مجله البيان (صفحة 4215)

ملفات

مناهجنا.. آخر الحصون

هل لمناهجنا صلة بالتطرف والإرهاب؟

محمد بن عبد الله الدويش [*]

أفرزت أحداث أمريكا الأخيرة توجهاً غربياً وأمريكياً بدرجة أولى نحو مواجهة

الإرهاب، وقد اتسعت دائرة التعامل مع ظاهرة الإرهاب رغبة في اجتثاث مصادره،

وكان من الطبيعي أن تلتفت الأنظار إلى مناهج التعليم بحثاً عن مسؤوليتها في

تفريخ الإرهاب. وشنت الدوائر الرسمية ووسائل الإعلام في الغرب حرباً ضروساً

على مناهج التعليم في العالم الإسلامي متهمة إياها بأنها المسؤول الأول عن ظاهرة

الإرهاب.

وتبع هذه الحملة وسار وراءها طائفة من المستغربين من بني جلدتنا، وكثر

الحديث حول ذلك في الصحف والفضائيات وشبكة الإنترنت.

ومع وجود مشاركات من عديد من الغيورين إلا أنها لا تتناسب مع حجم هذه

الحملة الشرسة.

ومن ثم كان لزاماً على من لهم مشاركة في الدعوة إلى الله أن يسهموا في

الحديث عن هذه الظاهرة، ويزداد الأمر تأكيداً في حق المتخصصين في هذا

الميدان.

محاور الهجمة:

ركزت محاور هذه الهجمة على محورين أساسين:

المحور الأول: المدارس والمعاهد الشرعية:

وقد جاء على رأس هذه القائمة المدارس الإسلامية في باكستان، باعتبارها

المصدر الذي خرجت منه طالبان.

وبناء على ذلك قدمت الحكومة الأمريكية دعماً لباكستان مقداره 100 مليون

دولار لبناء بنك معلومات عن طلاب المدارس القرآنية يهدف لتأمين معلومات

أساسية عن كل طالب ومدرس في هذه المدارس. وسيكون من أهداف هذه البرنامج

أيضاً الرقابة على منشورات هذه المدارس ودور النشر التابعة لها.

هذا المبلغ سيستخدم أيضاً في إيجاد برامج دراسية جديدة في هذه المدارس

التي لم تكن تدرس سابقاً سوى القرآن، وسيكون على المدرسين أن يوافقوا على

الخضوع لدورات تدريبية لمتابعة البرامج الجديدة؛ في حين سيفقد المعارضون منهم

وظائفهم.

المحور الثاني: المقررات الشرعية:

لم يقف الأمر عند حدود المدارس والمعاهد الشرعية؛ بل تجاوز ذلك إلى

المقررات الشرعية التي يدرسها طلاب التعليم العام؛ على أساس أن الكمَّ الذي

يدرسه الطالب من العلوم الشرعية كما يرى أهل الهجمة يفوق احتياجاته، ويسهم

في تغذية روح التدين؛ كما أن محتوى هذه المناهج يحوي ما يغذي التطرف

والإرهاب.

الحملة ليست جديدة:

إن الحملة على المناهج وتوجيه أصابع الاتهام إليها ليست وليدة هذه الأحداث

وتزايُدُ حدتها هذه الأيام إنما هو لحرارة الحدث وضخامته.

ومن أبرز مواقف الحديث عن المناهج:

1 - الصراع العربي الإسرائيلي:

ارتبط الحديث عن ضرورة تغيير المناهج بالصراع العربي الإسرائيلي

ارتباطاً وثيقاً، وفي جميع مشروعات السلام كان اليهود يطالبون بمراجعة المناهج

وإزالة كل ما يؤدي لغرس الكراهية فيهم، ويعكر على مسيرة السلام والمصالحة.

وفيما يلي نماذج من محاولات تغيير المناهج المرتبطة بمسيرة السلام:

أ - السلام المصري الإسرئيلي:

عقدت ندوة في جامعة تل أبيب عنوانها: (دراسة تأثير القرآن الكريم في

عرقلة التطبيع مع إسرائيل) وشارك فيها مصطفى خليل رئيس وزراء السادات

السابق، وبطرس غالي. ثم طالب بيجن بإغلاق دور القرآن الكريم في مصر

وتأميم المساجد.

وقد تم من ذلك الكثير على المستوى العملي؛ فجرى حذف بعض آيات القرآن

الكريم من المناهج التي يدرسها الطلاب كما سيأتي بيانه.

ب - السلام الفلسطيني الإسرائيلي:

تتهم الدوائر الإسرائيلية الفلسطينيين بأنهم غير جادين في السلام، ومن

منطلقات هذه الاتهامات المناهج الدراسية.

وقد أفادت دارسة أنجزتها منظمة أميركية غير حكومية نشرت يوم الاربعاء 21

/11 /2001م أن البرامج الدراسية الجديدة التي اعتمدتها السلطة الفلسطينية في

الضفة الغربية وقطاع غزة «لا تدرس مبادئ السلام والمصالحة مع إسرائيل» .

واعتبر نائب مدير الفرع الإسرائيلي لهذه المنظمة يوهانان مانور أن «النصوص

الجديدة لا تدرس مبادئ السلام والمصالحة مع إسرائيل حتى إنها ترفض وجودها؛

» مضيفاً «أن المنحى التعليمي للسلطة الفلسطينية ليس متطابقاً مع المبادئ

التي حددتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) » .

وأعربت الدراسة عن الأسف؛ لأن اللغة العبرية لا تعتبر من اللغات المستخدمة

في البلاد، وأن توصف إسرائيل بالدولة «المغتصبة» و «المحتلة» منذ

قيامها سنة 1948م، وأنها لا تظهر على أي خارطة. وشددت الدراسة على

«أنه لم يشر إلى أي من الأماكن المقدسة اليهودية، وأن القدس تظهر وكأنها

ملك للفلسطينيين وحدهم، وأن الكفاح من أجل تحرير فلسطين موضوع عسكري

محض» . وأكدت أيضاً على أن الكتب الدراسية «تقدس الشهيد والجهاد» مع

أنها «لا تعرب مباشرة عن دعمها للإرهاب» [1] .

2 - أعمال العنف في الدول العربية:

أدى انتشار أعمال العنف في بعض الدول العربية إلى المطالبة بمراجعة

مناهج التعليم، وقد أجريت دراسات عدة وعقدت ندوات ومؤتمرات للبحث عن

مدى صلة مناهج التعليم بالإرهاب.

ونادى عدد من التربويين إلى تنقية المناهج من كل ما يغذي الإرهاب ويزيد

جذوته، بل قطعت خطوات عملية في ذلك؛ ففي الجزائر أصدر وزير التربية

قراراً بحذف التعاليم والأذكار التي تلازم عملية غسل الميت، وآيات وأحاديث

الترهيب بعذاب القبر وفقه الجهاد. كما استبدلت الرسومات والصور التي كانت

تظهر الطفل الذي يتوضأ أو يؤدي الصلاة مرتدياً العباءة أو القميص الإسلامي

بصورة أخرى تظهره بسروال جينز [2] .

