مجله البيان (صفحة 4038)

في دائرة الضوء

إشكال المصطلحات من المنظور الحضاري

د. أحمد محمد الدغشي [*]

على كثرة العاهات الفكرية والنفسية والتربوية التي تعاني منها الأمم المغلوبة،

فإن ثمة مشكلة ما انفكت تفتك بنخبها وعامتها على حدّ سواء، وذلك فيما يتصل

بغزو المصطلحات الأجنبية الوافدة لتلك المجتمعات.

ويسعى بعضهم لتبسيط هذا الإشكال، فيما يسعى آخرون ليجعل منه عنوان

الثقافة المستنيرة، وسمة التحديث، ويكاد القاسم المشترك بين جميع هؤلاء يبرز

في صورة تسويغ ساذج مفاده أن مسألة المصطلحات عبارة عن أداة تواصل إنساني

مشتركة لا تعرف وطناً أو ديناً أو حضارة، حيث غدت لغة عالمية مشتركة، من

تخلَّف عن استعمالها كتب على نفسه الانزواء، والبحث خارج دائرة الحدث، وبقي

في ذيل القافلة في حين يتقدم كل شيء حوله، لا بل إن من نازع في أهمية التفاعل

مع مصطلحات الآخر على نحو لا يؤمن بخصوصية، ولا يعترف بأي فارق فيها

يكون قد حكم على نفسه بالإعدام الحضاري!

ويضيف بعض المفتونين بالآخر قائلاً: إن التشدد في ضبط المصطلحات،

والبحث عن خصوصياتها، اهتمام سطحي لا قيمة له، ولا جدوى من ورائه،

والواقع الموضوعي. والنظر العلمي الفاحص يخالفان كلاهما ذلك الزعم، ويكشفان

أن الاهتمام بالمصطلحات وضبطها وتحديدها ليس اهتماماً ترفياً، ولا قضية

هامشية، فضلاً عن أن يكون انغلاقاً أو اهتماماً بالأشكال والصور على حساب

الجوهر، أو بالمباني والألفاظ على حساب المعاني والدلالات.

إن دراسة هذه المسألة بحث في جانب علمي منهجي معقد ذي ارتباط نفسي

وتربوي وثيق بين شخصية الباحث وموضوع البحث، أو بين الذات العارفة

والموضوع المعروف، أو بين التعبير والتفكير. ولعله لم يصب البحث العلمي في

عصرنا الحاضر بآفة منهجية أكثر مما أصيب بالعشوائية في استخدام المصطلحات

العربية، على حين يجري اللهث والانتقاء وراء استعمال المصطلحات الأجنبية

الوافدة، مع ورود مصطلحات أصلية حيناً، ومعربة بديلة حيناً آخر، غير أن

الجهل بالذات، والانهزام أمام الآخر، وفقدان حرية الإرادة، دفع بالكثير من

النخب المثقفة والمتخصصة للأخذ بألفاظ الآخر ومفرداته من غير ضرورة منطقية

وبدون أدنى ضابط منهجي، بدعوى أنها مفردات علمية، وأنها باتت حقاً مشاعاً

للجميع، ولم تعد حكراً على ذويها وبيئاتها الأولى.

عولمة اللغة:

من هذا المنطلق يمكن استيعاب مدلول النهي القرآني الصريح عن استخدام

مفردة عربية لا غبار عليها من حيث الأصل هي «راعِنا» ؛ لكن لما غدا

استخدامها دالاً على معنى سلبي غير حسن استحال استخدامها في النهي، ثم جاء

الأمر باستخدام مفردة عربية أخرى هي «انظرنا» ؛ كما في قوله تعالى:

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ]

(البقرة: 104) . وتفسير ذلك أن اليهود عدّوا اللفظ «راعِنا» دالاً على الرعونة

وهي الحمق، رغم أنه موضوع في الأصل للدلالة على الإنظار والإمهال، فقام

التوجيه باستعمال مفردة جديدة صريحة في دلالتها هي الإنظار والإمهال وهي قوله:

«انظرنا» [1] .

وليس من قبيل الاهتمام بالأشكال تشديد الإسلام على تسمية المواليد بالأسماء

الحسنة، وكراهيته الأسماء غير المستحبة، حتى إنه دعا إلى تغيير الاسم غير

الحسن إلى اسم حسن، حتى لو كان صاحبه قد عرف به ونشأ على ذلك فيما ذهب

من حياته [2] .

