أمريكا
راحت تفرض أجندتها على العالم الآن. ولكي يتحقق ذلك أصبحت دول العالم
ترزح تحت الابتزاز، وعاد التهديد بالتدخل العسكري مسلطاً على رؤوس الكثيرين
أي ثمة مسعى أمريكي لفرض حال الطوارئ عالمياً تحت حكم البنتاغون، وهو ما
يترجم قول بوش: من ليس مع أمريكا فهو مع الإرهاب. ولم يقتصر الانقلاب
الذي أحدثته عمليات خرجت عن كل سياق على اهتبال الفرصة من قبل أمريكا
لفرض حكم عسكري على العالم، وإنما امتداد إلى الداخل الأمريكي والداخل
الأوروبي من جهة التوسع في التشريعات التي تحد من الحريات المدنية
والديمقراطية وحقوق الإنسان مثل قوانين المراقبة، والتوقيف إلى أجل غير مسمى،
والتنصت والتفتيش واستباحة الإنترنت ومراقبة الحسابات الشخصية، وهو الأمر
الذي يعطي للأجهزة الأمنية صلاحيات تفوق ما أعطي للجنة مكارثي في أوائل
الخمسينيات. فالذي يشهده عالم الغرب اليوم مسح ما كان يفاخر به من جهة
الحريات المدنية وحقوق الإنسان، ولا أحد يعرف مداها. أيضاً من ناحية تأثيرها
في الأوضاع الداخلية من دول العالم الثالث؛ فقد سقطت ورقة التوت عن تصدير
أمريكا لشعار الديمقراطية وحقوق الإنسان للعالم كله ليعود الوجه الحقيقي لأمريكا،
أمريكا الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ولكن: هل يمكن أن يعزى هذا كله
لما حدث في ذلك اليوم، أم كان هذا هو المخبوء الذي وجد ذريعته ليخرج إلى
السطح؟ ؟ « [31] .
ج - فوضى شاملة يختفي في غبارها كل الأقطاب:
ويحدثنا عنها الكاتب المصري عبد الله الأشعل فيقول:» عندما انتهت
الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة هي التي حسمت نتائجها سواء في
ساحات القتال في مراحلها الأخيرة، أو في وضع اللمسات الأخيرة على مصير
المهزومين وعلى شكل النظام الدولي الجديد. أما في أفغانستان فقد اختلطت الأوراق
كما اختلط الحق بالباطل، وارتد المجتمع الدولي مسافة قرنين من الزمان بعدما
استبشر الجميع منذ ميثاق روما في تموز - يوليو - 1997م الذي قرر إنشاء
المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ووضع لها تشريعاً جنائياً أدرج فيه أحدث جرائم
النظام العام الدولي، وبعدما وصلت الجرائم الدولية إلى مراتب العصور القديمة
وهمجية الشعوب السابقة على عصر الحضارات.
صور الارتداد:
وأما صور الارتداد فهي لا تقع على ما يبدو تحت حصر؛ فمن ناحية اندفع
الجميع وراء واشنطن من دون وعي. فالحرب في أفغانستان حرب عالمية بين
معسكرين: الأول تقوده الولايات المتحدة ووراءها العالم. أما المعسكر الآخر فهو
الفضاء الأفغاني. فتشكل مسرح الإبادة التاريخي الذي ساهم فيه العالم كله ...
والصورة الثانية بربرية المجتمع الدولي كله ضد شعب بعينه بدون جريرة؛ وكأن
إبادة الشعب الأفغاني أتعس شعوب الأرض بأحدث أنواع الأسلحة هو تطهير لمصير
البشرية واسترداد لكرامتها المهدورة. من ناحية ثانية تخلت الولايات المتحدة عن
كل مبادئها. فأباحت الاغتيال والقتل والإبادة، واستخدام كل الأسئلة المحرمة.
وضربت أسوأ مثال على الفوضى، وكان أخلص زبائنها إسرائيل أكثر الأطراف
إعجاباً بسلوكها؛ حيث تشابهت مأساة شعبي فلسطين وأفغانستان، بل اعتبرت
أعمال الإبادة الإسرائيلية امتداداً للجهاد الأمريكي في أفغانستان. وقررت إسرائيل
أن كلا الشعبين اليهودي والأمريكي في خندق واحد وهما ضحايا الإرهاب
الفلسطيني والأفغاني. وإذا كانت واشنطن هزمت في فيتنام فإن قيم المجتمع الدولي
قد هزمت كلها في أفغانستان، وإذا كانت الحرب العالمية الثانية أسفرت عن نظام
القطبية الثنائية التي لم تلبث بعد خمسة وأربعين عاماً أن انتهت إلى قطب واحد؛
فإننا لا نستبعد أن يعقب الحرب العالمية الثالثة فوضى شاملة يختفي في غبارها كل
الأقطاب « [32] .
وأخيراً: ندعو الجاهلية الأمريكية التي أعادتنا إلى القرون الخالية أن تصطف
بجوار الجاهلية العربية قبل خمسة عشر قرناً. ونترك الساحة لشريعة الله في
الأرض، مرددين قول الله تعالى الخالد: [أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ
اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ] (المائدة: 50) .