3 - الأقليات المسلمة:

تعاني كثير من الأقليات المسلمة من مضايقات وانتهاك لحقوقها في التعليم،

وتفرض كثير من الحكومات قيوداً صارمة على التعليم شعوراً منهم بمخاطره.

وقد «شددت السلطات الصينية الرقابة على التعليم الإسلامي في إقليم

سينغيانغ ذي الأغلبية المسلمة. وتقول السلطات إنها تعمل على إصلاح وتوحيد

الفصول الدراسية لتأهيل الأئمة المحليين» [3] .

4 - الحكومات العلمانية في العالم الإسلامي:

شنت بعض الحكومات العلمانية في العالم الإسلامي هجوماً على التعليم

الشرعي.

نماذج من التطرف المزعوم في المناهج:

حين نعود إلى ما يقوله من يصم المناهج بالإرهاب نرى أن من صور

الإرهاب والتحريض عليه ما يأتي:

1 - تكفير غير المسلمين.

2 - الولاء والبراء.

يقول أحدهم متحدثاً عما يدرجه ضمن قائمة الإرهاب: «من الواجب على

المسلم أن يكون مخلصاً للآخر المسلم وأن يعتبر الكفار أعداء له» «ويركز

المتدينون جل اهتمامهم على الأمور الاجتماعية عن طريق توزيع مطويات وكتيبات

في صالات التسوق؛ وفي إحدى تلك المطويات كتب:» إن قضاء الإجازة في

الغرب ذنب. كما انتقد آخر تهنئة غير المسلمين بأعيادهم. ونفس هذه الدروس

يتردد صداها في حوالي عشرين صفحة من الكتاب المدرسي المقرر على المرحلة

الثانوية تحت موضوع الولاء والبراء. ويقول الكتاب الدراسي: إن تجاهل

الطقوس والأعياد الخاصة بالكفار وإظهار العداوة لهم أحد المتطلبات الأساسية لكره

الكفار. ثم ينتهي هذا الجزء بتوصية الشباب السعودي بعدم تقليد الغرب في لباسهم

وأكلهم وشربهم « [4] .

3 - الجهاد في سبيل الله:

يقول أحدهم» فقه الموت هو الذي ما زال يدرسه أبناؤنا في مدارس العالم

الإسلامي وجامعاته باستثناء تركيا وتونس «؛» لأن برامج التعليم العتيق غسلت

أدمغتهم ولقنتهم منذ نعومة أظفارهم فقه الحروب الصليبية القائل: الجهاد فرض

عين على كل مسلم ومسلمة إذا غزت الحربُ دارَ الإسلام سواء كانت ظالمة أو

مظلومة « [5] .

4 - أحكام الزواج والأسرة:

تقول إحدى الكاتبات في النيويورك تايمز:» هل تتصور أن المرأة في

السعودية ليس من حقها أن تتزوج على زوجها؛ في الوقت الذي يتزوج الزوج

عليها؟ «» هل تتصور أن الرجل في السعودية يطلق امرأته؛ بينما المرأة لا

تستطيع أن تطلق زوجها؟ «» هل تتصورون أن الرجل في السعودية يتزوج من

كتابية، ولكن المرأة السعودية لا تستطيع أن تتزوج من كتابي؟ «، وتطالب

السيدة الأولى في أمريكا أن تتدخل لدى الدول العربية والإسلامية لإنصاف المرأة

كما تدخلت لإنصاف المرأة الأفغانية.

5 - الحجاب:

وارتداء الحجاب أو الدعوة إليه مظهر من مظاهر التطرف والإرهاب.

يقول أحد الباحثين:» في مقرر اللغة العربية لطلاب الفرقة الثالثة الإعدادية

وفي مادة النصوص، طبعة عام 91/1992م، قصيدة بعنوان: (يا بنيتي)

للشاعر علي الجارم، وهذه القصيدة مكرسة كلها إلى تمجيد الحجاب بوصفه فضيلة

الفضائل. والسؤال: ما موقف الطالب والطالبة المسيحية الذي يجب عليه أن يحفظ

تلك القصيدة. وما موقف الطلاب من غير المحجبات؟ ! أسئلة كثيرة تطرح نفسها

وكان يجب أن تكون هذه القصيدة للدراسة وليس للحفظ صوناً لوحدة الوطن « [6] .

وإذا كان وجود فتاة غير محجبة يفرض علينا ألا نثني على الحجاب ونعده

فضيلة لاحظ أن الأمر لا زال في دائرة الثناء والحث حتى لا يسيء النظرة تجاهها؛

فكيف نذم التدخين والمجتمع مليء بالمدخنين؟ بل هناك من يمارس الفواحش فلِمَ

نذمها ونعيبها؟

ويقول آخر:» خذ إليك هذا المظهر أو هذا المثال: عندما تلمح سيدة أو

آنسة تغطي وجهها بما يشبه العباءة ولا تترك من نقابها إلا فتحتين صغيرتين كفم

العصفور أمام عينيها، من أين جاءت بهذا الزي العجيب؟ « [7] .

6 - الثناء على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

حتى الحديث في أخبار خير النساء وتعليم الطلاب والطالبات سيرتهن مما

يغذي الإرهاب ويذكيه. يقول أحد التربويين:» أيضاً في مقرر اللغة العربية

للصف الثاني الإعدادي في مادة النصوص في طبعة عام 91/1992م موضوع

بعنوان: «المرأة العربية» وفي هذا الموضوع تمجيد وتركيز مبالغ فيه على

زوجات الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. والسؤال: أليس هناك نماذج أخرى

من تاريخنا الممتد عبر الآلاف من السنين سواء في الحقبة الفرعونية أو الحقبة

القبطية تحدث توازناً ما بين تلك النماذج المقدمة في فترة معينة؟ « [8] .

7 - آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم:

لا يقف الاعتراض على المغالطة بأن هذا فهم بشري لنصوص القرآن والسنة

بل يمتد للنصوص نفسها فيطالَبُ بحذف ما لا يروق لأهوائهم مما يدرسه الطلاب.

قال بيجن لوزير التربية المصري:» كيف تريد أن أصدق أن هناك نية

عندك للتطبيع وطلاب مصر ما زالوا يقرؤون الآية التي تقول: [لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا

مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ] (المائدة: 78) .

ويقول محمد طبل (خبير بوزارة التربية المصرية) عن دليل لمنهج الدين

للتعليم الأساسي أرسل له من قبل مركز التطوير (الذي كان يشرف عليه خبراء

أمريكان) : «وعندما تصفحت الموضوعات موضوعاً موضوعاً وجدت أنها لا

توضح حقيقة الإسلام، كما وجدتها قد حذفت منها كل الآيات والوقائع التاريخية عن

اليهود والغرب» [9] .

