في دائرة الضوء
(1 - 2)
د. أحمد بن عبد الله الزهراني [*]
إن الله تعالى يقول: [وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ]
(الأنعام: 115) . أي صدقاً في الأخبار، وعدلاً فيما أمر ونهى. فالمراد بالكلمات
القرآن العظيم الذي تمت دلائله وحججه وأوامره ونواهيه وأحكامه وبشارته ونذارته
وأمثاله [1] .
إن العالم الإسلامي اليوم قد أخل بما اجتمعت عليه الشرائع السماوية من
الكليات الخمس التي هي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض.
فإذا نظرت إلى واقع الدين في حياتهم رأيته مقصوراً على بعض الشعائر
التعبدية تؤدى في صورة وهيئة غير التي وردت إلينا شرعاً، مشوبة بالانحراف
والابتداع، وإذا نظرت إلى عقائده وجدتها عقائد باهتة ومحرّفة! وإذا نظرت إلى
محاكمه ونظمه التي يسير عليها، وجدتها محاكم غير شرعية بل قانونية، كما أن
نظمه التي يسير عليها ويتحاكم إليها نظم قانونية وضعية مستمدة من القوانين
البشرية الجاهلية إلا ما ندر؛ والنادر لا حكم له.
أمّا النفوس البشرية فجاءت الشرائع السماوية لتحريرها والحفاظ عليها. فإذا
نظرت إليها في العالم الإسلامي وجدتها مسترقة لغير الله، وعقدت عدة مؤتمرات
ومعاهدات للحفاظ عليها في الظاهر لكنهم كذبوا فيما زعموا؛ فقد قرروا في
مؤتمراتهم إباحة الزنا والإجهاض، بل قتل الأجنة في بطون الأمهات، كما كانت
الجاهلية الأولى تفعل في وأد البنات. وسلّطت عليها الإباحية المنظمة، من خلال
القنوات والأطباق الفضائية، حتى أصبح الأطفال يشبّون ويشيبون عليها. (لقد
ذكرت وزارة العدل الأمريكية في دراسة لها أن تجارة الدعارة والإباحية الخلقية
تجارة رابحة جداً يبلغ رأس مالها ثمانية مليارات دولار، ولها أواصر وثيقة تربطها
بالجريمة المنظمة. وإن تجارة الدعارة هذه تشمل وسائل عديدة كالكتب والمجلات
وأشرطة الفيديو والقنوات الفضائية الإباحية والإنترنت. وتفيد الإحصاءات
الاستخبارية الأمريكية (F. رضي الله عنه. I) أن تجارة الدعارة هي ثالث أكبر مصدر دخل
للجريمة المنظمة بعد المخدرات والقمار حيث إن بأيديهم 85% من أرباح المجلات
والأفلام الإباحية) [2] .
وإذا نظرت إلى العقول فقد فسدت بسبب ما سلط عليها من اللوثات الفكرية
دون حماية لها، وأبيح لها تعاطي المسكرات بجميع أنواعها، ويعتبر هذا من
الحرية.
وإذا نظرت إلى المال فقد لعبت به الأيادي العابثة، واستولى عليه من لا
يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة، وأنهكت الشعوب بالفقر؛ لأن القائمين عليها أنهكوا
بالديون من قبل الأعداء؛ مما زاد في الفقر والتردي وذهاب الخيرات من بلادهم
إلى بلاد الأعداء، فأصبحت الشعوب في بؤس وفقر شديد.
وإذا نظرت إلى العرض فقد عقدت المؤتمرات من أجل حرية المرأة
وإخراجها إلى النوادي العامة من غير حشمة ولا وقار باسم الحرية والدعوة إلى
مساواتها بالرجل في كل شيء، كما لها الحق في اتخاذ الصديق والخدين؛ مما نتج
عنه الوقوع في الزنا، وكثرة أولاد الزنا، وظهور الأمراض والأوبئة في المجتمع.
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط
حتى يعلنوا بها إلاّ فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم
الذين مضوا» [3] .
وإن أقل ما قلنا كلمة الحق في مواقف الرجال، وما أكثر ما قصرنا في ذلك،
إن لم يكن خوفاً فضعفاً، ونستغفر الله ونتوب إليه مما قصرنا فيه، وقد آن الأوان
لنقولها ما استطعنا، كفارة عما سلف من تقصير، وعما أسلفنا من الذنوب؛ فليس
لها إلاّ عفو الله ورحمته، والعمر يجري بنا سريعاً والحياة توشك أن تبلغ منتهاها.
نعم! لقد آن الأوان أن نقول كلمة في شؤون المسلمين كلها، وأن ننافح عن الإسلام
ما استطعنا بالقول الفصل والكلمة الصريحة والعمل الجاد، لا نخشى فيما نقول أحداً
إلاّ الله، وذلك كلّه في حدود ما أذن الله لنا به، بل ما أوجب علينا أن نقوله بهدي
كتاب ربنا وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم.
إن بلاد عالمنا الإسلامي تنحدر في مجرى السيل إلى هوّة لا قرار لها، هوّة
الإلحاد والإباحية والانحلال؛ فإن لم نقف منهم موقف النذير، وإن لم نأخذ بحجزهم
عن النار انحدرنا معهم وأصابنا من عقابيل ذلك ما يصيبهم، وكان علينا من الإثم
أضعاف ما حملوا.
لقد آن الأوان أن نحارب الوثنيّة الحديثة والشرك الحديث اللذين شاعا في
عالمنا الإسلامي، كما حارب سلفنا الصالح الوثنية القديمة والشرك القديم.
