دراسات تربوية
محمد عيد العباسي
الوسوسة داء وبيل، وكيد من الشيطان، وتنكيل، والمبتلون بها كثيرون،
وشفاؤهم عسر جد عسير، وحالهم يدعو للإشفاق؛ فرغبة في إنقاذهم وتخليصهم
مما هم فيه كتبت هذه الكلمة راجياً أن ينتفع بها كثير منهم، وبالله العون والسداد،
ومنه التوفيق والرشاد.
* أخي المبتلى بالوسوسة!
* الوسوسة من عمل عدونا اللدود الشيطان:
اعلم وفقني الله وإياك إلى كل خير، ووقانا من كل شر أن الوسوسة من عمل
الشيطان، ومما يبغضه الله ويمقته، وليست من الدين في شيء، بل الدين حرب
عليها وبراء منها؛ ذلك أن الشيطان لنا عدوٌّ مبين، وقد طفحت آيات الكتاب العزيز
بذلك، وحسبنا منها قوله سبحانه: [إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُواًّ إِنَّمَا يَدْعُو
حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ] (فاطر: 6) ، فهو يريد أن يوقع الإنسان في
كل عنت وعذاب، ويسبب له كل مشقة واضطراب؛ فأمله الأعظم ومنتهى مناه أن
يدخل البشر جميعاً في الكفر الأكبر فَيَصْلَوْا معه الجحيم، ويشاركوه في العذاب
الأليم والهوان المقيم، فيشفي بذلك غيظه، ويروي منهم غليله.
وسبب ذلك معروف، وقد أخبرنا الله تعالى عنه في مواضع كثيرة من كتابه
الكريم، وخلاصته أن الله تعالى لما خلق آدم أبا البشر عليه السلام أمر الملائكة
وإبليس [1] بالسجود تحية له، فسجدوا جميعاً إلا إبليس؛ فقد أبى واستكبر، وعاند
وجحد، ورفض واعترض قائلاً: [أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً] (الإسراء: 61) ،
وتبجح بأنه خير منه، فقال: [أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ]
(الأعراف: 12) . وأصر على ذلك وتحدى خالقه العظيم، غير مبالٍ بما يجرّه
عليه سفهه وحمقه من المصير الوخيم، فكان أن لعنه الله لعنة دائمة إلى يوم الدين،
وتوعده بالعذاب المقيم، وطرده من الجنة إلى الأرض مسربلاً بالخزي والهوان
وغضب الله ذي البطش والانتقام.
ولما رأى ما حل به طلب من الله أن يمهله ويبقيه حياً إلى يوم القيامة، فأجابه
الله تعالى إلى ذلك ابتلاء للناس به، واختباراً لهم، لتنكشف حقيقة كل واحد منهم:
أيؤثر طاعة الرحمن، أم يحالف عدوه ويكون ظهيراً له على ربه؟ ومنذ ذلك الحين
والشيطان قد أعلن على الإنسان الحرب الضروس، وآلى على نفسه أن يقعد له
بكل سبيل، لإضلاله وإهلاكه، وألا يدخر وسعاً ولا جهداً ولا وقتاً ولا حيلة في
سبيل إيذائه وتعذيبه والانتقام منه؛ لأنه برأيه السبب فيما أصابه من الغضب
واللعنة والطرد والنقمة، وهذا سفه منه شديد، وجهل منه بالغ؛ إذ لا دخل للإنسان
في ذلك، والسبب كل السبب هو نفسه الأمارة بالسوء، وتكبره وعناده، ولؤمه
وغروره، ولو أنصف وفكر بعقله لا بهواه لعلم أنه عبد لله ومخلوق من مخلوقاته،
عليه واجب الطاعة والعبادة والاستسلام لربه ومولاه، والتواضع لعباد الله، واتخاذ
كل عبد صالح أخاً له وصديقاً، وحبيباً له ورفيقاً، ولكنه بدلاً من ذلك ركب رأسه
وأصرّ على رأيه واستنفر ذريته وأتباعه، وحشد كل قواه للانتقام من آدم وذريته،
يسوقه الحقد الدفين، والغضب والهياج الذي لا يضعف ولا يلين، بل يغلي ويزيد
على مر السنين.
