دراسات في الشريعة والعقيدة
المحكمات في أمور العقيدة والشريعة وسياسات الحرب والسلم
لكم دينكم ولي دين
د. عابد السفياني [*]
قال الله تعالى: [إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُواًّ مُّبِيناً] (النساء: 101) .
وقوله سبحانه: [إِنَّ المُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ] (القمر: 47) .
وقوله سبحانه: [وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً]
(النساء: 89) .
والمراد بالمحكمات هنا: ما ورد في قوله تعالى: [هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ
الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ] (آل عمران: 7) ، المراد بها
أساسيات الدين الواضحات البينات التي هي الأصل الذي يُردُّ إليه، ويُبنى عليه،
وهي دين الرسل عليهم السلام جميعاً، ومنها الأمر بعبادة الله وحده بلا شريك،
وتحريم الكفر والشرك والنفاق، والظلم، والربا والفواحش، والأمر بمحبة
المؤمنين، وعداوة الكافرين، وإقامة أركان الدين، ووجوب التحاكم إلى الشريعة،
وإبطال أحكام الجاهلية والأمر بالصدقة والعفاف، وصلة الأرحام، وغير ذلك مما
دعت إليه الرسل عليهم الصلاة، وما جاء به رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم،
وهذه المحكمات لا يزال الكفار يستنكرونها ويجحدونها.
وتقول العرب: بناء محكم أي وثيق، وكذا قولهم: أمر مُحْكم، وقول مُحكم
أي سليم من الاختلاف والاضطراب، وضده المتشابه في هذه الآية، وهو ما يشتبه
على البعض؛ فإن رده إلى المحكمات سَلِمَ مِن الاختلاف والاضطراب، وكان قوله
محكماً وبناؤه وثيقاً [1] .
ويجب أن نبدأ بالمحكم الأول: وهو الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك
والخرافة والظلم، والحذر من الكفار ومناهجهم وشركهم وفتنهم؛ لأنهم مجرمون
بكفرهم، وبصدهم عن سبيل الله، وبأنهم أعداء للمؤمنين يودون لو يكفر المسلمون
مثلهم. وهذا المحكم هو أم المحكمات وأساسها، وهو الذي بدأ به الرسل عليهم
الصلاة والسلام دعوتهم، ولا تصح دعوةٌ إلاّ به، وهو أصل الدين الذي نازع فيه
الخصوم، وما زال العلمانيون ينازعون فيه، ويتعجبون منه.
ألا ترى إلى بعضهم كيف يستغرب أن يوصف الذين اجتمعوا على جريمة
الكفر بأنهم كفار؟ فكيف لو عَلِمَ أن الله سماهم في القرآن «مجرمين» ؟ وهل بعد
الكفر جريمة؟
لقد تعجب بعضهم وسمى هذا: «انشطاراً» ، وأراد أن يسمي اليهود
والنصارى بغير ما سماهم الله، ويقول نكتفي بتسميتهم غير مسلمين. ونقول نحن:
وغير المسلمين هم الكفار.
إن الهجمة الشرسة على مناهجنا، والتي يقوم بها المارد الأمريكي في
صحافته، ويتابعه فيها أنصاره يريدون منها القضاء على ثوابتنا ومحكماتنا! !
ونسأل هنا ونقول: ما الفرق بين الإجرام والإرهاب؟ إنّ أكبر جريمة
عرفتها البشرية هي الكفر، وتُضاف إليه جريمة أخرى هي الصد عن سبيل الله،
ومنع الناس من عبادة الله وإضلالهم؛ ولهذا كان أعظم المجرمين هم الرهبان
والسدنة والكهان والفراعنة؛ وهؤلاء طواغيت العالم، وما العدو في نظرهم إلا
الإسلام؛ ولهذا جاء الاستعمار الفكري الجديد يقوده الفرعون الأمريكي ويمارس
الضغط العسكري والاقتصادي ويتدخل في الرأي والفكر ويمارس ما لم يمارسه
الاستعمار سابقاً، وأمام هذا الطغيان يجب أن نزن الأمور بالميزان القرآني ونصِف
الذين يتسترون على الكفر والشرك ويزيّنونه للناس باسم الحضارة المادية، بأنهم
من أكابر المجرمين. قال تعالى: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا
لِيَمْكُرُوا فِيهَا] (الأنعام: 123) .