إننا نريد أن نثابر على ما دعونا وندعو إليه من العودة إلى كتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم في قضائنا كلّه في كل بلاد الإسلام، وهدم الطاغوت
الإفرنجي الذي ضرب على المسلمين في عقر دارهم في صورة قوانين، والله تعالى
يقول: [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ
يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن
يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ
المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً] (النساء: 60-61) .
ويقول أيضاً: [فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ
يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (النساء: 65) .
إننا نريد أن نتحدث في السياسة، السياسة العليا للأمم الإسلامية التي تجعلهم
أمة واحدة كما وصفهم الله في كتابه، نسمو بها على بدعة القوميات، وعلى أهواء
الأحزاب، نريد أن نبصر المسلمين بموقعهم من هذه الدنيا بين الأمم، وتكالب الأمم
عليهم بغياً، وعدواناً، وعصبية، وكراهية الإسلام أولاً وقبل كل شيء، كما نريد
أن نعمل على تحرير عقول المسلمين وقلوبهم من روح التهتك والإباحيّة، ومن
روح التمرد والإلحاد، وأن نحارب النفاق والمجاملات الكاذبة التي اصطنعها كُتَّاب
هذا العصر أو أكثرهم فيما يكتبون وينصحون! يظنون أن هذا من حسن السياسة
ومن الدعوة إلى الحق (بالحكمة والموعظة الحسنة) اللتين أمر الله بهما! وما هذا
منهما قط، وإنما هو الضعف والاستخذاء والملق، والحرص على عرض الحياة
الدنيا.
إننا نريد أن نمهد للمسلمين سبيل العزة التي جعلها الله لهم وهي إحدى
الحسنيين كما قال تعالى: [قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ
بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ]
(التوبة: 52) . وأن نوقظهم وندعوهم إلى دينهم بصوت العزة والكرامة صوت
(حم لا ينصرون) حتى يدوِّي هذا الصوت في أرجاء المعمورة فيملأ العالم
الإسلامي، ويبلغ أطراف الأرض بما اعتزمنا من نيّة صادقة نرجو أن تكون خالصة
لله وحده جهاداً في سبيل الله إن شاء الله، فإن عجزنا أو ذهبنا فلن يعدم الإسلام
رجلاً أو رجالاً خيراً منّا يرفعون هذا اللواء فلا يزال خفاقاً إلى السماء بإذن
الله [4] .
ومن سنن الله تعالى في خلقه أن جعل الصراع بين الحق والباطل مستمراً
حتى تقوم الساعة، وقد بدأ هذا الصراع ثنائياً بين آدم عليه السلام وإبليس اللعين،
من يوم خلق الله أبا البشرية آدم عليه السلام وأمر الملائكة أن تسجد له، فسجدوا إلا
إبليس أبى واستكبر، وأخذته العزة بالإثم عن تنفيذ وتطبيق ما أمر به حسداً وبغياً،
ودخل في نقاش وحوار مع ربه، كانت نتيجته وجوب اللعنة عليه إلى يوم الدين،
والطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى.
قال تعالى: [وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ
وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ] (البقرة: 34) .
وقال تعالى: [وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا
إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ
خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا
فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ
* قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ
خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً
مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ] (الأعراف: 11-18) .
وانتقل هذا الصراع من الثنائية إلى الجماعية، فصار في الأرض حزبان:
حزب الحق: يقود مسيرته رسل الله تعالى وأنبياؤه، ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين، كما قال تعالى: [لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ
مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] (الحديد: 25) .
وحزب الباطل: يقوده إبليس الذميم، ومن تبعه من أهل الكفر والضلال إلى
يوم الدين، فصار التدافع بين الحزبين قائماً مستمراً بالليل والنهار، والحرب بينهما
سجال. قال تعالى: [وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ
اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ] (البقرة: 251) .
وقال تعالى: [لَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا
دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ
اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] (الحج: 40) .
إنً الصراع بين الحق والباطل أبديٌّ حتى تقوم الساعة، كما أنَّ التدافع بين
الناس أبديٌّ حتى تقوم الساعة، وقد قاد الأنبياء ورسل الله الكرام عليهم السلام
مسيرة الحق، وأعلنوا الجهاد في سبيل الله نصرة للحق ودفعاً للباطل، ومن آخرهم
نبي الرحمة والملحمة الضحوك القتَّال صلى الله عليه وسلم القائل: «بعثت بالسيف
بين يدي الساعة حتى يُعبَد الله وحده لا شريك له، وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي،
وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم» [5] .
وهذا خبر منه صلى الله عليه وسلم بحمل السيف على من لم يوحِّد الله وحده،
من بداية بعثته، كما أخبر سبحانه أنه بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته
ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، فجمع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من بداية
بعثته بين أمرين: الكتاب الهادي، والسيف الناصر له؛ ومصداق ذلك في قوله
تعالى: [لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ
بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ
بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] (الحديد: 25) .
فهذه الآية خبر من الله تعالى مفاده أن الله سبحانه أرسل الدلائل القاطعة،
والبراهين الساطعة، مع رسله إلى خلقه، وأنزل عليهم كتاب هداية وصدق لا يأتيه
الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه، ولا تشوبه أيَّة شائبة، كما أنزل عليهم
الميزان الذي هو الحق والعدل، من أجل أن يكون هو الحكم بين الناس في حياتهم،
وجعل لأمور الهداية المذكورة في سورة الجمعة وغيرها حامياً وناصراً، وهو
السيف الذي هو من الحديد الذي اجتمع فيه أمران: المنافع، والبأس الشديد، من
أجل نصرة الله تعالى؛ وذلك بتحقيق العبودية له وحده، وعدم صرف شيء منها
لغيره سبحانه، ومن أجل نصرة رسله عليهم السلام؛ وذلك باتباع ما أمروا،
واجتناب ما عنه نهوا، فإن امتثل الناس لهذا وإلا كانت النصرة والحماية لهذا
المنهج الرباني بحمل السيف في وجه كل من عاند وطغى وتجبر، ولم يذعن للحق
وينصاع له.
يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: « [لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ]
(الحديد: 25) : أي بالمعجزات والحجج الباهرات، والدلائل القاطعات،
[وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ] (الحديد: 25) وهو النقل الصدق، [وَالْمِيزَانَ]
(الحديد: 25) وهو العدل، وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة
المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة، [لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ] (الحديد: 25)
أي بالحق والعدل، وهو اتباع الرسل فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا به،
فإن الذي جاؤوا به هو الحق الذي ليس وراءه حق، [وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ
شَدِيدٌ] (الحديد: 25) أي وجعلنا الحديد رادعاً لمن أبى الحق وعانده، بعد قيام
الحجة عليه؛ ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة
سنة توحى إليه السور المكيَّة وكلها جدال مع المشركين، وبيان وإيضاح
للتوحيد، وبينات ودلالات؛ فلما قامت الحجة على من خالف، شرع الله
الهجرة، وأمرهم بالقتال بالسيوف، وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن
وكذَّب به وعاند، [فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ] (الحديد: 25) يعني السلاح والحراب والسنان
والنصال والدروع ونحوها، [وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ] (الحديد: 25) أي في معايشهم
كالسكة والفأس والقدوم والمنشار، ... وما لا قوام للناس بدونه وغير ذلك،
[وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ] (الحديد: 25) أي من نيته في حمل
السلاح نصرة الله ورسوله، [إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ] (الحديد: 25) أي هو قوي
عزيز، ينصر من نصره، من غير احتياج منه إلى الناس، وإنما شرع الجهاد
ليبلو بعضكم ببعض» [6] .
ولقد جاء الخبر عن الجهاد في سبيل الله في العهد المكي في أوائل السور التي
أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في سورة المزمِّل في قوله تعالى:
[وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ] (المزمل: 20) ، إلاَّ أن القتال لم يشرع
بعد؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما بايع أصحابه ليلة العقبة استأذنوه في الميل
على الأعداء، فقال لهم: لم أومر بعد، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وشعيرة الجهاد في سبيل الله تمتاز بالاستمراريَّة حتى قيام الساعة؛ لأن الجهاد
هو الحامي والناصر للكتاب الهادي؛ فالقرآن والسيف متلازمان لا ينفك أحدهما عن
الآخر.
يقول ابن القيّم رحمه الله: «فإن الله سبحانه أقام دين الإسلام بالحجة
والبرهان والسيف والعنان، فكلاهما في نصره أخوان شقيقان» [7] .
وقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم على من وضع السلاح، واستبعد أن
يكون هناك جهاد بعد أن وضعت الحرب أوزارها.
عن سلمة بن نفيل رضي الله عنه قال: «كنت جالساً عند رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله! أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح،
قالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها. فأقبل رسول الله صلى الله عليه
وسلم بوجهه وقال: كذبوا، الآن جاء القتال، ولا تزال من أمتي أمة يقاتلون حتى
تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم
القيامة، وهو يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني، ألا فلا يضرب
بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشام» [8] .
فأفاد هذا الحديث استمراريَّة القتال مع العدو حتى قيام الساعة، وفي الحديث
الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي الزبير أنه سمع جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى
الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم
فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ: لا؛ إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ
اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّة» [9] .
ففعل (لا تزال) في الحديثين يفيد الاستمراريَّة، وفعل (يقاتلون) يفيد
التجديد، كما أفاد حديث عروة البارقي رضي الله عنه في البخاري قال: حَدَّثَنَا أَبُو
نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِر حَدَّثَنَا عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالْمَغْنَم» .
وهذا المعنى استنبط منه البخاري رحمه الله هذا فقال: باب الجهاد ماض مع
البر والفاجر [10] .
ولما شرح ابن حجر رحمه الله هذا الحديث قال: «وفيه أيضاً بشرى ببقاء
الإسلام وأهله إلى يوم القيامة؛ لأن مِنْ لازمِ بقاء الجهاد بقاء المجاهدين، وهم
المسلمون، وهو مثل الحديث الآخر:» لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على
الحق «. الحديث [11] .
يقول السرخسي رحمه الله:» فاستقر الأمر على فرضيّّة الجهاد، وهو
فرض قائم إلى قيام الساعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الجهاد ماض منذ
بعثني الله تعالى إلى أن يقاتل آخر عصابة من أمتي الدجال» [12] .
ويقول ابن الهمام رحمه الله: «ولا شك أن إجماع الأمة أن الجهاد ماض إلى
يوم القيامة لم ينسخ، فلا يتصور نسخه بعد النبي صلى الله عليه وسلم» .
ويقول الخرقي رحمه الله: «والجهاد فرض على الكفاية إذا قام به قوم سقط
عن الباقين» .
فيفهم من كلامه أنه إذا لم يقم به قوم فينتقل حكمه من الكفاية إلى العينيَّة، وقد
فسر ابن قدامة الكفاية فقال: «معنى فرض الكفاية الذي إن لم يقم به من يكفي أثم
الناس كلهم، وإن قام به من يكفي سقط عن سائر الناس؛ فالخطاب في ابتدائه
يتناول الجميع، كفرض الأعيان، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل
بعض الناس له، وفرض الأعيان لا يسقط عن أحد بفعل غيره، والجهاد من
فروض الكفايات في قول عامة أهل العلم» ثم قال: «ومعنى الكفاية في الجهاد أن
ينهض قوم يكفون في قتالهم، إمّا أن يكونوا جنداً لهم دواوين من أجل ذلك، أو
يكونوا قد أعدوا أنفسهم له تبرعاً بحيث إذا قصدهم العدو حصلت المنعة بهم،
ويكون في الثغور من يدفع العدو عنها، ويبعث في كل سنة جيش يغيرون على
العدو في بلادهم» [13] .
