المسلمون والعالم
أمير سعيد [*]
بعمائمهم التي تشبه عمائم الأزهريين يبدو شيوخ الطائفة الدرزية كما لو كانوا
من علماء المسلمين، ولربما تحدث وجهاؤهم بلسان مسلم، أو حاكوا المسلمين في
بعض مفرداتهم: (لا فضل لدرزي على سني إلا بالنضال! ! أخذاً بقول الرسول
صلى الله عليه وسلم: «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى» ) مثلما قال
سميح القاسم الشاعر الفلسطيني الدرزي.
بيد أن المخابر لا تبديها المظاهر، وإنما تكشفها العقائد والأصول والمواقف.
والحق أن هذه الطائفة بعيدة النجعة عن طريق الإسلام والمسلمين؛ فالدين غير
الدين، والولاءات متعارضة، والمواقف السياسية متباينة.
وإذ يعتري بعض المسلمين العجب وهم يظنون أن الدروز هم إحدى فرق
المسلمين، وأنهم وإن اختلفوا عن السنة إلا أنهم لا يخرجون عن دائرة الإسلام
والمسلمين، وهم يشاهدون درزياً (صالح طريف) وزيراً بلا وزارة في حكومة
شارون، ويعجبون كذلك وهم يرون العديد من شباب الطائفة ورجالها يخدمون في
الجيش الإسرائيلي ويصوبون رصاصهم في قلوب (إخوانهم من العرب
الفلسطينيين) .
إلا أن هذا العجب سرعان ما يتبدد حينما يستبين لهؤلاء حقيقة القوم، وحين
نجلِّي عن الدروز حجاب الإسلام عبر هذه السطور فنستطيع وقتها أن نراهم عن
كثب على حقيقتهم التي ربما تخفى على العديد من المسلمين.
تعريف الدروز ونشأتهم:
هم فرقة باطنية تقترب عقيدتها من عقيدة الإسماعيلية تخفي عقيدتها عن
الناس، وقد نشأت إبان حكم الطاغية الحاكم بأمر الله الفاطمي (408 هـ) على يد
محمد ابن إسماعيل الدرزي (بنشتكين) الذي تسرَّع في إعلان ألوهية الحاكم بأمر
الله مما أثار المسلمين ضده في مصر، فاضطر للفرار إلى الشام؛ وهناك دعا إلى
مذهبه فاستجاب له بعض الناس فأسس الفرقة الدرزية التي ارتبط اسمها باسمه،
على الرغم من أن الدروز يلعنونه لتسرعه ويلقبونه بالغطريس الذي تغطرس في
الكلام دون علم أو يقين، ويفضلون اسم الموحدين على الدروز؛ غير أنهم لا
ينكرونه، والدروز عرب خُلَّص من قبيلتي لخم وتنوخ وليسوا أكراداً كما يظن
بعض من الناس.
عقيدتهم:
- يعتقدون بألوهية الحاكم بأمر الله، ويعتقدون بغيبته ورجوعه.
- ينكرون جميع أحكام الإسلام من صلاة وحج وصيام وتحريم للميتة والخمر.
- يزعمون أن شريعة محمد بن إسماعيل نسخت شريعة محمد بن عبد الله.
- يؤمنون بالتقية.
- لا يؤمنون بجنة ولا بنار؛ وإنما يؤمنون بتناسخ الأرواح.
- يبغضون جميع أهل الديانات الأخرى لا سيما المسلمون، ويستبيحون
دماءهم وأموالهم.
- لا يؤمنون بالأنبياء سوى أنبيائهم المزعومين.
- لا يتلقى الدرزي عقيدته إلا إذا بلغ الأربعين.
طبقات الدروز:
الناس في الطائفة الدرزية طبقتان:
أ - الروحانيون: وهم أهل العلم من الطائفة العالمون بأسرارهم، وينقسمون
إلى: (شيوخ عقل) : وهم كبار علمائهم، و (أجاويد) : وهم بمثابة طلاب العلم
عند أهل السنة.