وحين اعترض علي إسماعيل على باحثة أمريكية في لجنة تطوير المناهج في

مصر دعت إلى حذف آيات قرآنية وأحاديث وأحداث تاريخية فوجئ باستبعاده من

لجنة تطوير التربية الدينية [10] .

ومما تم حذفه في بعض المناهج الدراسية قوله تعالى: [وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ

يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ] (النور: 31) ، وقوله: [لاَ تَجِدُ

قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ] (المجادلة: 22) ،

وحديث: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء» [11] .

8 - أحداث السيرة:

بعض أحداث السيرة تدرج عند هؤلاء ضمن الأعمال الإرهابية؛ ومن ثم فهم

بين أحد خيارين: إما وصم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يمارس الإرهاب، أو

الطعن فيما ثبت منه.

يقول أحدهم معلقاً على ما رود من أحاديث اغتيال كعب بن الأشرف وغيره

من رؤوس الكفر: «ومع أننا ضد الدعوى التي بدأت تظهر وتشيع زاعمة أن

التاريخ الإسلامي كله قد زيف وحرف، إلا أننا نعتقد أنه يتعين على كل مسلم أن

يترفع بالنبي صلى الله عليه وسلم عن الموافقة على هذه الواقعات، بل والأمر بها

صراحة أو ضمناً، كما أنه ينبغي على كل إنسان أن يطهر تاريخ الدين من مثل

هذه الواقعات مهما قيل عن دوافعها وأسبابها، ورائدنا في ذلك طبيعة النبوة وصفات

النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وما جاء في القرآن الكريم وما تضمنته كتب

التاريخ الإسلامي ذاتها؛ فطبيعة النبوة صفاء وتسامح وعفو ومغفرة، ولم تكن

النبوة أبداً وما كانت لتكون غدراً أو غشاً أو خيانة أو اغتيالاً، وتاريخ النبوات كلها

شاهد بذلك، وصفات النبي صلى الله عليه وسلم تقطع بأنه كان دائم العفو شديد

التسامح نافراً من الخيانة بأي صورة من صورها، يقابل خصومه مواجهة ليقارعهم

الحجة بالحجة أو يدفع عنهم أذاهم سيفاً بسيف» [12] .

ولئن لم يتجرأ الكاتب على وصم الرسول صلى الله عليه وسلم بالإرهاب

واستبدل ذلك بتكذيب النصوص الثابتة في سيرته، فقد تجرأ على علماء الأمة؛

ومن صور تجرئه عليهم قوله عن شيخ الإسلام ابن تيمية: «وبهذا التشدد الصارم،

والاتجاه الإرهابي، والألفاظ المطاطة، والتعبيرات الغامضة والنزعة الانفصالية،

وبمعارضة الحكام ومحاربة المجتمعات، استطاع ابن تيمية أن يؤثر تأثيراً بعيد

المدى على بعض الحركات والتيارات الإسلامية خلال القرنين الماضيين حتى اليوم.

وقد أثر ابن تيمية كذلك على بعض الحركات الإصلاحية التي تثير مشكلة العودة إلى

أصول الإسلام لتحقيق تعاليمه واتباع تقاليده وتنفيذ منهجه، بأسلوب عسكري

واتجاه حربي، في نزعات انفصالية وممارسات سياسية» [13] .

وفي أحد كتب المرحلة الإعدادية يوجه للطالب السؤال الآتي: «اذكر قصة

الثلاثة المتطرفين الذين نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن التطرف» [14] .

كما يعد بعضهم مجرد تدريس أحداث السيرة أمراً يغذي الإرهاب، فيقول:

«وفي مقرر النصوص والبلاغة والأدب طبعة 90/1991م مليء بقصائد

لشعراء المدح ويمجد الشعر في صدر الإسلام؛ وهو شعر مليء بالروح

الانفعالية تجاه العقيدة الإسلامية دون سواها من العقائد الأخرى» [15] .

9 - إنشاء المدارس الدينية:

إن مجرد إنشاء مدارس تعنى بتعليم الدين وأحكامه، وتربي الطلاب عليه يعد

عاملاً مهماً من عوامل انتشار الإرهاب.

وها هو أحد الباحثين يقول: «إن إنشاء مدارس للروابط والهيئات الدينية

والخيرية باسم الإسلام أمر غير مطلوب، حيث يتم اختيار الطلاب والمعلمين الذين

يقومون بالتدريس على أساس ديني صرف» [16] .

ومن هنا جاءت الحملة على المدارس والمعاهد الشرعية في باكستان،

واليمن، والسعودية، وقبل ذلك كله تركيا.

وقد وصف الرئيس اليمني المدارس الدينية قبل هذه الحملة بأنها (الجيل

الطاهر، الجيل النظيف، الجيل المخلص. درع حماية الثورة والمبادئ والمنجزات

العقدية) [17] .

10 - أحاديث افتراق الأمة:

أطبق عامة علماء أهل السنة والجماعة على الاستشهاد بقول النبي صلى الله

عليه وسلم: «ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا

واحدة» ، وجعلوه في مقدمة تصنيفهم في الاعتقاد والفرق، إلا أن هذا الحديث قد

لا يروق لبعضهم.

يقول أحد عمداء الكليات الشرعية مستشهداً على تضمن المناهج ما يدعو إلى

التطرف والإرهاب: «في العقيدة مثلاً هناك تركيز على مسألة الفرقة الناجية،

فيجري التركيز على أن الأمة تختلف على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية،

والفرق الأخرى كلها في النار، والطالب عندما يدرس هذا الشيء يعتقد أنه يملك

الحقيقة المطلقة والصواب المطلق، وأن الآخرين كلهم على ضلال وجهل، فينشأ

على ذلك» [18] .

11 - الدين والتدين:

وينتهي الأمر إلى الدعوة إلى الإلحاد والخروج من الدين؛ فها هي منظمة

الإسلام والغرب (وهي منظمة عالمية يرأسها اللورد كارادون وتتكون من خمسة

وثلاثين عضواً عشرة أعضاء منهم من المسلمين، وقد نشأت برعاية اليونسكو

وأصدرت دستورها في 3/10/1979م وفيه: «إن مؤلفي الكتب المدرسية لا

ينبغي لهم أن يصدروا أحكاماً على القيم سواء صراحة أو ضمناً، كما لا يصح أن

يقدموا الدين على أنه معيار أو هدف» وفيه «أن المرغوب فيه أن الأديان يجب

عرضها ليفهم منها التلميذ ليس خصائصها الأساسية ولكن أيضاً ما تشترك فيه مع

غيرها من الأديان» وفيه: «يلزم فحص الكتب الدراسية التي قامت بتقديم

الظاهرة الدينية على أن يقوم بذلك علماء من كافة التخصصات وكذلك أعضاء من

أصحاب العقائد الأخرى وكذلك اللادينيون» [19] .