والله سبحانه فرض على عباده المؤمنين الجهاد في سبيله بنوعيه: جهاد
الكلمة، وجهاد السيف؛ من أجل نصرة الدين، وإعلاء كلمة الحق، والذب عن
ديار المسلمين، ودمغ الباطل وأهله، كما أمر عباده المؤمنين بالتعاون على البر
والتقوى، والاعتصام بحبل الله المتين، والاتباع لسنة سيد المرسلين صلى الله عليه
وسلم.
قال تعالى: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ]
(المائدة: 2) .
قال الله تعالى: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ
مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ]
(آل عمران: 103)
وهذا خطاب من الله تعالى لعباده المؤمنين ورد في صيغة الأمر، وهو يشتمل
على أمور مهمة جداً منها:
الأول: التعاون فيما بينهم على كل خير فيه فلاحهم ونجاحهم في الدنيا
والآخرة.
الثاني: النهي لهم عن التعاون في أي عمل يوقعهم في إثم أو عدوان.
الثالث: الاعتصام بحبل الله العظيم؛ لما في ذلك من النجاة.
الرابع: النهي عن التفرق والاختلاف؛ لما في ذلك من الهلكة والدمار.
الخامس: الأمر بالجماعة والإتلاف، وهو لازم الأمرين السابقين.
السادس: الاعتبار بما كانوا عليه قبل الإسلام من التفرق والتحزب والعداوة
والبغضاء والضلال المبين؛ لما في ذلك من التفكر والتدبر والاعتبار، وذلك يؤدي
إلى الهداية.
السابع: التذكير بنعمة الإخاء الإيماني؛ فلا بد من المحافظة عليه؛ لأنه
إحدى الركائز التي يقوم عليها المجتمع المسلم.
الثامن: الأخذ بالأسباب، وعدم الاستسلام للواقع المرير؛ حيث أمرهم
بالاعتصام بالدين، ونهاهم عن التفرق فيه، وهذا من الأخذ بالأسباب.
إن هذه الأمور الشرعية تمثلت في الكيان المسلم في عصر النبوة وما بعد ذلك
حتى أخذت تضمحل رويداً رويداً في العصر الحاضر؛ حيث قضت عليها
الجاهلية المعاصرة، فتلاشى الاعتصام بحبل الله، وحل محلّه الاعتصام بقانون
البشر، وصار التفرق والاختلاف في صفوف المسلمين سمة بارزة يندى لها الجبين،
ويرجف منها الفؤاد، ولم يصبح للمسلمين عموماً جماعة ولا قيادة تحمي حماهم،
وتحفظ بيضتهم وترد عنهم كيد الأعداء، وانعدم الاعتبار بمن سبق بسبب قطع صلة
الحاضر بالماضي، وحلّ محل الإخاء الإيماني الإخاء العنصري، والقومي،
والعرقي، وقل الاعتبار والتذكر لنعم الله تعالى، وداهية الدواهي الوقوف في وجه
من يدعو إلى ما تضمنته هذه الآية من تلك الأمور الجليلة، ويوصم بالتطرف
والتزمت والإرهاب والتخلف والرجعية، وغير ذلك من الألقاب [كَبُرَتْ كَلِمَةً
تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً] (الكهف: 5) .
إن أعظم شيء وقع فيه عالمنا الإسلامي اليوم عدم تحقيق التوحيد الذي
افترضه الله على العباد، والذي هو أساس العبادة ورأسها، وهو الذي بعث الله به
الأولين والآخرين من الرسل عليهم السلام، وبتحقيقه تكون النجاة من النار ويحصل
الفلاح والفوز بالجنة، وهو الذي من أجله أنزلت الكتب وأرسلت الرسل، وشرع
الجهاد من أجله، فأريقت الدماء وسبيت الأعراض، واستُحلّت الأموال. وهذا
التوحيد أصبح غريباً في بلاده، حتى وصل الحال بالناس أنهم لا يعرفون ما يضاده
من الشرك الأكبر؛ فكيف بما هو دونه، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.
يقول د. علي بخيت الزهراني: «إن الدارس لهذه الفترة التي نعنى بها
ليصاب بدهشة عظيمة فيما حل بالمسلمين من شرك تعددت مظاهره واختلفت أشكاله؛
حتى لكأنما عقيدة التوحيد قد قضي عليها تماماً، وأن الموحدين قد انعدموا من
الأرض؛ فلم يعد هناك إلا من أشرك بالأولياء في عبادة الله؛ فهو يدعوهم رغباً
ورهباً. إننا لا نغلو إذا قلنا إن الأمة في هذين القرنين كانت غارقة في كثير من
مظاهر الشرك والبدع والخرافات، وأنها انحرفت في توحيد الألوهية انحرافاً رهيباً
وغشيها موج من الظلام والجهل حجب عنها حقيقة الدين وطمس فيها نور التوحيد،
وعدل بها عن صراطه المستقيم، لقد ضرب الشرك الأكبر بأطنابه في ديار الإسلام،
وانتشر في غالب القرى والبلدان، فشيدت القباب على الأضرحة، وأنشئت
المساجد على القبور، وأقيمت مزارات ومشاهد، وزينت بالسرج والقناديل،
وزخرفت بأنواع الزخارف، وكسيت من غالي الديباج ونفيس الستارات، وحليت
أبوابها ونوافذها بسبائك الذهب والفضة وطلائها، وأهديت عقود من اليواقيت
واللآلئ والزبرجد وغيرها، فقصدها القاصي والداني، ولجأ إلى رحابها المسافر
والمقيم، وهرع نحوها العلماء قبل الجهال، والكبار قبل الصغار، والجميع يرتمون
بساحاتها، ويتمرغون في جنباتها، ويلثمون أعتابها، فتراهم من حولها يطوفون،
وبأصحابها يستغيثون ويستعينون، وفي عرصاتها يهرقون دماء نذورهم وقرابينهم،
وكل هذا من الشرك الأكبر، وصورة من صور الوثنية، وإن اختلفت الأسماء
وتبدلت الهيئات والأشكال» [14] .
