المسلمون والعالم
بعد الزلزال الأمريكي
الهيمنة الأمريكية في مفترق طرق
حسن الرشيدي
«إنها واحدة من تلك اللحظات التي ينقسم فيها التاريخ ومعها العالم إلى ما قبل
وما بعد. مركز التجارة العالمي أبرز وأضخم معالم عاصمة العالم الرأسمالي يتهاوى
تحت هجوم الطائرات الانتحارية ليتحول إلى ركام من الزجاج والحديد، وها هو
البنتاجون رمز الأمن الأميركي يتعرض هو الآخر لهجوم انتحاري وينهار الجزء
الذي يؤوي قيادة الجيش الأميركي. حتى طائرة الرئيس، (آرفورس) كانت لفترة
طويلة تبدو كما لو أنها تتنقل وسط البلاد (بعيداً عن العاصمة) ، بحثاً عن الأمن» .
بهذه الكلمات تعبِّر أشهر صحيفة أمريكية (النيويورك تايمز) عن خيبة الأمل
الأمريكية في أعقاب أحداث الثلاثاء الدامي في الولايات المتحدة.
لقد جاءت هذه الأحداث في غير السياق المرسوم للتفوق الأمريكي، هذا النجم
الذي ظن أصحابه أنه سيبقى ببقاء الحياة؛ فقبل شهر من هذه الأحداث ذكر تقرير
لوزارة الخارجية البريطانية أن من شبه الأكيد أن الولايات المتحدة ستظل حتى عام
2030م القوة العسكرية والاقتصادية العظمى الوحيدة في العالم؛ حتى جاءت هذه
الضربة.
ولكن هل ما حدث يأذن بتغيير موازين القوى العالمية، واهتزاز للهيمنة
الأمريكية على العالم؟
إن أي إطار تحليلي يحاول استجلاء تلك التطورات لا بد فيه من الإحاطة
بثلاث ظواهر:
الأولى: تتبع تاريخي لصعود الولايات المتحدة في العصر الحديث حتى
وصولها لهذه المكانة.
الثانية: أبرز خصائص التفوق الأمريكي، وأدوات هيمنتها على العالم.
الثالثة: دلالة الضربة التي تلقتها الولايات المتحدة.
ودراسة تلك العوامل تمكننا من تقدير أثر الضربة على الهيمنة الأمريكية؛
ومن ثم توقُّع حجم التغيُّر في هيكلة النظام العالمي وموازين القوى فيه.
تشكل النظام العالمي مع مطلع القرن العشرين:
حَفَل القرن العشرون بعدد من التغيرات الهائلة المدوية؛ ففي نصفه الأول
اندلعت حربان عالميتان، وانفجرت ثورتان كبيرتان في روسيا والصين، وانهارت
خمس إمبراطوريات هي «العثمانية والألمانية والإيطالية واليابانية والنمساوية
المجرية» ، وحدث تراجع هائل لقوتين من أهم القوى الاستعمارية العالمية ألا
وهما الاستعمار البريطاني والاستعمار الفرنسي. والخلاصة أنه طرأ تغير
جوهري على طبيعة النظام الدولي. ولو ألقينا نظرة على القرون السابقة
لوجدنا أن النظام الدولي اتسم دائماً بتعدد القطبية وتوازن القوى، حيث لم يكن
يسمح لدولة بمفردها أن تحقق تفوقاً أو سيطرة، لا يستطيع تحالف الدول الأخرى
التصدي لها بدرجة أكبر من القوة والجبروت. ونجح هذا النظام آنذاك في الحيلولة
دون ظهور قوة مهيمنة واحدة، لكنه مني بالإخفاق في نهاية المطاف؛ مما أدى إلى
نشوب الحرب العالمية الأولى التي أعقبتها فترة من الفوضى، ظهرت بعدها الفاشية،
واندلعت الحرب العالمية الثانية. ثم انكشف غبار هذه الحرب عن تبلور نظام
دولي ثنائي القطبية.
لقد كان هناك سببان رئيسان وراء التحول نحو القطبية الثنائية:
أولهما: التراجع الهائل في قوة العديد من الأطراف التي كانت تشكل الثقل
الأساسي خلال حقبة توازن القوى أي حقبة ما قبل الحرب العالمية الأولى بعد أن
انهزمت ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وانحسرت قوة بريطانيا وفرنسا.
السبب الثاني: أن هذه التطورات رافقها تغير مهم، تمثل في انتقال القوة
النسبية إلى أيدي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي السابق، وزيادة
تدخلهما في الشؤون العالمية. وكانت هذه التغيرات نتاجاً لمجموعة معقدة من
العوامل التي أفرزت نظاماً عالمياً جديداً ثنائي القطبية. وكانت السمة الرئيسة لهذا
النظام هي أن قطبيه الجديدين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة يمثلان نظامين
مختلفين، لكل منهما قيم وأنماط معيشية مختلفة؛ ومن ثم أفرز هذا النظام عدداً من
القضايا التي تختلف إلى حد كبير عن قضايا عصر توازن القوى المتعدد القطبية
(أي ما قبل الحرب العالمية الأولى) . وأدت الأيديولوجيا الماركسية الثورية،
والإحساس بالدور التاريخي إلى تحفيز موسكو لكي تتبوأ مكانها في النظام الجديد.