وقد وصف الكفار بأنهم مجرمون في أكثر من خمسين آية وفي أكثر من
ثلاثين سورة من القرآن، وقد تضمنت هذه الآيات الأسباب التي مِنْ أجلها وصف
الكفار بأنهم مجرمون ومنها:
الكفر التكذيب ترك الإيمان التولي عن الحق الإعراض عن شريعة الله عداوة
الرسل السخرية بالمؤمنين الاستكبار عن الحق ... ومن هذه الآيات قوله تعالى: [
فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُّجْرِمِينَ] (يونس: 75) ، [وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ
وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ] (الأنعام: 55) ، [وَرَأَى المُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا
أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا] (الكهف: 53) ، [إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ
يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى] (طه: 74) ، [وَامْتَازُوا اليَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُونَ * أَلَمْ
أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا
صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ] (يس: 59-61) ، [هَذِهِ جَهَنَّمُ الَتِي يُكَذِّبُ بِهَا المُجْرِمُونَ] (
الرحمن: 43) ، [كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ] (المرسلات: 46) ، [
إِنَّ المُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ] (القمر: 47) ، [أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ
* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ] (القلم: 35-36) ، [إِلاَّ أَصْحَابَ اليَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ
يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ المُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ * وَلَمْ
نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ]
(المدثر: 39-46) ، وهذه الآيات بإجماع أهل العلم في هذه الأمة من لدن الصحابة
رضوان الله عليهم إلى يومنا هذا في الكفار والمشركين.
فمن أحق بوصف الإجرام والإرهاب: الذين يعبدون الله عز وجل ولا
يشركون به شيئاً، ويعملون بشريعته، ويدعون الناس إلى الهدى ودين الحق، أم
الذين يكفرون به ويصدون عنه؟ والذي سماهم هو ربهم الذي خلقهم وهو أعلم بهم
سماهم كفاراً، ومجرمين، وأعداءً للمسلمين، ومفسدين في الأرض. وموقفنا منهم
أن ندعوهم للإسلام، وأن نحرص على هداهم، وسيهتدي منهم أقوام؛ فهم حينئذ
إخواننا، ويُصر على الكفر آخرون، فهم معرضون، وإذا لم يهتدوا فلا بد لنا من
موقف، فإن كفرنا مثلهم فرحوا كما قال تعالى: [وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا
فَتَكُونُونَ سَوَاءً] (النساء: 89) ، نحن نفرح إذا كنا سواء في عبادة الله وترك
الشرك والكفر والإباحية، وهم يفرحون إذا كنا مثلهم في الكفر؛ فشتان بين الفريقين:
بين المسلمين الذين يريدون الخير بالبشرية، وبين الكفار المجرمين الذين يريدون
الكفر للناس، ويسعون للتدخل في شؤون الآخرين وإفسادهم لصالح الكفر والإجرام
والإباحية والاستعمار الفكري.
لقد تدخل المارد الأمريكي من خلال العولمة في سياسة جيرانه واقتصادهم
وتفكيرهم فضجوا واستنكروا؛ أفلا يحق لنا نحن المسلمين أن نستنكر؟ !
لقد نسي الماردُ المبادئ التي كان يُتاجر بها ليأكل ضحيته، وضاعت مبادئ
الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتقرير المصير تحت الهجمة الشرسة التي
يمارسها العدو الصهيوني والمارد الأمريكي، وأفلست العلمانية يوم خلع أنصارها
جبة الحرية وحقوق الإنسان، وإذا بالغرب يتبع المارد الأمريكي وينزع عن
حركات المقاومة عند أهل السنة صفة الشرعية وهي تسعى لرد العدوان وتقرير
المصير، وجاء الاستعمار الفكري الجديد وطاردنا في أفكارنا ومناهجنا.
