المسلمون والعالم
مفلح بن علي الشمري
بدأت تظهر نتائج المقاطعة وتعترف بها الشركات المعنية وصنَّاع القرار في
السياسة الأمريكية والخبراء؛ حيث ذكروا أنهم لا يخشون من النتائج الوقتية
للمقاطعة فقط ولكن كما يقول الخبراء الأمريكان إن الخطر الحقيقي يكمن في نشأة
طلاب المدارس والأطفال على الكراهية لكل ما هو أمريكي، وهذه نظرة لم ينتبه
لها كثير ممن دعا لهذه المقاطعة، بل ولا من استهان بها ودعا إلى الكف عنها؛
بزعم سيطرة الشركات الأمريكية على السوق العالمية بأسرها.
أقول لو لم ينتج عن هذه المقاطعة إلا التعبير عن إرادة الشعوب الإسلامية ولا
أقول العربية حتى يكون العمق الاستراتيجي أوسع، والمقاطعة أكبر، والتأثيرت
أبلغ لكفى، ولن أتحدث عن النِّسب والأرقام التي أشارت إليها التقارير؛ وإنما أسلط
الضوء على الآثار والأبعاد التي نتوقعها ونرجوها من إعادة تفعيل المقاطعة
وتوسيعها لأمة ربط صنَّاع سياستها مستقبلهم ومصالحهم بدولة اليهود / المسخ؛
الذين ينتفعون هم ودولهم بما يتعاملون به معنا من تجارة واقتصاد (ضاربين)
عرض الحائط بشعور المسلمين. وإليك أخي القارئ الكريم شيئاً من ذلك:
أولاً: أن فيها تحقيقاً لقوله تعالى: [وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ]
(الأنفال: 60) ومما لا شك فيه أن الاقتصاد في هذا العصر من أقوى الأسلحة،
وسلاح المقاطعة استخدم قديماً وحديثاً.
فقديماً: استخدمته قريش ضد النبي صلى الله عليه وسلم فيما يسمى حصار
الشِّعب «شعب أبي طالب» ، واستمر ثلاث سنوات، وكان تأثيره على المسلمين
بالغاً.
وهدد به ثمامة بن أثال قريشاً عندما منع الحنطة من بلاد نجد، حتى جاءت
قريش وناشدت النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لثمامة أن يبيعهم الحنطة، لما
قال رضي الله عنه: «والله لا يأتيكم حبة حنطة حتى يأذن رسول الله صلى الله
عليه وسلم» ، وشواهد التاريخ كثيرة.
وأما حديثاً: فقد استخدمت المقاطعة عالمياً في الحرب العالمية بين المتحاربين
واستخدمت مؤخراً ضد العراق وأفغانستان والسودان.
واستخدمها العرب قبل معاهدات السلام ضد الشركات المتعاونة مع إسرائيل،
فكانت المقاطعة العربية بعبعاً يهدد الشركات في جميع أنحاء العالم؛ حتى تداعت
هذه المقاطعة بفعل حيل اليهود وألاعيبهم بما يسمى بعملية «السلام» .
وقد جاءت هذه المقاطعة المباركة شعبية؛ فهي ليست على مستوى الحكومات
بل انطلقت من العلماء والخطباء والمفكرين وأبناء الشعوب الإسلامية، وهذا ما زاد
من قوتها؛ فهي لا تخضع لقرار سياسي ولا ارتباط حكومي؛ مما جعل دوائر
الاستخبارات الغربية واليهودية تفزع فزعاً شديداً منها، ولا تعرف طريقة لإيقافها
إلا بالضغط على اليهود لتخفيف ما يفعلونه بإخواننا في الأرض المباركة، وهم وإن
كانوا غير جادين في ذلك الضغط الآن؛ فلا بد لهم منه في نهاية المطاف.
وإن مما يغيظهم أنها مقاطعة فعالة وشاملة وغير معقدة؛ فلا أوراق ولا مراقبة
للأسواق والأفراد؛ وإنما هي موجودة عند كل فرد مسلم يعي حقيقة ما يجب عليه
تجاه دينه، وعندما يضطر لشيء لا يوجد له بديل يأخذ على قدر حاجته.
ثانياً: أن فيها تحقيقاً لقوله تعالى: [تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ]
(الأنفال: 60) ، ويتضح ذلك من ترابط المسلمين وتعاونهم؛ حتى وصل الحال إلى
أهل الفن والطرب، وهم على ما عندهم من تقصير وخطأ فإن منهم من قام بمثل
هذه الأدوار، ولن يعدم أجره من الله وحسابه على ربه، ونقول هذا لأننا ننتظر من
أهل الخير والصلاح وقفة أكثر إقداماً على نصرة المسلمين وقضاياهم.
ثالثاً: أن فيها تحقيقاً لقول الله تعالى: [وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ
يَعْلَمُهُمْ] (الأنفال: 60) ، ومن أجل هذه المقاطعة وردّة فعل الشعوب الغاضبة
في طول البلاد الإسلامية وعرضها أوقفت كثير من الدول المكاتب التي تسمى:
«التمثيل والتنسيق والتطبيع» ؛ خشية غضب هذه الجماهير المسلمة.
وكذلك فيها ردع لكل من يفكر أن يتعامل مع إخوان القردة والخنازير من
الشركات الغربية والشرقية.
رابعاً: ظهور الوعي الإسلامي والاقتصاد النوعي، وهو أن يفكر الإنسان في
منشأ أي بضاعة ويختار الدول التي هي أخف عداوة في المرحلة الأولى، ثم في
المرحلة النهائية لا يشتري إلا ممن لا يعادي المسلمين بل يحرص على نصرتهم
ودعمهم، وهذا والحمد لله بدأ يترسخ لدى طبقة واسعة من المسلمين.