وبعد فترة من الغموض والتردد قررت الولايات المتحدة أن تأخذ على عاتقها
مهمة احتواء المد السوفييتي؛ ومن ثم اندلع هذا الصراع الذي عرف باسم الحرب
الباردة، وترافق ذلك مع تطوير أسلحة الدمار الشامل.
وهكذا هيمنت أجواء الحرب الباردة على السياسة الخارجية الأمريكية
واستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، وألقت بظلالها على القرارات الدفاعية
الرئيسية، بما فيها مشتريات أنظمة الأسلحة وحجم القوات والوجود العسكري في
الخارج والتحالفات. وبسبب القطبية الثنائية التي تميزت بها حقبة الحرب الباردة
أصبح على الولايات المتحدة أن تهيئ نفسها لاحتواء المد السوفييتي على النطاق
العالمي؛ مما كان له أكبر الأثر على تعاملات الولايات المتحدة مع مختلف المناطق.
ولكن الحرب الباردة انتهت نهاية مدوية، حينما حدث الانهيار المفاجئ
للاتحاد السوفييتي بوصفه إمبراطورية ودولة؛ ونتيجة لذلك تحول التوازن النسبي
للقوى السياسية والعسكرية ليصبح في صالح الولايات المتحدة الأمريكية. ومن
المعروف أن الولايات المتحدة خلال ما يزيد على أربعة عقود من الحرب الباردة
حققت منزلة سياسية عظيمة وقدرات عسكرية هائلة، فلم يعد أمامها أي منافس
دولي أو أي تحالفات معادية ذات شأن. بل إن معظم الدول التي تمتلك قدرات
اقتصادية متميزة، وتتمتع بارتفاع متوسط في دخل الفرد والناتج المحلي الإجمالي،
مثل ألمانيا واليابان، هي دول حليفة للولايات المتحدة. ويمكن القول بالفعل إن
الولايات المتحدة وحلفاءها قد أقاموا منطقة يعدُّ فيها نشوب الحرب فيما بينهم أمراً
غير وارد إطلاقاً. وإن ظلت الولايات المتحدة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم،
وبذلك أصبحت هي القوة العظمى الوحيدة.
ولكن في داخل الولايات المتحدة نفسها كانت هناك تيارات فكرية تتنازع في
محيط صناعة القرار السياسي الأمريكي:
التيار الأول تيار انعزالي: وهو يدعو إلى التخلي عن السيطرة والتفوق
والانطواء على الذات، وهذا التيار كان هو المسيطر على الفكر السياسي الأمريكي
طيلة القرن التاسع عشر حتى بدايات القرن العشرين، وهذه الانعزالية وفي نظر
هذا التيار تسهم في تخفيض الإنفاق الدفاعي في مواجهة عجز الميزانية؛ مما يحسن
القدرة التنافسية الاقتصادية للولايات المتحدة، وكذلك يقلل من احتمالات مقتل عدد
متزايد من الجنود الأمريكيين؛ غير أن هذا التوجه الانعزالي في نظر مركز أبحاث
راند الأمريكي «يزيد على المدى الطويل من خطر نشوب الصراعات الكبرى؛
مما يتطلب قيام الولايات المتحدة بمجهود دفاعي أكبر، كما أنه في النهاية
يقوّض الازدهار الأمريكي بتقليص الفرص التجارية الناتجة عن الهيمنة» .
أما التيار الثاني: فهو يدعو إلى العودة إلى تعدد القطبية وتوازن القوى
للحيلولة دون ظهور قوة مهيمنة جديدة. والقوى المحتملة في المنظور الأمريكي هي
الصين واليابان وأوروبا وروسيا، وقد تتغير هذه القوى في المستقبل. وقد ثبت
أنه من المستحيل اتباع هذا النهج التوازني حتى بالنسبة للدول ذات الثقافات
المتشابهة خلال القرن التاسع عشر؛ فالمرجح أن تزداد حدة الخلافات بين الدول
الآن في ظل توجهات القوى الكبرى، واختلاف ثقافاتها؛ مما يجعل هذه القوى
بعيدة عن المرونة الكافية التي يتطلبها نظام توازن القوى هذا.
والتيار الأخير: السائد في الفكر السياسي الأمريكي هو الزعامة العالمية أو
الهيمنة الشاملة، وهي تقتضي منع ظهور منافس عالمي آخر يكون معادياً لها،
وتحول في الوقت نفسه دون العودة إلى تعدد القطبية. وأصبح هذا هو الاختيار
الأول بالنسبة للساسة في أمريكا خاصة منذ عهد ريجان في أوائل الثمانينيات من
القرن الماضي.
