منبر الشباب
عبد الله حماد الجهني
إن من أهم ما نفتقده في مجتمعاتنا اليوم الثقة بالنفس، ذلك الإحساس الذي
متى ما تلبّس به الإنسان أحس أنه قادر على أي عمل يمكن عمله بإتقان. تلك
الشعلة التي تضيء لحاملها الطريق لكي يتقدم على بصيرة، ولا أقصد فيه ذلك
الإحساس الذي يرتفع حتى يلامس الغرور، ولا الذي ينخفض حتى يلاصق الخمول.
والناظر في مجتمعاتنا اليوم لا يكاد يرى تلك الشعلة، سواء على مستوى
الأفراد أو الجماعات، ولقد حاول اعداء المسلمين وأذنابهم في القديم والحديث
زعزعة ونزع هذه الثقة بتتالي الضربات والنكبات، فلقد هزمنا كثيراً حتى فقدنا
الثقة بالنصر وأصبحت الهزيمة شيئاً عادياً.
فإذا كانت الثقة بالنفس هي المفتاح للنجاح والنصر، فكيف ننجح وننتصر إذ
لم تكن هذه الثقة موجودة؟ !
الأسباب المؤدية للثقة بالنفس:
وتزرع الثقة أول ما تزرع في الصغر ولا يمنع أن يكتسبها الإنسان في الكبر
وذلك بالرياضة النفسية. وأهم محرك للثقة بالنفس هو التشجيع، ويتضح هذا من
خلال عرض قصتين وقعتا في غزوة خيبر في آخر حصن من حصونها المسمى
(الوطيح) :
أما الأولى فمع الزبير بن العوام حين قال ياسر اليهودي - أخو مرحب وكان
رجلاً قوياً - مَن يبارز؟ ؛ فقال الزبير بن العوام: أنا لك؛ فقالت أمه صفية: يا
رسول الله! ، يقتل ابني!
فقال لها - عليه السلام -: بل ابنك يقتله إن شاء الله. فالتقيا فما هي إلا
لحظة حتى سقط رأس اليهودي.
فانظر إلى الكلمات المشجعة من النبي - صلى الله عليه وسلم - ماذا عملت.
لقد عملت الكلمات في نفس الزبير أقوى مما عمله السيف بجسم اليهودي.
أما الموقف الثاني: فمع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فبعد تلك
المبارزة اقتتل الناس، وكانت الراية عند أبي بكر - رضي الله عنه - وشعارهم
يومئذ: يا منصور أمت أمت، فقاتل قتالا شديداً ثم وجع فأخذها عمر - رضي الله
عنه - فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من الأول ثم وجع، فقال - صلى الله عليه وسلم -
أَمَا والله لأعطينها غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فدعا علياً -
رضي الله عنه - وهو أرمد فتفل في عينيه ثم أعطاه الراية.
فخرج علي يهرول حتى ركز الراية تحت الحصن، وبعد قتال شديد - هو
أشد من الأول -تمكن علي من فتح ذلك الحصن بإذن الله.
وكيف لا يفعل على هذا وقد أخبره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما
يصبو إليه من حب الله ورسوله وفوق هذا كله حب الله وحب رسوله له. إنها
كلمات تبعث في النفس الحماس والثقة، فما أحوجنا اليوم أن نطلق مثل هذه الكلمات
المشجعة التي تنطلق من أفواهنا لتلامس قلوب ونفوس الآخرين.
أسباب عدم الثقة بالنفس:
وأهم ما يفقد الثقة بالنفس وخصوصاً عند الأطفال: الإسراف في نقد الأخطاء. والنقد الجيد كالدواء القوي يصلح الأجسام القوية، ويهلك الأجسام الضعيفة، فالنقد
يزيد الشخص الواثق من نفسه فهماً وإدراكاً، وأما الآخر فيهلكه وليس معنى ذلك
أننا لا ننتقد أحداً، بل هناك تفصيل:
أولاً: مَن ننتقدهم مواجهة وهم الراسخون الذين لا ينقصهم النقد بل يزيدهم.
ثانياً: مَن ينتقد ولكن بطريقة غير مباشرة وهم من عرَّض نفسه للنقد.
ثالثاً: مَن لا ينتقد بل يوجه ويشجع.
وقد اتضح من بحث دقيق أن الأطفال المنبسطين يضاعفون جهدهم عقب النقد، في حين أن المنطوين يضطرب إنتاجهم عقب النقد واللوم. كما ظهر أيضاً أن
بطيء التعلم يحفزه الثناء أكثر من النقد، في حين أن النقد واللوم أجدى للموهوبين.
وأيضاً من الأشياء التي تعوق الثقة بالنفس: السخرية مما يبديه الشخص من
آراء وكبحه حين يختلف رأيه عن آرائنا، فسرعان ما يتعلم أن أفكاره تسبب له
المتاعب ويرى من الخير أن ينقاد ويسكت، والتناسب طردي بين الثقة بالنفس
والنتيجة.
هذا على مستوى الجماعات، أما على مستوى الأفراد، فعدم الثقة بالنفس نتج
عنه الخوف من الخطأ، والتردد وهذا بطبعه أدى إلى الجمود وإلى التقليد، لأنه
يرى أن التقليد أسهل عليه، التقليد في الأفكار والتقليد في السلوك والتقليد في
الشخصية، فتراه يلغي عقله ويمشي وراء من يقلده مغمض العينين مقلداً لهم في
الخطأ والصواب، في الأقوال والأفعال، لا يخالفهم لأنه يعتقد أنه دائم على الخطأ
وهم على الصواب، بينما نجد أن كبار المفكرين والمجددين كانوا يتميزون عن
غيرهم بالثقة بالنفس.
فما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه الثقة مثل ثقة سماك بن خرشة (أبو دجانة)
حين قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقال أبو
دجانة: وما حقه يا رسول الله؟ قال: أن تضرب به العدو حتى ينحني. فقال: أنا
آخذه يا رسول الله بحقه، فأعطاه إياه فلو لم تكن عند أبي دجانة الثقة بنفسه لما أخذه.