إذاً فهذه هي حقيقة المطالبة، وعلى أولئك الذين يظنون أن الأمر سيتم بمجرد

تعديل عدة عبارات من محتوى المنهج تزيل حساسية الآخرين وغضبهم، عليهم أن

يدركوا أن الأمر لن ينتهي إلا عند انخلاع الأمة من دينها؛ وقد وصفهم لنا تبارك

وتعالى وبين حقيقة موقفهم منها فقال: [وَلَن تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى

حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] (البقرة: 120) .

وقال عز وجل مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم: [ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ

مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ] (الجاثية: 18) .

ثغرات في المطالبات بالتغيير:

ثمة ثغرات علمية ومنهجية في المطالبة بالتغيير في المناهج لتنقيتها مما يولد

التطرف والإرهاب، وتشمل هذه الثغرات:

1 - غموض مفهوم التطرف والإرهاب:

رغم الحديث المستفيض حول التطرف والإرهاب إلا أنه لا يوجد تعريف

محدد يمكن الاحتكام إليه، وتحديد التعريف المتفق عليه هو الخطوة الأولى.

وها هو أحد المتعاملين مع ظاهرة الإرهاب وهو اللواء الدكتور أحمد جلال عز

الدين مساعد وزير الداخلية ومدير مركز بحوث الشرطة في مصر يقول:

«الإرهاب في تعريفه يمثل إشكالية قانونية وسياسية بالغة التعقيد لاختلاف

وجهات النظر حيال الفعل الواحد؛ حيث يعتبره البعض إرهاباً، وينظر إليه

الآخرون باعتباره عملاً من أعمال النضال الوطني، وقد أخفق المجتمع الدولي في

الوصول إلى تعريف للإرهاب، والذي يتابع مناقشات الجمعية العامة للأمم المتحدة

في اللجنة السادسة القانونية منذ عام 1973م وحتى الآن، يستطيع أن يتبين

بوضوح مدى اختلاف وجهات نظر الدول نحو الإرهاب والتي تتوقف على

النظرة المصلحية للدولة بصرف النظر عن المبادئ والقيم الأخلاقية» [20] .

ولذا فقد دعا أحد الكتَّاب إلى العدول عن مصطلح الإرهاب إلى مصطلح الظلم

معللاً ذلك بقوله: «أما الإرهاب فإنه حمّال أوجه ومتعدد المفاهيم، لم يتفق له على

معنى محدد، أو تعريف جامع مانع بعد ... والظلم مفهومه واضح، لا لبس فيه ولا

غموض، يدركه الإنسان بفطرته، بينما الإرهاب لا تزال مفاهيمه غامضة،

ودوافعه متعددة، يسمح تحالف الناس على مكافحته بسوقهم إلى حرب مدمّرة

يخوضونها باسمه، ثم سرعان ما يكتشفون أنهم خدعوا بشعارات براقة تخفي

وراءها تحقيق مصالح خاصة تنطلق من رغبة بالاستئثار والتسلط» [21] .

ومع عدم وجود تعريف دقيق للتطرف والإرهاب فهو أيضاً معنى نسبي يتأثر

بالشخص نفسه وموقفه من الدين.

ويؤكد هذا المعنى كاتب غير مسلم فيقول: «وهو معنى نسبي يختلف من

زمن إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، وفقاً لنسق القيم السائدة فيه؛ فما يعتبر

تطرفاً في زمن قد لا يكون مقبولاً في زمن آخر، وما ينظر إليه على أنه تطرف

في مجتمع ما قد يكون مألوفاً في مجتمع آخر، والاعتدال يتغير مفهومه بتغير

البيئات والحضارات والثقافات والديانات» [22] .

كما يؤكد هذا المعنى باحث آخر فيقول: «وبذلك يمكن القول بأنه التطرف

وصف معياري، حيث لا يمكن تحديد التطرف دون تحديد الحد المعياري الذي

ينبغي تجاوزه لنطلق على الفعل أو الشخص لفظ متطرف» [23] .

ومن ثم فحين يَرفع لواء مواجهة التطرف والإرهاب قوم لا صلة لهم بالدين،

أو ممن رق دينهم فسيكون واقعهم هو المعيار الذي يتخذونه للحكم على التطرف؛

ذلك أن «مقدار تدين المرء وتدين المحيط الذي يعيش فيه من حيث القوة والضعف

له أثره في الحكم على الآخرين بالتطرف أو التوسط والتسيب. فمن المشاهد أن من

كانت جرعته من التدين قوية، وكان الوسط الذي يعيش فيه شديد الالتزام بالدين

يكون مرهف الحس لأي مخالفة أو تقصير يراه، حتى إنه ليعجب أن يوجد مسلم لا

حظَّ له من قيام الليل، أو صيام النهار، وفي مقابل هذا نجد الشخص الذي قل زاده

من التدين علماً وعملاً، أو عاش في محيط تجرأ على محارم الله وتنكر لشرائعه

يعتبر التمسك بالحد الأدنى من الدين ضرباً من التعصب أو التشدد» [24] .

ومن الأمثلة على ذلك أن أحد الباحثين التربويين عدَّ إجبار الطلاب على

الوضوء وصلاة الظهر، وإجبار الفتيات على لبس الحجاب أمثلة على قيام بعض

المدرسين بالدعوة للأفكار المتطرفة [25] .

وفي البحث المذكور كان من وسائل نشر الفكر المتطرف أن إدارة المدرسة

تترك الطلاب يعظ بعضهم بعضاً، وتفصل البنين عن البنات، وتجبر الطلاب على

عادات معينة، وتغلق دورات المياه، وتمنع الأكل في الفسح وتغلق الكافتيريا في

رمضان [26] .

2 - أين الدراسة العلمية؟

وإذا اتفقنا على مفهوم واضح ومحدد للتطرف والإرهاب، مفهوم يستند على

أسس موضوعية وعلمية فحينئذ نحتاج إلى أن نقوم باشتقاق معيار من هذا المفهوم،

ونقوم بتطبيق هذا المعيار على المناهج الدراسية لمعرفة مدى صلتها بالتطرف

والإرهاب.

فأين هذه الدراسة؟ وأين الخطوات العلمية المتخذة في ذلك؟

إن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة تحوير أجزاء من محتوى المنهج دون

خطوة علمية موضوعية تنظر إلى المنهج بكافة عناصره نظرة شاملة.

3 - الحملة لمصلحة من؟

حين يتحدث الغرب عن تنقية المناهج مما يغذي الإرهاب فإنه يتحدث عن

نوع محدد من الإرهاب؛ إنه يتحدث عن الإرهاب الذي يتهدد مصالحه، أو بعبارة

أخرى يسعى إلى تنقية كل ما يعارض مصالحه ونفوذه.