ب - الجثمانيون: وهم عامة الطائفة المعنيون بأمور الدنيا من أمراء وعامة.
الخريطة الدرزية في العالم:
يبلغ عدد أبناء الطائفة الدرزية في العالم نحو 250 ألف درزي؛ منهم 120
ألف في فلسطين، و 90 ألف في لبنان، و 17 ألف في الجولان السورية (جميع
سكان الجولان المحتلة) ، والباقي في أنحاء سوريا وأستراليا والبرازيل.
وللدروز في فلسطين ولبنان وسوريا شأن وتميز واضح.
ففي فلسطين: لا يخفى على ذي عينين وجود تأثير يهودي عميق في نشأة
معظم الفرق التي مرقت من الإسلام، وليس سراً أن الحاكم بأمر الله أبا علي
المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمي إله الدروز كانت له ميول
يهودية، والفرقة الإسماعيلية التي انبثقت عنها الدرزية إنما ولدت أفكارها من رحم
يهودية، وليس غريباً أن يحن الفرع إلى الأصل، وأن يحدث نوع في توافق
الأفكار وتلاقي المصالح بين اليهود والدروز، وعليه فإن من أولويات الكيان
الصهيوني فور إنشائه في العام 1948م كان انتقاء الدروز من بين العرب وتمييزهم
عنهم واحتواؤهم أو على الأقل تحييدهم. وفي المقابل رأى دروز فلسطين دولة
اليهود فرصة للعب على التناقضات بين المسلمين واليهود خروجاً بأعلى مكسب
يمكن أن تحققه أقلية لا تزيد عن 250 ألف بين عرب يزيد تعدادهم عن 250
مليون (1%) .
بدأت الاتصالات مبكراً بين نشطاء الحركة الصهيونية والدروز، منذ عام
1930م وخلال هذا وقَّع معظم زعماء الدروز على البيان الذي يعلن أن موقف
الطائفة الدرزية من (النزاع اليهودي الفلسطيني) هو موقف محايد، وفي عام
1948م أنشأ الكيان الصهيوني وحدة الأقليات في الجيش الإسرائيلي، وحاول
تهميش دور المتحفظين من كبار العائلات الدرزية، إلا أن هؤلاء سرعان ما لحقوا
بركب المتعاونين مع اليهود، وسمحوا للدروز بالانخراط في جميع مؤسسات الدولة
الوليدة في مقابل الاعتراف في الوقت المناسب بالطائفة الدرزية طائفة مستقلة لها
محاكمها الخاصة وتنظيمها الديني المستقل. ومن أكبر العائلات الدرزية التي
احتوتها الحركة الصهيونية عائلة طريف التي ينتمي إليها أول وزير عربي في
حكومة إسرائيلية (صالح طريف وزير عمالي بلا وزارة في حكومة شارون) .
وإلى جانب اهتمام (إسرائيل) المبكر باحتواء الدروز سياسياً عبر تميزهم
عن بقية العرب واستيعاب ساستهم ضمن منظومة «إسرائيل» الحزبية؛ انصرف
جل اهتمام اليهود إلى تحقيق أقصى استفادة عسكرية من وجود الدروز على أرضهم
المزعومة وتوافر النية لدى الأخيرين بالتعاون اللامحدود مع الكيان الصهيوني.
ويعتبر الرئيس «الإسرائيلي» الأسبق إسحاق تسقي أبرز المسؤولين الذين اهتموا
بقضية الدروز؛ حيث أكد في خطاب شهير له أمام الكنيست أن تجنيد الدروز يعتبر
أمراً حيوياً حتى يتحولوا لسكين حاد ينغرز دائماً في ظهر العرب، مما دفع
«إسرائيل» إلى إنشاء وحدة خاصة بالجيش هي وحدة الأقليات؛ وتكلف تلك
الوحدة بالقيام بالعمليات العسكرية داخل الدول العربية وخارجها.