خامساً: يعدُّ كما يقول بعض أهل العلم «تسجيل موقف للشعوب الإسلامية»
وهذا في البداية لأنه لم يكن معلوماً مقدار التأثير، وبعد مضي عدة أشهر بدأ يتضح
أنه أكثر من تسجيل موقف؛ فهو سلاح فعال ولكن يحتاج إلى وقت، وإعادة تنظيم،
وتفعيل وتذكير دائم في زحمة الأحداث والمشاغل اليومية للفرد المسلم؛ ولذا
ينبغي أن تأخذ الجمعيات والمؤسسات الراية ومواصلة العمل حتى تنجح المقاطعة
بإذن الله.
سادساً: المعركة لم تنته بعد! فلا تضع سلاحك أخي المسلم! نعم! يجب ألا
تتوقف المقاطعة، وقد تكون هناك استراحة محارب ولكن كما هو معروف أن
الصراعات والحروب تخضع لعامل مهم بعد توفيق الله ألا وهو «الصبر» .
نحتاج إلى الصبر أكثر حتى تعلن تلك الشركات والحكومات نفورها من دولة اليهود
واحترامها للشعوب الإسلامية، والأمة بإذن الله قادرة على ذلك؛ ولكن يجب على
أصحاب الأقلام ووسائل الاتصال ألا يتوقفوا عن تعبئة الأمة وحشد طاقتها في هذا
السبيل، وبيان الأحاديث والآثار والنصوص الدالة على عظم ما يفعلون، وكما قال
العلامة الألباني تعليقاً على قوله تعالى: [ِإن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ]
(محمد: 7) ؛ قال: «هو الإيمان والاتباع لا القوة» ؛ فالله جل جلاله يريد
منا صدق الإيمان، وإنَّ مِنْ صدق الإيمان نصرة إخواننا بما نستطيع.
سابعاً: معرفة العدو الحقيقي المستتر بجلباب أو بغير جلباب وهو ما يسمى:
«راعي عملية السلام» ؛ وذلك ما حذر منه الخبير الأمريكي حينما قال: «من
آثار المقاطعة أن ينشأ أطفال المدارس على كراهية كل ما هو أمريكي» . وماذا
ينتظرون منا وهم الذين يدعمون اليهود ويمكنون لهم بكل ما يستطيعون، وهل
تستطيع دولتهم البقاء ساعة بدون دعم أمريكا ونصرتها! !
إن هذه المعرفة يجب أن يتبعها ويكملها إعادة صياغة الأخبار والأحداث
وتسميتها بمسيماتها، وذلك في الإعلام الإسلامي وخاصة في مواقع الجماعات
العاملة في الأرض المباركة؛ وذلك كما يلي: «قصفت إسرائيل بالطائرات
الأمريكية الصنع، وقتلت بالسلاح الأمريكي، واستخدمت الدبابات الأمريكية
الحديثة، وقامت ببناء المستعمرات على أنقاض بيوت الفلسطينيين بالمال
والمساعدات الأمريكية» ، وهكذا حتى يترسخ لدى كل فرد أن اليهود يُعاوَنون
ويُدعَمون من قِبَل هذه الدولة «الراعية للسلام» ، وحتى يعلم العالم بما فيهم
الأمريكان أن مقاطعتنا وعداوتنا لهم بسبب دعمهم للمغتصب المحتل.
ثامناً: يجب أن ندرك أن هذه المقاطعة ما زالت محدودة، وتأثيرها سيكون
أكبر مما نتصور لو تكاتف الجميع على تفعيلها والدعوة إليها في أوساط فئات
المجتمع، والطلب من الشعوب الإسلامية كافة المشاركة فيها، ولا تقتصر فقط على
العرب وفي بعض الدول دون بعض.
تاسعاً: يجب ألا نظن أن سلاح المقاطعة هو الوحيد الذي يجلب النصر على
الأعداء بل لا بد من الأخذ بجميع الأسباب، ولكن هذا السلاح في متناول الجميع،
ويفعله كل مسلم بما يمليه عليه إسلامه ودينه؛ فالمسألة مسألة دين ونصرة، يجب
أن يدركه هذا الجميع حتى من اعترض في البداية على المقاطعة.
عاشراً: وأخيراً؛ يجب ألا يتوقف دورنا على الامتناع عن شراء بعض
السلع الأمريكية فقط، ونظن أن هذا غاية ما يريده إخواننا منا، بل لا بد من الدعاء
لهم بظهر الغيب، ولا بد من إمدادهم بكل وسيلة تعينهم على عدوهم، ومن رأى
مشاهد الأطفال والشباب والرجال وهم يركضون هنا وهناك يجب ألا يتبادر إلى
ذهنه أنهم يفرون.. لا والله! بل إنها مجابهة ومراوغة لعدو شديد البأس، شديد
الغيظ والحنق على المسلمين، أخبرنا الله عنه في كتابه جلا وعلا.
ولو أرادوا الفرار لما خرجوا من بيوتهم، ولما فتحوا صدورهم العارية أمام
تلك الوحوش الضارية.
وأهمس في أذن كل تاجر ومقتدر أن كل فرد في فلسطين من المسلمين بحاجة
إلى الدعم؛ فعلى أي شيء تتثبت وأنت ترى البيوت تُهدم، والرجال يُقتلون،
والجرحى يملؤون المستشفيات؟ ! فقدم لهم ما تستطيع ولا تبخل؛ فإن «من جهَّز
غازياً في سبيل الله فقد غزا» [1] . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.