فقد تم استبعاد عضوين من لجنة تطوير التربية الدينية في مصر نتيجة خلاف

وقع بينهما ومقررة اللجنة (ليندا لامبرت) الأمريكية الجنسية حول المحرمات

الإسلامية؛ فقد رأت ليندا أن منهج التربية الدينية يصور الغرب بالنسبة للأطفال

تصويراً سيئاً في مثل موضوعات الخمور والربا وغيرها من المحرمات، وعندما

اعترض الباحثان على ذلك بسبب تحريم القرآن للخمور والربا تم استبعادهما من

اللجنة [27] .

ورغم أن أمريكا تمارس التدخل في خصوصيات المجتمعات الأخرى، إلا

أنها لا ترضى ذلك لنفسها وهي القائلة قبل عشرين عاماً: «لو قامت قوة بفرض

نظام تعليمي علينا لكان ذلك مدعاة لإعلان حرب» .

4 - الظروف الحالية:

ترتبط المناهج بهوية الأمة، وتشكل عاملاً مهماً في إعدادها وتربيتها، ومن

ثم فالتعامل معها لا يسوغ أن يخضع لظروف طارئة؛ فالظروف تتغير وتتبدل؛

فكيف بمثل هذه الظروف التي أحدثت ضخامتها هزة في طريقة التفكير والتعاطي

معها؛ فلا عجب أن صدرت تصريحات طائشة ومواقف مندفعة.

ولئن عظم الخطب في قرارات ومواقف اتخذت استجابة لهذا الاندفاع غير

المتزن مع الحدث؛ فالخطب سيكون أعظم حين يمتد إلى مناهج التعليم التي تحتاج

إلى أن يُتَعامل معها في ظل أوضاع هادئة بعيداً عن التشنج والانفعال، وبعيداً عن

الاستجابة لردود الأفعال.

5 - هل الدين يغذي الإرهاب أم يعالجه؟

تنطلق الحملة على المناهج الشرعية والمدارس الدينية من فرضية مؤداها أن

التعليم الشرعي يغذي الإرهاب؛ لكن هناك من رجال التربية من يعكس الأمر

فيقول: إن زيادة الجرعة الشرعية هي التي تقي من التوجه للإرهاب والتطرف.

ويسجل أحد الذين درَّسوا في كل من جامعة الأزهر والقاهرة وعين شمس

والزقازيق والمنصورة هذه الملاحظة فيقول: «وقد لاحظت ملاحظة هامة وهي أن

الطلبة في جامعة الأزهر لا ينتسبون أو يتصفون بالتطرف على الإطلاق، وإنما هم

طلاب معتدلون في أفكارهم يقبلون الأمور ببساطة، ويفهمون دينهم فهماً واسعاً

عميقاً وشاملاً مختلطاً بالعلوم المدنية الحديثة. وعلى الجانب الآخر كنت أجد في

الجامعات الأخرى كثيراً من التطرف ربما يكون سببه من وجهة نظري مظاهر

الاستفزاز الموجودة داخل هذه الجامعات من بهرجة قد تستفز بعض الطلاب. وربما

يكون افتقاد دراسة الدين الصحيح في هذه الجامعات؛ ذلك لأن طلابها بصفة عامة

لو أجريت إحصائية ستجد أنهم أكثر تطرفاً. أما طلاب جامعة الأزهر فأقل

تطرفاً» [28] .

وقد أيد هذا الرأي دراسة علمية نشرها مركز الدراسات السياسية

والاستراتيجية [29] .

ويقول في موضع آخر: «ولا أجد سوى زيادة الجرعة الدينية التي تعتبر

عاصماً من التطرف» [30] .

6 - هل الطالب مُخْرَجٌ للمدرسة وحدها؟

حين تبدو من فئة من طلاب المدارس مظاهر من التطرف ويمارسون أعمالاً

تصنف على أنها إرهابية فهل مصدر هذه الأعمال هو مناهج التعليم؟

إن الطالب مخرج لعوامل ومؤثرات عدة: في الأسرة، والرفقة، والمجتمع،

ووسائل الإعلام، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؛ فهل من المقبول علمياً أن

نختار طائفة من سماته وأعماله لنحيلها إلى المدرسة؟

إننا حين نتأمل في واقع طلاب المدارس فنرى أن ثمة أعداداً وقعت في جرائم

جنائية، وأخرى وقعت في المخدرات، وأن هؤلاء أضعاف أولئك الذين اتهموا

بالقيام بالأعمال الإرهابية، فلِمَ يقال بأن الإرهاب من مخرجات مناهج التعليم، ولا

يقال إن الجريمة والانحراف وتعاطي المخدرات والبطالة هي من مخرجات مناهج

التعليم؟

وها هي الدولة التي تنصِّب نفسها حامية للعالم من شرور الإرهاب تتعرض

لأعمال العنف والإرهاب في مدارسها، ويمارس طلابها أعمال الإرهاب البشعة قبل

أن يتجاوزوا أسوار المدرسة؛ ففي 11/3/2000م قُتِل شاب رمياً بالرصاص

وأصيب اثنان آخران بجروح قرب إحدى المدارس الثانوية في ولاية جورجيا

الأمريكية. وفي أبريل من العام نفسه قَتَلَ طالبانِ 12 من زملائهما وإحدى

المدرسات بعد أن راحا يطلقان النار بشكل عشوائي في إحدى مدارس دينفر بولاية

كولورادو. وفي مايو/ أيار التالي أصاب طالب ستة من زملائه بجروح حين أطلق

النار عليهم في مدرسة ثانوية قرب بلدة كونييرز في ولاية جورجيا. ومنذ عشرة

أيام أطلق صبي في العاشرة من العمر النار على زميلة له فأرداها قتيلة في إحدى

مدارس ولاية ميتشيجان « [31] .

7 - كم نسبة المتهمين بقضايا الإرهاب؟

إن من يتهمون اليوم بالضلوع فيما يصنف على أنه أعمال إرهابية لا يشكلون

إلا نسبة ضئيلة جداً من ملايين طلاب المدارس الذين يدرسون المناهج نفسها،

ويعلمهم المعلمون أنفسهم؛ فلِمَ لم يظهر أثر هذه المناهج إلا على هذه الفئة المحدودة

جداً من التلاميذ؟

وهل يتناسب هذا مع ما يقال حول حجم ما يؤدي إلى الإرهاب ويغذيه؟

وقد كانت مناهج التعليم كما هي عليه اليوم، والتغيرات التي طرأت عليها لا

تخرجها من دائرة ما يوصف بأنه تغذية للإرهاب فلِمَ لم يظهر أثرها إلا اليوم وفي

هذه الظروف بالذات؟» لو أن المناهج والمقررات الدراسية هي التي تخرج

«الإرهابيين» لكان هؤلاء الإرهابيون بمئات الألوف، بل لربما كانوا

و «كُنَّ» بالملايين، ولكانت الأوضاع غير الأوضاع والأحوال غير

الأحوال « [32] .

