المسلمون والعالم
وائل عبد الغني
تعد قضية المهجرين الفلسطينيين (اللاجئين) نتاجاً لعلاقة غير شرعية
تواطأت أطراف هذه العلاقة على إيجادها، واليوم وبعد أن أصبحت حملاً ثقيلاً
عليهم اتفقوا على حتمية التخلص منها بأي ثمن. وهذا ما عبر عنه أحدهم قائلاً:
«إن الحل الأفضل لقضية المخيمات هو الحل» !
واليوم فإن المخاطر التي تتهدد المخيمات مأوى المشردين لم يسبق لها أن
اجتمعت من قبل: الإغراء بالتوطين، تجفيف منابع الدعم المادي، التخريب
المنظم على أيدي اليهود في الداخل وعلى أيدي عملائهم في لبنان، وسكوت
الأنظمة العربية أو رضاها، وإدارة الأمم المتحدة ظهرها للقضية، وتحفيز حلفاء
واشنطن على فتح شهية المهجرين بإغراءات الهجرة وتوديع حياة البؤس في
المخيمات؛ فالمخيمات هي الشاهد الحي الوحيد والباقي على جريمة اليهود
والأطراف الدولية على أرض فلسطين، والكيان الذي يعبر عن أصحاب الحق الذي
يثير قلق إسرائيل، كما أن مخيمات الداخل مصدر رئيس لحركات المقاومة الداخلية
يعبر عن نبض الأمة الذي يراد له أن يتوقف؛ ومخيمات الخارج هي مشروع على
الطريق.
لا يسعنا ونحن نتحدث عن أبعاد المشكلة أن نتجاهل مفرادت القاموس الغربي
التي أصبحت ثابتاً من ثوابت القضية الفلسطينية، ومظهراً من مظاهرها حتى على
مستوى الخطاب السياسي الإعلامي الداخلي التي أدت بالفعل إلى إضعاف القضية
وتشويه نظرة الأجيال الصاعدة لها؛ مثل اللاجئين (وليس المشردين أو المهجرين)
.. حق العودة (وليس واجب التحرير) .. مرجعية الأمم المتحدة (وليس الإسلام)
.. قرارات الشرعية الدولية (وليس شريعة العدل السماوي) ... ، هذه
المصطلحات وأمثالها تحتاج إلى معالجة تأصيلية بل إلى إحلال الألفاظ التي تعبر
عن حقيقة القضية بتعبيرات القرآن والسنة التي تقدم مفاهيم واضحة تستند إلى
رصيد تاريخي ملهم.
حقائق للتذكير:
إن إلمامة سريعة بتطور الخريطة السكانية لأرض فلسطين خلال القرن
الماضي يكشف لنا قدر الجرائم التي ارتكبت وسوف ترتكب في سبيل تمكين اليهود
من فلسطين؛ فمع مطلع القرن الماضي وفي عام 1903م كان عدد اليهود في
فلسطين 56 ألفاً (8% من السكان) نصفهم تقريباً قدموا من روسيا هرباً من
الاضطهاد القيصري، بينما كان عدد المسلمين: 644 ألف نسمة (92%من
السكان) معهم قلة قليلة من النصارى.
ونتيجة للنشاط الصهيوني العالمي صدر وعد بلفور وكان بمثابة الانطلاقة
الخطيرة في تغيير خريطة فلسطين عن طريق الهجرة؛ إذ قفز تعداد اليهود نتيجة
للحماية البريطانية فبلغ قبيل حرب 1948م إلى 650 ألف نسمة، لكنه لم يتعد
31 % من مجموع السكان (أي أن الرقم تضاعف 11. 6مرة خلال 45 سنة) :
مقابل 2. 065مليون نسمة للمسلمين (تضاعف الرقم 3. 2مرة في نفس الفترة) .