ويبلغ عدد الدروز حالياً في الجيش قرابة 19000 مجند موزعين على نقاط
التماس مع العرب (جنوب لبنان - الضفة - غزة) كدروع بشرية لليهود،
وموزعين كذلك على الوحدات الخاصة مثل وحدات المستعربين (الدوفدفان) والتي
تعنى باغتيال واختطاف ناشطي جماعات المقاومة الفلسطينية، والتي كان لها دور
مخز كبير في اقتحام باحة المسجد الأقصى أواخر شهر يوليو الماضي (أكثر من
400 مستعرب شاركوا في الهجوم التتري على الأقصى) ، بجانب انخراط عدد
كبير منهم في أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية» المختلفة نظراً لصعوبة تمييزهم
عن بقية العرب من حيث الشكل واللغة (مثل الجاسوس المسجون في مصر
عزام عزام) .
وما يزال وضع العسكريين الدروز في تصاعد، وتتزايد حاجة الجيش
(الإسرائيلي) واطمئنانه لهم مع الأيام، ويتأكد ذلك كلما أبلى هؤلاء آثاماً في حرب
اليهود ضد الفلسطينيين. وفي الانتفاضة الحالية تم مكافأة الدروز بترقية أحد
ضباطهم وهو يوسف مشلب لرتبة جنرال خلال يونيو الماضي، وهي أعلى رتبة
يصل إليها ضابط درزي.
اقتصادياً: اندمج الدروز في الاقتصاد «الإسرائيلي» حسب نموذج يختلف
عن نموذج بقية العرب أو اليهود؛ فما يقرب من 50% من قوة العمل بين الرجال
الدروز مندمجون في قطاعات لا يَقبل اليهود العمل فيها، ولا يُقبل العرب المسلمون
بها، 40% يشتغلون في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المختلفة، 10% يعملون
في مصانع البتروكيماويات والموانئ وغيرها من الأماكن الحيوية (ربما في
الأعمال الوضيعة فيها فحسب) .
وفي لبنان: كما في فلسطين تتحكم عائلات محدودة ذات الثراء والصيت
والمنعة في إدارة الشأن الدرزي اللبناني مثل عائلة جنبلاط (ينتمي إليها زعيم
الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني الحالي والسابق وليد وكمال جنبلاط) ، وعائلة
أرسلان (ينتمي إليها دماً فقط المجدد المسلم السني الأمير شكيب أرسلان سفير
الإسلام في العالم) ، وعائلة الأطرش (ينتمي إليها المغني فريد الأطرش وأخته
الجاسوسة أسمهان التي لقيت حتفها في حادث استخباري غامض) .
العائلة الثالثة ذات تأثير محدود الآن بين الدروز.
العائلة الثانية تميل إلى مسايرة الدولة والمحافظة على المكتسبات الدرزية.
أما العائلة الأولى فلها اليد الطولى في توجيه السياسة الدرزية، ولقد قام
زعيماها بإدارة دفة السفينة الدرزية باقتدار مما جعلهما قمينين بأن تسلط الأضواء
عليهما:
أراد كمال جنبلاط أن يجد للدروز ولزعامته المدى العربي ومكانة لبنانية تفوق
حصة حجمهم العددي، ومن أجل أن يصبح لامعاً قرر أن يكون معارضاً، فأنشأ في
أواخر الأربعينيات الحزب التقدمي الاشتراكي، وتبنى منذئذ قضايا الفقراء كعادة
الاشتراكيين واستفاد بذلك من القاعدة الفقيرة غير الدرزية في مد شعبيته وصقل
زعامته، حتى إذا كانت الحرب اللبنانية كان جنبلاط قد أصبح رقماً من أرقام
المعادلة اللبنانية الصعبة، وانضم إليه العديد من القوى الفلسطينية والشيعية
واليسارية إلى أن قُتل عام 1976م، وقد تولى بعده ابنه وليد زعامة الحزب
والطائفة، وفي الحرب استطاع أن يدحر الموارنة (المسيحيين) عن مناطق
الدروز بالتعاون مع قوات أمل الشيعية وبدعم سوري واضح.
