المسلمون والعالم
د. سامي بن محمد الدلال
منذ الثامن والعشرين من مارس (آذار) 2002م شرعت القوات اليهودية
الشارونية بتنفيذ مخطط واسع لإعادة اجتياح الضفة الغربية وغزة، مدناً وقرى
ومزارع وممتلكات. ونريد في هذه الدراسة المقتضبة تسليط الأضواء على هذه
الهجمة الشرسة، وسبر أغوار خلفياتها، واستشراف نتائج مآلاتها.
* الآمال الشارونية:
إن الآمال الشارونية هي حصيلة ثلاثة مركبات:
التكوين الشخصي:
إن الدارس لشخصية شارون يتضح له أن هذا البدن الممتلئ يضم بين دفتيه
شخصية متعجرفة متكبرة مستعلية قد أعماها ذلك عن تلمس الحقائق وإدراك مكونات
الواقع؛ مما دفعها إلى اتباع أسلوب حرق المراحل بغية الوصول إلى الهدف النهائي
بأسرع وقت ومن أقصر طريق. لذلك تراه امتطى صهوة الغاية تسوِّغ الواسطة؛
فصال من فوقها وجال. ومع أنه شديد الاندفاع نحو تحقيق مآربه فإن ذلك لم يكن
على حساب مراوغاته المخادعة وأساليبه الدنيئة وقلبه للحقائق وتلاعبه بالألفاظ،
وهو في كل ذلك مقبل غير مدبر، لا يكل ولا يمل، دؤوب على تحقيق باطله،
مكار في وضعه خططه، داهية في ترويض مناوئيه، أقرب ما يكون في كل ذلك
من شخصية اليهودي المشهور حيي بن أخطب الذي ضربت عنقه على عهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم في خندق الموت الذي احتفره النبي صلى الله عليه وسلم
في سوق المدينة؛ حيث امتلأ بالرؤوس المتطايرة من فوق أعناقها من يهود بني
قريظة الذين نقضوا عهدهم معه في أحلك ظرف وأدقه، يبتغون طعن المسلمين في
خاصرتهم ليتمكن منهم أعداؤهم من قريش وغطفان والأحابيش.
تشابهت الشخصيتان؛ فهل تتشابه النهايتان؟ ! !
وقد ذكرت صحيفة (صنداي إكسبرس) أن أفرام هاليفي رئيس الموساد تقلقه
كراهية شارون الحادة لعرفات، وأنها شخصية متهورة للغاية بحيث لا تتيح الفرصة
للتفكير الهادئ، وأن حدة توجهات شارون بدأت تشوش على قدرته لإصدار أحكام
واضحة في هذه الأوقات الخطيرة، وأنه يعاني عمى لا يجعله يشعر بعمق المشاعر
في أوروبا بسبب ما يقدم عليه من أفعال، وأنه يعاني توترات عقلية متزايدة، ولديه
تقلبات خطيرة في المزاج، وأنه يكاد لا ينام، ولا يأكل بطريقة منتظمة، وتنتابه
حالات من الإزعاج؛ فهو يتصرف كقائد دبابة وليس كسياسي [1] .
الرصيد التاريخي:
إن القاسم المشترك لجميع سني عمر هذا السفاح هو ولوغه في الدم واستمتاعه
بالقتل، وعشقه للتدمير وحرصه الشديد على ذكر اسمه مع كل مجزرة تخليداً لذكراه
العفنة. ولذا فإن مآثره لا تخرج عن هذا الإطار، وهو فخور بكل ذلك، فِرِحٌ
بتاريخه الذي مر عليه لغاية الآن أربع وسبعون سنة ممتلئة بكل ما يجلب الخزي
والعار ويضاعف الذم والشنار بما اختزن فيها من المساوئ والآثام، وبما احتمل
وزره من الضحايا والآلام.
إن الكتلة اللحمية لشارون هي سليلة عصابة الهاغاناه الإجرامية الإرهابية
الوحشية حيث انضم إليها عندما كان عمره سبعة عشر عاماً، وقد تلقى دروس
الهمجية والافتراس من أساتذته الأبالسة، ومن أشهرهم بن غوريون وشامير
ورابين. وهو من الذين ولغوا في دماء المسلمين في مذبحتي دير ياسين واللد عام
1948م في فلسطين، وفي مذبحتي صبرا وشاتيلا عام 1928م في لبنان، وهو
الذي شكل (الوحدة 101) وأسماها (الشياطين) ، واختار بنفسه جميع أفرادها ممن عرفوا بالسوابق واللصوصية والقتل؛ حيث قام هذا الوغد باستخدام هذه
الوحدة الفاسدة المفسدة بارتكاب خمس مجازر بشرية بين عام 1953م و 1956م،
كانت مذبحة (قبية) من أشهرها! !
إن آمال شارون هي امتداد لهذا الرصيد الإجرامي. لذا فإن كل ما ينتظر منه
لن يكون سوى إفرازات سامة من هذا المختزن التاريخي.
توظيف النبوءات.
يؤمن شارون بأن دولة اليهود ينبغي أن تمتد من الفرات إلى النيل. ونظراً
إلى أن هذا التطلع مبني على نبوءات توراتية (لا يهم بالنسبة له أن تكون حقيقية
أو مزيفة) فإن برامجه السياسية وممارساته التنفيذية كلها تنطلق من هذا التصور.
وبحسب تطور الأحداث فإنه بعد أن درس الحقوق في الجامعة العبرية في القدس
انضم إلى الماباي ثم الحزب الليبرالي ثم استقر به المطاف في تكتل الليكود
المتطرف، وذلك منذ حوالي ربع قرن. إن تكتل الليكود يتسابق في تطرفه مع
الأحزاب اليمينية، ويتسابق في مراوغاته السياسية مع حزب العمل، غير أن
جميع هؤلاء تضمهم بوتقة واحدة هي استغلال النبوءات بحق أو بباطل للوصول
إلى تحقيق حلم إسرائيل الكبرى.
هذه هي المركبات الثلاثة (التكوين الشخصي، الرصيد التاريخي، توظيف
النبوءات) التي تصيغ الآمال الشارونية. وهي في جوهرها نفس المركبات التي
تصيغ وتصبغ أي حكومة يهودية بغض النظر عن من هو رئيس وزرائها. بل إن
هذا الحكم يوشك أن يمتد أيضاً ليطول كل يهودي في الأرض المحتلة أو خارجها
(ولا عبرة بالأقلية المخالفة) ، ومن أدلتنا على ذلك التاريخ الأسود لحزب العمل
المنافس لتكتل الليكود، وكان قد حكم الدولة اليهودية لعقود. فإذا كانت المركبات
الثلاثة المذكورة تصنع الآمال الشارونية فما هو مخطط تحقيق تلك الآمال؟ !
المخطط الشاروني:
إن الخطوط العريضة للمخطط الشاروني حسب تتابعها الزمني هي كالآتي:
1 - تجاوز اتفاقيات أوسلو واعتبارها شيئاً من الماضي.
2 - إيقاف الانتفاضة الفلسطينية باستخدام جميع الوسائل.
3 - هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل على أنقاضه.
4 - إيجاد وضع سكاني في الضفة الغربية وغزة يصب في النهاية في تعزيز
وتكثيف الوجود اليهودي فيهما. ويتم ذلك عن طريق:
أ - بلورة سلطة فلسطينية تخدم المخطط اليهودي بوضوح.
ب - إيجاد ظروف مبرمجة مرحلياً لإجبار سكان الضفة الغربية وغزة (أو
أغلبهم) على الهجرة إلى الأردن ومصر وغيرهما من الدول العربية والأجنبية.
ج - التوسع في إقامة المستوطنات في الضفة الغربية وغزة وزيادة عدد
المهاجرين بشكل مكثف.
5 - تحطيم القوى العسكرية في المحيط الجغرافي لدولة اليهود، ويشمل ذلك
كلاً من سوريا ولبنان والعراق وإيران والسعودية، كما يشمل مصر والأردن
لاحقاً (بعد إلغاء إتفاقيات السلام) .
6 - بلع أراض جديدة وضمها إلى الدولة اليهودية، ومنها على سبيل المثال
وليس الحصر: شرق الأردن، جنوب لبنان، جنوب سوريا، صحراء سيناء.
7 - توقيع اتفاقيات تطبيع مع الدول العربية والإسلامية.
تلك أهم الخطوط العريضة في المخطط الشاروني، وهو مخطط يعبر عن
الآمال العريضة للصهيونية اليهودية؛ وعلى ذلك فإن مناط تحقيقه لا يرتبط بالوجود
الشخصي لشارون بقدر ما يرتبط بالوجود المؤسسي (سياسياً واقتصادياً وعسكرياً)
المتبني لهذا المخطط فكراً وممارسة.
إن هذا المخطط يحتوي ضمناً أربع قضايا رئيسة:
1 - الحيلولة دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
2 - إقفال ملف عودة المهاجرين الفلسطينيين.
3 - القدس كلها عاصمة لإسرائيل.