وكان يود الشيطان أن يخلي الله بينه وبين الإنسان، ليقضي منه أربه،
ويشفي غيظه، ولو نال ذلك لما نجا من شره أحد؛ فهو يرى الإنسان، والإنسان لا
يراه، ولديه قوة في الجسم وخفة في الحركة ونشاط عجيب، ودأب وهمة وعزيمة
لا تعرف اليأس والكلل والملل، ولكن الله تعالى رأفة بعباده ورحمة بهم، وخذلاناً
لعدوهم منعه من ذلك، فجعل للإنسان حرساً من الملائكة، وذلك قوله سبحانه: [لَهُ
مُعَقِّبَاتٌ مِّنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّه] (الرعد: 11) [2] ،
فلا يدعون أحداً من الشياطين يؤذي الإنسان بشيء إلا بإذن الله، وحال بينهم وبينه،
ولم يسمح لهم إلا بالوسوسة يتسلطون بها عليه، إلا في أحوال نادرة لله تعالى فيها
حكمة.
فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: يا رسول الله! إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء لأن يكون حممة
(أي رماداً) أحب إليه من أن يتكلم به، فقال عليه الصلاة والسلام: الله أكبر، الله
أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة» ، وفي رواية: «الحمد لله
الذي رد أمره إلى الوسوسة» ، وفي أخرى: «الحمد لله الذي لم يقدر منكم إلا على
الوسوسة» [3] .
* خطر الوسوسة وأنواعها:
ولكن الوسوسة ليست بالأمر الهين؛ فعن طريقها يسيّر الشيطان الغالبية
العظمى من البشر أفراداً وجماعات ودولاً، ويستغل ما في أنفسهم من الأهواء
والحاجات، ويؤجج ما بينهم من الخلافات، ويشعل نيران الفرقة والعصبية
والغضب والخصام فيسوقهم ليفني بعضهم بعضاً، ويدمروا حياتهم وأمنهم
واستقرارهم بأيديهم.
وهو عن طريق الوسوسة يقلب حياتهم إلى شقاء وتعاسة بصرفهم عن شريعة
الله ودينه، وتزيين الدنيا وزينتها في أعينهم، وتلميع الأنظمة الكافرة المحاربة لله
ورسله، فينشر بينهم الخمور والمسكرات والمخدرات ويسميها بغير أسمائها،
فيعرضها على أنها مشروبات روحية تنعش الروح وتنشطها وتغذيها، كما يسمي
لهم الفجور والتهتك والخلاعة وقلة الحياء والاختلاط والفاحشة بأنها تحرر وتقدم
وفنون وأمور شخصية خاصة لا يجوز لأحد أن يتدخل فيها، ويسمي لهم الربا التي
هي من أكبر الكبائر والتي أعلن الله الحرب على مقترفيها والمشاركين فيها يسميها
فائدة، ويسمي التطاول على الذات الإلهية والتشكيك بأصول الدين ومسلَّمات
الاعتقاد وثوابته حرية فكر، وهكذا.
ومن أنواع الوسوسة التي يتسلط فيها الشيطان على كثير من الناس الوسوسة
في أمور العبادات والمعاملات التي يكون ضحاياه فيها من المتدينين والصالحين؛
فقد يشككهم في أقدس مقدساتهم: في ربهم تبارك وتعالى، وفي نبيهم والآخرة
والقدر والرسل وغير ذلك، فيجعلهم يعيشون في قلق دائم وخوف شديد على إيمانهم
ومصيرهم عند الله، ومصير عباداتهم وأعمالهم، وقد يتسلط عليهم في أمور
الطهارة من النجاسات والغسل والوضوء وطهارة الثياب والأمكنة وغيرها، فيقضي
أحدهم الوقت الطويل في الاستنجاء والاستبراء وغسل الثياب الداخلية والألبسة
والفرش، ويعيد الوضوء مرات ومرات خوفاً من ألا يكون الماء قد وصل إلى
بعض الأعضاء أو أخطأ في عدد الغسلات، وأما الصلاة فحدث ولا حرج عما
يوقعهم فيه من المشقة والعنت في صحتها وخشوعها وعدد ركعاتها، فقد يوقعهم في
شكوك لا حصر لها عن صحتها وقبولها، فيعيدون الصلاة الواحدة مرات، ويفوّت
عليهم الجماعات، وقد يؤدي بهم إلى إخراجها عن وقتها بسبب تلك السلسلة الطويلة
من الشبهات والتشكيكات ناهيك عن الخشوع الذي خلا تماماً من صلاة أولئك
الموسوسين المساكين. وقد مثل ذلك في أمور الزواج والطلاق والحج والبيوع
والأطعمة والأشربة والعقود المختلفة وهكذا.