ومع إخفاق اليهود في شراء المزيد من الأراضي بدأت عملية الترحيل
القسري للسكان من أراضيهم، ومع اشتعال الموقف بعد قرار التقسيم عام 1947م
وإعلان قيام الدولة اليهودية ثم وقوع حرب 1948م، تعرض للطرد والتشريد
مليون فلسطيني بخلاف الذين قتلوا أو فقدوا في ذلك الوقت وهو رقم ضخم جداً
بمقاييس تلك الفترة.
وتشير الملفات الإسرائيلية إلى أن عدد القرى التي تعرض أهلها للطرد على
يد القوات اليهودية بلغ 531 قرية تم تفريغها على النحو الآتي: 89% عن طريق
المجازر والأعمال العسكرية، و10% عن طريق الحرب النفسية، و 1% منها
فقط خرج أهلها طواعية. واستمرت عمليات التهجير والتفريغ المنظم دون توقف
في وقت حرب أو وقت سلام. وفي نفس العام 47 صدر قرار الأمم المتحدة رقم
194 بالاعتراف بإسرائيل؛ وحتى لا يعترض العرب ذُيّل القرار بشرط هو إعادة
المهجرين؛ إلا أن الذي كان هو أن الدولة المغتصبة بقيت وزال الشرط ضمن
سياسة الأمر الواقع.
وفي عام 1951م اقتنص اليهود قراراً أخطر من القرارين الأولين يعترف
باعتبار كل يهودي في العالم إسرائيلياً وأحقيته في الهجرة إلى إسرائيل متى قرر
ذلك.
وفي عام 1967م هُجِّر 410 أربعمائة وعشرة آلاف نسمة من الفلسطينيين
إلى خارج الأراضي التي استولى عليها اليهود، وعلينا أن نأخذ في الحسبان ما هو
أكثر من هذا العدد من الذين سلبت حقوقهم واستمروا في العيش تحت نير الاحتلال.
هذا بخلاف السوريين الذين طردوا من الجولان والمصريين الذين أخرجوا من
سيناء. ومنذ أن قامت إسرائيل وحتى الآن لم تتوقف سياسة الطرد والتهجير في
غفلة من الإعلام العربي.
ولو أخذنا في الاعتبار طبيعة النفسية اليهودية والعقيدة الصهيونية، وامتثال
الطريقة الأمريكية في الاحتلال القائم على استئصال السكان الأصليين، لعلمنا أنه
ما منع اليهود من الاستيلاء على الأراضي دفعة واحدة وإبادة السكان حتى آخر
صرخة إلا الخوف من ارتفاع أصوات الجهاد التي فزعت لمصاب أهل فلسطين من
قبل لكنها أخمدت بفعل فاعل! ولولا التآمر الذي وقع حينها لما كان لهم ما كان.
إنشاء المخيمات:
في عام1950م أقيمت الوكالة الدولية لغوث اللاجئين «أونروا» لاحتواء
الموقف الموشك على الانفجار، فأقامت الخيام، وقدمت بعضاً من مواد الإغاثة، ثم
بعد سنوات بنيت لهم أكواخ للاستقرار على أراض خصصتها حكومات البلاد
العربية. وفي الحقيقة فإن إقامة هذه المؤسسة التي ظاهرها الشفقة على الفلسطينيين
وباطنها المساعدة في إيجاد أجواء جديدة لهؤلاء المشردين تساعد على توطينهم بعيداً
عن ديارهم؛ لأن عودة هؤلاء كفيل بإنهاء فكرة الوطن القومي لليهود على أرض
فلسطين، وخاصة إذا ما علمنا أن الأراضي التي سلبت تعادل 92% من الأرض
التي أقيمت عليها إسرائيل.
رباط على الحدود:
ظل المهجرون على مدى نصف قرن وأكثر يعيشون على حدود بلادهم وحتى
الآن في محيط لا يتجاوز إطاره 100 كم2 في انتظار الساعة التي يستعيدون فيها
حقوقهم وديارهم؛ إذ تبلغ نسبة الذين يقيمون في هذا الإطار من سكان ومهجرين
88% من مجموع الفلسطينيين البالغ 8. 25 مليون وفقاً لإحصائيات عام 2000 م.