أدوات الهيمنة الأمريكية:
هذا الهدف الأسمى لدى الطبقة السياسية في أمريكا، وهو فرض الهيمنة
الأمريكية على العالم كان لا بد له من استراتيجية لتطبيقه، ويمكن تلخيص تلك
الاستراتيجية بكلمة واحدة أطلقت عليها ظاهرة العولمة؛ هذه العولمة لها عدة أذرع
وأوجه، ومنها:
عولمة اقتصادية: وغرضها السيطرة على رأس المال، وربط الاقتصاد
العالمي بالاقتصاد الأمريكي عن طريق آليات ومنظمات مثل الشركات المتعددة
الجنسيات، ومنظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد، واتفاقية
الجات، وغيرها.
عولمة سياسية: وهدفها النهائي تذويب الحدود بين الدول، والإلغاء التدريجي
لسلطان الحكومات على شعوبها بطرق كثيرة؛ أهمها تشجيع الأقليات العرقية
والدينية على التمرد، وإرسال الوفود والبعثات لتقصي الحقائق، وتقسيم العالم إلى
مناطق جيوبوليتيكية، ورسم إطار استراتيجي لهذه المناطق تراعى فيه المصالح
الحيوية لأمريكا، وتبقى هذه المناطق تدور دائماً في الفلك الأمريكي.
وكذلك اعتمادها بشكل أساسي على أداتين رئيسيتين لتحقيق السيطرة على
العالم، ويتلخصان في فرض العقوبات الاقتصادية على دول مختلفة من ناحية،
والتدخل العسكري المباشر في مناطق متفرقة من العالم من ناحية أخرى.
عولمة تكنولوجية: فأمريكا لديها الطاقة التكنولوجية الهائلة القادرة على إنتاج
مستويات أعلى وأرقى من المنتجات على مستوى العالم كله، وفي مجالات قائدة
مثل الاتصالات، والهندسة الوراثية، والفضاء، والطب، والدواء تزيد بكثير على
كل ما ينتجه منها العالم أجمع، مع قدرة غير مسبوقة على نشر هذه المخترعات
لكي تكون مكوناً رئيسياً لسوق الإنتاج والاستهلاك العالمي، وحتى نقرب الصورة
إلى الأذهان، فإن اختراعاً أمريكياً وحيداً مثل الكمبيوتر أصبح الآن جزءاً من
العمليات الإنتاجية والاستهلاكية الدولية حتى في البلدان التي تقوم بإنتاج الكمبيوتر،
والتي أصبح عليها أن تجعله متوافقاً مع المنتج الأمريكي لشركةIرضي الله عنهM وشركة
مايكروسوفت حتى يمكن تسويقه على مستوى العالم.
عولمة قانونية: وغايتها وضع تعريفات قانونية لأوضاع سياسية يتم على
أساسها تصنيف الشعوب والدول والحركات؛ فمصطلح الإرهاب مثلاً لا ينطبق إلا
على كل ما تعده أمريكا مناوئاً لها ولسياساتها، وكذلك محكمة جرائم الحرب بلاهاي
تطبق عن طريقها التعريفات الأمريكية الانتقائية، فيتم محاكمة رئيس الصرب
السابق ميلوسوفيتش بتهمة ارتكاب مذابح ولا يحاكم شارون بالرغم من أن الاثنين قد
ارتكبا مجازر بشعة، وخاصة ضد المسلمين، ولكن لأن الأول وقف عقبة كأداء في
وجه الهيمنة الأمريكية.
عولمة ثقافية وإعلامية: عن طريق فرض النموذج الغربي، وخاصة الأمريكي
في التفكير وطرائق الحياة على شعوب العالم. ومن الملاحظ أنه توجد
جملة مدارس متضاربة في الداخل الأميركي خاصة وفي الغرب عموماً تحاول
تفسير الصراع بين الإسلام وما يسمى بالحضارة الغربية:
* هناك مدرسة صدام الحضارات التي يرّوج لها كما هو معروف المفكر
الأميركي (صموئيل هنتنجتون) ، والتي لا ترى في الإرهاب الإسلامي المزعوم
سوى تعبير من تعبيرات الحرب الحتمية بين الحضارتين الإسلامية والغربية.
* وهناك المدرسة التاريخية الواقعية التي يمثلها المؤرخ (برنارد لويس) ،
وهي ترى ضرورة التمييز بين القلة الأصولية المتطرفة وبين الأكثرية الإسلامية
المعتدلة، وقد نشر لويس مؤخراً دراسة في مجلة «فورين أفيرز» الشهيرة،
اعتبر فيها تفسيرات أسامة بن لادن اللاهوتية «تشويهاً تاماً للدين الإسلامي الذي لا
توجد في نصوصه أبداً ما يشجع على الإرهاب والقتل» . وكان ملفتاً أن ينهي
لويس دراسته هذه بالكلمات الآتية: «من الواضح أنه يتعيّن على الغرب أن يدافع
عن نفسه (ضد ابن لادن وأضرابه) بشتى الوسائل الفعالة. لكن وحين وضع
الاستراتيجيات لمقاتلة الإرهابيين سيكون من المفيد فهم الدوافع التي تحركهم» .