ولا شك أن هذا يوقع الإنسان في عنت ومشقة وعناء وعذاب، فيقض عليه
مضجعه، ويشغل وقته، ويحرق أعصابه، ويضيع ماله، ويؤثر ذلك على عمله
فيفسده بكثرة الأخطاء التي تعتريه لانشغال فكر الموسوس في وساوسه، وقد يسبب
ذلك له المشاكل الكبيرة مع مسؤوليه في العمل، ومن يتعامل معهم في أمور الحياة
المختلفة قد تؤدي إلى إخراجه من عمله فيعاني من الحاجة والحرمان، فتضاف
مشاكل جديدة إلى مشاكله، ويؤثر على صحته وحال تكيفه مع أسرته وأقاربه
وزملائه، ويستمر حاله في التدهور والانهيار والشقاء، وقد يدفعه ذلك إلى الانتحار
للتخلص من هذا البؤس والعذاب، فيخسر بذلك الدنيا والآخرة.
ويوهم الشيطان الموسوس بأن ذلك من الورع والتقوى والدين والصلاح،
ومن الحرص على تنفيذ أمر الله وسلامة العبادة والعقيدة، وتجاه ما يعانيه من الشقاء
يتوجه لأهل العلم يسأل الواحد بعد الآخر، ولكنه لا يزيد بسؤال غالبهم إلا شقاء،
فيفكر في أقوالهم ويحتار في عباراتهم، ويشك في علمهم فلا يكتفي بسؤال الواحد أو
الاثنين، بل تراه يعرض مسائله على الكثيرين، ولا يستقر على رأي ولا يطمئن
إلى حال. وقد يزيد الطين بلة إذا صادف بعض طلبة العلم المتشددين الذين يغذون
فيه الوسوسة ويكونون عوناً للشيطان عليه.
ولعلاج هذا الداء الخطير والشر المستطير، وللخلاص منه يجب على كل
من ابتلي به أن يعلم ما يلي:
1 - أن يعلم مما سبق بيانه أن الوسوسة من عمل الشيطان عدونا الأكبر.
2 - أن يعلم يسر الإسلام وسماحته.
إذ من المتفق عليه لدى العلماء أن من أهم صفات الشريعة الإسلامية ومزاياها
أنها شريعة سمحة، وأن تكاليفها ميسرة سهلة بعيدة عن الإعنات والمشقة؛ فهذا
كتاب الله يعلن ذلك بكل صراحة ووضوح ودون لبس ولا غموض فيقول: [يُرِيدُ
اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ] (البقرة: 185) ، ويقول: [وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] (الحج: 78) ، ويقول: [يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ
وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً] (النساء: 28) ، ويصف نبيه خاتم الرسل محمداً صلى
الله عليه وسلم فيقول: [الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ
الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ]
(الأعراف: 157) ، والإصر: الحمل الثقيل، والأغلال: القيود الشديدة
والتكاليف الشاقة؛ فقد امتن الله عز وجل على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأنه
خفف عنهم التكاليف الشاقة التي كانت على من قبلهم، ورحمهم ويسّر لهم الدين،
وأتم عليهم النعمة.
ويبين الله تعالى أنه لو شاء لكلفنا ما يشق علينا ولكنه رفع عنا ذلك رحمة بنا
وتفضلاً منه علينا، فقال: [وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ] (البقرة: 220) ، وقال:
[مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ] (النساء: 147) ، فهو الغني عن
تعذيب عباده، ولكنه يمتحنهم ويختبرهم، ويريد أن يرحمهم، وكل الذي يريده منهم
أن يخلصوا التوحيد له، ويصدقوا معه، ويطيعوه، وإذا أخطؤوا أو أذنبوا تابوا
وأنابوا، وهو يخبرهم أنه يغفر الذنوب جميعاً، ولو تكرر من العبد الذنب بعد
الذنب ولو كان من الكبائر؛ فهو يحب عبده التواب الأواب المنيب. ويقول سبحانه
معلماً لنا أن ندعوه فيقول: [لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ
عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ] (البقرة: 286) .
ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقائق ويزيدها قوة ووضوحاً فيقول:
«إني بعثت بالحنيفية السمحة» [4] ، ويقول: «إن أحب الأديان إلى الله الحنيفية
السمحة» [5] ، ويوصي أصحابه وأمته بالتبشير والتيسير، فيقول: «يسروا ولا
تعسروا، وبشروا ولا تنفروا» [6] ، ويتوعد المتشددين والمتزمتين والمعسّرين
فيقول: «ألا هلك المتنطعون قالها ثلاثاً» [7] .
وكان بعض الصحابة في سفر فأصابت أحدهم جراحات، وأصبح جنباً،
فسأل أصحابه ماذا يفعل؟ فأمروه بالاغتسال، فاغتسل فمات، فبلغ الخبرُ النبيَّ
صلى الله عليه وسلم، فغضب غضباً شديداً ودعا عليهم فقال: «قتلوه، قتلهم الله؛
ألا سألوا إذا لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال» [8] .
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «بينما النبي صلى الله عليه وسلم
يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن
يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. قال مروه فليتكلم وليستظل
وليقعد، وليتم صومه» [9] .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى
رجلاً يُهادَى بين ابنيه، فسأل عنه، فقالوا: نذر أن يمشي، فقال: «إن الله لغني
عن تعذيب هذا نفسه» وأمره أن يركب [10] .
وقد تعلم منه الصحابة الكرام هذا التوجيه الكريم؛ فها هو عمرو بن العاص
رضي الله عنه يرسله النبي صلى الله عليه وسلم في سرية ذات السلاسل يقول:
«فاحتلمت في ليلة باردة، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت
بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو!
صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني
سمعت الله يقول: [وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً] (النساء: 29) ،
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً» [11] .
والأحاديث في هذا كثيرة فأكتفي بما سبق.
وقد تجلى يسر الشريعة الإسلامية في كثير من الأمور؛ فمنها وضع الصوم
عن المسافر والمريض، والحامل والمرضع، والرخصة لهم في الفطر والقضاء،
وللأخيرتين بالكفارة والقضاء، ومنها السماح لمن لا يستطيع القيام أو يشق عليه أن
يصلي قاعداً فإن لم يستطع فعلى جنب، ومنها إباحة ما حرم عند الضرورات
كإباحة أكل الميتة والخنزير إذا لم يجد الطعام الحلال وخشي على نفسه الهلاك،
ومنها عدم المؤاخذة في لغو اليمين، ومنها إباحة الغيبة والكذب والنميمة في بعض
الحالات، ورفع الإثم والمؤاخذة عما يفعله الإنسان في حالة الخطأ والنسيان
والاستكراه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ
والنسيان وما استكرهوا عليه» [12] .
3 - وعلى من ابتلي بالوسوسة إذا أراد الشفاء منها أن يعلم أنه غير مؤاخد
على خواطر النفس:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي عما
وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم» [13] ، وهذا فضل من الله
عظيم، ونعمة منه سابغة؛ فكثير مما يرهق الموسوس ما يورده الشيطان على
خاطره من خواطر السوء عن الله والدين والقرآن والرسول، فيخيل إليه أنه بذلك
خرج من الدين، وصار من المرتدين، ويستتبع ذلك حرمة بقائه مع زوجته،
وبطلان عباداته وغير ذلك من الأمور؛ فإذا علم أن ذلك لا تأثير له، ولا مؤاخذة
فيه ارتاح باله وهدأت نفسه.
ومثل ذلك ما يورده الشيطان على خاطره من نية طلاق زوجته أو قطع
صلاته أو صومه أو وضوئه، فذلك كله غير مؤثر ولا ينبني عليه شيء، ولا إثم
فيه، فعليه أن يستمر في عباداته هذه ولا يشك فيها.