4 - اعتبار الوجود السكاني الحالي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع
غزة، واتفاقيتي السلام مع مصر والأردن، حالة مؤقتة أملتها الظروف
وسيتجاوزها المخطط الشاروني.
فما هي المرتكزات التي ينطلق منها تنفيذ هذا المخطط؟
* المرتكزات الشارونية:
إن المخطط الشاروني الذي ذكرت خطوطه العريضة لا يتحرك من فراغ،
بل يستند إلى دعائم قوية، من أهمها ما يلي:
أولاً: الدعم الأمريكي المطلق:
لقد وفرت الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة رئيسها بوش جميع أنواع الدعم
لشارون ليمضي قدماً في تنفيذ مخططاته. إن الدعم المذكور يتألف من خمسة
عناصر:
1 - الدعم الاقتصادي، وحجمه مفتوح. ومن أراد التفصيل فليطلع على
التقرير الذي أعده أعضاء ولجنة الكونغرس (خدمة الأبحاث النيابية) CRS،
بعنوان: (المساعدات الخارجية الأمريكية لإسرائيل - قسم العلاقات الخارجية
والدفاع والتجارة -) .
2 - الدعم العسكري؛ حيث إن ما تقوم به الدولة اليهودية الآن من أعمال
الإجرام يتم معظمه بالسلاح الأمريكي الحديث جداً وذي التقنية العالية، وخاصة
طائراتF-16 وهوليكوبترات أباتشي.
3 - الدعم السياسي؛ حيث تقوم الولايات المتحدة باستعمال حق النقض
(الفيتو) في مجلس الأمن إزاء أي قرار فيه إدانة للأعمال الوحشية لدولة اليهود،
كما أنها تقوم بالضغط السياسي على مختلف دول العالم للوقوف مع اليهود في
إجرامهم وإفسادهم. إن الإدارة السياسية الحالية للولايات المتحدة قد وضعت كل
ثقلها في دعم المخطط الشاروني، إلى الدرجة التي جعلت الرئيس الأمريكي بوش
يقدم الغطاء السياسي لممارسات الدولة اليهودية الحالية؛ وذلك بتصريحه أنه يتفهم
ما تقوم به الدولة اليهودية، وأن ما تفعله لا يتجاوز الدفاع عن النفس، متجاهلاً
تماماً الحقائق الكبرى والتي من أهمها أن اليهود هم المعتدون مرتين: الأولى عام
1948م، والثانية عام 1967م، وأن الفلسطينيين لم يفعلوا أكثر من محاولة الدفاع
عن أنفسهم. فالإدارة الأمريكية تمارس دور قلب الحقائق ونشر الزيف وافتراء
البهتان، وتحمل دول العالم على تصديق هذه السلسلة المتوالية من الأكاذيب
المحضة والدجل السياسي المغرض. وتقوم وزارة خارجيتها ممثلة بوزير الخارجية
كولن باول بالاتصال بزعماء العالم، وبتنشيط سفرائها في مختلف الدول لجعلها
منخرطة في الركب الأمريكي، خدمة لإسرائيل. وقد بلغ الصلف الأمريكي
والعجرفة أن السفير الأمريكي في البحرين المدعو رونالد نيومان طلب من
الحاضرين الوقوف دقيقة حداداً على القتلى الإسرائيليين، وذلك في حفل دعي إليه
شاركت فيه 25 مدرسة حكومية، وخاصة في يوم الأربعاء الموافق 3 إبريل
2002م.
4 - الدعم الإعلامي: إن الإعلام الأمريكي يقوم بدور دنيء في التغطية
الإعلامية للأحداث، حيث يمارس الكذب على نطاق واسع جداً، ويظهر المعتدي
الغاشم، وهم اليهود، بمظهر الحمل الوديع الذي انقض عليه الذئب المفترس، وهم
الفلسطينيون.
إن هذا الإعلام المضلل يعمل بشكل متناغم جداً من التوجه السياسي الأمريكي؛
حيث جعل من نفسه بوقاً للعهر اليهودي، مما جعل شارون يجلس مرتاحاً يمط
ذراعيه ويمد رجليه! ! إن ما تفعله القوات اليهودية الآن من قتل للرجال والنساء
والأطفال والعجزة والمسنين والمعوقين والمسجونين، ومن بقر للبطون وتمثيل
بالجثث، وهدم للمنازل وتجريف للأراضي والمزروعات، وتدمير للمستشفيات
على من فيها، وقصف للمساجد ولكافة المنشآت والمراكز الأمنية الفلسطينية،
وحصار للمدن والقرى، وقطع للكهرباء والماء والغذاء وكافة الخدمات الإنسانية،
وانتهاك للأعراض ونهب للمتلكات، ومصادرة لسيارات الإسعاف بعد قتل الأطباء
والممرضين الذين فيها، وعدم سماحها بإسعاف المصابين وتركهم ينزفون حتى
الموت، وعدم السماح للفلسطينيين لدفن قتلاهم في المقابر، وسلسلة الإعدامات
والقتل بدم بارد، لمجرد حب القتل لا أكثر، إن هذا الذي فعله اليهود في فلسطين
مستخدمين أعتى أنواع الأسلحة من طائرات وصواريخ ودبابات وقنابل عنقودية،
وسواها كثير، أقول: إن كل هذا الإجرام لم يحظ بأية إدانة من الإعلام الأمريكي
الذي رضي لنفسه أن يكون في أحضان اليهود. بل إن بوش قد جعل من نفسه أداة
إعلامية رئاسية ليدعي بملء فيه أن كل تلك الوحشية ما هي إلا للدفاع عن النفس.
5 - الدعم اللاهوتي: نعم، لقد حظيت الدولة اليهودية بالدعم الكنسي
الأمريكي! وصال وجال رجال الكنيسة ليروجوا مقولة إن دعم إسرائيل والوقوف
معها هو المعجل لعودة المسيح، ومن أبرز هؤلاء القس جيري فولويل؛ حيث
يعتبر أن (إعادة تأسيس إسرائيل عند المسيحيين الأصوليين هو إيفاء بالنبوءات) ،
والقس بات روبرتسون الذي يركز في برامجه على أن (إعادة مولد إسرائيل هي
الإشارة الوحيدة إلى أن العد التنازلي لنهاية الكون قد بدأ) ، والقس جورج أوتيس
الذي يقول: ( ... ونعتقد أن اليهود في أي مكان ما زالوا هم شعب الله المختار،
وأن الله يبارك من يباركهم..) والأصولي النصراني مايك إيفانز الذي يقول:
(ونحن نؤمن بأنه يتوجب على أمريكا الوقوف بجانب إسرائيل.. وكلمة الله تعترف
بالقدس، وعلينا واجب الاعتراف بكلمة الله) . هذا سوى الدور اللاهوتي الذي تقوم
به جماعات الضغط النصرانية الأصولية، من أمثال: (السفارة المسيحية الدولية) ،
و (المائدة المستديرة الدينية) ، و (مؤتمر القيادة المسيحية الوطنية لأجل إسرائيل)
وهو تجمع صهيوني نصراني أسسه فرانكلين ليتبل، و (مسيحيون متحدون من
أجل إسرائيل) وغيرها من مجموعات الضغط الذين تعج بهم الساحة الأمريكية.
إن هذه العناصر الخمس، والتي تبين الدعم المطلق للدولة اليهودية، تمثل
قدرة اليهود على تحويل الرياح لصالحهم؛ وذلك من خلال المثابرة والجد والتخطيط
والمتابعة، وهم بهذا يكونون قد قلبوا الصفحة التاريخية التي أراد تثبيتها الزعيم
الأمريكي السابق بنجامين فرانكلين - أحد واضعي دستور عام 1789م - عندما
حذر من اليهود ومن سطوتهم وذلك في وثيقة أودعها في معهد فرانكلين بفلادلفيا؛
حيث قال مخاطباً الشعب الأمريكي: (أيها السادة! في كل أرض حل بها اليهود
أطاحوا بالمستوى الخلقي، وأفسدوا الذمة التجارية فيها) إلى أن قال: (إذا لم يبعد
هؤلاء من الولايات المتحدة بنص دستوري فإن سيلهم سيتدفق إلى الولايات المتحدة
في غضون مائة سنة، إلى حد يقدرون معه على أن يحكموا شعبنا ويدمروه،
ويغيروا شكل الحكم الذي بذلنا في سبيله دماءنا وضحينا بأرواحنا وممتلكاتنا
وحرياتنا الفردية، ولن تمضي مائتا سنة حتى يكون مصير أحفادنا أن يعملوا في
الحقول لإطعام اليهود على حين يظل اليهود في البيوتات المالية، يفركون أيديهم
مغتصبين! !) ، وقريب من هذا الكلام ذكره (جورج واشنطن) الرئيس الأول
للولايات المتحدة (1789م - 1797م) حيث قال عن اليهود: (إنهم يعملون
ضدنا بشكل أكثر فعالية مما تفعله جيوش العدو، وهم أخطر منه مائة مرة على
حرياتنا وقضيتنا العظيمة التي ننخرط فيها، وإنه لمن المحزن جداً أن كل ولاية لم
تعمد منذ أمد بعيد إلى ملاحقة اليهود والقضاء عليهم باعتبارهم آفة على المجتمع،
وأعظم عدو يهدد استقرار الولايات المتحدة وأمنها وسعادتها) ، غير أن الرؤساء
الأمريكيين الذين جاؤوا بعد ذلك ضربوا بتلك التوصيات عرض الحائط، حيث أخذ
التواجد اليهودي في الولايات المتحدة مداه. وللذكرى فقط، فإن الرئيس الأمريكي
هاري. أس. ترومان قد ذكر في رسالته إلى الملك عبد العزيز بن سعود ملك
المملكة العربية السعودية، والمؤرخة في 8 شعبان 1365هـ الموافق 8 يوليو
1946م ما خلاصته: (وإني أعتقد مخلصاً أن السماح لمائة ألف يهودي بدخول
فلسطين لن يعد تعدياً على حقوق العرب في فلسطين، ولا يؤدي إلى تبديل في
الوضع الحالي، وإني لمقتنع بأن فلسطين تستوعب المائة ألف ساكن بحسب
أحوالها الاقتصادية الموجودة بها من دون تأثير في بقية السكان الحاليين. وقد
عينت ثلاثة أعضاء من وزارتي لضمان النظر بدقة في هذا التقرير، وسيتصلون
في مباحثاتهم بالحكومة الإنجليزية) [2] .