* وثمة مدرسة ثالثة حضارية اقتصادية يعبر عنها المفكر (بول كينيدي) ،
وتدعو الغرب إلى تفهم تظلمات العالم الإسلامي منه. ويقول كينيدي في كتابه
الأخير (التحضير للقرن الحادي والعشرين) : «إن الغرب، بإبحاره على طول
السواحل العربية، ومساعدته على تدمير الإمبراطورية المغولية، واختراق النقاط
الاستراتيجية للمنطقة بالسكك الحديدية والقنوات، والتقدم دوماً نحو إفريقيا الشمالية
ووادي النيل والخليج الفارسي (العربي) والهلال الخصيب ثم شبه الجزيرة العربية
نفسها، وتقسيم الشرق الأوسط وفق حدود غير طبيعية، وزرع إسرائيل في وسط
الشعوب العربية، وعدم الاهتمام بالمنطقة سوى بسبب نفطها؛ كل هذا جعل الغرب
يلعب أكثر من دور في تحويل العالم الإسلامي إلى ما هو عليه الآن. وهذا ما لا
يبدو أن الغربيين مستعدون للاعتراف به» .
* وأخيراً هناك المدرسة التاريخية الاجتماعية التي يجسدها الكاتب الأميركي
الليبرالي (وليام بفاف) ، والتي تدعو إلى حلول عادلة للمشاكل الإقليمية وإلى
الالتفات إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعوب العربية والإسلامية،
باعتبارها وسيلة وحيدة.
عولمة تربوية: وذلك بالتدخل في المناهج التعليمية في الدول المختلفة،
وتغيير عقول الناشئة، وتذويب هوياتهم العقائدية ليسهل على وسائل الإعلام بث
القيم الأمريكية البديلة؛ ففي مصر على سبيل المثال تقول الأرقام إن هيئة المعونة
الأمريكية قدمت 90 مليار جنيه منحاً ومعونات للحكومة المصرية خلال الـ 25
سنة الأخيرة، وإنه منذ عام 1981م قدمت الهيئة الأمريكية 185 مليون دولار
للتعليم فقط، باعتبار أن الجانب الأمريكي وضع مصر من بين الدول التي تتلقى
المساعدات التعليمية منحاً وقروضاً، ومعها بالطبع خبراء وبرامج وتوصيات لا بد
من تطبيقها بوصفها شروطاً للحصول على المعونة ولم تتوقف المساعدات عند هذا
الحد وإنما تجاوزته لتشمل مشروعات أخرى مثل مشروع التدريب الفني بتكلفة
(180) مليون دولار، ومشروع تعليم الإناث (60) مليون دولار، ومشروع
آخر يسمى: (المشاركة من أجل البنات والنساء) بتمويل قدره 5. 2 مليون
دولار.
المشكلة هنا أن المساعدات الأمريكية لا يتم إيقافها إلا وفقاً للتصور الأمريكي
بما يطرحه من برامج ونظم محددة يجب تطبيقها بدقة.
عولمة أمنية أو مخابراتية: وهي تقوم على التعاون بين مخابرات الدول
المختلفة في ضرب كل من تسول له نفسه الوقوف أمام الهيمنة الأمريكية، وتحاول
في الوقت نفسه منع الاعتداء على المواطنين في أمريكا سواء في الداخل أم في
الخارج، وعلى رأس أدوات أمريكا في تنفيذ هذا الشق العولمي وكالة الاستخبارات
المركزية الأمريكية (سي. آي. إيه) التي تعد نموذجاً لأجهزة المخابرات في
العالم؛ وذلك بفضل الوسائل التي توفر لها المعلومات بغزارة من شتى أنحاء الكون؛
بالإضافة إلى جيش العاملين بها من الخبراء في الشؤون الدولية، والمحللين
للمعلومات التي ترد إليها يومياً ساعة فساعة للوقوف على اتجاهات الدول
والمنظمات المختلفة؛ بهدف استشعار أي خطر وهو في المهد لإجهاضه، وهي
السياسة الأمريكية المعروفة بـ (الضربات الوقائية) ، وهي السياسة التي مكنت
أجهزة الأمن الداخلية من تتبع العديد من المخططات التي تستهدف المصالح
الأمريكية، وآخرها مخطط تفجيرات واحتفالات الألفية الثالثة الذي أحبط بسبب
التعاون الوثيق بين الـ (سي آي إيه) ومكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي (إف
بي آي) ، ويتولى عملاؤه (ويقدرون بالآلاف) جمع المعلومات الداخلية ومراقبة
وإحباط أي محاولات عدوانية داخلية.