وانظر إلى عظم فضل الله ورحمته، فإنه لم يكتف بعدم مؤاخذة الإنسان على
الوساوس والخواطر السيئة عن الدين والإله والمقدسات، بل عد استعظامه ذلك
علامة على قوة الإيمان؛ فقد «جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا:
نعم! قال: ذاك صريح الإيمان» [14] .
وفي رواية: «شكَوْا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجدون من
الوسوسة، وقالوا: يا رسول الله! إنا لنجد شيئاً لو أن أحدنا خرّ من السماء كان
أحب إليه من أن يتكلم به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك محض الإيمان»
[15] .
وقد هوّن السلف من شأن خواطر السوء هذه، وعدوها أمراً عادياً لا تستحق
الوقوف عندها؛ فقد سأل أبو زحيل [16] عبدَ الله بنَ عباس رضي الله عنه فقال:
ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به، قال: فقال لي:
أشيء من شك؟ قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد، قال: حتى أنزل الله
عز وجل: [فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتَابَ مِن
قَبْلِك] (يونس: 94) ، فقال لي: إذا وجدت من نفسك شيئاً فقل: [هُوَ الأَوَّلُ
وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] (الحديد: 3) « [17] .
4 - وعلى المبتلى بالوسوسة أن يتبع إرشادات النبي صلى الله عليه وسلم
العملية للقضاء عليها:
وقد سبق ذكر بعض هذه الإرشادات، وهناك إرشادات أخرى أذكر بعضها
الآن، فمنها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
» لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خَلْقُ اللهِ الخَلْقَ، فمن خلقَ اللهَ؟ فمن
وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله « [18] ، وفي رواية:» يأتي الشيطان أحدكم،
فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربَّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ
بالله ولينته « [19] .
قال النووي:» معناه: إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في
دفع شره، وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة
الشيطان، وهو إنما يسمى بالفساد والإغراء، فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته،
وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها «.
ومنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى
الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال:» هكذا
الوضوء؛ فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم « [20] .
فهذا يفيد تحريم الزيادة في غسل أعضاء الوضوء أكثر من ثلاث مرات،
والزيادة على مواضع الغسل أو المسح المشروعة، ووصف من يفعل ذلك بأنه
مسيء ومتعدٍ وظالم؛ وكفى بذلك زاجراً لكل وسوسة لمن اتقى الله.
ومنها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم سئل
عن بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيها الحِيَض ولحم الكلاب والنتن فقال:» إن
الماء طهور لا ينجسه شيء « [21] ، زاد في رواية ضعيفة ولكن معناها مجمع عليه:
» إلا ما غلب على لونه أو ريحه أو طعمه من النجاسة «.
وحديث ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال:
» إن الماء ليس عليه جنابة، ولا ينجسه شيء « [22] ، ومثله حديث ابن عباس
مرفوعاً:» إن الماء لا يجنب « [23] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:» كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله
عليه وسلم من إناء واحد ونحن جنبان « [24] .
وعن ابن عمر قال:» كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمان رسول الله
صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ندلي فيه أيدينا « [25] .
وهذه الأحاديث ونحوها جديرة بأن تقضي على كل وسوسة في موضوع
الطهارة والمياه لمن عقل واتقى الله.
ومنها أنه كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أن يأخذ كفاً من ماء
فينضح به فرجه [26] ، وذلك للقضاء على أي وسوسة بخروج بول بعد ذلك، فإذا
أحس المرء ببلل ما نسبه إلى الماء الذي نضحه بيده، وما ذلك إلا ليقطع على
الشيطان أي سبيل إليه.
ومنها حديث أنس رضي الله عنه:» أن أعرابياً بال في المسجد، فقام إليه
بعض القوم (وفي رواية فصاح به الناس) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
دعوه ولا تزرموه، فلما فرغ دعا بدلو من ماء، فصبه عليه « [27] .
ومعلوم أن صب الماء على البول لا يقضي عليه ولكنه يزيل نتنه ويغلب عليه،
فاكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولم يأمرهم بإزالة التراب الذي وقع عليه
البول.
ومثل ذلك أو قريب منه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال:» إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى، فإن التراب له طهور «وفي
رواية:» إذا وطئ الأذى بخفيه فطهورها التراب « [28] .