تأمل هذا وقارنه بالاستهانة بدلالة المفردات اليوم لدى بعض الكتاب

والمتحدثين في قضايا كبيرة وخطيرة تتصل بالأمة وسيادتها، ظناً منهم أنه لا داعي

للتشدد والضبط في الأشكال، وعلينا أن نوفر ذلك للاهتمام بالمضامين وليس

العناوين، ومع أن بعض هؤلاء قد فرّط بالمضامين قبل العناوين، إلا أن قسماً

كبيراً هو الذي يعنينا الحديث معهم لم يفرّط ولن يفرط بإذن الله في المضامين؛ بيد

أنه يتوسع قليلاً أو كثيراً في استخدام المفردات التي يعلم الجميع عند التأمل بأن

التهاون فيها يقود تدريجياً إلى التهاون في المضامين [3] ، ومع أني سأفرد الحديث

المستقل لمصطلحين شائعين كبيرين فيما بعد، إلا أني أشير هنا إلى مصطلح

«الشرق أوسطية» و «إسرائيل» فعلى حين ما يزال بعضنا محتشماً وغير

راضٍ عن استخدام الأول فإنه قد تساهل كثيراً في استخدام الثاني، وكأنه بذلك يقر

دعاوي الصهيونية في تقرير أمر واقع، له جذوره التاريخية الجغرافية، وما هو قائم

على الأرض خير دليل! !

ولأن الأمر قائم على عاطفة مجردة أو تقليد ساذج يمثل سمة الخطاب العربي

في مرحلة معينة، فإنه من غير المستبعد أن يزول ذلك التحفظ المتبقي مع الزمن،

ما دام الأمر ليس نابعاً من الإدراك الحضاري القائم على بعدي المبدأ والمعرفة

العلمية، وليس مقبولاً منطقياً المضيّ في الترويج والمشايعة لمصطلح «إسرائيل»

عَلَماً على كيان مغتصب لقيط، ثم التحفظ على مصطلح «الشرق أوسطية» مع

أن المدلول يكاد يكون واحداً تماماً!

أما حين يصر بعضنا على أن اللغة تفقد هويتها وتصبح مفردة علمية مشاعة

فإن من حقنا المطالبة بالإجابة الموضوعية عن السؤال الموضوعي المنطقي

الآتي: كيف لنا أن نسلِّم أن تلك المصطلحات فقدت هويتها، وأصبحت أداة تواصل

عالمي، ثم نجدها وحدها هي السائدة، تبعاً لسيادة لغتها، وهيمنة أهلها ذوي

النفوذ والتفوق والقوة؛ أولئك الذين أصبحوا أوصياء على البشرية اليوم تحت

شعار «النظام العالمي الجديد» بعد أن أخفق حلفاؤهم بالأمس في فرض الثقافة

ومن بينها اللغة بقوة السلاح.

إن سيطرة لغة واحدة وإقصاء ما عداها في البحث والدراسة، ومحافل العلم،

وحلقات النقاش وسائر المؤتمرات والندوات، إنما يؤكد حالة الاستلاب الحضاري

لدى الشعوب المهزومة، ويعزِّز من هيمنة أقوياء الحضارة الغربية، ولعله لم

يتمحض الأمر في هذا الجانب كما تمحض اليوم في صورة ما يسمى بالعولمة التي

لا تبقي على مقوم حضاري ذي خصوصية إلا أتت عليه بالوصاية والفرض

لأنموذجها السائد المهيمن، والذي تمثل اللغة فيه أداة التأثير الفاعلة سلباً إلى حد لا

يكاد يتصوره من أغفل العلاقة العضوية بين طريقة التعبير ومنهجية التفكير.

درس مزدوج من فرنسا:

إن العاقل من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه، والمفترض فينا جميعاً

أن نستخلص العبر من تلك البلدان التي استعمرت ردحاً من الزمن في الشمال

الإفريقي حتى نشأت فيها أجيال كاملة لا تعرف لغتها الأصلية تماماً؛ إذ هي نشأت

على لغة الآخر ليس في مجال العلم فقط، ولكن تدخلت حتى في نطاق التعامل

الأسري، وخصوصيات أفراد العائلة وداخل غرف النوم.

وأدركت حكومات بعض تلك البلدان غداة الاستقلال حجم التركة الاستعمارية

الكبرى التي خلَّفها المستعمر أثناء احتلاله فيما يتعلق باللغة وما يرتبط بها من قيم

معرفية وسلوكية بعيدة عن العمق الحضاري والأصالة والهوية والاستقلال

والخصوصية.. مما دفع ببعض تلك الحكومات لبذل جهود مضنية في سبيل العودة

إلى الذات عن طريق التأهيل اللغوي بالعربية، ولا شك أن الأمر قد كلفها الكثير

وما يزال.