نعم! نجح اليهود في قلب تلك الصفحة الأمريكية التاريخية، واستبدلوها
بصفحة أمريكية جديدة هم الذين يكتبون نصوصها ويصيغون مفرداتها.
ثانياً: القوى اليهودية الذاتية: هي واحدة من أهم مرتكزات تحقيق
المخطط اليهودي الشاروني.
إن القوى اليهودية الذاتية كثيرة جداً؛ فهي قوى سياسية واقتصادية وعسكرية
وإعلامية، منها ما هو في داخل الدولة اليهودية ومنها ما هو خارجها. غير أن
الذي يعول عليه شارون وحكومته في تحركهم الحالي هو القوى الذاتية اليهودية في
داخل كيان الدولة، ذلك أنه وفق الإحصاءات المعلنة فإن الدولة اليهودية تملك من
المؤسسات في جميع المرافق ما يفوق في كل واحد منها مجموع مثيلاته في كل
الدول العربية مجتمعة. ويشمل ذلك المؤسسات الاقتصادية والبحثية والثقافية
والاجتماعية والعسكرية والاعلامية وغيرها. إن جميع هذه المؤسسات تعمل بشكل
متناسق لتصب في النهاية في بحيرة صناعة إسرائيل الكبرى. فإذا ما أضفنا إليها
المؤسسات اليهودية في العالم أو الداعمة لها، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا،
فإن هذا الكيان المحدود جغرافياً سيضحى كياناً متخماً بعوامل القوة والسطوة التي
لا تستخدم إلا في التدمير والإفساد في الأرض. ولعل قوله - تعالى -: [وَقَضَيْنَا
إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُواًّ كَبِيراً]
(الإسراء: 4) ينطبق حالياً على هذه الدولة التي شاع إفسادها وتمادى علوها. وفي
وقتنا الحاضر قد توافق وجود القوى اليهودية المؤثرة والفاعلة مع وجود القيادة
الحازمة والحاسمة؛ مما شكل دعماً مضطرداً لتحقيق الآمال والغايات الشارونية.
ثالثاً: التغلغل في السلطة الفلسطينية:
هذا هو المرتكز الثالث في تحقيق الآمال الشارونية؛ فمنذ البداية كانت أصابع
الاتهام تتجه نحو هذه السلطة ذات المواقف المريبة والتصرفات العجيبة والغريبة،
لقد قادت هذه السلطة الشعب الفلسطيني من هزيمة إلى أخرى ومن سيئ إلى أسوأ،
فمن هزيمة 1967م إلى أيلول الأسود عام 1971م إلى احتلال لبنان 1982م إلى
إجهاض الانتفاضة الأولى عام 1992م إلى محاولة إجهاض الانتفاضة الثانية التي
انطلقت في 28 أيلول عام 2000م والتي لا يزال أوراها مستعراً وشعلتها متأججة،
لقد حققت السلطة الفلسطينية لليهود ما عجزوا هم عن تحقيقه، ومن أهم ذلك:
1 - استطاعت أن تنأى بالصراع من الساحة العقدية وتدلف به إلى الساحة
القومية ثم الوطنية، وبذلك حجمت ساحة الصراع لتختزله من ترامياته الإسلامية
إلى محدوديته الفلسطينية؛ مما أفقد الزخم الفلسطيني الطاقات الإسلامية، ثم العربية.
2 - حاصرت السلطة الفلسطينية حالات المواجهة مع الكيان اليهودي في
مسمى (النضال) و (الكفاح) لتبعده عن مصطلح (الجهاد) ؛ مما أبعد عن
الأنظمة الحاكمة الضغط الجماهيري الذي سيكون قوياً وضاغطاً فيما لو كانت
حالات المواجهة خلال العقود الماضية تحت مسمى الجهاد.
3 - دأبت السلطة الفلسطينية على ممارسة حالات القمع الوحشي ضد كل
فلسطيني يتعدى الحدود المسموح بها (والمتفق عليها) مع اليهود.
4 - توجت السلطة الفلسطينية كل ذلك بعقدها اتفاقيات أوسلو التي اعترفت
لليهود بسيادتهم على الأراضي المحتلة قبل عام 1967م، والتي لم تعط للفلسطينيين
سوى 10% من الأراضي المحتلة عام 1967م (المنطقة صلى الله عليه وسلم) ، ليس باعتبارها
منطقة مستقلة، بل باعتبارها منطقة ذات حكم ذاتي تخضع للقانون الإسرائيلي.
5 - ساهمت السلطة الفلسطينية في القضاء على الانتفاضة الأولى التي
اندلعت عام 1987م التي استمرت خمس سنوات، وذلك بتوقيعها على اتفاقيات
أوسلو التي تضمنت أن تعمل السلطة الفلسطينية كرجل أمن لقمع أي تحرك
فلسطيني ضد الكيان اليهودي، كما تضمنت إخضاع القضايا الأساسية للتفاوض بعد
مرور خمس سنوات على بدء تنفيذ الاتفاقية (القضايا الأساسية هي: دولة فلسطين
المستقلة، القدس، اللاجئون، المستوطنات) .
6 - وقفت السلطة الفلسطينية بحزم ضد الانتفاضة الحالية، فقامت بتوفير
كل ما تستطيعه من إجراءات الحماية للكيان اليهودي لتحول دون تسربها إلى داخل
أراضي الخط الأخضر (حدود 1948م) ولحصرها داخل الأراضي المحتلة عام
1967م بقصد بذل الممكن لإخمادها، وقد تضمنت هذه الإجراءات اعتقال ما أمكنها
من قادة وقواعد كل من (حماس) و (الجهاد الإسلامي) و (الجبهة الشعبية)
وفصائل أخرى ومحاكمتهم بتهمة التعرض للكيان اليهودي (تنفيذاً لاتفاقيات أوسلو) ؛
إضافة لممارستها عمليات التعذيب والتصفية الجسدية للمعتقلين. كما عمد بعض
رموزها والمنافقون إلى تزويد أجهزة الأمن اليهودية بكل المعلومات التي تخص
تحرك نشطاء الانتفاضة، وقد أدت مواقف السلطة الفلسطينية إلى قيام قواعد
الفصائل المنضوية تحت عباءتها بالخروج من تلك العباءة وممارسة الانتفاض ضد
الكيان اليهودي، وقد شمل ذلك كثيراً من قواعد (فتح) و (الجبهة الشعبية) .
7 - عندما أخفقت السلطة الفلسطينية في قمع الانتفاضة الحالية، وذلك بسبب
تجاوز الانتفاضة إمكانات قدرة السلطة للقضاء عليها، باشر الكيان اليهودي ممارسة
مواجهتها بنفسه بالتنسيق التام مع بعض دوائر الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.
8 - كان من الطبيعي أن تؤدي المواقف السابقة للسلطة الفلسطينية إلى
احتراق أوراقها وإلى افتضاح كبار شخصياتها، ومن أبرزهم أحمد قريع (أبو
علاء) ومحمود عباس (أبو مازن) وصائب عريقات، ومحمد دحلان،
وجبريل الرجوب، ومحمد الهندي. ويدعى هذا الطاقم بـ (الفريق الإسرائيلي في
السلطة الفلسطينية) حسب ما ذكرته مجلة الوطن العربي [3] .