عولمة عسكرية: وذلك بامتلاك أحدث الأسلحة في جميع المجالات العسكرية
التقليدية، منها وغير التقليدية معتمدة على أذرع طويلة في البحر من حاملات
طائرات ومدمرات وغواصات، وفي الجو من طائرات الشبح، وفي الفضاء درع
صاروخي.
وهذا الاستعراض السريع لمفردات الهيمنة الأمريكية لا ينسينا أن كثيراً من
المحللين السياسيين يعتبرون أن النظام العالمي بعد انتهاء عصر الثنائية القطبية لم
يوجد بعد، وأنه في طور التشكل، وأن بوش الأب ومن بعده كلينتون لم ينجحا في
بناء أسس كاملة لنظام عالمي جديد قائم على المفهوم الأمريكي؛ حتى ذهب صمويل
هنتنجتون نفسه إلى وصف النظام العالمي الراهن بنظام: (الواحد والمتعدد
الأقطاب) أي النظام الذي يقوم على وجود قوى عظمى متفردة في عالم متعدد
الأقطاب. فالنظام متعدد الأقطاب يعني التساوي النسبي في قوى الدول الكبيرة في
العالم، وهو أمر لم يتوافر بعد إذا قيست هذه القوى بالقوة الأمريكية. كما أنه من
الصعب وصف النظام العالمي بالنظام «أحادي القطبية» بشكل كامل؛ لأن هذا
الأخير يعني وجود قوى عظمى وحيدة في العالم، وبجانبها قوى أخرى صغيرة
متعددة، وينفي في المقابل وجود قوى كبيرة يكون لها وزن تحسب له القوى
العظمى حساباً في القضايا الدولية والإقليمية المختلفة، وهذا أيضاً ليس واقع الحال
ولذلك ربما تكون هذه التسمية هي الأقرب إلى وصف الواقع الحالي الذي يمر به
النظام العالمي ولكن بالرغم من وجاهة هذه النظرة فإنها لا تنسينا التفوق الأمريكي
أو محذولة الولايات المتحدة الظهور بمظهر القوة العالمية الوحيدة، وخاصة مع
الضعف الظاهر للقوى التقليدية كأوروبا والصين وروسيا.
ثم جاء الرئيس الأمريكي الحالي بوش الابن الذي سيطرت عليه النزعة
الأمريكية بالسيادة والتفوق، وفي نفس الوقت لم يتمتع بالخبرة الكافية والعلم بواقعه
جيداً، فأحاط نفسه بمجموعة من الاستشاريين وتبنى أفكارهم، وهي في غالبها
أطروحات أكاديمية بعيدة عن الواقع، فحاول وضع أسس جديدة للنظام العالمي:
* أراد بناء الدرع الصاروخية لحماية أميركا من صواريخ الدول المارقة،
ضارباً بذلك معاهدة الـ (آي بي إم) التي كانت عامل استقرار بين القطبين منذ
تاريخ توقيعها عام 1972م وشكّل قرار بوش هذا قلقاً لدى الأعداء والأصدقاء على
السواء، فخاف الأوروبيون أن يشكل هذا الأمر سبباً لتسريع عملية سباق تسلّح
جديد، وأقلق الأمر الصين الصاعدة لكونه يبطل مفعول ردعها النووي فتصبح
عرضة للابتزاز السياسي الأميركي. يُضاف إلى هذا اعتباره الصين منافساً بدل أن
تكون حليفاً استراتيجياً كما كانت أيام كلينتون.
* رفض معاهدة كيوتو التي تحدّ من نفث ثاني أوكسيد الكربون في الفضاء،
متجاهلاً الرأي العالمي حول البيئة، ناسياً أن الولايات المتحدة هي أكبر مسبّبي هذا
التلوّث.
* رفض اقتراح التسوية حول الأبحاث الجرثومية والبيولوجية.
* تمنّع عن دفع المتوجبات للأمم المتحدة مخالفاً بذلك شرعة هذه المنظمة التي
هي من صنيعة الولايات المتحدة.
* آثر عدم الانخراط في مشاكل العالم ما دامت لا تؤثر على زعامة أمريكا أو
تمس مصالحها مباشرة، كمشكلة الشرق الأوسط.
* حاول عبر وزير دفاعه إعادة تنظيم القوات العسكرية الأميركية وتسليحها
وهيكلتها، فأدخل هذا الأخير أبعاداً جديدة على الصراع مضيفاً إلى الفضاء بعداً
رابعاً، وهو ما يعاكس الاتفاقات المعقودة حول عدم عسكرة الفضاء.
كل هذا فعله بوش من منطلق النظرة الاستعلائية المبنية على الإحساس
بالتفوق الأمريكي، ومقدار ما وصلت إليه هذه الهيمنة.