ومن المفارقات العجيبة الجديرة بالتأمل والتوقف عندها طويلاً في هذا السياق

أنه على حين يراد لنا قبول لغة الآخر بلا تحفُّظ؛ بدعوى أنها سبيل نهضتنا الحتمية،

نجد أن الحكومة الفرنسية اتخذت قراراً (في مايو 1994م) يقضي بالعقوبة

سجناً، أو تغريماً مالياً يصل إلى ما يعادل ألفي دولار بحق كل من تثبت عليه

(جريمة) استخدام غير الفرنسية في الوثائق والمستندات والإعلانات المسموعة

والمرئية، وكافة مكاتبات الشركات العاملة على الأرض الفرنسية، وخاصة

المحلات التجارية، والأفلام الدعائية التي تبث عبر الإذاعة والتلفاز. وقد جاء هذا

القرار في مواجهة هجمة اللغة الإنجليزية، التي أوصلتها الأقمار الصناعية إلى

البيوتات الفرنسية [4] .

إن قرار الحكومة الفرنسية يدل على رفض محاولة الهيمنة: فرض الأنموذج

الثقافي الأمريكي على الفرنسيين كما يراد له أن يفرض على غيرهم.. والأمم الحية

هي التي ترفض وتنازع ولا تستسلم، في حين أن الأمم المغلوبة مولعة بتقليد

الغالب وتقمص شخصيته الحضارية في كل مظهر من مظاهره.

التفاعل لا الاستلاب:

وقد يتصور بعض المتعجلين في إصدار الأحكام وتصنيف الناس أن في

الدعوة إلى الانعتاق والاستقلالية دعوة ضمنية إلى الانعزال والتقوقع والجمود، وهم

بهذا يؤكدون وقوعهم في فخّ الاستلاب الحضاري، الذي أفقدهم حتى إصدار أحكام

موضوعية متأنية في حق كل مخالف لسيادة الغرب الحضارية وهيمنته الثقافية،

فالتواصل المعرفي أمر مشروع، بل وفريضة حضارية، وإغفال أداة هذا التواصل

يمثل غيبوبة حضارية، وتخلفاً عن قافلة الركب الحضاري، وتجاهل ما وصل إليه

الغرب في نواح معرفية وتقنية كثيرة، وهذا استعلاء أهوج مرفوض، وليس عزة

إيمانية أو استقلالاً حضارياً سليماً.. كما تعي هذه الدعوة استحالة النهوض

الحضاري بغير إفادة من المعرفة التراكمية والخبرة الجادة التي بلغها الغرب،

ولكنها تعي كذلك أن هذا كله أمر آخر يختلف عن الاستلاب الحضاري الذي من

شأنه أن يسهم في مزيد من التخلف والنكوص، وإن زعم ذوو الجهل المركب أنه

وحده طريق التقدم الحتمي وسفينة النجاة.

نماذج النهوض الشرقية:

ومن النماذج الحيّة على زيف الدعوة إلى استعارة لغة الآخر ومفردات خطابه

وجعل ذلك شرطاً لازماً للنهوص الحضاري، ما شهدته التجربة اليابانية من تفوق

وتنمية شاملة، دفعت بها إلى مصاف الدول العملاقة التي بات الغرب وبالأخص

الولايات المتحدة يضع لها ألف حساب، ولأن أجواء التحدي تصنع الإبداع؛ فقد

أفاق اليابانيون بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، فاندفعوا لبناء نهضة ذاتية

قائمة على خصوصيات المجتمع الياباني فيما يتعلق بلغة التعليم؛ حيث لم يستعر

اليابانيون لغة الغرب، ولكن تم الاعتماد كلياً على اللغة اليابانية رغم صعوبتها التي

يكاد ألاَّ يتصورها أي منا ممن لم يحط علماً بها. فهل يتصور أحد أن عدد حروف

هذه اللغة يبلغ عشرة آلاف حرف، وأنه يشترط لقراءة صحيفة يومية يابانية أكثر

من ثلاثة آلاف وخمسمائة حرف [5] . هذا مع إفادتهم من التقنية الغربية التي تم

نقلها وتعلمها، وكانت بحد ذاتها دافعاً لاستحداث نظام تعليمي جديد يكفل لليابانيين

اللحاق بالدول الغربية الكبرى [6] . ومن الملفت للنظر أن اليابانيين الذين يتعلمون

اللغة الإنجليزية يعدون أنفسهم إعداداً جيداً لمعرفة قواعدها التي عادة ما تشملها

الاختبارات، دون الاهتمام بالقدر نفسه بتعليم اللغة عملياً وقراءتها [7] .

والأمر ذاته ينطبق على التجربة الصينية وتجربة الكوريتين؛ فسرُّ النهوض

فيها جميعاً يرجع إلى جملة أسباب جوهرية من بينها لغة التعليم الذي مثل مفتاحاً

للتقدم وعموداً للنهوض في الوقت ذاته.