لقد رجح كثير من المحللين السياسيين أن أحد أهداف تجديد الاجتياح اليهودي
الأخير للضفة الغربية وقطاع غزة هو تلميع هذه الرموز، وخاصة ياسر عرفات؛
حيث إن تشديد الحصار حوله مع المحافظة على حياته سيقلده وسام البطولة القومية
بعد انحسار الأزمة، مما يمنحه أوراقاً شعبية قوية في أية تسويات مستقبلية، كما
أن تسليط الأضواء على تمثيلية القضاء عليه سيصرف الأنظار الفلسطينية والعربية
والدولية عما تقترفه القوات اليهودية من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني. صحيح
أن قتل ياسر عرفات سيصعد الموقف على كافة المستويات المحلية والعالمية، لكن
الصحيح أيضاً أن إسرائيل لا تعير أي اهتمام للوزن الدولي فيما لو أرادت تصفيته،
خاصة بعد أن وضعت الدعم الأمريكي في جعبتها (بما في ذلك احتمال الإجهاز
على عرفات أو نفيه) ، والصحيح أيضاً أن الكيان اليهودي قد حافظ على سلامة
ياسر عرفات في مواقف شتى، من أشهرها استخراجه من حصار بيروت عام
1928م مع كامل طاقمه، تماماً كما تستل الشعرة من العجين. لقد أثبت جدارة
المحافظة عليه، فهو الذي كان حادياً لركب أوسلو 3991م وما تمخض عنها عبر
واي بلانتيشن وواي ريفر وكامب ديفيد (?) وباريس وشرم الشيخ، ثم أخيراً
إقراره بتوصيات ميتشيل وموافقته على تفاهمات تينت. إن اعتبار التغلغل في
السلطة الفلسطينية ركيزة من ركائز تحقيق المخطط الشاروني ليس فيه أي افتئات
عليها؛ حيث إن الواقع والوقائع تدعم كلامنا جملة وتفصيلاً، وإلا فكيف نفسر
توزيع صور بعض رموزها على الجنود الصهاينة كي لا يقعوا في الوزر الكبير
وهو قتل أحدها خطأً؟ !
إن كلامي هذا لا يعني الدعوة إلى تصفية السلطة الفلسطينية، بل إدراك
حقيقتها وسبر غورها للتعامل معها من هذا المنطلق؛ فهي حالياً بمثابة الموسى في
الحلق: لا يمكن بلعه، ولا استخراجه! ! ومن الملاحظ أن كلاً من شارون وبوش
لا يوجهان هجومهما على السلطة الفلسطينية، بل على ياسر عرفات وحده. وإن
استبقاءه حياً إلى الآن يعتبر ورقة في يد الحكومة اليهودية؛ حيث تقوم حالياً
بمراقبة اتجاه الرياح السياسية، فإن وجدت مصلحتها في استمرار بقائه حافظت
على حياته، وإن كان العكس فلن تتوانى عن تصفيته. لكن يغلب على ظني أن
استبقاءه ربما يكون من مصلحة شارون؛ فإن قتل برصاصة طائشة فسيحاسب
شارون الذي أطاشها أيما محاسبة! ! ومما يؤكد ذلك ما نشره الكاتب الصحفي فؤاد
الهاشم في زاويته في صحيفة (الوطن) الكويتية بتاريخ 5 أبريل 2002م حيث
ذكر بالنص: (قال لي أحد الزملاء: إن عرفات طالما اشتكى لإسرائيل ومصر
والأردن من كونه لا يستطيع السيطرة على العمليات الاستشهادية التي تقوم بها
حركة حماس وكتائب الأقصى والجهاد الإسلامي، وبأن هؤلاء يعارضونه
ويعرقلون عملية السلام، لكنه لا يستطيع إبادتهم حتى لا يظهر أمام شعبه بمظهر
الخائن؛ لذلك اتفقت معه إسرائيل على تمثيلية الحصار عليه حتى تقوم هي بالعمل
القذر وبتصفية عناصر هذه الحركات. وفي نفس الوقت تبقى صورة أبو عمار
كبطل وصامد ونبي هذه الأمة الجديد! ! كما وصفه أحد مستشاريه قبل أيام على
قناة الجزيرة (سبحانك هذا كفر شديد وبهتان عظيم) ، ليوقع بعدها ما شاء من
تواقيع على أي ورقة سلام تقدمها له واشنطن وتل أبيب) ، جاء هذا اللقاء في
حفل العشاء الذي أقيم بتاريخ 3 أبريل 2002م على شرف وكيل المجلس الأعلى
للصحافة في مصر الأستاذ صلاح منتصر.
رابعاً: عجز الأنظمة العربية والإسلامية:
هذا هو المرتكز الرابع لتحقيق المخططات الشارونية (اليهودية) ، لقد
اخترت كلمة (عجز) لتلطيف الحقيقة التي هي بمثابة العاصفة. إنها تعصف بكل
مسعىً حميد لمجابهة الكيان الصهيوني. لقد تبارت هذه الأنظمة في تكديس جميع
أنواع الأسلحة الحديثة وجيشت الجيوش وأحكمت المخابرات، لكنها جميعها وجهتها
وجهة واحدة، هي حماية الأنظمة وقمع المعارضة، مع المحافظة على استعراضها
وهي تشع لمعاناً في المناسبات الوطنية (ومن أهمها سيطرة النظام الحاكم على
السلطة) . لقد قدمت تلك الأنظمة أراضي فلسطين عام 1948 م إلى اليهود على
طبق من ذهب ليقيموا عليها دولتهم، وكان شعار: " ماكو أوامر " هو الراية التي
رفرفت فوق رؤوس الجيوش العربية المجرجرة. وبعد أن تباهت تلك الأنظمة
بإعادة بنائها لجيوشها الجرارة على كافة المستويات القتالية بحراً وجواً وبراً،
تفاجأت الجماهير العربية بأن كل ذلك لم يكن سوى نمر من ورق، بمجرد أن هبت
عليه ريح اليهود في 5 حزيران عام 1967م حتى أحالته هباءً منثوراً، فاندحرت
تلك الجيوش وباءت بالهزيمة الماحقة، واحتلت دولة اليهود كلاً من سيناء والضفة
الغربية وغزة والجولان من خلال معركة صورية لم تدم حقيقة أكثر من أربع
ساعات، لكنهم قالوا ستة أيام، فسميت بحرب الأيام الستة. ثم جاءت حرب
التحريك في 10 أكتوبر عام 1973م لتفرخ اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، ثم
تلتها اتفاقيات السلام مع الأردن.
إن الأنظمة العربية عجزت تماماً عن قيادة الجماهير في صراعها التاريخي
مع الكيان اليهودي، ولم تتمخض مؤتمراتها إلا عن بيانات الاستنكار والشجب،
وتقديم التنازلات تلو التنازلات.
لقد علمت الحكومات اليهودية بهذا العجز الذي أثبتت الأحداث ترسخه
واستفحاله، فباتت تعد الخطط وتصيغ البرامج وهي في مأمن تام من أي تحرك
عربي جاد. وقد جاءت الأحداث الأخيرة التي ابتدأت في 28 مارس 2002م
لإعادة احتلال كامل الضفة الغربية وغزة، في خضم اجتماع مجلس القمة العربي
في بيروت، فلم تستطع تلك القمة تحريك ساكن أو التأثير على أي موقف خاص
بالقضية الفلسطينية، مع العلم أن أولئك المجتمعين كانوا على علم مفصل بكل
المآسي الحاصلة من جراء الاجتياح اليهودي للأرض المحتلة، فقد ورد في نص
البيان الختامي للقمة (بند 9) ما يلي: (استعرض القادة الوضع البالغ الخطورة
الذي يعيشه الشعب الفلسطيني جراء الحرب التدميرية المبرمجة والشاملة التي تشنها
عليه قوات الاحتلال الإسرائيلية بشتى الأساليب وكافة الأسلحة بغية تدمير مؤسساته
وإخضاعه وإخماد جذوة مقاومة الاحتلال في نفوس أبنائه، إلى جانب استمرارها
في سياسة الاستيطان والاغتيالات وهدم المنازل وإقامة مناطق عازلة وتدمير البنية
التحتية وإحكام الحصار الاقتصادي والإبعاد والتهجير، في خرق صارخ للقانون
الدولي وللاتفاقات والأعراف والمواثيق الدولية، ويحملون إسرائيل المسؤولية
الكاملة لعدوانها ولممارستها الوحشية على الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية، وما
أحدثته من دمار وخسائر في البنية الأساسية للمدن والقرى والمخيمات والمؤسسات
والاقتصاد الوطني والفلسطيني، ويؤكدون ضرورة إلزام إسرائيل بمسؤولية
التعويض عن جميع هذه الأضرار والخسائر ... ) [4] .
إذن هناك استحضار واضح لحجم المأساة لدى القادة المجتمعين، ومع ذلك فلم
يتجاوز الفعل أكثر من حبر على ورق، حتى بات لسان حال الأسلحة الفتاكة
العربية يشكو بثه وحزنه إلى الله تعالى، ويدعو على الذين حولوه إلى حديد خردة -
سكراب -، ولو كان لهذه الأسلحة عيوناً لملأت دموعها المتدفقة الوديان
والسهول ولجرت أنهاراً وأضحت بحاراً. لقد حازت الأنظمة العربية جميع أوسمة
العجز والشلل، ومن أهمها:
1 - العجز السياسي.
2 - العجز العسكري.
3 - العجز الاقتصادي.
4 - العجز الإعلامي.
5 - العجز التعبوي.