ولقد تألم الإمام الشوكاني رحمه الله عندما تفكر في حال أهل اليمن وما حل
بهم من المحن والفتن من بُعدهم عن معرفة أحكام دينهم، بل بُعدهم عن أداء ما
افترضه الله عليهم، من مباني الإسلام الخمسة وغيرها، مع أن البلاد اليمنية كانت
متميزة بأهل العلم والفقه، وكان كثير ممن يطلبون العلم يذهبون إليها، لكن يبدو
والله أعلم أنهم أهل تقليد وطرق صوفية منحرفة، وأهل فرق منحرفة كالزيدية
والباطنية وغيرها، واسمع إليه رحمه الله تعالى وهو يصف حال أهل بلاده فيقول:
«فكرت في ليلة من الليالي في هذه الفتن التي قد نزلت بأطراف هذا القطر اليمني،
وتأججت نارها، وطار شررها حتى أصاب كل فرد من ساكنيه منها شواظ وأقل
ما قد نال من هو بعيد عنها ما صار مشاهداً معلوماً من ضيق المعاش، وتقطع كثير
من أسباب الرزق، وعقر المكاسب حتى ضعفت أموال الناس، وتجاراتهم،
ومكاسبهم، وأفضى إلى ذهاب كثير من الأملاك، وعدم نفاق نفائس الأموال،
وحبائس الذخائر، ومن شك في هذا فلينظر فيه بعين البصيرة حتى تدفع عنه ريب
الشك بطمأنينة اليقين، هذا حال من هو بعيد عنها لم تطحنها بكلكلها، ولا وطأت
بأخفافها.
وأما من قد وفدت عليه وقومت إليه، وخبطته بأشواظها، وطوته بأنيابها،
وأناخت وقرت بناحيته كالقطر اليماني وما جاوره؛ فيا لله! كم من بحار دمٍ أراقت،
ومن نفوس أزهقت، ومن محارم هتكت، ومن أموال أباحت، ومن قرى ومدائن
طاحت بها الطوائح، وصاحت عليها الصوائح، بعد أن تعطلت وناحت بعرصاتها
المقفرات النوائح، فلما تصورت هذه الفتنة أكمل تصور، وإن كانت متقررة عند
كل أحد أكمل تقرر، ضاق ذهني عن تصورهم، فانقلبت إلى النظر في الأسباب
الموجبة لنزول المحن وحلول النقم من ساكني هذا القطر اليماني على العموم، من
دون نظر إلى مكان خاص أو طائفة معينة؛ فوجدت أهلها ما بين صعدة وعدن
ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: رعايا يأتمرون بأمر الدولة وينتهون بنهيها، لا يقدرون على
الخروج عن كل ما يرد عليهم من أمر ونهي كائناً ما كان.
القسم الثاني: طوائف خارجون عن أوامر الدولة متغلبون في بلادهم.
القسم الثالث: أهل المدن كصنعاء وذمار. وهم داخلون تحت أوامر الدولة،
ومن جملة من يصدق على غالبهم اسم الرعية، ولكنهم يتميّزون عن سائر الرعايا
بما سيأتي ذكره:
فأما القسم الأول: وهم الرعايا فأكثرهم بل كلهم إلاّ النادر الشاذ لا يحسنون
الصلاة ولا يعرفون ما لا تصلح إلاّ به ولا تتم بدونه من أذكارها وأركانها وشرائطها
وفرائضها، بل لا يوجد منهم من يتلو سورة الفاتحة تلاوة مجزئة إلا في أندر
الأحوال؛ ومع هذا فالإخلال بها والتساهل فيها قد صار دأبهم ودينهم، فحصل من
هذا أن غالبهم لا يحسن الصلاة ولا يصلي.
وطائفة منهم لا تحسن الصلاة وإنما تصلي صلاة غير مجزئة فلا فرق بينه
وبين من تركها، وأما من يحسنها ويواظب عليها فهو أقل قليل، بل هو الغراب
الأبقع، والكبريت الأحمر، وقد صح عن معلم الشرائع أنه لم يكن بين العبد وبين
الكفر إلا ترك الصلاة؛ فالتارك للصلاة من الرعايا كافر، وفي حكمه من فعلها وهو
لا يحسن من أذكارها وأركانها ما لا تتم إلا به؛ لأنه أخل بفرض عليه من أهم
الفروض، وواجب من آكد الواجبات، وهو لا يعلم ما لا تصلح الصلاة إلا به مع
إمكانه ووجود من يعرفه بهذه الصلاة، وهي أهم أركان الإسلام الخمسة وآكدها،
وقد صار الأمر فيها عند الرعايا هكذا.