وحين وضعت الحرب أوزارها شط الدرزي الأول في مطلب في اتفاق
الطائف برئاسة رابعة للدروز (يتكون نظام الحكم اللبناني من ثلاث رئاسات:
رئاسة الدولة للمسيحيين، ورئاسة الحكومة للسنة، ورئاسة البرلمان للشيعة)
ورفضه السوريون والسعوديون، وعليه فقد بدأ جنبلاط في التحول من موالاة
سوريا إلى الحياد معها أثناء الرئاسة القوية لحافظ الأسد، ثم التحول إلى مجاهرة
سوريا بضرورة كف يدها عن التدخل في لبنان عندما شعر بضعف الرئيس
السوري الشاب بشار الأسد، مع تقربه في الوقت نفسه إلى القوى المسيحية
المطالبة برحيل السوريين (البطريرك صفير، ورئيس الحكومة السابقة العماد
ميشيل عون) ؛ مما حدا بوزير الدفاع السوري العماد مصطفى طلاس إلى لمزه من
قناة قائلاً: نحن صنعناهما (صفير وجنبلاط) وها هما ينقلبان علينا.
ويستمر الحرباء السياسية في تقلباته ليحقق فوزاً (تحالفياً) بارزاً في
الانتخابات الدرزية الأخيرة، ويخطو خطوة واسعة في طريق الدولة الدرزية التي
يطمح إليها الدروز بالشوف في لبنان استناداً إلى مشروع غربي تمنيهم به فرنسا
بمساعدة «إسرائيلية» .
أما في سوريا: فلعل أبرز تأثير للدروز هو في مواطنيها المقيمين في
الجولان السوري المحتل الذين يمثلون نحو 17 ألف درزي سوري هم جميع قاطني
الجولان، ويعد ولاء الدروز المذبذب بين «إسرائيل» وسوريا أكبر معضلة
لسوريا في مفاوضاتها المترنحة مع الكيان الصهيوني، وما من شك في أن الدروز
سيخذلون السوريين حينما يطلب منهم موقف انحيازي حاسم، وقد بدت أعراض
ذلك الخذلان في فبراير قبل الماضي حينما طلبت حوالي 300 أسرة درزية تعيش
في هضبة الجولان، من الحكومة «الإسرائيلية» ضمانات بأنها ستستمر في
العيش تحت الحكم «الإسرائيلي» إذا تمت إعادة هذه المرتفعات السورية، وقد
قالت الإذاعة «الإسرائيلية» وقتها إن هؤلاء الدروز الذين حصلوا على الجنسية
الإسرائيلية قد طالبوا نائب وزير الدفاع «الإسرائيلي» مساعدتهم في تكاليف
الرحيل وتقديم تعويضات لهم عن أي ممتلكات سيتخلون عنها، مشيرة إلى نية
العشرات منهم إقامة دعاوى قضائية ضد الحكومة «الإسرائيلية» مفضلين البقاء
في كنف «إسرائيل» على العودة لسوريا! !
ماذا يجري الآن في الشام؟
تشهد منطقة الشام اليوم مرحلة مخاض جديدة تتبدل فيها الولاءات وتتغير فيها
التحالفات، والطائفة الدرزية فيها بأقطابها البارزة: زعيم الحزب التقدمي
الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط، والوزير بلا وزارة في حكومة شارون صالح
طريف، والنائب في الكنيست (الإسرائيلي) عزمي بشارة، يقومون بأدوارهم
المتباينة التي تصب جميعها في المصلحة الدرزية العليا التي تقوم على إجادة اللعب
على كل الحبال، والاتكاء دوماً على الطرف الرابح، ولربما ظهر للمشاهد تعارض
واضح بين مواقف هؤلاء، إلا أن المتأمل سيلحظ حتماً إدارة ذكية للأحداث بما يفيد
الطائفة بشكل جيد.