لقد جاءت أمريكا لتثبت للعالم أنها تمارس دوراً جديداً يتمثل في فرض التقليد
على العالم، ومن لم يكن معها فهو مع الإرهاب، لقد فرضت أمريكا التقليد على
العالم، فمن لم يكن معها فهو مع الإرهاب، وفرضت على العالم طغيان الفرعون:
[مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ] (غافر: 29) وحددت معنى
الإرهاب وألبسته من شاءت ونزعته عمن أرادت، وأصبح المسلمون يستجدون
الكفار لكي لا يُلبسوا حركات المقاومة صفة الإرهاب. ونقول للمنصفين في العالم:
ما شأن المحافظين على دينهم، وما شأن المحافظين والإرهاب؟ وما شأن المناهج
العلمية والإرهاب؟ وما شأن الدفاع عن المقدسات وبلاد المسلمين والإرهاب؟
يا حسرة على العلمانيين! ويا خيبة الحرية والديمقراطية! هل سيصدق
المسلمون كلام ربهم ويوقنون به [إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُواًّ مُّبِيناً] (النساء:
101) ، [فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُّجْرِمِينَ] (الأعراف: 133) ، [وَلَن
تَرْضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] (البقرة: 120) ، [وَدُّوا لَوْ
تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا] (النساء: 89) .
لقد التزم رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو يقتدي بإخوانه المرسلين بهذه
المحكمات، وجعلها ثوابت لا تقبل التغيير، وقواطع لا تقبل التردد، وكان في
خصومته مع الكفار وفي جميع أحواله في السلم والحرب، والقلة والكثرة، والنصر
والهزيمة ملتزماً بها؛ لأنها الحق؛ ولأنها مبادئ الدين الأساسية لا تتغير بتغير
الظروف والأحوال.
لقد مرت بالمسلمين على طول التاريخ الإسلامي في علاقتهم مع الكفار أحوال
متغيرة؛ فتارة يكونون في حالة سلم ومعاهدة، وتارة في حالة حرب؛ ففي حالة
السلم يوفون بالعقود والعهود، وفي حالة الحرب يبذلون الأسباب المادية والمعنوية؛
فتارة ينتصرون، وتارة يُهزمون إما بسبب قوة عدوهم، وإما بسبب تقصير
المسلمين وأخطائهم وجهلهم بسياسات الحرب والسلم، وفي جميع الأحوال كانوا
يعتصمون بالمحكمات وهكذا فعل الجيل القدوة.
وهكذا ربى النبي عليه الصلاة والسلام هذه الأمة فكانت تردُّ ما اشتبه عليها
إلى هذه المحكمات.
لقد نصر بعض الكفار المسلمين كما صنع أبو طالب عم رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولكن ذلك لم يغير من المحكمات في عقيدة المسلمين شيئاً.
ولقد تلاقت مصالح المسلمين مع بعض مصالح الكفار ولم يُغير من المحكمات
شيئاً؛ فقد دخلت خزاعة في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مشركة،
وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية مع قريش، وبقيت المحكمات
في أذهان الأمة وعقيدتها بحالها لم يتغير منها شيء، وكان المسلمون قبل صلح
الحديبية وبعده محافظين على عقيدتهم وشريعتهم ومناهجهم وأمتهم [2] .
ومن الشبه في هذا الموضع ما قد يصوره بعض المتعجلين من أن القول
بالعمل بالمحكمات يمنع وقوع الصلح والهدنة ووضع الحرب؛ وهذا غلط فاحش؛
فقد كان أعظم الناس تمسكاً بها وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه علماء
الصحابة رضوان الله عليهم لا يزالون يقاتلون ويُسالِمون، ويستفيدون من حركة
السلم كما يستفيدون من الحرب، بل قد يستفيدون من مدة السلم أكثر كما حصل في
صلح الحديبية الذي سُمي «فتحاً» .
وقد سيطرت هذه الشبه على كثير من المتعجلين حتى صبغوا حركة الدعوة
الإسلامية في بعض اتجاهاتها بالعنف مع أنه من المعلوم أنه ليس من الضروري أن
يسيطر العنف على الدعوة حتى لو بدأ به الكفار! ! ولهذا أمر الله رسوله بالدعوة
إلى المحكَمات والصبر على خصومه وإن قابلوه بالعنف، ثم أمره «بالدفاع» الذي
قد يسميه البعض في لغة العصر بـ «المقاومة» أو الدفاع عن بلاد المسلمين [3] ،
ثم شرع له الرجوع إلى الصلح إذا احتاج إليه، وكل هذا معلوم من سيرته صلى الله
عليه وسلم، ويدل عليه الكتاب والسنة.