ثم يتلوها الصيام وغالب الرعايا لا يصومون، وإن صاموا ففي النادر من
الأوقات، وفي بعض الأحوال؛ فربما لا يكمل شهر رمضان صوماً إلا القليل، ولا
شك أن تارك الصيام على الوجه الذي يتركونه كافر. وكم يعد العاد من واجبات
يخلّون بها، وفرائض لا يقيمونها، ومنكرات لا يجتنبونها، وكثيراً ما يأتي هؤلاء
الرعايا بألفاظ كفرية: فيقول هو يهودي ليفعلن كذا وليفعل كذا. ومرتد تارة بالقول
وتارة بالفعل وهو لا يشعر. ويطلق امرأته حتى تبين منه بألفاظ يديم التكلم بها:
كقوله: امرأته طالق ما فعل كذا أو لقد فعل كذا. وكثير منهم يستغيث بغير الله
تعالى من نبي أو رجل من الأموات أو صحابي ونحو ذلك. ومع هذه البلايا التي
تصدر منهم والرزايا التي هم مصرون عليها لا يجدون من ينهاهم عن منكر ولا
يأمرهم بمعروف.
وإذا قد تقرر لك أحوال هذا القسم الأول من الثلاثة الأقسام التي قدمنا لك
ذكرها فلنبين لك حال القسم الثاني وهو حكم أهل البلاد الخارجية عن أوامر الدولة
ونواهيها كبلاد القبلة والمشرق ونحو ذلك: اعلم رحمك الله أن جميع ما ذكرنا لك
في القسم الأول وهم الرعايا من ترك الصلاة وسائر الفرائض الشرعية إلاّ الشاذ
النادر على تلك الصفة فهو أيضاً كائن في البلاد الخارجية عن أوامر الدولة ونواهيها،
بل الأمر فيهم أشد وأفظع فإنهم جميعاً لا يحسنون الصلاة ولا القراءة، ومن كان
يقرأ فيهم فقراءته غير صحيحة، ولسانه غير صالح. وبالجملة فالفرائض الشرعية
بأسرها من غير فرق بين أركان الإسلام الخمسة وغيرها مهجورة عندهم متروكة،
بل كلمة الشهادة التي هي مفتاح الإسلام لا ينطق بها الناطق منهم إلاّ على عوج؛
ومع هذه ففيهم من المصائب العظيمة والقبائح الوخيمة والبلايا الجسيمة أمور غير
موجودة في القسم الأول، منها:
أنهم يحكمون ويتحاكمون إلى من يعرف الأحكام الطاغوتية منهم، في جميع
الأمور التي تنوبهم وتعرض لهم من غير إنكار ولا حياء من الله ولا من عباده، ولا
يخافون من أحد بل قد يحكمون بذلك بين من يقدرون على الوصول إليهم من الرعايا
ومن كان قريباً منهم، وهذا الأمر معلوم لكل أحد من الناس لا يقدر أحد على إنكاره
ودفعه، وهو أشهر من نار على علم، ولا شك ولا ريب أن هذا كفر بالله سبحانه
وتعالى وبشريعته التي أمر بها على لسان رسوله، واختارها لعباده في كتابه وعلى
لسان رسوله، بل كفروا بجميع الشرائع من عند آدم عليه السلام إلى الآن، وهؤلاء
جهادهم واجب، وقتالهم متعين حتى يقبلوا أحكام الإسلام ويذعنوا لها، ويحكموا
بينهم بالشريعة المطهرة ويخرجوا من جميع ما هم فيه من الطواغيت الشيطانية،
ومع هذا فهم مصرون على أمور غير الحكم بالطاغوت والتحاكم إليه، وكل واحد
منها على انفراده يوجب كفر فاعله وخروجه من الإسلام، ومن ذلك إطباقهم على
قطع ميراث النساء، وإصرارهم عليه وتعاضدهم على فعله، وقد تقرر في القواعد
الإسلامية أن منكر القطعي وجاحده والعامل على خلافه تمرداً أو عناداً أو استحلالاً
أو استخفافاً كافر بالله وبالشريعة المطهرة التي اختارها الله تعالى لعباده، ومع هذا
فغالبهم يستحل دماء المسلمين وأموالهم ولا يحترمها ولا يتورع عن شيء منها،
وهذا مشاهد معلوم لكل أحد لا ينكره جاهل ولا عاقل ولا مقصر ولا كامل، ففيهم
من آثارالجاهلية الجهلاء أشياء كثيرة يعرفها من تتبعها. فمن ذلك:
إقسامهم بالأوثان كما يسمع كثير منهم يقول قائلهم: أي وثن إذا أراد أن يحلف
والمراد بهذا الوثن هو الوثن الذي كانت الجاهلية تعبده، وقد ثبت عن الشارع صلى
الله عليه وسلم أن من حلف بملة غير ملة الإسلام فهو كافر.
وبالجملة: فكم يعد العاد من فضائح هؤلاء الطاغوتية وبلاياهم، وفي هذا
المقدار كفاية، ولا شك ولا ريب أن ارتكاب هؤلاء لمثل هذه الأمور الكبيرة من
أعظم الأسباب الموجبة للكفر السالبة للإيمان التي يتعين على كل فرد من أفراد
المسلمين إنكارها، ويجب على كل قادر أن يقاتل أهلها حتى يعودوا إلى دين
الإسلام، ومعلوم من قواعد الشريعة المطهرة ونصوصها أن من جرد نفسه لقتال
هؤلاء واستعان بالله وأخلص له النية فهو منصور وله العاقبة؛ فقد وعد الله بهذا في
كتابه العزيز: [وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ] (الحج: 40) ، [إِن تَنصُرُوا اللَّهَ
يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] (محمد: 7) . [وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] (القصص: 83) .
[فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الغَالِبُونَ] (المائدة: 56) .