تأثير الضربة على الزعامة الأمريكية:
والآن بعد الضربة التي تلقتها أمريكا يبقى السؤال المهم وهو: كيف أثرت
هذه الضربة على بنية النفوذ الأمريكي في العالم، ومحاولات فرض الزعامة
العالمية؟
لا شك أن هناك تغييرات حدثت في جميع جوانب هذه الزعامة:
أولاً: في الجانب العسكري: يقول خبراء في الشؤون العسكرية: إن ما
شهدته الولايات المتحدة هو تعبير بارز عن مفهوم الحرب غير المتكافئة التي هي
حرب القرن الحادي والعشرين.
وهذه الحرب غير المتكافئة تدور بين طرفين أحدهما دولة محددة واضحة
المعالم، وطرف آخر مبهم جغرافياً، بدليل أن وزير الخارجية الأميركي كولن باول
أعلن رسمياً أن ما حصل هو إعلان حرب على الولايات المتحدة، من دون أن
يكون قادراً على تحديد الجهة التي أعلنت هذه الحرب.
هذه الحرب غير متكافئة؛ لأنها لا تعلن على أرض المعركة بين جيشين بل
في المدن المكتظة أو ضد مصالح معينة وحساسة أو ضد عصب الدولة، ولا
تستعمل فيها الأسلحة التقليدية وإنما أسلحة تكتيكية ووسائل سهلة وسريعة ونقالة،
وهي حرب غير منطقية بالمعنى التكتيكي؛ لأن المشاركين فيها ليسوا سوى أفراد
يحركهم الشعور بالنقمة أو مشاعر عقائدية.
ويعتبر الباحث الفلسطيني مروان بشارة «أن هذه الحرب هي حرب القرن
الحالي وخصوصاً أن فريقاً من المحللين العسكريين الأميركيين يعتبرون أن آخر
حرب متكافئة هي الحرب على الرئيس العراقي صدام حسين الذي خاض حرباً
متكافئة على الأرض مع الولايات المتحدة، وأنه منذ حوالي ثلاثة أعوام بدأ هؤلاء
المحللون يعتبرون أن الحروب المستقبلية المحتملة لن تكون متكافئة» .
إنه منذ انتهاء الحرب الباردة بدأ الخبراء الأميركيون يميلون إلى القول بأن
أعداء الولايات المتحدة المباشرين على الأرض ليسوا كثيرين، وأن الردع المتبادل
يجعل من الصعب على أي دولة القيام بحرب مباشرة ضدها، وأن التهديد الفعلي
مصدره ما يسمى بـ (الدول المنحلة) ، وأن أرض المعركة هي منطقة رمادية:
غير معروف من هو الجندي، ومن هو الفرد، ومن هو المتطوع، ومن هو
الإنسان العادي؟
لقد شهدت المؤسسة العسكرية الأميركية على مدى السنوات الماضية نقاشاً في
شأن الصعيد الذي ينبغي أن يحظى بالأولوية، الصعيد الدولي الشمولي وما يمثله
من تهديدات بواسطة الصواريخ الباليستية والأسلحة الكيماوية والجرثومية، أم
ينبغي تكريس الأولوية لتهديدات الحرب غير المتكافئة؟
لقد انتخب الرئيس الأميركي جورج بوش على أساس برنامج يسعى لرفع
مستوى الاستثمار في الصناعات العسكرية، ومن هذا المنطلق أعطيت الأولوية
للدرع المضاد للصواريخ الباليستية؛ مما أثار العديد من الاحتجاجات في أوساط
الخبراء العسكريين المتنبهين لمخاطر الحرب غير المتكافئة، وفقاً لما أظهره مثلاً
حادث تفجير الـ (يو إس إس كول) .
وحذر هؤلاء الخبراء مراراً من أعمال إرهابية من نوع جديد تستند إلى
شبكات دولية تحظى بدعم مالي مهم، وتستخدم وسائل حديثة للاتصال والمواصلات،
وما جرى في نيويورك وواشنطن لا بد أن يرجح كفة الخبراء الذين تحدثوا عن
الحرب غير المتكافئة.
ويقر خبراء أمريكيون أن استهداف مقر وزارة الدفاع الأميركية وضرب قلب
نيويورك، جاءا بمثابة تحطيم لأسطورة، وإن ذلك جزء من الحرب النفسية التي
تشكل أحد أبرز العناصر المستخدمة في الحرب غير المتكافئة، وأن ما حصل
يوحي بأننا على عتبة مرحلة جديدة في تاريخ المواجهات الحديثة.