بل إن معظم المتهمين بالضلوع في هذه الأعمال هم ليسوا من خريجي المعاهد

الشرعية، ونسبة منهم ممن لم يكملوا تعليمهم، وقليل منهم كانوا متفوقين في

دراستهم.

فلِمَ لا يقال إن هناك عوامل أخرى أدت إلى نشوء هذه الظاهرة غير تأثير

المناهج والمعاهد الشرعية؟

بل لو جزمنا بنفي تأثير المناهج والمعاهد الشرعية من خلال حجم المتهمين

بذلك لكنا أكثر منطقية وموضوعية من نسبة التأثير إليها.

8 - الكيل بمكيالين:

الإرهاب تهمة تتركز غالباً نحو المسلمين، أما غيرهم ممن يمارس أبشع

صور الإرهاب فهم بريئون منه، وعلى رأس هؤلاء قطبا الإرهاب في العالم:

أ - القطب الأول: أمريكا:

لا تحتاج أمريكا أن تدافع عن نفسها؛ فقد تطوع بالدفاع عنها أحد عمداء

الكليات الشرعية، وهو ممن شن حملة شعواء على المناهج متهماً إياها بالإرهاب،

بل نادى بإتلاف كتاب الكبائر وإحياء علوم الدين؛ لأنهما يهينان المرأة. وهذه

المطالبة تمثل قمة التسامح والتعايش مع الآخر واحترام المخالف، وهو أسلوب لم

يَرْقَ إليه المتحجرون الذين يطالبون بمنع الروايات التي تسب الله تعالى أو تسب

رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فيقتلون الإبداع والأدب! !

يقول هذا الأستاذ عن أمريكا:» وقد أكدت الحكومة الأمريكية مراراً وتكراراً

احترام الإسلام والمسلمين وبخاصة الرئيس بوش الذي يعد أكثر رئيس متحمس

للدفاع عن الإسلام إلى أبعد مما نتصور « [33] .

ويقول أيضاً:» ليس من العدالة أن نصف الرد الأمريكي بالإرهاب؛ إذ

بذلك نقع في خطأ خلط المفاهيم بين الإرهاب والدفاع عن النفس، أو رد العدوان

في الوقت الذي نطالب فيه المجتمع الدولي بعدم الخلط بين الإرهاب والمقاومة

المشروعة، وما وقع في أمريكا إرهاب متفق عليه، والرد الأمريكي رد للعدوان

بإجماع دولي، ولا معنى لوصفه بالإرهاب « [34] .

والسبب تتحمله كما يقول الكاتب طالبان:» إننا نحزن حقاً للأبرياء ونترحم

عليهم؛ ولكن ذلك جناية طالبان عليهم وعلى المسلمين في كل مكان؛ فهي عدوة

للمسلمين وعدوة لنفسها وعدوة لشعبها «أما أمريكا فهي تحترم الإسلام والمسلمين

كما قال ورئيسها أكثر الرؤساء احتراماً للإسلام، ولعل الكاتب نسي أن يذكر أن من

مظاهر احترام أمريكا للإسلام دعمها لرجل السلام المتميز شارون الذي يقتل

الأطفال ويهدم البيوت؛ لأنها تمثل بؤرة خطيرة للإرهاب تهدد السلام العالمي والأمم

المتحضرة. كما نسي أن يشير إلى الأسلوب الحضاري المتميز الذي عاملت به

أمريكا أسرى طالبان والقاعدة، وأن العالم الغربي الذي استنكر هذا الأسلوب

واستنكر أيضاً قتل أسرى» جانجي «المتخلفين المتحجرين لم يَرْقَ إلى مستوى

العقلية الأمريكية المتسامحة مع الآخر.

وانتشار المدارس الدينية اللاهوتية في أمريكا لا يعد مشكلة، ولا أثر له في

الإثارة ضد الآخر، أو تحريك النزعات الدينية؛ ففي عام 1954 1955م كان عدد

المدارس الدينية اليومية في الولايات المتحدة الأمريكية لا يزيد عن 123 مدرسة

تضم 13 ألف تلميذ، وفي عام 1980م وصل إلى 18 ألف مدرسة تضم أكثر من

مليوني تلميذ [35] .

أما عقلية العنف والإرهاب في المجتمع الأمريكي فيعبر عنها كاتبان أمريكيان

كان عنوان أحد فصول كتابهما (أكثر دول العالم عنفاً في العام) ومما جاء في

المقابلات التي أجراها هؤلاء مع شريحة من المجتمع الأمريكي: (أحب قتل الناس

من أجل الترفيه والتسلية فقط، وذلك بنسفهم بالمتفجرات) (أشعر بحاجة للقضاء

على كل الناس المزعجين الذين يضايقونني) (أشعر برغبة في ضرب الناس لأني

لا أحبهم) (أريد أن أبيد العالم وأبدأ من جديد، أريد أن أقتل كل الناس) [36]

ومهما قيل بشذوذ هذه الحالات فهي حالات موجودة فلِمَ لا تصنف ضمن دائرة

الإرهاب؟

ب - القطب الثاني إسرائيل:

في إسرائيل يتعلم الطالب كل ما يغذي الإرهاب لكن ذلك لا يعد مشكلة تستحق

النظر.

تبلغ نسبة المنتسبين من التلاميذ في إسرائيل إلى التعليم الديني الحكومي في

المرحلة الابتدائية 21. 6% كما تبلغ نسبة المنتسبين إلى المدارس التابعة للأحزاب

الدينية الأرثوذكسية 9. 9%. [37] أي أن 31% من طلاب المرحلة الابتدائية

يدرسون في مدارس دينية، ولا يوجد في العالم الإسلامي دولة تبلغ نسبة الملتحقين

بالتعليم الشرعي هذا الرقم.

ومع انتشار التعليم الديني في إسرائيل فمناهجهم تطفح بما يغذي الإرهاب

ويُذْكي جذوته، ويقضي على أي انفتاح في النظر للآخر أو التعايش معه.

وهناك دراسة أجريت على 380 كتاباً ألحقت العرب بالمهن الآتية:

لصوص: (42) كتاباً، مخربون: (36) ، قناصون وقتلة: (27) ، مختطفو

طائرات (31) ، مغتصبو أملاك: (41) ، يحرقون الحقول والأشجار: (?)

أعمال قاسية دون تحديد: (181) [38] .

كما أثبت البروفيسور كوهين في بحثه المنشور بالعبرية تحت عنوان: (بانيم

مخوعارت بمرآة) أي وجه قبيح في المرآة، أنه في تحليله لمضامين ألف كتاب

عبري تظهر صورة العربي في شكل قاتل أو مختطف للأطفال، وأن هذه الصورة

مستقرة لدى 75% من أطفال المدارس الابتدائية [39] .