وحديث أم سلمة والمرأة الأشهلية أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:
» يا رسول الله! إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا؟ قال:
أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قالت: بلى، قال: فهذه بهذه « [29] ولفظ
حديث أم سلمة قال النبي صلى الله عليه وسلم:» يطهره ما بعده « [30] .
وفي هذين الحديثين بيان سماحة الإسلام ويسره في مسائل الطهارة؛ فهذه
المرأة التي تجر ذيلها على الأرض النجسة حكم النبي صلى الله عليه وسلم بطهارته
إذا مرت بعد ذلك على أرض طاهرة؛ فهل بعد هذا يبقى مجال لوسوسة الشيطان
إذاً لمن عقل هذا واحتكم إلى الحجة والبرهان؟
وهذا الرجل الذي تيقن من وطئه بنعليه النجاسة اكتفى النبي صلى الله عليه
وسلم بأمره بأن يدلكها بالأرض لتطهر، ومعلوم أن الدلك لا يزيل كل النجاسة، بل
تبقى منها أشياء وذرات تتخلل في ثناياهما، ومع ذلك سامح الشارع فيها، وأجاز
الصلاة فيهما، مكتفياً بزوال كيان النجاسة وكتلتها.
وشكا أحد الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل: يخيل إليه
أنه يجد الشيء في الصلاة؟ فقال:» لا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً «
[31] .
هذه أخي المسلم المبتلى بالوسوسة أمثلة عملية صحيحة تبين كيف كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يعالج أمر الوسوسة، ويعلم أمته طريق القضاء عليها بما
يزيل كل عنت، ويقضي على كل مشقة، ولو تتبعنا بقية الأحكام المشابهة لضاق
المقام، فخذ من هذا منهجاً تسلكه في أمور عباداتك وحياتك وقسه على باقي الأمور،
وإذا علمت هذا واعتقدته سهل عليك التخلص من الوسوسة؛ لأن الشيطان يدخل
عليك من باب الحرص على صحة العبادة، واستكمالها شروطها وأركانها، وسلامتها
من نواقضها ومبطلاتها، فلا تصغ إلى وساوسه، ولا تدقق في الأمور ولا تشدد،
ولا تتكلف ولا تتعمق؛ فإن ذلك من سبيل اليهود الذين غضب الله عليهم ولعنهم؛
فعندما أمرهم نبيهم موسى عليه السلام بذبح البقرة أي بقرة ولم يعين لها عمراً، ولا
شكلاً ولا لوناً ولا علامة راحوا يسألونه أن يسأل ربه عن عمرها ولونها وشكلها
وعلاماتها، فشددوا فشدد الله عليهم حتى لم يجدوا إلا بقرة واحدة بهذه الصفات،
واستغل ذلك أصحابها فباعوهم إياها بأغلى الأثمان.
وأما شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فبعيدة عن التشدد والتنطع بريئة من
التكلف، يقول الله تعالى: [قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ]
(ص: 86) ، وقال عمر رضي الله عنه:» نهينا عن التكلف « [27] ، وقال صلى
الله عليه وسلم:» ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم،
واختلافهم على أنبيائهم؛ فإذا أمرتكم بشيء، فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم
عن شيء فدعوه « [32] ، وقالت عائشة رضي الله عنها:» صنع النبي صلى الله
عليه وسلم شيئاً ترخص فيه، وتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
فحمد الله، ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ فوالله إني أعلمهم،
وأشدهم له خشية « [33] . ففي ذلك كله عبرة وأي عبرة لمن وعاه وتدبره وعمل به.
