تأملات دعوية
محمد بن عبد الله الدويش
www. dweesh. com
الموضوع الذي يستحوذ على مجالس الناس هذه الأيام [1] هو الحدث الذي هز
العالم بأسره، وهو الهجوم على الأهداف الأمريكية في نيويورك وواشنطن.
ورغم عدم وجود أدلة حول اتهام الإسلاميين [2] بالمسؤولية عن هذه الأحداث
إلا أن سيطرة اللغة الإعلامية التي تعدهم المسؤول الأول عنها ترك أثره في
النقاشات وربما المواقف العملية مما يفرض علينا التعامل مع هذه الأثار رغم عدم
تسليمنا بمسؤوليتهم.
وبعيداً عن الموقف من الحدث وتداعياته نشير إلى بعض الوقفات الدعوية
المهمة، ومنها:
* سيطرت لغة حادة ومتطرفة على حديث طائفة ممن تناولوا الحدث ما بين
مرحِّب ومستبشر بهذا النصر للمسلمين، وما بين باك على الضحايا الأبرياء،
ومندد بوحشية المنفذين الذين هم كما قالت وسائل الإعلام الغربية التي لا تحيد عن
الحق قيد أنملة إسلاميون. أفلا يوجد خطاب أكثر اعتدالاً يبين الموقف الشرعي من
العمل، وفي الوقت نفسه يشير إلى الظلم الذي يرتكبه الغرب بحق المسلمين، وأن
ما حصل جزء من عقوبة الله لهم، وتقريرنا لخطأ الفعل لا ينفي كونه عقوبة
وانتقاماً إلهياً.
* بغضِّ النظر عن الموقف من الحدث؛ لماذا يتعاطف العالم كله مع ضحايا
هذا الحدث، ويتعامل بعفوية مع الإرهاب المنظم الذي يحصد عشرات الآلاف،
ويحاصر الشعوب لأجل الاختلاف مع زعامتها؟ وكيف يسوغ للأمة المسلمة أن
تسير في التيار نفسه متجاهلة مظالمها؟ إن الظلم مرفوض حتى تجاه الكفار، لكن
من العدل أن يعدل في التعامل مع الظالمين.
* هذه القضايا تترك آثارها على الأمة أجمع، ولا تقتصر على قُطْر بعينه؛
ومن ثم فالاجتهاد في تقريرها لا يسوغ أن يترك لفرد أو فئة محدودة، فضلاً عمن
لا يملك التأهيل العلمي الشرعي لمثل ذلك، وحري بعلماء الأمة أن يتداعوا إلى
رابطة تجمعهم ليجتهدوا من خلالها في قضايا الأمة.
* ما زال بعضنا يخلط بين التعاطف مع مسلم مظلوم مضطهد، وبين تسويغ
أعماله، ويخلط بين تفسير الحدث وبين تصويب من يرتكبه، وهو يعكس مشكلة
في التفكير لدينا.
* هذا الحدث هزَّ الشارع الأمريكي؛ والشارعُ الأمريكي له أثره على سياسة
أمريكا؛ فأين الإسلاميون من توجيه خطاب مكثف للرجل الأمريكي عبر وسائل
إعلامه هو يوقفه على الأسباب الحقيقية وراء كره العالم لدولته، ويدفعه إلى
ممارسة حقه في كفِّ قادته عن الجبروت والتسلط؟
* تناول بعض الخطباء الحدث مذكِّرين ببطش الله بالظالمين وعقابه لهم،
مستشهدين بالقرآن الكريم ونصوصه؛ فما أحوج الأمة إلى أن تُربط بكتاب ربها،
وأن تُستثمر الأحداث في تربيتها!
* ثمة طوائف من الشباب المسلم المتحمس للخير الغيور على دينه ينقصه
الفقه في الدين، وتعوزه النظرة الشرعية للمصالح والمفاسد؛ فحري بالدعاة وأهل
العلم الذين كتب لهم القبول أن يعنوا بتوجيه هؤلاء، والأخذ بأيديهم حتى لا ينجرفوا
وراء أعمال وتصرفات تفسد أكثر مما تصلح، وتقود المجتمعات إلى نفق مظلم من
الفتن والصراعات، والأمر يحتاج إلى رفق بهم، وتحمل لهم، وحسن خطاب،
وإيجاد بدائل عملية تفتح لهم الميدان للعمل الدعوي المنتج. ولا يظن المصلحون أن
اللهجة الساخنة ستصلح هؤلاء بل هي تزيد النار اشتعالاً.
* لقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين لئلا يتحدث الناس
أن محمداً يقتل أصحابه، وأذِن لأهل الحبشة أن يلعبوا في المسجد وعلَّل ذلك بقوله:
«لتعلم يهود أنَّ في ديننا فسحة» [3] . إن هذه النصوص وغيرها تعني أن إبراز
الإسلام أمام الآخرين بصورة حسنة تدعوهم لاعتناقه، إن هذا مقصد شرعي، وهو
أمر ينبغي أن يؤخذ بالاعتبار حين تقرير الموقف من هذه الأحداث والتعليق عليها.
* يتحدث الإسلاميون عن الآثار المحتملة للحدث على بلدانهم في حال كون
الفاعل من الإسلاميين ومن الأوْلى أن نتجاوز مرحلة التحليل والتنبؤ إلى المبادرة
والتفكير بجدية في التأثير على القرار من خلال وسائل متنوعة، والسعي لخروج
مجتمعات المسلمين بأقل خسائر.
* يسيطر على كثير من الغيورين والخيرين الخوف من أن تؤثر هذه الأحداث
على مستقبل الإسلام؛ ومع تقديرنا لهذه المشاعر فلا بد من تقرير أن الدين لله،
وأنه متم نوره كما قال عز وجل: [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ] (التوبة: 33) .