والسؤال المفترض هنا: هل ثمة أوجه للمقارنة من حيث الصعوبة بين هذه

اللغات وبين العربية؟ !

أقسام المصطلحات:

والمصطلحات الوافدة قسمان رئيسان: الأول: مصطلحات العلوم الطبيعية

والتطبيقية، والثاني: مصطلحات العلوم الإنسانية والاجتماعية، والتعامل مع الأول

ليس أمراً هيناً كما قد يتصور بعضنا؛ حيث لا يقف في مدلوله عند حدود المعنى

الموضوع له من قبل مكتشفيه وذوي السبق إلى صناعته، بل لا يخلو من إيحاءات

ودلالات نفسية وذهنية تحمل معنى الغلبة والانبهار لأصحابه، والضعف والتبعية

لمن لم يسهموا في الاكتشاف والسبق. ومع التشديد على ضرورة أن يكون للمسلم

المعاصر مشاركة إيجابية أو فعل حضاري في هذا القسم كي لا يظل مستهلكاً عالة

على الآخر، فإنه لا مناص من التعريب، والبحث عن ألفاظ عربية مناسبة، مع

عدم إغفال ضرورة المبادرة إلى الاكتشاف والإبداع، كي يسهل الوصف العربي

النابع من الذات الفاعلة لا المستهلكة المتسولة! وهنا يأتي دور المجامع اللغوية

العربية وذوي الشأن من المختصين والمهتمين بهذا الجانب.

يجب أن يقدم مجمع اللغة العربية طبعة جديدة مستوعبة للمستجدات العلمية في

معجمه الوسيط. ولا بد من الإشارة هنا إلى التجربة السورية الرائدة في هذا المجال،

أعني مجال تعريب العلوم الطبيعية والتطبيقية، والإفادة من ذلك ضرورة عينية؛

إذ التجربة السورية تمثل رداً عملياً على المتشككين في استيعاب المفردات اللغوية

العربية للكم الهائل من المعرفة العلمية الطبيعية والتطبيقية المعاصرة.

وتعدّ الاستهانة بالجهود المبذولة في هذا السبيل استسلاماً لسيل الغزو الثقافي

الجارف، كما يعد استهجان المفردات العربية التي تبدو غريبة أو مشكلة أو ثقيلة

على اللسان العربي المعاصر عيباً كبيراً في المستهجنين لا في اللغة العربية.

إن قدرة الغربيين البارعة في تضخيم ما يرغبون في تضخيمه، وتقليل ما

يودون التقليل من شأنه ينسى بعضنا ممن يحمل تجربة في التعلم لأي لغة أجنبية ما

يواجهه من الصعوبات في البداية، سواء من حيث حفظ حروف الكلمة، أو نطقها

نطقاً سليماً تماماً، أو تطبيقها في الواقع العملي، أو اختيار اللفظ المناسب في

السياق المناسب، أو المقدرة على الاستيعاب الجيّد عند السماع. والغريب حقاً أن

الأمر لا يبعث على الاستغراب أو الاستهجان، بل إن وقوع المتعلم المبتدئ أو غير

المبتدئ في خطأ ما يتعلق بأي من تلك الجوانب يدفع كل ذوي الخبرة اللغوية لهذه

اللغة المتعلمة للتصويب، ويكون ذلك علامة الثقافة والنبوغ، ولا يجد المتعلم حرجاً

في قبول تلك التصويبات مصحوباً بشكر جزيل وامتنان بالغ، ولا يشعرون بأدنى

حرج، بل إن الحرج قد يلحق من يفكر بالاستدراك عليهم، وقد يسمع من ألفاظ

الاستخفاف والاتهام بالشكلية والسطحية، دون أن يكلف هؤلاء المتهمون المستخفون

أنفسهم السؤال: لماذا ينزه المستدركون على الخطأ في إنقاص حرف، أو في

زيادته، أو في النطق به خطأ ... إلخ بالنسبة للغة الإنجليزية مثلاً عن الاتهام

بالشكلية والتسطيح ... إلخ، في حين يصب ذلك كله لمن يفعل الشي نفسه بالنسبة

للغة الأصلية؟

ضوابط المصطلحات:

ثمة قواعد أربع أساسية حيال إشكال التعامل مع المصطلحات. ولكن قبل

البدء بها يحسُن التأكيد على ما يلي:

إن المصطلحات الإنسانية والاجتماعية تمتاز بحساسية أشد من قريناتها

المستخدمة في إطار الدراسات العلمية الطبيعية والتطبيقية؛ إذ إن من المسلّم به في

نطاق هذه الدراسات مدى الخصوصية والتداخل والإلباس على نحو يستلزم معه

أهمية ضبط التعامل مع هذه المصطلحات وفق قواعد قد لا تمتلك اتفاقاً نهائياً. أما

حين تتصل تلك المصطلحات بمفردات الشريعة وأحكام الدين فإن الأمر يكون أكثر

حساسية وأدعى للضبط، والحفاظ على تلك المصطلحات.