ولم أجد لأحد من العلماء بعد التتبع والاستقراء في كتب التفسير القول بأن
الكفر وحده يقتضي دائماً أن يُقابل بالعنف والقتال، بل الذي في كتب الفقهاء
التفصيل الوارد في الكتاب والسنة، وحتى كتب المعاصرين تفسر آيات القتال، كما
تفسر آيات السلم، وتذكر كلام أهل العلم في مقاصد القتال، وفي مقاصد السلم
ومصالحه.
إن العالم والداعية إذا وقف مع المحكمات وقفةً قوية وحذّر من الكفر والكافرين،
ومن مناهجهم وضلالتهم، ومن المنافقين والمرتدين، ليس عليه بالضرورة أن
يجعل هذا متلازماً مع وجوب القتال في جميع الأحوال، وليس عليه بالضرورة أن
يلغي النصوص التي شُرع فيها السلم والمهادنة [4] .
إنني لا أعلم أن أحداً من العلماء يقول إن هناك تلازماً بين الكفر ووجوب
القتل والقتال؛ بل الإجماع الثابت أن التحذير من الكفر وأهله والتحذير من أسباب
الشرك والردة شيء، والقتال والسلم ومصالحهما وأحكامهما شيء آخر، وكتب
التفسير صورة صادقة لهذا المنهج الذي انعقد عليه الإجماع.
إن إدخال الدعوة الإسلامية المعاصرة في القتال والقتل وإلغاء الاستفادة من
نصوص السلم والمعاهدة والهدنة إنما هو بسبب اشتباه وقع لبعض الدعاة وكان
الأوْلى بهم أن يدعموا حركات المقاومة الإسلامية في الدفاع عن المقدسات، ويدعوا
الدعوة تسير في مسيرتها السلمية في العالم.
وهذا التفريق الذي عليه علماء الفقه هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم وهو
يجمع بين أمرين:
الأول: المحافظة على المحكمات، وتميز مناهج المسلمين عن مناهج الكفار،
وتبليغ الدعوة وتربية الناس عليها ولو كره خصومها، وخططوا لها وآذوا أهلها؛
وعلى الدعاة الصبر والاحتساب.
الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم ملتزم تجاه خصومه بالمنهج القرآني في
سياسة السلم والحرب، وإعداد العدة المعنوية والمادية، ولم يصبغ الدعوة دائماً
بالقتال؛ بل تارة يصبر، وتارة يسالم، وتارة يرد العدوان فقط، وتارة يطلب
عدوه [5] ، وينظر في هذه الأمور حسب مصلحة الإسلام والمسلمين وإمكانياتهم
المعنوية والمادية، وحسب مواقف الكفار وإمكانياتهم.
وكان صلى الله عليه وسلم يلوم أصحابه إذا أخطأ بعضهم ويربيهم ويعلمهم،
ويُبين لهم أن ما يصيبهم من الهزيمة كما وقع في أُحُد أنه من عند أنفسهم، كما قال
تعالى: [أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ
أَنفُسِكُمْ] (آل عمران: 165) .
ويعالج الأخطاء في ضوء المحكمات، ويكشف مواضع الاشتباه بالتي هي
أحسن بخلاف حال المسلمين اليوم؛ فقد فرط كثير منهم في المحكمات؛ فإذا وقع
الاشتباه والخطأ سواء في اختبار السلم أو الحرب انقلب المسلمون على بعضهم
البعض فإذا هم فريقان يختصمان، وفي بعض الأحيان يقتتلون، وقليل منهم الذين
يصححون أخطاءهم ويصلحون أمرهم ويستفيدون من التمحيص والبلاء،
وينتظرون المحق لعدوهم وهم موقنون بنصرة هذا الدين [وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا
وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ
الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ
وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ] (آل عمران: 139-142) .