وأخيراً عجزها عن فك الحصار عن رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات؛
عندما كان محاصراً، أليس هو عضو في جامعة الدول العربية وفي منظمة المؤتمر
الإسلامي ورئيس دولة فلسطين في مؤتمر القمة الذي لم يحضره بسبب الحصار.
لقد حطم هذا العجز السمعة العربية في جميع أنحاء العالم وأمام كافة حكوماته
وشعوبه، حتى بات يضرب به المثل ومثاراً للتندر! !
وبعد.. فتلك باختصار هي المرتكزات الأربعة الرئيسة التي يرتكز عليها
المشروع اليهودي الصهيوني الشاروني لبلوغ أهدافه وتحقيق غاياته وتثبيت مقاصده
والوصول إلى مآربه.
* إجهاض الآمال اليهودية الشارونية:
للوهلة الأولى، فإن المتمعن في كيفية إجهاض الآمال اليهودية الشارونية التي
ذكرناها سيصل إلى نتيجة واحدة هي أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا بإجهاض
المرتكزات التي ذكرناها والتي يرسي المشروع اليهودي الشاروني عليها دعائمه
ويقيم فوقها بنيانه. وعند التحقيق فإن جميع تلك المرتكزات يمكن التأثير عليها أو
زعزعتها أو اجتثاثها بالكلية إذا توفرت الجدية مع العزم والتصميم وفاعلية الإرادة.
لكن هذا الأمر فيه تفصيل أوجزه فيما يلي:
1 - إجهاض مرتكز العجز العربي والإسلامي:
إن القادة العرب والمسلمين تحت أيديهم إمكانات واسعة سوى التوسل يمكن
توظيفها مباشرة في حلبة الصراع مع الكيان اليهودي، ومن أهمها:
أ - إعلان أن مقاتلة اليهود هو جهاد في سبيل الله؛ يتبع ذلك وضع كافة
الجيوش العربية والإسلامية في حالة استنفار شاملة، إضافة إلى إعلان حالة التعبئة
الشعبية الجهادية.
ب - إعادة النظر في العلاقات السياسية مع كافة بلدان العالم وخاصة الولايات
المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بحسب موقفهم من الصراع مع دولة
الكيان اليهودي.
ج - فرض المقاطعة الاقتصادية الشاملة على دولة الكيان اليهودي وجميع
الدول والشركات المتعاملة معه.
د - استعمال البترول كسلاح مؤثر ومباشر في الصراع.
هـ - إلغاء اتفاقيات السلام الموقعة مع الكيان اليهودي.
و توظيف رؤوس الأموال العربية والإسلامية في الاستحواذ على المنابر
الإعلامية العالمية لإيصال حقيقة الصراع إعلامياً إلى كافة شعوب الأرض.
وقف فلسطيني على تلة في الأرض المحتلة فقرأ هذه البنود الستة، فعلم أنها
مجرد خيالات وتمنيات لن يتحقق منها شيء، غير أنه تذكر المظاهرات التي
تجوب أنحاء البلاد العربية والإسلامية والأجنبية فارتفعت روحه المعنوية شيئاً ما،
لكنه أدرك أن ذلك بمجرده لن يجدي شيئاً، وأن هذا المرتكز، على المستوى
المنظور، سيبقى ولن يجهض. فانهمرت دموعه ثم ضرب كفاً بكف، لكنه أضمر
في نفسه شيئاً! !
2 - إجهاض مرتكز الدعم الأمريكي:
إن إجهاض هذا المرتكز حالة صعبة بالفعل؛ وذلك بسبب التداخل العضوي
الحالي القائم بين دولة الكيان اليهودي والولايات المتحدة الأمريكية. إن فك التشابك
بينهما متعذر حقيقة؛ إذ لو أطلقت على الولايات المتحدة الأمريكية اسم دولة اليهود
الأمريكية لما كنت قد جانبت الصواب. إن الموقف الأمريكي المساند لليهود بشكل
مطلق ليس هو مجرد رغبة شخصية للرئيس بوش، بل هو بتأييد مطلق من
المؤسسات الفيدرالية وخاصة الكونغرس. كما أن جميع المؤسسات الفاعلة في
أمريكا تقف في صف إسرائيل. ولذلك فإن إزالة هذا المرتكز غير مقدور عليه الآن،
لكن يمكن التأثير على هذا التشابك ومحاولة تفكيك تماسكه بالوسائل الآتية:
1 - المقاطعة الشاملة للبضائع والصناعة الأمريكية.
2 - المطالبة بتصفية قواعدها العسكرية وبسحب جيوشها من المواقع الحالية
المنتثرة في أراضي المنطقة العربية والإسلامية ومياهها.
3 - التهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، أو بخفض مستواها.
4 - مواصلة طلب تخليها عن الدعم بأنواعه لدولة إسرائيل.
5 - إيجاد قوة ضغط عربية وإسلامية في داخل الولايات المتحدة لا تقل عن
قوة جماعات الضغط اليهودية.
6 - التأثير بشكل فاعل على توجهات الرأي العام الأمريكي ليرى الحقيقة
ويبصر الواقع.
ذلك الفلسطيني الواقف على تلة في الأرض المحتلة، قرأ هذه البنود الستة،
فعلم أنها مجرد خيالات وتمنيات لن يتحقق منها شيء، فانهمرت دموعه مرة أخرى،
ثم ضرب كفاً بكف، لكنه أضمر في نفسه شيئاً! !
3 - إجهاض مرتكز السلطة الفلسطينية:
ما المطلوب؟ ! !
هل المطلوب إسقاط السلطة الفلسطينية؟ !
الجواب: في الظروف الحالية لا؛ ذلك أن السلطة الحالية رغم الموبقات
الشديدة التي تكتنف تحركاتها المشبوهة فإنها تعتبر رمزاً للشعب الفلسطيني، سواء
في داخل الأرض المحتلة أم أمام دول العالم أجمع. وبغض النظر عن رأينا الخاص
في هذا الرمز إلا أن الواقع هو ما ذكرنا.
هل المطلوب دعم السلطة الفلسطينية؟ !
الجواب: في الظروف الحالية (وقبل الحالية) لا؛ ذلك أن دعم السلطة
الفلسطينية حالياً سيسهم في تلميع وجوه شخوصها المشبوهة، مما يضفي عليها
صفة القوة والدعم الشعبي الذي لن يتمخض إلا عن دخولها في مفاوضات استسلام
جديدة مع حكومة شارون بعد أن تكون قد ساهمت بشكل فعال في إجهاض الانتفاضة
متلفعة برداء المنجد من حالة العسرة والمنقذ من حالة الغرق.
* إذن! ما هو المطلوب؟ !
في رأينا المطلوب ثلاثة أمور:
الأول: فك حالة التداخل بين القيادات الميدانية للانتفاضة وبين السلطة
الفلسطينية قدر الإمكان وبقدر ما تسمح به الظروف وتتحقق المصلحة، إن الأثر
الإيجابي لذلك هو تحجيم سيطرة السلطة الفلسطينية على دفة الانتفاضة ثم عزلها
بعد ذلك كلية عن تلك الدفة.
الثاني: إفراز سلطة فلسطينية ميدانية وذلك بعد انكفاء الظروف الحالية
تمارس الاهتمام بشؤون الانتفاضة على كافة المستويات السياسية والعسكرية
والاقتصادية والإعلامية، ثم مع اتساع دائرة هذه السلطة الميدانية شيئاً فشيئاً تتقلص
مساحة نفوذ السلطة الفلسطينية الحالية إلى أن تبلغ حالة العجز، فتسقط تلقائياً،
وتحل بدلها السلطة الجديدة الميدانية تلقائياً. إن شارون يخشى كثيراً من إمكانية
حدوث ذلك؛ ولهذا فهو أمام خيارين: إما التمسك بالسلطة الحالية بعد أن تكون قد
أجهدت وأضعفت وقُزِّمت بسبب الأحداث الحالية. أو استلال سلطة جديدة من
جوف السلطة الحالية مطعمة بعناصر أخرى من المنافقين يحقق من خلالها أهدافه
في المرحلة المقبلة.
الثالث: لا بد من رفع شعار الإسلام في هذه المواجهة؛ ذلك أنه المعبر عن
حقيقة الصراع على أرض الإسراء، ثم هو الشعار الذي يفرض نفسه على كافة
الفصائل؛ فإن لم يكن على قيادييها فعلى قواعدها في أقل الحالات. ثم إن هذا
التوجه هو الذي يستمطر النصر من الله - تعالى - لقوله - عز وجل -: [يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (محمد: 7) ، ولذلك فإن
السلطة الميدانية لا بد أن تكون معبرة عن هذا المفهوم ومتحركة به.
ذلك الفلسطيني الواقف على تلة في الأرض المحتلة قرأ هذه الاقتراحات،
فاستوعبها عقله وارتاحت إليها نفسه، لكنه قال: إن هذا أمر دونه الشهور والسنون،
ونحن في حالة مواجهة تلاحمية على مدار الليل والنهار، ثم استدرك فقال: سنبدأ
في هذه، ولكن أكلها بعيد، وستبقى الدولة اليهودية الشارونية متخذة من السلطة
الفلسطينية الحالية مرتكزاً من مرتكزاتها، فانهمرت دموعه مرة ثالثة، ثم ضرب
كفاً بكف، لكنه أضمر في نفسه شيئاً! !