فوليد جنبلاط قد فطن جيداً للتغيرات الأمنية في منطقة الشام: فتولي شارون
وصعود السفاحين لسدة الحكم في إسرائيل، وتولي بشار الأسد الذي رغم كفاءته
النسبية لا يملك حنكة والده في حكم سوريا ولبنان معاً، وتنامي نفوذ العسكريين
السوريين واللبنانيين في لبنان، وفقدان الرئيس اللبناني إميل لحود الموالي لسوريا
لنفوذه بين النصارى الموارنة، وصعود نجم البطريرك صفير الموالي لفرنسا في
بكركي، والرغبة القوية لدى واشنطن وباريس لتقليم أظفار الشيعة الإمامية
المتمثلة بحركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، وحزب الله بزعامة حسن
نصر الله الموالية لسوريا وإيران، وتجدد ضغط تيار القائد السابق للجيش اللبناني
ميشيل عون الموالي قلباً وقالباً لفرنسا (دولة الاحتلال السابقة للبنان) باتجاه
المطالبة برحيل القوات السورية من لبنان؛ حيث يصف عون وتياره وجودها بـ
(الاحتلال السوري للبنان) ، والرغبة الجموح لدى رئيس الوزراء اللبناني (الزعيم
السياسي للسنة) الملياردير رفيق الحريري بتحرير لبنان من ربقة التبعية لسوريا
عسكرياً واقتصادياً.
كل هذه العوامل التي فطن إليها جنبلاط دفعته إلى الآتي:
1 - طرح نفسه زعيماً درزياً في الشام كله عبر إطلاق دعوته لرفض الدروز
للتجنيد في صفوف جيش الكيان الصهيوني (8% من الشباب الدرزي في فلسطين
المحتلة يخدمون في الجيش الصهيوني) ، وتبنيه لمؤتمر التواصل القومي بعمان
الذي عقد قبل شهور للدعوة لرفض الانخراط في الجيش (الإسرائيلي) ، والذي
استقبل فيه جنبلاط لدى انعقاد المؤتمر استقبال الأبطال، وكان جنبلاط قد اجتمع
سراً بممثلي دروز (إسرائيل) في عمان قبل المؤتمر برعاية المفكر الدرزي البارز
النائب بالكنيست (الإسرائيلي) عزمي بشارة (الذي واجه تحقيقاً «إسرائيلياً»
تبعاً لذلك لإطاحته من الكنيست) من أجل توحيد الصف.
2 - اقترابه من رئيس الحكومة السني رفيق الحريري، ومحاولته تشكيل
جبهة ثلاثية معه ومع الموارنة (68 عضواً البرلمان اللبناني) ، بعد أن أذاب
الجليد مع الموارنة بعد زيارة البطريرك صفير للجبل، وشكل معهم ثنائية على
أنقاض ثنائية (المارون الشيعة الإمامية) التي لا يرضى عنها الأمريكيون
والفرنسيون والإسرائيليون، ولا سيما بعد أن نجح حزب الله في بسط سلطته
وشعبيته في الجنوب اللبناني، ورفض هؤلاء لنشوء دولة شيعية ترعاها إيران
في الجنوب.
3 - مد بعض الجسور مع دمشق مجدداً بعد رفضه لاعتقالاتها للمعارضة
اللبنانية النصرانية الموجودة هناك، وذلك عبر عزمي بشارة أيضاً.
وصالح طريف من جهته، قد أظهر ولاءً منقطع النظير نحو (إسرائيل) ؛
مما حدا بسلطتها إلى محاولة تلميعه ليتبوأ زعامة مجلس عالمي للدروز تزمع
(إسرائيل) إنشاءه وتوجيه دعم مالي كبير له؛ ليضطلع بدوره الجدي لتوحيد الدروز
في العالم تحت إمرة الدروز (الإسرائيليين) الموالين للكيان الصهيوني.