ونلاحظ صلة اللاجئين في كل دولة بالمدن الفلسطينية القريبة منهم؛ حيث
هاجر أهل الضفة الغربية إلى الأردن، وأهل الشمال نحو سوريا ولبنان، وأهل
الجنوب إلى مصر.. بالإضافة إلى الهجرات الداخلية في غزة والضفة؛ حيث
استقر كل طرف في أقرب مكان إلى داره، وبعد اتفاق أوسلو بدأت أعداد من سكان
غزة الأقل حظاً بالهجرة إلى الضفة؛ حيث التكدس أخف والظروف المعيشية أفضل
نوعاً ما.
خريطة المهجرين:
يتوزع المهجرون الفلسطينيون على 132 دولة في أعداد متفاوتة، ويقيم
الغالبية العظمى منهم في فلسطين والدول المحيطة، وتقديراتهم على النحو الآتي:
*الأردن: 865. 856 مهجراً.
* لبنان: 437. 068 مهجراً.
* سوريا: 476. 610 مهجرين.
* قطاع غزة: 820. 690 مهجراً.
* الضفة الغربية: 699. 354 مهجراً.
داخل أراضي 48 تحت الاحتلال: 258. 750 مهجراً.
ويقيم غالبية هؤلاء داخل المخيمات.
كما توجد أعداد متفاوتة في عدد من الدول العربية تختلف بشأنها التقديرات،
بالإضافة إلى نصف مليون يقيمون في الدول الغربية.
ويجدر بالذكر أن أرقام المهجرين تقديرية لعدم وجود إحصاء رسمي يشملهم،
بالإضافة إلى تشتتهم بين الدول، ولكن التقديرات ترجع لعمليات إحصاء سابقة مع
حساب معدل نمو سنوي مفترض قدره: 3. 5%، ويعد هذا التقدير أكثر
التقديرات توثيقاً من قِبَل عدد من الجهات البحثية المتخصصة.
اتفاقيات السلام والحصاد المر:
كما كان اللاجئون ضحية للحرب كانوا ضحية للسلام، ويكفي في هذا السياق
أن نشير إلى دور كل اتفاقية في خلخلة القضية داخلياً وإضعافها خارجياً. جاءت
كامب ديفيد الأولى لتؤسس للتفريق بين لاجئي (1948م) ، والنازحين (1967م) ،
وقبلت في الإطار العام أن يتم التفاوض مستقبلياً حول عودة مهجري 67 إلى
غزة والضفة الغربية؛ بينما أغفلت تماماً أي حق للاجئي 1948م.
ثم جاءت اتفاقيات «مدريد» لتجعل مرجعية القرار 194 الذي رفضت
إسرائيل اعتباره مرجعية للعودة رغم أنه القرار الذي يعترف بها دولة شرط أن تعيد
المهجرين إلى ديارهم، وقد حولت القضية إلى لجنة مشتركة اجتمعت مرات في
حلقات نقاشية حول تعريف اللاجئ، ومن يحق لهم العودة والمراد بالعودة ... من
غير أن يكون لهذه اللجنة أي صلاحيات ... وانتهت إلى النتيجة المرغوبة إسرائيلياً:
لا شيء! ..
وفي «أوسلو» الأولى والثانية تم تهميش القضية بتأجيل الكلام حولها إلى
مفاوضات الحل النهائي، وحددت إطار عودة «النازحين إلى غزة» ؛ لكن ما تم
الاتفاق عليه لم يكن سوى تكتيك لصهينة الرأي العام العربي خطوة خطوة، لتقبل
ما يريده اليهود في النهاية؛ حيث يعد اليهود عودة اللاجئين أو النازحين خيانة كما
صرح بذلك باراك وغيره.