فإن ترك من هو قادر على جهادهم فهو متعرض لنزول العقوبة مستحق لما
أصابه، فقد سلط الله على أهل الإسلام، طوائف عقوبة لهم حيث لم ينتهوا عن
المنكرات، ولم يحرصوا على العمل بالشريعة المطهرة، كما وقع من تسليط
الخوارج في أول الإسلام، ثم تسليط القرامطة والباطنية بعدهم، ثم تسليط الترك
حتى كادوا يطمسون الإسلام، وكما يقع كثيراً من تسليط الفرنج ونحوهم؛ فاعتبروا
يا أولي الأبصار، إن في هذا لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
أما القسم الثالث من الأقسام الثلاثة التي ذكرناها وهم الساكنون في المدن؛ فهم
وإن كانوا أبعد الناس من الشر وأقربهم إلى الخير لكن غالبهم وجمهورهم عامة جُهّل
يهملون كثيراً مما أوجبه الله عليهم من الفرائض جهلاً وتساهلاً. فمن ذلك:
أنهم يصلون غالب الصلوات في غير أوقاتها، فيأتون بصلاة الفجر حال
طلوع الشمس وبعدها، وبصلاة العصر قرب الغروب، وبصلاة العشائين إمّا
جمعاً في وقت الأولى، أو في وقت الأخرى، ومع هذا فهم لا يحسنون أركان
الصلاة ولا أذكارها إلاّ الشاذ النادر منهم، ويتعاملون في بيعهم وشرائهم معاملات
يخالفون فيها المسلك الشرعي، وكثيراً ما يقع منهم الربا، ويتكلمون بالألفاظ
الكفرية، وينهمك كثير منهم في معاصي صغيرة وكبيرة، وهم أقرب الناس إلى
الخير وأسرعهم قبولاً للتعليم إذا وجدوا من يعزم عليهم عزيمة مستمرة دائمة غير
منقوصة في أقرب وقت كما يقع ذلك كثيراً» [15] .
وننتقل إلى رأي الإمام الأمير الصنعاني رحمه الله وهو يصف حال البلاد
الإسلامية، وما جاورها فيقول: «وبعدُ: فهذا (تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد)
وجب عليّ تأليفه، وتعيّن علي ترصيفه، لما رأيته وعلمته من اتخاذ العباد الأنداد،
في الأمصار والقرى وجميع البلاد، من اليمن والشام ونجد وتهامة وجميع ديار
الإسلام، وهو الاعتقاد في القبور، وفي الأحياء ممن يدعي العلم بالمغيّبات
والمكاشفات، وهو من أهل الفجور لا يحضر للمسلمين مسجداً، ولا يُرى لله راكعاً
ولا ساجداً، ولا يعرف السنة ولا الكتاب، ولا يهاب البعث ولا الحساب، فوجب
عليّ أن أنكر ما أوجب الله إنكاره، ولا أكون من الذين يكتمون ما أوجب الله
إظهاره» [16] .
ثم ذكر أصولاً خمسة وأعقبها بفصول شرح فيها التوحيد وما يضاده، وبيَّن
فيها مذهب أهل القبور الباطل، وأجاب على كثير من الاعتراضات ببيانٍ شافٍ
كاف. ثم قال في وصف حال أهل القبور: «فهؤلاء القبوريون والمعتقدون في
جهّال الأحياء وضلالهم سلكوا مسالك المشركين حذو القذة بالقذة، فاعتقدوا فيهم ما
لا يجوز أن يعتقد إلاّ في الله، وجعلوا لهم جزءاً من المال، وقصدوا قبورهم من
ديارهم للزيارة، وطافوا حول قبورهم، وقاموا خاضعين عند قبورهم، وهتفوا بهم
عند الشدائد، ونحروا تقرباً إليهم. وهذه هي أنواع العبادات التي عرّفناك ولا أدري
هل فيهم من يسجد لهم؟ لا أستبعد أن فيهم من يفعل ذلك، بل أخبرني من أثق به
أنه رأى من يسجد على عتبة باب مشهد الولي الذي يقصده تعظيماً له وعبادة،
ويقسمون بأسمائهم، بل إذا حلف من عليه حق باسم الله تعالى لم يقبل منه، فإذا
حلف باسم ولي من أوليائهم قبله وصدقوه» [17] .
وقال أيضاً: «وكل قومٍ لهم رجل ينادونه؛ فأهل العراق والهند يدعون عبد
القادر الجيلاني، وأهل التهائم لهم في كلٍ بلدٍ ميّت يهتفون باسمه يقولون: يا زيلعي،
يا ابن العجيل، وأهل مكة وأهل الطائف: يا ابن العباس، وأهل مصر: يا
رفاعي، يا بدوي، والسادة البكرية، وأهل الجبال يا أباطير، وأهل اليمن: يا ابن
علوان، وفي كل قريةٍ أموات يهتفون بهم وينادونهم ويرجونهم لجلب الخير ودفع
الضر، وهو بعينه فعل المشركين في الأصنام، كما قلنا في الأبيات النجدية: ...
أعادوا بها معنى سواع ومثله ... يغوث وودٍ ليس ذلك من ودي
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ... كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم نحروا في سوحها من بحيرة ... أهلت لغير الله جهلاً على عمد وكم طائف حول القبور مقبلاً ... ويلتمس الأركان منهن بالأيدي» [18]
لقد سادت الفوضى عالمنا الإسلامي، وصار الطوفان الجاهلي هو المسيطر
عليه في جميع أمور حياته، وأصبحت أمتنا المسلمة غثاء لا عبرة بها، ولا يأبه
لها، بل لا يقام لها قدر؛ فنهبت خيراتها، واستعمرت أوطانها، وتهدمت أركان
حضارتها، وغزيت في عقيدتها وثقافتها، وانطبق عليها خبر الصادق المصدق
صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها،
فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء
السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن،
فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت» [19] .