لقد ركزت المؤسسة العسكرية في أمريكا على سياسة خاطئة تماماً؛ فمنذ
اعتلائه سدة الحكم قدم الرئيس الأميركي جورج بوش الابن دعماً لا محدوداً
للمشاريع التي أعدها الصقور داخل البنتاجون، والذين يرون أن الحل الأمثل
لمشاكل أمريكا الأمنية هو درع الصواريخ الدفاعي، وقد أصر البنتاجون والجناح
المتشدد فيه بالذات على أن ذلك سيضمن أمن الولايات المتحدة في العالم، ويخلصها
من أخطار «الدول المارقة» التي قد تقدم على شن حرب على أمريكا. ولكن كم
كانوا مخطئين حتى قبل أن يظهر النموذج البدائي لمشروع الدرع الصاروخي
الأمريكي إلى الوجود فقد تحول حلم رونالد ريغان المعروف باسم: (مشروع حرب
النجوم) إلى خطة أخرى أقل تعقيداً تركز بشكل أساسي على السبل الكفيلة بتعقب
وتدمير الصواريخ بعيدة المدى قبل وصولها إلى الأهداف الحيوية داخل الولايات
المتحدة. وحتى الآن لم يتم وضع كافة التفاصيل الدقيقة لكيفية إدخال هذا المشروع
حيز التنفيذ، وإن كان التصور الأخير يتمحور حول نظام يتعقب الصواريخ في
«مرحلة الإطلاق» أي قبل خروجها من المجال الجوي للبلد الذي أطلقت منه عندما
تكون سرعتها بطيئة نسبياً. وبمجرد تعقبه وتحديد مساره يتم تدمير الصاروخ
المعادي بصواريخ موجهة ودقيقة تطلق إما من الأرض أو من الغواصات الأميركية
المنتشرة في جميع أنحاء العالم. ورغم عدم تأكدهم من هذه التكنولوجيا الجديدة إلا
أن صناع القرار الأميركيين يصرون على أنه وحده هذا النظام قادر على توفير
الأمن لأمريكا رغم أنها قد أثبتت أن هذه المغامرة العسكرية الكبيرة التي تسمى
بالدرع الصاروخي لن تأتي بالنتائج المرجوة في نهاية المطاف فضلاً عن تكاليفها
الباهظة على الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي.
في الجانب الاستخباراتي: تم اختراق الحواجز الأمنية لأكبر قدرة معلوماتية
واستخباراتية في العالم؛ بحيث أتى الأمر كله مفاجأة فوق تصور الجميع، وهو ما
جعل الأمريكيين وغيرهم يصابون بالذهول ويتساءلون: ماذا لو كان هذا الهجوم من
قوة عظمى أو حتى من إرهابيين يملكون أسلحة فتاكة كالأسلحة النووية أو
الجرثومية أو غيرها؟ واستتبع ذلك ازدياد التنسيق الذي تقوم به الأجهزة الأمنية
المختلفة مع أجهزة الاستخبارات العالمية لملاحقة أصحاب الاتجاهات الإسلامية
خاصة الجهادية منها؛ فقد أفادت تقارير صحفية مختلفة بحدوث اجتماع مفاجئ
سري يوم الأحد 16/9/2001م أي بعد حوادث التفجير بخمسة أيام حضره رؤساء
الاستخبارات في عدد من الدول الأوروبية والشرق أوسطية مع رئيس وكالة
الاستخبارات الأمريكية بهدف وضع خطوط أساسية للتنسيق المقبل بين أجهزة الأمن
في الدول المختلفة من أجل محاصرة الإرهابيين وتسليمهم.
الجانب الاقتصادي: تدمير مركز اقتصادي ضخم، وكان من نتيجته موت
كثير من العقول التي تصنع الحياة الاقتصادية في أمريكا، وضياع قدر من الوثائق
والأموال ناهيك عما لحق كثيراً من الشركات من خسائر فادحة تقدر بالمليارات،
وهذا بلا شك سيضعف إلى وقت طويل المنظومة الاقتصادية العالمية التي كانت
أمريكا تريد ضم العالم إليها.
وكمثال واحد فقط؛ فإن مؤسسة (مورغان ستانلي آند دين وتر) كانت تحتل
خمسين طابقاً في أحد برجي مركز التجارة العالمي. ولك أن تتصور مدى الخسارة
المالية والبشرية التي ستواجهها مؤسسة استثمارية بهذا الحجم. هذه المؤسسة واحدة
من أكبر ثلاث أو أربع شركات أميركية تتعامل مع أسهم الأسواق المالية والسندات،
ليس فقط في الولايات المتحدة بل في آسيا وأوروبا كذلك.