ثم جاءت «واي ريفر» لإعلان المساومة على الملأ عن هذا الحق صراحة
مقابل بضعة كيلو مترات تتخلى عنها إسرائيل للسلطة الفلسطينية، لكن الشارع
الفلسطيني جاء ضاغطاً بشدة ضد اتخاذ مثل هذه السقطة فلسطينياً، وإن كان قد تم
الاتفاق عليها سراً كما تشير بعض الدراسات، ثم قطع قانون الكنيست قول كل
مفاوض إبان مفاوضات «كامب ديفيد» الثانية بتصفية قضية اللاجئين من جانب
واحد؛ باعتبار أي اتفاق يقضي بعودة اللاجئين اتفاقاً لاغياً وغير ملزم لإسرائيل.
هموم.. في انتظار الحل!
هموم الحياة الفلسطينية عموماً وسكان المخيمات خصوصاً هي مشكلات من
نوع معقد وخاص؛ فهم مع كونهم ضحايا أكبر جرائم العصر الحديث، إلا أن
النظرة العربية الرسمية إلى أفرادهم تبقى نظرة مشوبة بالشكوك! ومع كونهم
مسلمين يقيمون بين ظهراني إخوان لهم إلا أنهم لم ينالوا ما تفرضه حقوق الإسلام
من نصرة وكفالة، بل أصبحوا كما صورهم الغرب صفقة أو مشروع صفقة
سياسية يمكن التفاهم بشأنها في حدود المسموح به إسرائيلياً والمتاح غربياً. هذه
النظرة بحد ذاتها هي أحد أكبر العوامل فيما يعانيه إخواننا الفلسطينيون في
المخيمات، وإن الإشارة إلى بعض ما يعانونه هو دعوة في المقام الأول إلى تغيير
النظرة الرسمية إلى قضيتهم، وحل ما يتفرع عنها من مشاكل.
ومن بين هذه المشاكل والهموم:
* مشكلة الحقوق الكاملة: حق السفر.. حق العمل.. حق التملك.. حق
الحماية الأمنية، حيث يعاني الفلسطينيون من مشاكل لا حصر لها ناتجة عن حملهم
لوثيقة السفر الفلسطينية؛ فهي غير معترف بها لدى كثير من الدول، ويتعرضون
في غالب الدول لنوع من المتابعة الأمنية اللصيقة لتحركاتهم ونشاطاتهم خاصة بعد
اتفاقية «واي ريفر» التي أدخلت الدور الاستخباراتي وجعلته جزءاً من التسوية.
* هناك مشكلة تقابل عدداً كبيراً من المهجرين، وهو عدم الاعتراف بهم من
قِبَل الأونروا؛ حيث لا يوجد في سجلات الأونروا سوى 3. 737. 494 مليون
لاجئ من المقيمين في داخل فلسطين ودول الجوار، أما الذين يقيمون في بقية
الدول وعدد غير قليل من الذين يقيمون في ذات الدول، فغير معترف بهم لاجئين؛
مما يعرض حقهم في العودة والتعويض للضياع، وإذا كان كلامنا عن المخيمات
فلأنها عنوان ورمز للمهجرين، ولأن مشاكل أهلها هي قاسم مشترك بين غالب
المهجرين أو جميعهم.
* عدم كفاية البنية التحتية للمخيمات في توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة
سواء شبكات الصرف والمياه والطرق، أو حتى في المدارس والمستشفيات
والمرافق الأخرى؛ فغالب هذه المرافق قد أنشئت منذ عقود بطاقةٍ تستوعب طاقة
المخيمات، لكنها اليوم مع تقادمها تضيق عن استيعاب الزيادات الكبيرة الناتجة عن
نمو سكان المخيمات.
وقد ازدادت الحالة سوءاً منذ مطلع التسعينيات؛ حيث خفضت عدد من الدول
المانحة حصصها بناء على التوجه الغربي المنسق لتفكيك هذه المخيمات، وتوطين
أهلها، متى أتيحت الفرصة، فتشكو المدارس التي غالبها تابع للأونروا من تكدس
الطلاب داخل الفصول، وعدم كفاية الخدمة التعليمية لهم؛ مما يجعل العملية
التعليمية نوعاً جديداً من المعاناة؛ فالمباني التعليمية كهيئتها دون زيادة أو ترميم،
والدراسة على فترتين أو ثلاث لسد العجز في المباني، وعدد المدرسين لا يكفي
نتيجة لعدم كفاية الميزانية لتوظيف مدرسين جدد، ويزداد هذا الأمر وضوحاً في
المخيمات الأكثر فقراً في لبنان وغزة، ويبقى التعليم المجاني في حدود التعليم
الأساسي والفني. أما الجامعات فغير متاحة إلا لذوي القدرات العالية أو من يظفر
بمنحة من الجامعات العربية أو الأجنبية، وتقدم الجامعات التنصيرية فرصاً غير
قليلة للطلبة سنوياً.