القاعد الأولى:

إن المصطلح الحضاري ينبغي أن يؤخذ في سياق منظومته الحضارية؛ إذ

هو يعبّر تمام التعبير عنها، وإن محاولة إخراج المصطلح من سياقه الحضاري

لاستخدامه في سياق منظومة حضارية أخرى يؤدي إلى التداخل في المفهومات وإلى

زعزعة المنطق الداخلي فيها. وبذلك فليس من المنهج في شيء إغفال تطور

المصطلح الحضاري في إطار منظومته الحضارية [8] .

القاعدة الثانية:

إن المصطلح المتعلق بالعلوم الإنسانية والاجتماعية يمثل مفردة من مفردات

اللغة المعبرة عن الاتصال والتفاهم، إلا أنه قد ينقلب إلى أداة لسوء التفاهم؛ إذ

للاستخدام العرفي اعتبار يوحي بمدلولات وإيحاءات اجتماعية تعلق بها ذلك

المصطلح من جراء الاستخدام العرفي الخاص في بيئة اجتماعية ما، ومن هذا

القبيل مصطلح «خلافة» فإنه لفظ عربي معروف في الميراث السياسي الإسلامي،

ولكن من المعلوم أن تمثل هذا المصطلح على نحو مشرق لا غبار عليه إنما كان

في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة، مما اضطر الفقهاء والمؤرخين لتمييز حكم

الخلفاء الأربعة الأوائل بـ «الخلافة الراشدة» [9] .

ومن هنا ندرك مدى الأهمية والخطورة التي قد يتسبب فيها الاستهانة في

تحديد المصطلح المطلوب وتحديده باستصحاب جميع الملابسات التي تكتنفه نشأةً

وتطوراً وعرفاً.

القاعدة الثالثة:

تظل هذه المصطلحات محتفظة بأسسها ومنطلقاتها الفكرية وبملابساتها

وظروفها التاريخية والبيئية إذا أريد لها الانتقال إلى بيئة حضارية أخرى ما دامت

حالة الانكسار الحضاري هي السائدة لدى ذوي الرغبة في النقل إلى بيئاتهم الجديدة؛

بخلاف ما لو كانت هذه البيئة الأخرى قد بلغت مرحلة العزّ الحضاري، فإن هذه

المصطلحات في هذه المرحلة ستذوب، وستصاغ على نحو يتمشى مع المنظومة

الحضارية المستعيرة، ولعل هذا يفسر مغزى التحذير النبوي من تقليد غير

المسلمين في عاداتهم وأنماط سلوكهم المتعلقة بالمأكل والمشرب والملبس وما إلى

ذلك، للتحرر من الهيمنة الثقافية والسلوكية لغير المسلمين، ولكن اختلف الأمر

بعض الشيء عند أمن الفتنة فيما بعد؛ فحين سادت القيم الإسلامية على الحياة

استعار المسلمون نظم الدواوين والتراتيب الإدارية والعملية، كما توسعت لغتهم

بالاشتقاقات الذاتية وبالتوليد والتعريب [10] .

القاعدة الرابعة:

هناك ألفاظ مجملة عربية وغير عربية يحددها السياق وطبيعة الاستخدام.

فألفاظ مثل: الثورة أو الطبقة أو التقدم، ألفاظ عربية كانت وما تزال تستخدم في

مختلف الثقافات إما مطلقة وإما مقيدة؛ فحين ترد مطلقة يجب أن نبحث عن مقصود

السياق الذي وردت فيه، مثل قول الماركسي: «ثورة الطبقة» ، والرأسمالي:

«الثورة الفرنسية» ، والإسلامي: «جاء الإسلام ثورة على المجتمع الجاهلي» .

فمراد الماركسي: ثورة الطبقة الكادحة على البرجوازية، ومراد الرأسمالي ثورة

الشعب الفرنسي على الظلم الذي كان سائداً قبل الثورة، ومراد الإسلامي: اقتلاع

الإسلام لجذور الجاهلية [11] .