الجانب الاستراتيجي: يحاول الرئيس الأمريكي وإدارته استثمار ما جرى في
نيويورك وواشنطن في 11/9/2001م؛ لينتزعوا من العالم كله، صغيره وكبيره،
دولاً وشعوباً وأمماً، استسلاماً تاماً للمشيئة الأمريكية، ومباركة الهيمنة الأمريكية
على مقدرات العالم، ومصائر الشعوب، والتسليم لأمريكا بأنها سيدة القرن الحادي
والعشرين؛ مما يعني انتصار أمريكا لا في الحرب الباردة وحسب، ولكن في
حرب السيادة على العالم كله، مدشنة مطلع القرن الحادي والعشرين مدخلاً لزمن
أمريكي يستمد مشروعيته من القوة التي تمتلكها أمريكا، والتي بدأت باستعراضها
وهي تذهب لحربها التي يعرف الجميع في العالم أهدافها، ولا يقتنع كثيرون جداً
بمسوغاتها، ولا بالتهم التي تسوقها لتسويغ هذه الحرب، ولا لقائمة الأعداء
المفتوحة تخويفاً وابتزازاً، والتي تتهدّد أي طرف يبدي اعتراضاً، أو يتمنع، أو
حتى يطالب بجواب عن السؤال: إلى أين بالضبط؟
وفي نفس السياق تحاول أمريكا بحجة مطاردة الإرهاب السيطرة على منطقة
آسيا الوسطى ومد النفوذ الأمريكي فيها، وكشف رئيس الاستخبارات الباكستاني
السابق في حديث صحفي الأهداف الأمريكية قائلاً: هناك هدفان لأمريكا الأول،
يرمي إلى ضرب ظهور حلف إسلامي يضم كلاً من باكستان وأفغانستان. أما
الهدف الثاني فهو تفعيل الخطة البريطانية القديمة في المنطقة والقاضية باحتواء
روسيا وعدم السماح لها بالوصول إلى المياه الدافئة، إضافة إلى احتواء شمال
غربي الصين الطامحة إلى الحصول على ممر إلى المحيط الهندي عبر باكستان
وأفغانستان.
وبالإضافة إلى ما سبق فهناك نفط بحر قزوين حيث تضم المنطقة حسب
التقديرات الغربية أكبر احتياطي للنفط في العالم وأمريكا تريد من خلال القاعدة
الأفغانية المزمع إنشاؤها جعل لها اليد الطولى على هذه الثروة.
الجانب الثقافي: بعد التفجيرات الأمريكية الأخيرة بدأت نظرية هنتنجتون في
صدام الحضارات هي التي تطغى على العقلية الأمريكية في تفسير صراعها مع
الإسلام؛ فقد لاحظت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، على سبيل المثال،
أنها حين حاولت معرفة رأي بعض المسؤولين الأميركيين حول الفكرة بأن السياسة
الأميركية الخاطئة في الشرق الأوسط كانت وراء تفاقم ظاهرة الإرهاب، جوبهت
بثورات غضب رافضة لأي بحث في هذه المسألة. وكان رد الجميع «أنهم
يكرهون أمريكا، ليس لأنها تدعم إسرائيل بل لأسباب ثقافية» .
وفي هذا الاتجاه نشرت صحيفة نيس الفرنسية الصباحية مقالة للكاتب اليميني
المعروف بتوجهاته (مارك شيفانش) يذكر فيها أن ما حدث يعكس تماماً ما تنبأ
بحدوثه هنتنجتون في صراع الحضارات، وعلينا أن ننظم أنفسنا لمواجهة مثل هذه
التهديدات الحضارية التي تواجهنا؛ فإن هذه التفجيرات ما هي إلا مقدمة لمواجهات
حضارية.
حتى إن كاتباً آخر ذا ميول يسارية، وهو (جان دانيل) رئيس تحرير مجلة
(لونوفل أبرزفاتور) لم يتردد بدوره من تحليل الأحداث بالقياس إلى عالمية
إسلامية بحسب رأيه، والتي يرى أنها معادية للغرب بشدة، ومعادية في الأغلب
للمسيحية، وهي معادية بضراوة للأميركان وبالقياس إلى فكرة صدام الحضارات
يرى أن هذه العالمية الإسلامية لا تملك هدفاً آخر غير ضرب الغرب، وخاصة
الولايات المتحدة.
ويؤكد حول هذا المعنى، بأن هذه النظرية التي كانت محل استخفاف حتى
الآن، عادت لسطح الأحداث بقوة، وسارع لتبنيها خبراء البنتاجون، ووزارة
الخارجية الأميركية، ومختلف أجهزتها.
وحول المعنى نفسه كتب (فرانسيس بروشيه) في جريدة (لوبروغريه)
مؤكداً أن مسلسل صراع الحضارات قد بدأ مع لحظة انفجارات واشنطن ونيويورك؛
فإن ما حدث بالنسبة له ما هو إلا الحلقة الأولى من سلسلة من المواجهات التي
ستنهض بعنف بين العالم الإسلامي والغربي.. وما خروج الفلسطينيين إلى
الشوارع بعد هذه الأحداث راقصين فرحين، ما هو إلا دليل على ذلك! !
إن عقلية الهيمنة والسيطرة لا زالت تغشى أعين صناع القرار الأمريكي
وغرور القوة الذي دفعها إلى التطلع دائما إلى مواصلة بسط هيمنتها على شتى بقاع
العالم أنساها الالتفات إلى أولئك الذين داست أعناقهم بوحشية في طريقها لتكريس
الهيمنة، كما أسفر عن التراخي الأمني الداخلي الذي مارسته أجهزتها، وكما كانت
إمبراطوريات الماضي تنحدر إلى فنائها وسقوطها دون أن تدري؛ فإن أمريكا
ماضية على الدرب نفسه وهذه سنة من سنن الله [وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً]
(الأحزاب: 62) .