* أدى ضرب البنية التحتية لنشاط الجمعيات الخيرية الإسلامية إلى ازدياد
معدلات الفقر والمرض ومن ثم الجريمة داخل مخيمات القطاع والضفة؛ حيث
نجحت السلطة في هذا الدور، وأخفقت في تقديم البديل رغم تلقيها المساعدات!
* عملية الاستقطاب السياسي كما يحدث في سوريا ولبنان؛ حيث تسيطر
على المخيمات قلة من المنتفعين مدعومة من الدولة المضيفة تتبنى الفكر السائد،
بحيث يسبب تسلط هذه الفئة واستبدادها بالأمر صراعات قوية داخل المخيمات
ويخلف آثاراً هي أغنى ما تكون عنها.
* تعقد مسألة التمثيل؛ حيث هناك أكثر من طرف يمثل المخيمات من
النواحي المختلفة قانونياً واقتصادياً وسياسياً، وعلى المستوى السياسي لا يوجد
تمثيل سياسي رسمي يعبر عن قضايا المهجرين، مما ينشأ عنه ضياع الصوت
الفلسطيني بعيداً عن التأثير في قضاياه المحلية داخل المخيمات. لكن في الفترة
الأخيرة بدأت عدة تجمعات في البروز ونشطت في الحركة والدفاع عن حقوقها
وخاصة بعد أن يئس الجميع من السلطة الفلسطينية في نيل حقوقهم.
* هناك عامل مشترك هو أن تجمع الفلسطينيين في مخيمات أصبح أمراً غير
مرغوب فيه من الدول المضيفة على تفاوت في أسلوب التعبير عن ذلك، ويبلغ
أشدها في لبنان؛ إذ يتعرض المهجرون هناك لكل أنواع الضغط والإهانة يستوي
في ذلك الدولة والطوائف.. فالدولة تفصل القوانين من أجل حرمانهم من العيش
بكرامة، وتمارس ضدهم أشد الإجراءات الأمنية، وتحرمهم من تملك المنازل ومن
ترميم أكواخهم، ومن حرية الحركة والتنقل وحرية العمل، فيمنعون بالقانون من
مزاولة 70 مهنة، بينما تتاح فرص العمل للقادمين من الفليبين وتايلاند، دون أدنى
عقبات! إلى جانب عدم توفير الحماية الكافية لهم من اعتداءات بعض الطوائف
المتربصة، وما زالت الذاكرة حافلة بمشاهد تحالف حركة أمل الشيعية مع
الميلشيات المارونية مع شارون في الثمانينيات في تطويق المخيمات الفلسطينية كما
في مذابح (صبرا وشاتيلا) وغيرهما في لبنان.
* مؤامرات التوطين: تماماً كما يتابع الفلسطينيون عمليات اليهود العسكرية
في الضفة والقطاع فإنهم أصبحوا يتابعون مستجدات التآمر عليهم لتضييع حقوقهم
بعد ما يزيد عن نصف قرن من الرباط والرفض التام لكل العروض البديلة عن
حقوقهم، وكأن نيل أحدهم لجنسية أخرى يهدر حقه في أرضه بينما يبقى حق
اليهودي في نيل الجنسية والأرض حقاً أبدياً! فجعلهم يرفضون أي جنسية،
ويصبرون على مرارات السنين.