ومما ورد في بعض الكتب المدرسية في إسرائيل:» كل ما مر بالقدس ليس

سوى غزوات عابرة حتى سعدت بعودتنا لتصبح عاصمة لإسرائيل مرة أخرى «

(كتاب: هذا موطني، تأليف ش. شكيد) . وفي كتاب وقائع شعب إسرائيل للصف

الخامس تستخدم أسطورة فيها صورة حجارة تتساقط من السماء على الكنعانيين.

وفي مقرر الصف السابع هجوم سيئ على النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه

بالغارق في الأحلام، وأنه يأمر أتباعه بنشر الدين بقوة السلاح، وأنه يستعمل

المكائد والمؤامرات في حربه مع اليهود. وفي كتاب علم التربية المدنية المقرر

على طلبة المدارس الثانوية أن العرب يعدون لحرب إبادة ضد إسرائيل بحيث

يقذفون بالسكان اليهود في البحر، وأنهم إذا لم ينفذوا هذا الوقت تهديداتهم فلعدم

القدرة لا لعدم الإرادة [40] .

في لقاء أجراه مركز مراقبة تداعيات السلام مع طالب عمره سبعة عشر عاماً

يدعى (دانيال بافوليجي) وجاء فيه:» إن تلك الكتب تعلمنا أن كل ما يفعله اليهود

صحيح وشرعي، بينما تصور العرب بأنهم دائماً على خطأ ويحاولون إرهابنا «،

وذكر أن أحد أصدقائه بادله الرأي بقوله إنه شعر بسخط شديد في أعقاب محاضرة

له بالمدرسة، وأحس برغبة شديدة في قتل أول عربي يقابله وقال: يعلموننا

التباغض بدل التسامح، والكثير من مدرسينا يثيرون سخطنا نحو العرب» . ومن

العبارات التي تزخر بها الكتب المدرسية في إسرائيل: «من الصعب على أبناء

إسماعيل التخلي عن رغبتهم في السرقة» .

إننا لن ننتظر من اليهود إلا ما هو اسوأ من ذلك، لكن القصد من إبراز هذه

النماذج الإشارة إلى الانتقائية في التعامل مع ظاهرة الإرهاب، والواجب إبراز هذه

النماذج وغيرها من الواقع الأمريكي والإسرائيلي في وجه الاستعماريين الجدد.

التوصيات:

وبعد هذا العرض لهذا الموضوع يؤكد الكاتب على التوصيات الآتية:

1 - الاعتناء بالتخصصات التربوية:

نحن اليوم في عصر التخصص، وقد مضى الوقت الذي يمكن أن نجد فيه

من يعرف كل شيء ويتحدث في كل فن أو لا نجد أحداً، وحتى العلوم الشرعية لم

تعد فرعاً واحداً يدركه المتخصص، إنما اتسعت لتشمل فروعاً عدة في التخصص

الواحد.

ومع خطورة التربية بوجه أخص، والدراسات الإنسانية بوجه أعم فهل يليق

أن تلقى الجفاء والإهمال من الإسلاميين؟ إن النابغين والمتفوقين يوجهون في

الأغلب إلى التخصصات العلمية التطبيقية (الطب، الحاسب، الهندسة ... ) أما

التخصصات الإنسانية فيتجه إليها أولئك الذين لم تسعفهم معدلاتهم.

بل إنك تجد طائفة من الخيرين وحملة العلم الشرعي بحاجة إلى أن يقنع

بأهمية الدراسات التربوية والاعتناء بها. أحد الأفاضل من حملة الدكتوراه في

تخصص شرعي كان يناقشني بأنه لا ضرورة للتخصصات التربوية، فيكفينا ما في

فتح الباري وكتب الحافظ ابن رجب وابن القيم!

ألسنا إلى وقت قريب نناقش في جدوى دراسة علم النفس وغيره، وننظر إليه

بريبة وانتقاص؟

وهل لا زلنا نعتقد أن مجرد تحصيلنا الشرعي رغم ضحالته يؤهلنا لأن نتكلم

في كل فن، وأن نخوض كل بحر نحسنه أو لا نحسنه؟

2 - توثيق الصلة بالخيِّرين:

ثمة فئام من الخيِّرين في مواقع القرار في المؤسسات التربوية، أو من أهل

الاختصاص في ذلك، لكن لديهم قصور في التدين، وربما رددوا بعض ما يسمعونه

من أفكار.

ونحن نمارس مع كثير من هؤلاء ألواناً من القطيعة، بل ربما المعاداة

والمواجهة، ونصنف كثيراً منهم في دائرة حملة الفكر السيئ لمجرد أنه اختلف معنا

في رأي من الآراء، ولو اتسع أفقنا لرأينا أن كثيراً ممن يخالفنا في الآراء والأفكار

ليسوا أهل علمنة وفجور.

إننا بحاجة إلى أن نبحث عن نقاط الاتفاق مع هؤلاء أكثر من نقاط الاختلاف

وعلى أن نبحث عن فرص التعاون أكثر من فرص الصراع، وسيبقى هؤلاء في

مجتمعاتنا يدرِّسون ويحاضرون ويتخذون قرارات عملية ربما كانت مصيرية في

حق مجتمعاتنا، وصراعنا معهم لن يلغي دورهم بل سيزيد الهوة ويوسع دائرة

الخلاف، بل ويقربهم من التيار العلماني المتطرف.

3 - تفعيل المجتمعات:

إن التربية ليست قضية النخبة، ولا همَّ المثقفين والمتخصصين وحدهم، بل

هي همُّ المجتمع كله، وكل فرد من أفراد المجتمع يعنيه مستقبل المؤسسات التربوية،

وعدم التأهل لتناول هذه القضايا وفهم الجانب المتخصصي فيها لا يلغي كونها

تعنيه وتهمه.

ومن ثم فلا بد من تفعيل اهتمام المجتمع بقضايا التربية، ودعوته لممارسة

حقه الطبيعي والشرعي في الاحتساب على ما يراد بها من سوء، والإسهام في

تطويرها نحو ما يحقق مصلحة المجتمع بأسره في الآخرة والدنيا.

وهذا يتطلب منا أن نحدِّث الناس بما يعرفون، وأن يرتقي خطابنا وأسلوب

حديثنا، وألا نقف عند مجرد مطالبة الآخرين للاستماع لما نقول لكوننا متدينين.

4 - المشاركة الإعلامية الفعالة:

تسهم وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، وكثير من المشروعات

والقرارات المصيرية في حق المجتمع كانت بذرتها قد انطلقت مما يثار في وسائل

الإعلام.

ومع ذلك كله فحضور الإسلاميين في وسائل الإعلام لا يزال دون المستوى

المطلوب، ولا تزال المسافة واسعة بين الحديث عن أهمية الحضور الإعلامي

وممارسة ذلك على أرض الواقع.