5 - وقبل ذلك كله على المبتلى بالوسوسة أن يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء
ليعيذه من وساوس الشيطان: فإن الله تعالى بيده ملكوت السماوات والأرض، وبين
أصابعه قلوب العباد يقلبها كيف يشاء، فإذا لجأ المسلم إلى ربه خاشعاً متضرعاً،
يسأله أن يقيه من نزغات الشيطان، بكل إخلاص وصدق، وفقر وتذلل، وانتهز
أوقات الإجابة وأحوالها التي بيّنها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كالثلث الأخير
من الليل، وعند السجود وقبل السلام، وفي الساعة الأخيرة من الجمعة، فإنه
لحريّ أن يظفر بالإجابة، ومن أحسن الأدعية والمعوذات ما ورد في كتاب الله
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى: [وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ
هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ] (المؤمنون: 97-98) ،
وقوله سبحانه: [وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ]
(فصلت: 36) ، وقد تعهد الله عز وجل بأن يحمي من يلجأ إليه ويستعيذ به
من عباده من مكائد الشياطين، فقال مخاطباً رأس الضلال إبليس لعنه الله فقال:
[إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ] (الحجر: 42) ،
وقد انصاع إبليس لذلك مكرها، فقال: [قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي
الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ] (الحجر: 39-40) ،
وقال تعالى في الحديث القدسي عن عباده الصالحين، وأوليائه الذين يتقربون إليه
بأداء الفرائض والنوافل:» ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا
أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه «
[34] .
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم آيات من القرآن وسوراً نتلوها وأدعية
واستعاذات نقرؤها في مناسبات مختلفة لنتحصن بها من الشياطين؛ فمن تحصن بها
نجا، ورد الله كيد الشيطان في نحره؛ فمنها قراءة سورة البقرة؛ فقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم:» اقرؤوا سورة البقرة في بيوتكم، فإن الشيطان لا يدخل
بيتاً يقرأ فيه سورة البقرة « [35] .
وفي حديث أبي هريرة حينما أمسك الشيطان الذي كان يحاول السرقة من بيت
الصدقة فعرض عليه الشيطان مقابل إطلاق سراحه أن يعلمه كلمات ينفعه الله بها،
قال:» إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ،
ولا يقربك شيطان حتى تصبح «فقال النبي صلى الله عليه وسلم:» أما إنه
صدقك وهو كذوب « [36] .
وقال صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر رضي الله عنه عن المعوذتين [قُلْ
أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ] (الفلق: 1) و [قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ] (الناس: 1) :
» ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط [قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ]
(الفلق: 1) ، [قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ] (الناس: 1) « [37] وقال صلى الله عليه
وسلم أيضاً:» ما سأل سائل بمثلها، ولا استعاذ مستعيذ بمثلها « [38] ، وقال لابن
عباس رحمه الله:» ألا أخبرك بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون «فذكر السورتين
[39] ، وفي رواية:» أنزلت علي سورتان، فتعوذوا بهن؛ فإنه لم يتعوذ بمثلهن
يعني المعوذتين « [40] .
وعن عائشة رضي الله عنها:» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يتعوذ من أعين الجان، وأعين الإنسان؛ فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما
سواهما « [41] .
وهناك أدعية واستعاذات كثيرة في كتب السنة المختلفة؛ فمن شاء فليرجع
إليها، وقد جمعت كثيراً منها كتب الأذكار والأدعية المأثورة.
6 - وعلى المبتلى بالوسوسة أن يعتمد في تفقهه بدينه على النبع الصافي
والمصادر الأصيلة وهي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهدي
السلف الصالح رحمهم الله، ويسأل العلماء المتبعين هذا المنهج القويم.
ذلك لأن الفقهاء المتأخرين قد ضعفت واضمحلت فيهم ملكة الاجتهاد، وقلَّت
جداً، وغلب عليهم التقليد، وصار هو ديدنهم وطريقهم، فابتعدوا عن فهم الإسلام
الصحيح، وتأثروا بالثقافات الأجنبية، وانتشرت في فقههم عيوب كبيرة، ومآخذ
كثيرة، ومن ذلك أنه قد انتشر فيهم التشدد والجمود، والاختلاف والتعصب،
والتنطع والغلو، وكثير من الموسوسين زاد في وسوستهم وجعلها تستفحل وتقوى
تعلُّمهم الدين من كتب متأخرة، وأخذهم من متفقهين مقلدين ضعيفي الصلة بالكتاب
والسنة، فشددوا على أنفسهم وعلى الناس بحجة الاحتياط، وأوقعوا الناس في
الحرج والوسوسة، وهيؤوا الأجواء لنمو جراثيم هذا المرض العضال في المجتمع
الإسلامي، فلا بد من إعادة الصلة مع الكتاب والسنة والاهتداء بهديهما، والسير
على نهجهما، وصدق القائل:» لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به
أولها «.