ولا يحصي الفلسطينيون عدد المؤامرات من كثرتها، وقد كان من بين
المطروح مؤخراً:
- فتح باب التوطين في سوريا والأردن، وتوطين مهجري لبنان في العراق
في صفقة لرفع الحصار عنه.
- فتح عدد من الدول الغربية الباب أمام هجرة الفلسطينيين، كما حدث من
كل من كندا وبريطانيا وأستراليا.
- حث دول الخليج على توطين مجموعات من الفلسطينيين سراً من خلال
فتح باب التجنس للراغبين، وقد وردت بعض الأنباء عن حدوث ذلك بالفعل في
دولة الإمارات.
- مزيد من التهجير.. مزيد ومزيد!
إن قيام إسرائيل على الفكر الصهيوني يعني أول ما يعني قيامها على
استئصال السكان الأصليين، وقيام دولة يهودية بنسبة 100%؛ ولئن لم يتحقق لها
ذلك بصورة كاملة من قبل لعوامل تاريخية ودينية وجغرافية خاصة، إلا أنها ما
زالت ماضية في استئصال البقية الباقية عبر مئات الإجراءات، وفي صمت تام من
الحكومات العربية، ومن هنا فإن الكلام عربياً عن تطبيق القرارات الدولية
والشرعية الدولية إنما هو كلام للاستهلاك المحلي؛ لأن الجميع يعلم ما تنويه
إسرائيل؛ لأن إسرائيل تسير فيما يخص قضية اللاجئين في اتجاه محدد وفق الفكر
الذي تتبناه بيمينها ويسارها على حد سواء، ومن هنا فإن الكلام عن عودة اللاجئين
هو كلام قد فات أوانه منذ زمن وحسمته البنود السرية في الاتفاقيات السابقة،
وموقفها اليوم كما يستند إلى العقيدة الصهيونية وإلى هذه البنود السرية، فإنه يستند
كذلك إلى إجراءات على الأرض فرضت واقعاً جديداً لا يمكن لإسرائيل التراجع
عنه إلا في ظروف ردع قصوى يعلمها الجميع، هذه الإجراءات لا تقف بأرقام
المهجرين عند حد النمو الطبيعي بل ترهقه بزيادات سنوية في أرقام الضحايا عبر
عدة إجراءات وسياسات وبرامج إسرائيلية تتماشى مع ما تطمح إليه إسرائيل:
* التهويد التام للقدس والضفة، واستيعاب ربع مليون مستوطن في المرحلة
الحالية، وإنهاء الوجود الرسمي الفلسطيني من خلال اختلاق مئات الأسباب
للاستيلاء على أراضي المسلمين ومصادرتها؛ فقد دمرت السلطات الإسرائيلية ما لا
يقل عن 2650 منزلاً من منازل الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك
القدس الشرقية منذ عام 1987م، بسبب عدم حصولها على تراخيص بناء، وكان
من نتيجة ذلك أن عدداً من الفلسطينيين يبلغ 16700 شخص (من بينهم 7300
طفل) فقدوا بيوتهم، بمتوسط 226 منزلاً كل عام إلى جانب 1300 منزل يقيم
فيها رُبع سكان المنطقة «ج» قد صدر بشأنها إزالة نحو 12000 منزل في القدس
الشرقية وحدها، ولم توقف اتفاقيات السلام مثل هذه الجرائم، بل تشير الأرقام إلى
ارتفاع طفيف في المعدل السنوي منذ 1993م وحتى عام 1999م.
وتتواتر الروايات عن الضحايا أنهم يفاجَؤون بالجنود والهادمات دون مقدمات،
ولا يمهلون سوى ربع ساعة لأخذ ما يستطيعون من متاعهم، ويهدم المنزل على
ما تبقى! هذا المشهد المكرور سبب صدمات نفسية عميقة لأصحابها من الأفراد
والأُسر الذين رأوا بيوتهم تهدم أمام أعينهم؛ ليسكنها اليهود فيما بعد، إلى جانب
مصادرة حوالي 700 بطاقة زرقاء سنوياً (من المقدسيين) ؛ مما يعرضهم للحرمان
من الإقامة في موطنهم ومعهم أسرهم، ويتبع ذلك عدم جواز التصرف في أملاكهم
لأي أحد مهما كان، ومن ثم غصب هذه الممتلكات؛ فماذا على هؤلاء إذا ما تحولوا
بسبب هذا القهر إلى قنابل بشرية تطهر أرضهم من بعض الغاصبين؟ !