وأحسب أن التباساً قد يكتنف هذه القاعدة (الرابعة) على نحو يستدعي البيان

المناسب للمقام؛ فعلى حين نجد المفكر الإسلامي الدكتور محسن عبد الحميد يتبنى

هذه القاعدة ويورد تلك الأمثلة عليها، نراه يفرق بينها وبين مصطلحات أخرى

وضعها جميعاً في سياق واحد كالاشتراكية، والدكتاتورية، والرجعية، والتقدمية؛

فهو يذهب إلى أن هذه المصطلحات «ثمرة تطور النمط الحضاري الغربي، لا

علاقة لها بتاريخ الإسلام وحضارته وتطور الحياة فيه» [12] .

والواقع أن ليس من الدقة في تقديري اقتران مصطلح الاشتراكية بتلك

المصطلحات التي أوردها الدكتور عند إجازته التلفظ بها بحسبان أن السياق سيكون

المحدد للمراد منها، كما أنه ليس هناك ما يستدعي التفريق بين تلك المصطلحات

عينها وبين هذه المقرونة بالاشتراكية وهي: (الدكتاتورية والرجعية والتقدمية) .

فالعبرة بالمعنى الغالب المتبادر إلى الذهن أول ما يطرق السمع. ومن المعلوم أن

الأنظمة السائدة كانت ثلاثة: الاشتراكية بهذا المعنى والرأسمالية، والإسلام، ولم

يكن يتبادر إلى ذهن أحد أن الاشتراكية تعني النزعة الإنسانية في العدالة الاجتماعية

على النحو غير المطبق في الاتحاد السوفييتي (السابق) أو الصين. إن هذا

المدلول المذكور للاشتراكية ليس إسلامياً بأي معنى، حتى لو قُيِّدَ بلفظ الإسلام أو

العروبة؛ لأن المسلمين أو العرب لم يعرفوا هذا المدلول على مدى تاريخهم، ولأن

أصل المدلول الذي وضعت من أجله فلسفي معروف بارتباطه بمذهبية غير إسلامية

من الأساس. ولئن وجدت بعض الجوانب المشتركة بين فلسفة الإسلام وبين

الاشتراكية من الناحية الاقتصادية فإن ذلك لا يغير من حقيقة الجذور المختلفة كلية

لنشأة كل منهما ومقاصده.

إما إدراج مصطلح «الاشتراكية» والدكتاتورية والرجعية والتقدمية في سياق

واحد فأمر لا يستقيم؛ إذ إن هذه المصطلحات (غير الاشتراكية) لا تمثل فلسفة

لأي مذهب وإن استخدمتها بعض المذاهب أكثر من غيرها، لكن يظل السياق هو

المحدد المنهجي للمقصود عند الإطلاق.

أرأيت استعمال مصطلح «الرجعية» ؟ فإن الماركسي يعني به مناهضة

الإقطاعية الزراعية التي كانت سائدة قبل قوانين الإصلاح في الدول

الشيوعية يوماً ما، كما أنه إذا استعمل مصطلح «الديكتاتورية» فسيعني

به ديكتاتورية «البروليتاريا» أما إذا استعمل مصطلح «التقدمية» فسيعني

به المضي نحو المستقبل بعيداً عن أفكار وممارسات ماضوية صبغت مرحلة

الإقطاع.

أما بالنسبة للمسلم فإنه إذا أطلق مصطلح «الرجعية» فإنه يعني به: العودة

إلى أفكار وممارسات الجاهلية الأولى، و «الديكتاتورية» تعني الظلم والاستبداد

الذي يقاومه الإسلام وعدالته. أما «التقدمية» فتعني بالنسبة له: المضي بأفكار

الإسلام وسلوكياته نحو المستقبل الإسلامي.

إذن فالسياق وحده هو الذي يحدد المراد؛ وأحسب أن مصطلحات كهذه ليست

أعلاماً ملازمة للشيوعية أو لغيرها، بل قاسماً مشتركاً بين الجميع.

وحاصل القول يلخصه الدكتور محسن عبد الحميد بقوله: إن «المذهبية

الإسلامية بكلياتها ومصطلحاتها غدت غريبة في مجتمعاتنا الإسلامية؛ فالمسلمون لا

يعيشون في إطارها. فلا بد لمنهج التغيير الذي يتبناه الإسلاميون أن يلتزم بإطار

المصطلحات الإسلامية حتى ترجع الأصالة الفكرية إلى مجتمعاتنا، فلا نعيش إلى

الأبد على فتات موائد المذهبيات المادية التي توجه الحضارة الغربية المعاصرة.

إن المذهبية الإسلامية تعيش اليوم في معركة ضارية مع المذهبيات المادية العلمانية،

واستعمال المصطلحات التي تعبر عنها لن يكون في صالح تمكين أفكارها ونمطها

الثقافي في مجتمعاتنا الإسلامية» [13] .