4 - إجهاض مرتكز القوى اليهودية الذاتية:
إن دولة الكيان اليهودي هي البقعة المركزية التي تنتهي مآلات القوى اليهودية
في العالم إلى الصب فيها فتوطد أركانها وتعلي بنيانها. إن التحرك اليهودي
باستخدام هذه القوى الجبارة أرعب جميع القوى المخالفة، وأقصد بها الدول العربية
والإسلامية؛ ذلك أن تلك القوى ليست وهمية أو متخيلة، بل هي من الناحية
العسكرية صواريخ تدك، وقاذفات تدمر، ودبابات تزمجر، وتقنية حربية متطورة،
وقنابل ذرية مخزنة لكنها جاهزة. ومن الناحية السياسية هيئة دستورية ديمقراطية
مستقرة، وحدت المرحلة أهدافها وجمعت تطلعاتها. ومن الناحية الاقتصادية
مؤسسات وشركات ذات رؤوس أموال أسطورية متوزعة عنكبوتياً في جميع أنحاء
العالم، وفعلها في الاقتصاد العالمي كفعل الأخطبوط عندما يطبق على فريسته.
ومن الناحية الإعلامية شبكة معقدة قد سيطرت بشكل واسع جداً على كثير من
أدوات التأثير في الرأي العام العالمي، سواء عن طريق الصحافة أو المجلات أو
البث الفضائي أو تقنية الإنترنت وسواها.
غير أن هذه القوى لا يمكنها الاستمرار والتطور إلا إذا توفر لها عنصران:
الأمن والهجرة. ونظراً لكون الهجرة لا تزدهر إلا بتوفر الأمن، وبعدمه تقف
الهجرة الوافدة وتنشط الهجرة المغادرة؛ فإذن " الأمن " هو بيت القصيد. فإذا
ضرب الأمن في الكيان اليهودي من داخله فلن تفلح الركائز الأخرى في منع
اضمحلال بنيان ذلك الكيان وتهاوي أركانه؛ ذلك أن حاله كالخيمة: عمودها
المركزي هو قواه الذاتية، والأساس الأسمنتي الذي يثبت هذا العمود هو الأمن،
فإذا اجتث الأساس سقط العمود المركزي وانهارت الخيمة.
لقد جاءت الانتفاضة وفق هذا المفهوم، وبدأت آثارها في تفتيت الأمن
الإسرائيلي؛ إذ إنها دفعت بالصراع إلى النقطة المركزية مباشرة. في هذه المرحلة
بالذات لم يكن أمام دولة الكيان اليهودي إلا استخدام أعتى حالات القمع من تقتيل
وتشريد وتتبير وتجريف وحصار وغير ذلك من الوسائل الشمولية التدمير بغية
المحافظة على استدامة صمود العمود المركزي. غير أن شعب الانتفاضة لا يملك
ما يقابل به تلك القوى الطاغية والعاتية؛ فهو مجرد من السلاح يفتقر إلى أدنى
الخدمات، يغلب عليه الفقر، ويعشش في أوساط مخيماته البؤس، لكنه يملك
سلاحاً ذا شقين: الشجاعة والإرادة، فقرر تفعيل هذين السلاحين، فكانت
الانتفاضة الثانية في 28/9/2000م 28/6/1421هـ، ولا يزال هذا السلاح يثبت
قوته وجدارته في ساحات المنازلة إلى ساعة كتابة هذه السطور، محافظاً على
مضائه مزعزعاً ومزلزلاً أركان عدوه بعد أن عصف بالأمن الإسرائيلي وبدده أدراج
الرياح.
ذلك الفلسطيني الواقف على التل في الأرض المحتلة قرأ هذا الكلام، ثم
أخرج مفكرة من جيبه وشرع يسترجع بعض الأرقام التي أفرزتها الانتفاضة، فكان
مدوناً فيها ما يلي:
* الخسائر على الجانب الإسرائيلي:
* بلغ عدد القتلى اليهود على يد المقاومين الفلسطينيين أكثر من 450 قتيلاً
وأكثر من 3200 جريح.
* خلال العام الأول من الانتفاضة بلغت خسائر الكيان اليهودي حوالي ملياري
دولار، وانخفض معدل الإنتاج بمقدار 6%، وقلصت 41% من المصانع إنتاجها،
و35% قلصت عملها، و 400 أغلقت أبوابها.
* انخفض عدد السياح القادمين إلى الكيان اليهودي بنسبة 50% مما أدى إلى
إغلاق 25 فندقاً، وإقالة 70 ألف موظف من مختلف المؤسسات السياحية،
وخسارة 3 مليارات دولار.
* بلغ العجز في التجارة الخارجية للكيان اليهودي 3 مليارات في الربع الأول
من عام 2001م، والعجز في الميزانية 5 مليارات دولار.
* انخفض الاستثمار الأجنبي من 11,5 مليار دولار إلى 4,5 مليار دولار
في الأشهر الستة الأولى من عام 2001م.
* بلغ عدد الشركات التي شطبت من سوق الأوراق المالية وقيمتها السوقية
12 مليار دولار 59 شركة.
* انخفضت قيمة الشيكل بنسبة 10%.
* أقامت 450 شركة بناء يهودية دعوى ضد السلطة الفلسطينية لتعويضها
بمائة مليون دولار قيمة ما نجم من أضرار بسبب الانتفاضة. وقد فعل أصحاب
الفنادق والمطاعم مثل ذلك خوفاً من العمليات الاستشهادية. وقد تسببت الانتفاضة
في انخفاض إيجارات المطاعم بنسبة 30%.
* ارتفعت البطالة إلى ربع مليون عامل، وانخفض الدخل 6 % وتقلصت
الميزانية بقيمة 1,2مليار دولار.
* تراجع عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية وقطاع غزة بمعدل
النصف على الأقل عام 2001م وبلغت نسبة المستوطنات التي فرغت 26%.
* تراجعت الهجرة إلى الكيان اليهودي عام 2001م بمقدار 50%، وبلغت
الهجرة المعاكسة 13 ألفاً.
* بلغت خسائر شركة العال اليهودية 83 مليون دولار خلال النصف الأول
من عام 2001م.
* ارتفعت نسبة المضربين عن الخدمة العسكرية خلال عام 2001م بمقدار
03%، وبلغ عدد الجنود والضباط الذين تمت محاكمتهم بسبب تهربهم من الخدمة
العسكرية 11200 فرد.
* بلغ عدد الجنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم 20 ألفاً بكلفة يومية قدرها 3
ملايين دولار.
* معدل التحذيرات اليومية التي ينبغي التعامل معها في آن واحد 60 تحذيراً.
* وأرقام أخرى ...
* على الجانب الفلسطيني:
* إلى نهاية مارس 2002م بلغ عدد الشهداء (نحسبهم كذلك والله حسيبهم)
أكثر من 1500 شهيد، وعدد الجرحى أكثر من 30 ألف جريح. وبلغ عدد
المعوقين في أحداث الانتفاضة 1398 معوقاً، منهم 437 طفلاً دون الثامنة عشرة.
* ارتفعت نسبة الأسر التي تقع تحت خط الفقر إلى أكثر من 64% والتي
فقدت دخلها بالكلية بعد الحصار 14%.
* بلغت الخسائر التجارية من جراء الحصار حوالي 700 ألف دولار يومياً،
وبلغت في القطاع الزراعي 345 مليون دولار، حيث شملت خسائر تجريف
الأشجار والمحاصيل والتربة وخسائر الثروة الحيوانية والسمكية وغيرها.
* بلغ عدد الأشجار التي اقتلعها اليهود 40 ألف شجرة.
* بلغ عدد المخازن الزراعية المهدمة 134مخزناً، وعدد مزارع الدواجن
التي أتلفها اليهود مع معداتها 45 مزرعة، وتم تدمير 2395 خلية نحل، وإتلاف
5771 دونماً من شبكات الري، وهدم 442 بركة وخزان مياه.
* بلغ عدد البيوت المتضررة من القصف اليهودي حوالي 5 آلاف منزل،
منها 580 منزلاً دُمرت تدميراً كاملاً، وألحقت الأضرار في 4000 مبنى و 30
مسجداً و 12 كنيسة.
* بلغت الخسائر الاقتصادية منذ اندلاع الانتفاضة 3. 7 مليار دولار.
* بلغ عدد الذين فقدوا أعمالهم 82 ألف شخص، إضافة إلى وجود 71 ألف
شخص دون عمل قبل بدء الانتفاضة.
* أدت إقامة المستوطنات اليهودية إلى تدمير الأحراش والبيئة الطبيعية.
مثال ذلك إقامة مستعمرة يهودية في غابة أم الريحان قرب جنين (عمرها 2500
عام) مما أدى إلى تدمير جزء كبير من الغابة مما أثر في الاتزان والتنوع الطبيعي.