* تهويد منطقة الخليل: والتي تشمل مدينة الخليل وما حولها كجزء متاخم
للقدس من أجل توطين مليون يهودي حسب ما يخطط له شارون لزيادة الرقعة
اليهودية في القلب الفلسطيني.
* التدمير المنظم لمخيمات الداخل من خلال الغارات الجوية وقتل القادة
المؤثرين داخل المخيمات، وضرب البنية التحتية للمخيمات، والتضييق على
سكانها في التنقل والخروج للعمل، والهدم المتواصل للبيوت الفلسطينية،
وإجراءات التفتيش الحافلة بكل صور الإهانة، ومنع المواد الإغاثية من الوصول
إلى المخيمات أثناء فترات الحصار التي تطول يوماً بعد يوم. كل هذا يحدث
بصورة تفوق الوصف لدرجة أن المفوض العام لوكالة شؤون اللاجئين صرح في
حوار معه مؤخراً أن استمرار الانتفاضة وتخطيها لسنة مثَّل له مفاجأة كبيرة؛ إذ
كان يقدر في ظل الحصار المشدد على التجمعات الفلسطينية ومنع وصول مواد
الإغاثة ومنع خروج الفلسطينيين لأعمالهم ألا تستمر الانتفاضة أكثر من شهرين
على أقصى تقدير له، وهي إدانة واضحة ضد ما يمارس ضد المدن الفلسطينية
عموماً والمخيمات بصفة أخص والتي تزداد فيها المواجهات.
* دفع الدول الغربية للتخلي عن دورها في تمويل مشاريع إغاثة المخيمات،
وقد بدأت الولايات المتحدة وألمانيا منذ بداية التسعينيات في تقليص حصتهما في
الأونروا مما يعني تخفيض مستوى الخدمات المقدمة على ضعفها وقلتها.
* الضغط على الدول العربية المضيفة لتشديد إجراءاتها الأمنية على
المخيمات، وخاصة تحركات القادة والتواجد الخيري الإسلامي الذي يغني
الفلسطينيين عن تكفف الأونروا، ويخفف من تأثير الضغوط الاقتصادية المتزايدة
عليهم، وقد حدث هذا بالفعل في الأردن؛ حيث جمد نشاط عدد من المنظمات هناك،
وفي مؤتمر نظم مؤخراً في عمان منع نصف المشاركين في المؤتمر من دخول
الأردن رغم أن دعوات المشاركة قد أرسلت بإذن من الحكومة وتحت علمها،
وكذلك الأمر في لبنان على ما فيها من تضييق دائم على الفلسطينيين.
وقد كانت مخيمات الداخل الفلسطيني فاتحة هذه السياسة؛ إذ ضربت البنية
التحتية للمنظمات الإسلامية العاملة، واعتقل أبرز قادتها، وحددت حركة الباقين
حتى عبَّر بعض الكتاب الصهاينة عن ذلك بقولهم: «نجح العريف (عرفات) فيما
أخفق فيه الجنرال (رابين) » .
وعلى ما سبق فإن ما حل بالمخيمات الفلسطينية باعتباره رمزاً للصمود
والمرابطة ودليلاً على حق كل المشردين في استعادة حقوق الأمة لا تسأل عنه
الدولة اللقيطة وحدها , وإنما هونتيجة طبيعية لحاصل ضرب مسؤولية جميع
الأطراف بعضها ببعض. بدءا بالمتعهد
البريطاني ثم الراعي الأمريكي والأمم المتحدة والحكومات العربية والسلطة الوطنية ,
وإن تحليل النتائج اليوم يوضح جليا قدر كل طرف ونصيبه من جريمة العصر.