الطلاق الدرزي:
يطيب لبعض الكتاب تجسيم مواقف الدروز من قضايا الأمة المصيرية على
أنها مواقف تنم عن خيانة للأمتين العربية والإسلامية، وإذا كنا نوافق هؤلاء على
أن مواقف الدروز هي خيانة علنية للعرب والعروبة باعتبارهم من القبائل العربية
الأصيلة، إلا أننا لا نشاطرهم الرأي فيما يخص الإسلام؛ فالدروز لا يعدون
طابوراً «إسلامياً» خامساً؛ لأنهم بكل وضوح ليسوا بمسلمين وقد طلقوا انتماءهم
للإسلام طلاقاً درزياً (لا رجعة فيه) منذ مرقوا من الدين حين أنشؤوا دينهم عام
407 هـ، وليس في القول جرأة، بل هذا الكلام قد قال نظيره شيخ الإسلام ابن
تيمية حين سئل عن الدروز فأجاب: «هؤلاء الدروز كفار باتفاق المسلمين لا يحل
أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم بل ولا يقرون بالجزية؛ فإنهم مرتدُّون عن الإسلام
ليسوا مسلمين ولا يهود ولا نصارى وإن أظهروا الشهادتين وهم من القرامطة
الباطنية الذين هم أكفر من اليهود والنصارى ومشركي العرب» [1] ، وقال أيضاً
عن الدروز: «كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون؛ بل من شك في كفرهم
فهو كافر مثلهم؛ فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم» [2] .
وعطفاً على ما قال شيخ الإسلام، فإن هؤلاء حقاً باطنيون يظهرون ما لا
يبطنون، ومن تتخلف عنه هذه المسلَّمة يهوله التناقض الرهيب في مواقف الدروز؛
فكما تقدم رأينا حرباء لبنان كم يتقلب بأطياف السياسة اللبنانية، وكيف يتأرجح
الجولانيون بين اليهود والعرب، وكيف يحاول دروز فلسطين تارة ارتداء مسوح
المقهورين على خدمة «إسرائيل» ، وتارة يتبخترون بلباس الجندية الإسرائيلية.
وأخيراً نسوق ذلك الموقف الطريف من صالح طريف الوزير الشاروني:
حين أجرى التلفزيون الفلسطيني في يناير الماضي مقابلة مع ذلك الدرزي عضو
اللجنة المركزية في حزب العمل قبل توزيره وأثناء الانتخابات قال: إن زيارة
شارون للحرم القدسي الشريف كانت تدنيساً للحرم، وأنه يأسف؛ لأن الدروز
يخدمون في الجيش «الإسرائيلي» ويحاربون إخوتهم، وأنه إذا لم تضع
«إسرائيل» حداً للنزاع بإقامة دولة فلسطينية، فلن يكون أمام الطائفة العربية
الدرزية بد سوى إعادة ترتيب أوراقها، وتبني موقف شجاع مهما كلف الثمن.
وعندما تم اختياره وزيراً في التشكيلة الشارونية ونشرت صحيفة يديعوت
أحرونوت «الإسرائيلية» مقتطفات من الحوار السابق متهمة إياه بالنفاق سارع
طريف على الفور بالاتصال بالإذاعة «الإسرائيلية» طالباً بصفته وزيراً إجراء
حوار معه، وفي الحوار قال إنه أدلى بأقواله للتلفزيون الفلسطيني ليقنع الفلسطينيين
بالتصويت لمصلحة باراك، وأضاف: لقد حصل لي ما يحصل لآخرين يتفوهون
بتصريحات خلال معركة انتخابية ثم يندمون عليها، ولو سئلت اليوم السؤال نفسه
لما قلت إن شارون دنس الأقصى بزيارته.
وعندما سأله المذيع عما إذا كان يتخبط بين تعاطفه مع الفلسطينيين وتضامنه
مع «الإسرائيليين» قال: «يبدو أنك نسيت أنني كنت جزءاً من معركة الدفاع
عن دولة» إسرائيل «مدة ثماني سنوات ضابطاً في الجيش، ولم أخجل ذات مرة
من القول إنني خدمت في الجيش» الإسرائيلي «، وإنني على استعداد لإرسال
أبنائي إلى الجيش للدفاع عن الدولة، حتى إذا تعرضت حياتهم للخطر؛ فأقاربي
جميعاً يخدمون في الجيش» !
لا عجب يا طريف! فقد أحسنت حين جسَّدت لنا الطبيعة الدرزية التي
أُشربت عقيدة التقية، واتخذت الباطنية ديناً.