وكذلك تدمير أحراش النبي صالح في أم الصفا. كما أن اليهود ينشئون طرقاً
التفافية لأجل تجنيب المستوطنين المرور في المدن الفلسطينية مما نتج عنه تدمير
مساحات واسعة من النباتات والأشجار والبيئات الطبيعية.
* تقوم السلطات اليهودية بنقل المصانع ذات التلوث البيئي من الأراضي
المحتلة عام 1948م إلى الأراضي المحتلة عام 1967م، وتشيد المصانع الجديدة
ذات التلوث البيئي في هذه الأراضي المحتلة (الضفة الغربية وغزة) ، كمصنع
البطاريات الذي أنشئ شمال أريحا، وإنشاء المقالع والمحاجر في بيت لحم
والخليل وإنشاء مصنع كيماوي له مخلفات شديدة التأثير قرب طولكرم، وفتح
مجاري المستوطنات اليهودية لتصب في المناطق الفلسطينية المجاورة. وقد أدى
كل ذلك إلى ارتفاع نسبة الأمراض السرطانية بشكل حاد بين المواطنين الفلسطينيين.
* كانت الخسائر البشرية في مخيم جنين البالغ عدد سكانه حوالي 13 ألف
نسمة فادحة وتفوق الخيال، فكم ستكون تلك الخسائر فيما لو اجتاحت القوات
اليهودية مخيم جباليا شمالي غزة والذي يبلغ تعداد سكانه 102 ألف نسمة، أو مخيم
الشاطئ ذا الـ 76 ألف نسمة، أو مخيم النصيرات ذا الـ 62 ألف نسمة أو مخيم
دير البلح ذا الـ 70 ألف نسمة أو مخيم خان يونس ذا الـ 60 ألف نسمة أو
مخيمات رفح ذات الـ 90 ألف نسمة، وإذا كان الجيش اليهودي قد مارس سياسة
الإبادة الجماعية في أحياء غزة المكتظة بالسكان، مثل حي الشجاعية، أو حي
الشيخ رضوان، أو حي الزيتون والتفاح! ! . وكم سوف تبلغ أعداد الشهداء؟ !
* بلغت أعداد اللاجئين خارج فلسطين والموزعة في بعض الدول العربية كما
يلي: سوريا 392 ألفا، لبنان 382 ألفاً، الأردن 1640 ألفاً، وأما المرابطون في
الضفة الغربية فقد بلغوا 608 ألفاً، وفي غزة 853 ألفاً.
كما بلغت أعداد المخيمات الفلسطينية في سوريا 10 مخيمات، لبنان 12
مخيماً، الأردن 10 مخيمات، الضفة الغربية 19 مخيماً، غزة 8 مخيمات.
* وأرقام أخرى ... [5] .
تمعن الفلسطيني في تلك الأرقام، ثم طوى مفكرته وأرجعها إلى جيبه، وقال:
حسناً قد أثخنوا فينا بالباطل، وأثخنا فيهم بالحق، والحرب سجال، ولا سواء! !
قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار.. ثم أضمر في نفسه شيئاً! !
* الانتفاضة تحقق توازن المواجهة:
بعد أن تبين أن (الأمن) هو بؤرة مرتكز قوى الكيان اليهودي، وأن الإطاحة
به هي الطريق للعصف بوجوده، فلنُعد النظر في أرقام الخسائر على الجانبين:
اليهودي، والفلسطيني:
1 - الجانب البشري: إذا لا حظنا أن عدد القتلى اليهود عامل أساس في
خوفهم وهلعهم وهربهم وهجرتهم المعاكسة، وفي تقلص أعداد المهاجرين الجدد،
في حين عدد الشهداء الفلسطينيين عامل أساس في استثارة إيمانهم وفي تحفيزهم
واشتداد عزمهم للأخذ بثأرهم، فإن مفاد هذه الملاحظة أن عدد القتلى اليهود يصب
في تقلص سيطرتهم على ساحة الصراع، وأن عدد شهداء فلسطين يصب في تمدد
سيطرتهم على ساحة الصراع. وهذا يعني أن وقوع القتلى من أي طرف يصب في
كفة ترجيح ميزان الانتفاضة.
2 - الجانب النفسي: أوضحت الأرقام أن اليهود تنتابهم حالة انهيار نفسي
شديدة؛ وذلك من خلال تراجع أعداد المستوطنين الجدد وهروب كثير من
المستوطنين حالياً، وارتفاع نسبة المضربين عن الخدمة العسكرية، وزيادة أعداد
العاطلين عن العمل، في حين أن الانتفاضة أفرزت مزيداً من التشبث بالأرض،
وارتفاعاً عظيماً في الروح المعنوية، وإقبالاً لا نظير له في التضحية والفداء.
3 - الجانب الاقتصادي: صحيح أن الانتفاضة أثرت سلبياً على الاقتصاد في
الكيان اليهودي، غير أن هذا التأثير يمكن تعويضه بسهولة من خلال الدعم
الأمريكي والمؤسسات والشركات اليهودية الكبرى المنتشرة في أنحاء العالم. أما
الفلسطينيون فخسائرهم الاقتصادية الفادحة لا يوجد من يعوضها! ! (أقر اجتماع
القمة الأخير تخصيص 55 مليون دولار شهرياً لصالح السلطة الفلسطينية ولمدة
ستة أشهر فقط، ولو افترضنا أن جميع هذا المبلغ سيوزع على الفلسطينيين لكانت
حصة الفرد الفلسطيني ثلث دولار في اليوم! !) .
4 - الجانب السياسي: أضفته هنا رغم عدم تعلقه بالأرقام المذكورة لإتمام
الكلام في الموضوع، إن حكومة شارون الائتلافية (حكومة حرب) تحظى بتأييد
شعبي يهودي عارم، مما أفلت العنان ليد شارون في اتخاذ ما يراه من قرارات دون
تحفظ أو خوف من السقوط في الانتخابات القادمة، أي هناك التحام بين الحكومة
اليهودية ومستوطنيها. فقد أفاد استطلاع للرأي اليهودي نشرته صحيفة (جيروزاليم
بوست) اليهودية بتاريخ 4 أبريل 2002م أن 72% من الإسرائيليين يدعمون
عملية (سور الدفاع) - أي عملية الإبادة الحالية - وأظهر استطلاع آخر نشرته
صحيفة (يديعوت أحرونوت) اليهودية بنفس التاريخ ارتفاع شعبية شارون بـ 17
نقطة وأن 62% من الإسرائيليين يثقون به، ومعلوم أن (الحرب) هي الشعار
الانتخابي الذي أوصل شارون إلى كرسي رئاسة الوزارة بفوزه بـ 63% من
الأصوات! ! أما في الجانب الفلسطيني فهناك فجوة كبيرة من الشك بين السلطة
الفلسطينية والشعب الفلسطيني؛ ذلك أنها متهمة لديه بالمزايدة على تطلعاته، إما
لأنها تريد تحقيق مكاسب ذاتية أو لتمييع القضية أو للاثنين معاً، خاصة أن تاريخها
عبر العقود السابقة حافل بهذه المساومات التي دفعت بالقضية الفلسطينية إلى وديان
التقهقر والتراجع، إذا ما أخذنا هذه العناصر الأربعة بعين الاعتبار والنظر، فإننا
سنجد أن المواجهة بين الفلسطينيين وبين الكيان اليهودي في بوتقة الانتفاضة هي
في حالة (توازن) مع شيء ما من الثقل لصالح الانتفاضة؛ مما يفيد إمكان
استمرار المواجهة لفترة طويلة. لكننا نجزم أن (مكاسرة ثني الذراع) على المدى
المستقبلي ستكون لصالح الفلسطينيين؛ وذلك إذا حافظوا على تأكيد المنطلق
الإسلامي في المواجهة مع استبقاء إرادة التصدي والتحدي والتضحية والفداء في
أعلى درجاتها، وإذا تم تحييد السلطة الفسلطينية وتجريدها من أسلحة إجهاض
الانتفاضة، وخاصة الدخول في المفاوضات والعودة إلى مقبرة أوسلو.
* السلاح الجديد يقلب الحسابات:
ذلك الفلسطيني الواقف على تلة في الأرض المحتلة الذي كلما استعرض
مرتكزاً من مرتكزات الكيان اليهودي ودقق في كيفية إجهاضه، انهمرت دموعه،
وضرب كفاً بكف، ثم أضمر في نفسه شيئاً! !
فماذا أضمر؟ !
لقد أضمر أن يستخدم سلاحاً جديداً مرعباً وفتاكاً يدافع به عن نفسه وشعبه ولا
يستطيع الكيان الصهيوني أو من يدعمه توفير مثله، إنه سلاح (العمليات
الاستشهادية) إنه بيع الدنيا بالآخرة، ملبياً قول الحق - تعالى -: [إِنَّ اللَّهَ
اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاًّ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ
فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ] (التوبة: 111) .
هذا السلاح له ميزات من أهمها:
1 - إمكان استعماله في أي موقع من مواقع العدو اليهودي، سواء في
تجمعاته داخل الحزام الأخضر أو خارجه.