إننا نطيل الحديث في المجالس الخاصة، ونتحدث عن الكيد والتآمر على

مجتمعات المسلمين، وتبدو منا غيرة وتفاعل؛ لكن الأمر يقف عند هذا الحد، ولا

يتناسب مطلقاً تفاعلنا العملي مع مشاعرنا وحديثنا.

5 - دفع المتخصصين للمشاركة:

مع أهمية المشاركة في الرأي والحديث؛ فنحن بحاجة إلى أن نتجاوز الوقوف

عند مستوى المطالبة عن بعد بالمشاركة الفعلية في صنع القرار، وهذا يتطلب الدفع

بالمتخصصين من الخيرين والغيورين إلى العمل في هذه المواقع المهمة، والتعاون

معهم في ذلك وتذليل الصعوبات أمامهم.

6 - الاعتناء بالبحث العلمي:

لقد راجت سوق البحث العلمي اليوم، وصار له أثره البالغ في صنع القرار

وتوجيهه، وتضاءلت تبعاً لذلك أهمية الآراء والانطباعات الشخصية.

ومع كثرة القضايا التربوية التي تمثل لدينا حساسية وأهمية، إلا أننا نتعامل

معها بطريقة بدائية؛ فنتناولها من خلال الآراء والانطباعات الشخصية ونحول ذلك

كله إلى حقائق لا تقبل الجدل.

كما أننا نتعامل مع نتائج البحث العلمي التي لا تتفق مع اقتناعاتنا بالرفض

والتهوين من شأنها بعيداً عن المنهج العلمي الموضوعي.

إننا بحاجة إلى الاعتناء بتوجيه البحث العلمي في هذه التخصصات نحو ما

يخدم مجتمعاتنا، وبحاجة إلى تكوين قاعدة معلومات تجمع البحوث العلمية التي

بذلت فيها جهود من متخصصين، وبحاجة إلى أن نناقش البحوث العلمية الأخرى

وننقدها نقداً علمياً بعيداً عن الانطلاق من الآراء والانطباعات الشخصية.

كما نأمل أن نرى مؤسسات ومراكز للبحث العلمي التربوي؛ فالأعمال

والجهود الفردية لن تكفي في ظل هذا السيل الطامي.

7 - تشكيل جمعيات للمعاهد الدينية:

تنتشر المعاهد والمدارس الشرعية في أنحاء شتى من العالم الإسلامي، ويغلب

عليها الطابع الخاص؛ فكثير منها ليست مدارس حكومية؛ وبقدر ما يعطيها ذلك من

استقلالية في القرار ومرونة في التغيير، إلا أنه يزيد من الصعوبات والعقبات الفنية

أمامها.

ومع اتفاق كثير منها في الهموم والمشكلات، إلا أنه يندر أن توجد جمعيات

ومؤسسات تنسق الجهود بين هذه المدارس.

ووجود هذه الجمعيات والمؤسسات له أثره في الارتقاء بها، وفي تبادل

الخبرات والتجارب، وفي تنسيق المعادلة بين شهاداتها، وفي التقليل من تكرار

الجهود وازدواجيتها.

والتحدي الذي تواجهه اليوم يزيد من أهمية التعاون والتكاتف، ومن ثم فهي

بحاجة إلى أن تتداعى للتنسيق والتعاون، وتشكيل مؤسسات تعنى بذلك.

8 - تواصل المعاهد والمدارس الشرعية مع المجتمع:

إن المنتظر من حملة العلم الشرعي ودارسيه أن يسهموا في التغيير في

مجتمعاتهم، وأن يكون لهم حضورهم الفاعل فيها.

وهذا يتطلب من المدارس والمعاهد الشرعية أن تعيد النظر في مدى صلتها

بالمجتمع ومشاركتها في بنائه.

وليس صحيحاً أن يكون هدف هذه المعاهد تخريج العديد ممن يكتفون بعدم

الرضى عن واقع مجتمعاتهم، وممن يضعون حول أنفسهم أطراً من العزلة، بعيداً

عن الروح التي تسعى للدخول في مؤسسات المجتمع، والتأثير الإيجابي.

وهذا يدعو إلى التغيير في عقلية الانعزال التي تسود لدى المنتمين لهذه

المؤسسات التربوية من عاملين ودارسين، وإلى تفعيل الأنشطة الاجتماعية لهذه

المؤسسات، وإلى التفكير الجاد العملي في برامج تسهم في خدمة المجتمع.

وما لم نخطُ هذه الخطوات التصحيحية فينبغي ألاَّ ننتظر تفاعل المجتمع

ووقوفه معنا، وهو لا يزال يشعر أننا كائن غريب عنه، مهمته تخريج أفواج من

العاطلين [41] .

9 - الارتقاء بالتعليم الشرعي:

رغم انتشار مدارس التعليم الشرعي ومعاهده في العالم الإسلامي، ورغم آثاره

الحميدة في نشر العلم الشرعي والحفاظ عليه، إلا أنه يعاني من ضعف وقصور،

ويتسم بالنمطية والتقليدية، ويدار بطريقة بدائية.

ومخرجات التعليم الشرعي اليوم دون تحديات الواقع ومتطلباته، ومعلمو

العلوم الشرعية بحاجة إلى نقلة في طريقة أدائهم وتفكيرهم.

وكثير من مطالب التغيير في التعليم الشرعي التي يثيرها الآخر منطلقها

المعلن على الأقل الواقع الفعلي لهذا التعليم وحاجته إلى التطوير.

وما لم يتم التطوير من الداخل، وما لم تكن الأصوات المطالبة به صادرة من

العاملين فيه الغيورين عليه فلن يكون التطوير في مصلحة التعليم الشرعي.

إننا بحاجة إلى أن يقتنع القائمون على هذا التعليم ومؤسساته بأن الحملة التي

يشنها الآخر عليه لا تعفينا نحن من التقويم والمراجعة الجريئة، وإلى أن يقتنعوا

بضرورة احترام التخصص، وأن مجرد تخصص المرء في العلم الشرعي،

ومشاركته في تعليمه لسنوات ليس كافياً لتأهيله بأن يعد المناهج ويرسم السياسة

التربوية، وأنه ثمة فرق شاسع بين محتوى العلم الشرعي، وبين طريقة تقديمه

للناس وتدريسه لهم.

وتشمل متطلبات التطوير بوجه أخص:

1 - تطوير أداء المعلمين؛ فنحن بحاجة ماسة إلى الارتقاء بكفايات وقدرات

معلمي العلوم الشرعية في مجتمعاتنا، حتى يسهموا في تضييق الفجوة بين إمكانات

التعليم ومخرجاته.

2 - تطوير المناهج والأخذ بالمفهوم الحديث للمنهج؛ ومن ثم فالتطوير يجب

أن يشمل كافة عناصر المنهج من أهداف ومحتوى وطرق تدريس ووسائل وتقنيات

وأنشطة وكتاب مدرسي.

3 - تطوير الأداء الإداري والبيئة المدرسية للمعاهد والمدارس الشرعية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015