واسمع إلى يراع الداعية المفكر الأستاذ محمد قطب فيما سطره عن حالة
الواقع المعاصر: «لا يحتاج الإنسان إلى كبير جهد ليدرك أن الواقع المعاصر
للمسلمين هو أسوأ ما مر بهم في تاريخهم كله، ولا يحتاج إلى كبير جهد كذلك
ليدرك أن أوضاع المسلمين من السوء بحيث تجعلهم أسوأ كثيراً حتى من الجاهلية
المحيطة بهم، بل تبدو الجاهلية المعاصرة قمة شامخة يعيش المسلمون إلى جوارها
في الحضيض؛ فإلى جانب التخلف المزري في كل جوانب الحياة السياسية
والحربية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والمادية والفكرية والخلقية، يوجد
الضعف المزري لا أمام القوى العالمية وحدها، بل أمام أصغر القوى وأضألها في
الدويلات الآسيوية والأفريقية المتخلفة في ذاتها، الضعيفة في كيانها، ولكنها
تستأسد على المسلمين، فتقيم لهم المذابح بين الحين والحين، وتجتاح أرضهم،
وتخرب ديارهم، وتنتهك أراضيهم، وكأنهم حمى مباح لكل معتد أثيم.
وإلى جانب هذا وذلك، الضياع الفكري والروحي الذي جعل الأمة الإسلامية
لأول مرة في تاريخها تنظر إلى الجاهلية على أنها أفضل منها، وتنظر إلى الإسلام
على أنه رجعية وتخلف ينبغي الانسلاخ منه واتباع الجاهلية!» .
ثم يقول: «وفي النهاية تحقق النذير، تداعت عليهم الأمم كما تداعى الأكلة
إلى قصعتها، بينما هم كثير كثير.. ألف مليون من البشر.. أكبر عدد وصلوا إليه
في التاريخ.. وفي القرنين الأخيرين كانت الكارثة التي لا تزال تعيش الأمة
عقابيلها إلى هذه اللحظة ظلت الصليبية الصهيونية تتآمر على الدولة العثمانية حتى
قضت عليها في النهاية وأسقطتها. وفتتت العالم الإسلامي إلى دويلات صغيرة
هزيلة ضعيفة، تتصارع فيما بينها وتتشاحن بما يحقق مصالح الأعداء دائماً،
ويحقق لهم السيطرة على مقدرات المسلمين!
وانتزعت فلسطين، واستولى الأعداء على بيت المقدس التي ثارت من أجلها
الحروب الصليبية الأولى، وتحركت من أجلها الحروب الصليبية الثانية، ولكنها
أعطيت في هذه المرة للشعب الشيطان، واكتفت الصليبية بإرواء حقدها بنزعها من
يد المسلمين. ونحيت الشريعة الإسلامية عن الحكم في كل البلاد التي دنستها أقدام
الصليبيين تشفياً وحقداً من ناحية، وزعزعة للدين من أصوله من ناحية أخرى.
فهم يعرفون أنهم حين ينقضون عروة الحكم تنقض بعدها بقية العرى، كما أخبر
الصادق الصدوق صلى الله عليه وسلم:» لينقضن عرى الإسلام عروة عروة،
فكلما نقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن
الصلاة « [20] .
ولم يكتف الأعداء بتنحية الشريعة عن الحكم.. فقد كانوا أخبث من ذلك
وأنكى عداوة؛ فقد أقاموا المتاريس التي تمنع عودتها إلى الحكم مرة أخرى، من
الأجيال التي ربوها على الغزو الفكري عن طريق مناهج التعليم ووسائل الإعلام،
أجيال لا تعرف الإسلام على حقيقته، بل هي نافرة منه منسلخة عنه، مسممة
الأفكار تجاهه، تدعو بدعوات الغرب، وتعتنق أفكاره، وترفض أن تُحكَم بشريعة
الله بعد أن قيل لها إنها رجعية وجمود وتأخر! وتقف للدعوة الإسلامية بالمرصاد
سواء منها الحكام، والمفكرون، والكتاب! والسينمائيون، والإذاعيون،
والتلفزيونيون، والقصاصون، والمسرحيون والفنانات، والفنانون.. والأولاد
والبنات التقدميون المنحلو الأخلاق، وكانت الطامة في الجولة الأخيرة في طائفة من
الحكام العسكريين، جيء بهم ليسحقوا الإسلام سحقاً، وأضيفت عليهم البطولات
الكاذبة، وهم يذبحون المسلمين وتقطر دماؤهم من أيديهم، ويُعبّدون شعوبهم
لمصالح الصليبية الصهيونية لقاء شهوة السلطة وشهوة الطغيان.. ويفقرون شعوبهم
ويستنزفون طاقاتها، فتركبها الديون وتهبط عملاتها، ويزيد تحكم الأعداء فيها،
وهم جالسون بغلظ أكبادهم يتسلون بمصائب شعوبهم! وفي كل حين تهجم الصليبية
هجمة أو تهجم الصهيونية هجمة، فيعيدون تفتيت الدويلات التي فتتوها من قبل،
ليحيلولها إلى تراب تسحقه أقدامهم! ويفتعلون الأزمات لتحقيق أهدافهم، والأبطال
جالسون على مقاعدهم، يكذبون على شعوبهم ويموّهون عليها، في ظل البطولات
المزعومة.. حتى تنفذ أغراض السادة فيركلوا الأبطال الزائفين بأقدامهم
ويستهلكوهم، ولا يعتبر منهم أحد بما فُعل بمن سبقه من الأبطال!» [21] .
لقد تبعت الشعوب الإسلامية سنن الغرب في أكثر أحواله وأعماله، وانطبق
عليهم معنى الحديث في العصر الحاضر: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم شبراً شبراً
وذراعاً بذراع؛ حتى لو دخلوا جُحر ضَبٍّ تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله! اليهود
والنصارى؟ قال: فمن؟ !» [22] .