2 - لا يتعلق استخدامه بزمان معين، فهو حزام ناسف يلفه الاستشهادي حول
جسده أو عبوة ناسفة مدمرة يحملها في حقيبة في يده أو على ظهره أو في سيارته،
ثم يفجر ذلك كله في الوقت الذي يريد.
3 - يمكن باستخدام هذا السلاح تخطي جميع الحواجز الأمنية اليهودية
والتحايل على إجراءاتها مهما كانت شديدة.
4 - إنه يبث الهلع والرعب في قلب العدو اليهودي بشكل دائم؛ لأنه لا يعلم
أين ستكون العملية الاستشهادية، ولا كيف ومن أين ستأتيه الضربة؟ حيث شملت
هذه العمليات حواجزه العسكرية والأمنية ومستوطناته ومجمعاته التجارية ومقاهيه
ومسارحه وقاعات حفلاته وأسواقه وحافلاته ومنشآته العامة والخاصة ومنتجعاته
السياحية وغيرها؛ مما جعل اليهود يتوقعون أن يأتيهم الموت في أي مكان وأي
زمان.
5 - هذا السلاح يستطيع أي شخص استعماله، سواء كان رجلاً أو امرأة،
صغيراً أو كبيراً، منظماً في جماعة - كحماس أو الجهاد الإسلامي أو كتائب
الأقصى - أو غير منظم.
6 - هذا السلاح متوفر بكثرة لافتة؛ إذ إن الطريقة الوحشية التي يعامل بها
الكيان اليهودي الفلسطينيين جعلت كل فرد منهم سلاحاً استشهادياً.
7 - لا يحتاج هذا السلاح إلى تدريب، أو مدربين، فهو سهل الاستعمال جداً.
8 - وهو سلاح ليس بحاجة إلى معامل لتصنيعه؛ إذ إن معامل الإيمان تقوم
بتصنيعه ذاتياً.
9 - إنه سلاح غير مكلف مادياً، حيث يستطيع أي فرد القيام بأعبائه مهما
كان فقيراً.
10 - وهو سلاح ينقل مستعمله إلى الجنة دفعة واحدة باستشهاده في سبيل الله.
قال تعالى: [وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ
خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ
لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ] (آل عمران: 169-171) .
11 - عطَّل هذا السلاح الاستشهادي فاعلية جميع أسلحة الكيان اليهودي
البرية والبحرية والجوية، المنقولة منها والمحمولة، في التصدي له بأي منها.
12 - أوقع هذا السلاح الرعب والحيرة في قلب القيادة السياسية والعسكرية
والأمنية اليهودية؛ حيث أفسد نظامها الأمني بالكلية، وأظهرها ضعيفة أمام شعبها
اليهودي لعدم قدرتها على تأمين الحماية له. لقد أثبت استعمال هذا السلاح البسيط
والمتطور أن الكيان اليهودي قد أصيب في الصميم، وأن استفحال استخدام هذا
السلاح سيزعزع أصل كيان دولته الباغية ويقوض أساسات مقومات وجودها؛
فعليها أن تعيد النظر في هيكلة مؤسساتها قاطبة؛ لأنها لم تكن مهيكلة لمثل هذا
النوع من المواجهات.
تلك اثنتا عشرة ميزة متفردة لهذا السلاح الاستشهادي.
فما هو رد الفعل اليهودي على ذلك؟ !
1 - شن الكيان اليهودي حملة ضغط قاسية جداً على السلطة الفلسطينية
لتضطلع بدورها المناط بها في محاربة هذا السلاح الاستشهادي، لكن السلطة
أخفقت بعد أن استنفدت قدراتها لتحقيق ذلك.
2 - قام الجيش اليهودي بعمليات حربية واسعة رداً على كل عملية تمت من
هذا النوع، وقد تضمنت تلك العمليات القصف بالطائرات وبالدبابات وتجريف
الأراضي وهدم المنازل وتدمير الممتلكات واقتحام المدن والقرى والمخيمات
ومحاصرتها والإمعان في القتل العشوائي، علماً أنه كان يقوم بكل ذلك من قبل رداً
على الانتفاضة ومن قبل استعمال السلاح الاستشهادي، إلا أنه ازداد همجية
ووحشية بعد استعماله. إلا أن توسيع العمليات العسكرية اليهودية أدى إلى توسيع
العمليات الاستشهادية نوعاً وكمّاً؛ مما أدى إلى اتخاذ الصراع مساراً تصاعدياً حاداً
وعنيفاً جداً.
3 - عندما أسقط في يد شارون وزبانيته قررت هذه العصابة الدموية إعادة
احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة لوضع حد للانتفاضة، ولإبطال استعمال هذا
السلاح الجديد، وللقيام بما عجزت السلطة عن القيام به من تصفية الحركات
الجهادية حماس والجهاد الإسلامي وكتائب الأقصى وغيرها فباشرت مشروعها
الإجرامي في 28 مارس 2002م، ولا يزال القتال محتدماً لغاية اللحظة في
8 أبريل 2002م.
* آفاق المستقبل:
لا يعلم الغيب إلا الله - تعالى -. لكننا من معطيات الواقع سنحاول
استشراف المستقبل. والذي أتوقعه والله - تعالى - أعلم:
1 - إخفاق المخطط الشاروني الذي ذكرناه في أول المبحث ما عدا تجاوز
اتفاقيات أوسلو؛ حيث تجاوزه الطرفان كل من وجهة نظره. وإذا نجح شارون في
إقامة منطقة عازلة بين الخط الأخضر والضفة الغربية فإن ذلك لن يمنع من
مواصلة العمليات الاستشهادية؛ أي أن هذا الجدار الأمني لن يحقق الأمن للكيان
اليهودي.
2 - استمرار تكاسر الإرادات، وستغلب الإرادة الفلسطينية الإرادة اليهودية
في نهاية الأمر بإذن الله - تعالى -.
3 - الوضع النفسي اليهودي لا يتيح له مواصلة استمرار القتال الالتحامي
لفترة طويلة. ولذلك فإن انسحاب الجيش اليهودي من المدن الفلسطينية لا بد منه؛
لأنه لا يستطيع مواصلة البقاء فيها حيث سيتعرض إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة
وبشكل يومي.
4 - عندما تنكسر الإرادة اليهودية وتنسحب آلتها الحربية من المدن
الفلسطينية سيطلب شارون الدخول في مفاوضات مع السلطة الفلسطينية، والتي في
الأغلب ستكون بهيئتها الحالية، وقد ينقص منها ياسر عرفات وقد لا ينقص.
5 - الانتفاضة ستستمر وفي ظلها ستكون المفاوضات.
6 - الانتفاضة فرضت نفسها على السلطة الفلسطينية. ولذلك فإن هذه
السلطة لن تستطيع تجاهل الانتفاضة وإفرازاتها؛ فليس أمامها إلا تبني مطالب
الانتفاضة.
7 - في حال محاولة السلطة الفلسطينية فرض توصيات ميتشيل وتفاهمات
تينت وورقة زيني على الشارع الفلسطيني فإنها لن تنجح رغم الدعم الأمريكي
والأوروبي لذلك.
8 - المفاوضات الجدية والحقيقية والتي سوف تفرزها فيما بعد الانتفاضة
والعمليات الاستشهادية سيكون محورها الاستقلال وإزاحة الاحتلال وقيام الدولة
الفلسطينية. وأما سقفها فغير محدد الآن؛ إذ سيتناسب ارتفاعه مع المعطيات
المستقبلية في ساحة الصراع، سواء منها العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية.
9 - لا يستبعد أن تلجأ الحكومة الشارونية عندما تخفق في الخروج من مأزق
الانتفاضة إلى الدخول في حرب إقليمية، لكنها إن فعلت تكون كالمستجير من
الرمضاء بالنار؛ ليس بسبب قوة الجيوش العربية وتعاظم قدراتها القتالية، ولكن
بسبب عدم قدرة الجيش اليهودي على خوض معركتين فاصلتين في آن واحد:
معركة مع انتفاضة الفلسطينيين، ومعركة على جبهات القتال.
10 - لا نستطيع الفصل بين الاستعدادات الأمريكية لضرب العراق عن
النتائج المتوقعة في المواجهة الحالية بين الكيان اليهودي والانتفاضة؛ حيث إن
ضرب العراق وتدمير جيشه شرط أساس لدخول الكيان اليهودي في أية حرب
إقليمية مع جاراتها.
وختاماً: نقول: إن المسلمين يقاتلون على موعود الله لهم بالنصر، واليهود
يقاتلون وهم يعلمون بحسب ما في كتبهم أنهم مهزومون في نهاية المطاف.
فليعلموا [إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ] (البروج: 12) . وإن كيدهم مردود إلى
نحورهم، [وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ
الجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ]
(إبراهيم: 46- 47) ، [إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ
يَقُومُ الأَشْهَادُ] (غافر: 51) ، [وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ]
(الشعراء: 227) .
أسأل الله - تعالى - أن ينصر دينه، ويعز أولياءه، ويهزم أعداءه؛ إنه
ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.