وللتدليل العملي على خطورة التساهل في استعمال المصطلحات الوافدة، لا

بأس من الاستشهاد بنموذجين هما: التقويم المسيحي (الميلادي) ، ومصطلح

الديمقراطية.

أولاً: أنموذج التقويم النصراني (الميلادي) :

كم من المسلمين يعلمون في أي شهر هجري نحن، فضلاً عن اليوم؟ وهل

ثمة احتفاء أو احتفال بأي عام هجري جديد يمكن مقارنته من أي وجه مع حجم

الاهتمام بأي عام ميلادي، ناهيك عن هذا الهوس غير المسوَّغ من قبل العرب

والمسلمين للاحتفاء بقرن ميلادي نصراني جديد، ولو تذكرنا استقبالنا للقرن

الخامس عشر الهجري الإسلامي قبل عشرين عاماً لأدركنا مدى الكارثة الحضارية

التي تمكن الطرف الحضاري الغالب أن يفرضها علينا حتى غدونا مستلبين حضارياً

حتى في توثيق أحداثنا الخاصة وقضايانا الإسلامية المختلفة، في حين لا يخطر

ببال أي من الغربيين على أي مستوى أن يوثق حدثاً خاصاً أو عامّاً يعنيهم أو يعني

سواهم بالتقويم الهجري الإسلامي.

والواقع أن الاتهام المنتظر عند طرق هذا الموضوع من قِبَل المستلبين

حضارياً من حيث يدرون أو لا يدرون قد يرد في صورة استخفاف واستهجان يصم

المهتمين بإثارة موضوع كهذا بالسطحية والشكلية، بل لربما يقول قائلهم: إن علينا

الاهتمام بصناعة الأحداث التي تستحق الرصد، ثم نبحث بعد ذلك بأي التقويمين

توثق؟ ! وذلك الاتهام هو صناعة ذوي المنزع السطحي من هؤلاء المستلبين

استلاباً مركباً، ولعل ذلك يتضح من خلال هذه المحاورة لهم.

إن قضية الاستقلال وترسيخ الهوية والإصرار على الخصوصية الحضارية

تشمل ضمن ما تشمل الاحتفاظ بذاكرة الأمة عن طريق توثيق أحداثها من منطلق

تاريخها الذاتي الذي ينتسب إلى حدث كبير غيَّر مجرى التاريخ في العهد الإسلامي

الأول؛ وذلك الحدث هو هجرة الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛

كما أن مسألة الاستقلال تعني استقلالاً شاملاً عن الغرب لا يقف عند حدود تحرير

الأرض فحسب، ولكنه يتجاوز ذلك إلى تحرير منهج التفكير وأسلوب العمل. ولنا

أن نوجه جملة من التساؤلات المنطقية إلى كل من ينازع في اتصال هذه المسألة

بالبعد الحضاري:

* هل يقبل الغربيون النصارى إن كانت المسألة هامشية سطحية أن يرصدوا

أحداثهم بالتقويم الهجري الإسلامي بحيث لا يترددون أن يوثقوا تاريخ الحملة

الصليبية الأولى عام 498 هـ بدلاً من 1096م، ومعركة حطين التي انتصر فيها

المسلمون على الصليبيين عام 583 هـ بدلاً من 1187م أو أن الحرب العالمية

الأولى اندلعت عام 1290 هـ بدلاً من 1914م، أو أنه قد حدث في رمضان أو

محرم أو ذي الحجة من عام كذا حدث كذا وكذا ... إلخ؟

ألا ترون أن حديثنا سيكون ضرباً من الهراء، بحيث بدا مستحيلاً إقناعهم

بأهمية وجدوى ومعنى العدول عما هم عليه إلى ما عليه غيرهم خاصة من ذوي

النزاع الحضاري معهم؟

والسؤال المفترض هنا: إذن لماذا يصمم بعضنا على أن المسألة هامشية

وإثارتها أمرٌ غير مفهوم ومستهجن لدى بعضهم الآخر؟ أليست المسألة إذن راجعة

إلى «سُنَّة ولع المغلوب بتقليد الغالب أبداً» كما نص على ذلك العلاَّمة ابن خلدون؟

* هل للاحتفاء والاهتمام المبالغ فيه اليوم بقدوم الألفية الثالثة أو دخول القرن

الحادي والعشرين أي منطق إسلامي مقبول خاصة في ظل تاريخ صراع حضاري

متعدد الوجوه مع الغرب عرفه المسلمون الأولون باسم «الحروب الصليبية» ،

وعرفناه نحن في «القرن العشرين» باسم «الاستعمار الغربي» وحلت بنا في

ظله كوارث تهتز لها الجبال الشوامخ، ولعل أكبرها ما كان يعرف بـ «القضية

المركزية» هل ما تزالون تذكرونها؟ وهل نسيتم وعد بلفور؟ أم هل نسيتم

الحليف الاستراتيجي للكيان الصهيوني وراعي عملية السلام؟ ! ! أم هل غفلنا عن

اللون الجديد للصراع وهو صراع الثقافات والحضارات وغزو العولمة

(Glabolisation) خصوصاً؟

* هل يعي الذين يهونون فداحة الخطأ المرتكب بحق ذاكرة الأمة أن الأمر بلغ

ببعض الكتاب والمتحدثين أن يطلقوا مصطلح «العصور الوسطى» على نحو

يشعر ظاهره بالوقوف ضد هذا العصر وأحداثه جميعاً؛ لأنه رمز الرجعية والتخلف

والجمود. وهم بهذا يؤكدون أنهم ضحية الغزو الثقافي الغربي ومركزيته المتطرفة

التي تفترض في نفسها الكون كله، وأنه لا يسع الآخرين إلا متابعتها في كل شيء؟

* إن مصطلح العصور الوسطى أو النهضة أو التنوير أو سواهما مما هو

نبتة غربية خالصة، لا يعني المسلم المعاصر من قريب أو بعيد؛ لأنه يطلق

عندهم على الفترة الواقعة بين سقوط روما في القرن الرابع الميلادي وبين عصر

النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر، وتمثل هذه الفترة أسوأ مراحل

الضعف والتخلف بالنسبة للأوروبيين، في حين شهد التاريخ الإسلامي في الفترة

الواقعة في القرن السادس الميلادي تحديداً فجر الإسلام وعصر الرسالة ومبعث

الوحي المحمدي وبدء انطلاقة التحرر وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم،

وسرايا الصحابة وفتوحاتهم. وامتداد الحضارة الإسلامية بعد ذلك يعد امتداداً لرسالة

الإسلام الأولى؛ فكيف تم تقبل ذلك المصطلح والترويج له؟ ! ألا ترون خطورة

التقليد الأعمى.

* ألا ترون أننا نقع في التناقض المعيب حين تحصل أحداث مباركة كحرب

رمضان 1393 هـ، وتشتهر عقب المعركة بحرب 10 رمضان، ثم ما تلبث أن

تختفي، وتصبح مشتهرة بحرب 6 أكتوبر 1973م؟

* أيستطيع أحدٌ اليوم في بلد كاليمن، ولا أقول مصر أو الشام أو المغرب

العربي، أن يؤرخ لحدث محلي بالتقويم الهجري وحده؟ ناهيك أن يكتب تاريخ

الحدث بالتقويم الهجري الإسلامي دون الإشارة إلى كونه هجرياً كأن يرمز له

بالحرف (هـ) ، في حين أنه بوسع أي مؤرخ أو كاتب اليوم أن يكتب أي

تاريخ لأي حدث من غير ذكر كون التقويم ميلادياً أو أن يرمز له بالحرف (م) ،

وذلك يعني بلا نزاع أن الميلادي النصراني أضحى الأصل الذي لا يحتاج إثارة أو

تمييزاً، والهجري الإسلامي هو الاستثناء الذي يستحق ذلك، وبهذا انقلبت موازين

الأصيل والدخيل حقاً، فغابت ذاكرة الأمة الحضارية تماماً أو تكاد.

* نظراً لهذا الاستغفال الصارخ للعقل المسلم المعاصر بلغ الأمر ببعض

الدعاة والمفكرين والكتاب الإسلاميين أن يجاروا هذا الاتجاه الغازي، بل أن يزيدوا

عليه مع الأسف تأصيلاً غاية في الغرابة، وذلك حين يستشهد بعضهم على حديث

المجدد الذي يبعثه الله على كل قرن كما ثبت ذلك عند أبي داود والحاكم بإسناد

صحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث لهذه

الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» [14] ، فيتحدثون عن فلان أو

فلان أو.... إلخ أنه أو أنهم مجددون للإسلام في القرن العشرين! ! وإنما مثلهم في

هذا كمثل الذي يفهم أن القرآن إذ يتحدث عن الشهور [إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ

اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ]

(التوبة: 36) ، أو الأشهر الحرم: [فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ

حَيْثُ وَجَدتُّمُوَهُمْ] (التوبة: 5) ، فيستخلص أن الاثني عشر شهراً أو الأشهر

الحرم المنصوص عليها في الآيتين محمولة على التقويم الميلادي المسيحي وأشهره

الحرم! ! وليس المقصود هنا الشماتة بل الإشارة إلى مدى الغيبوية الحضارية التي

لم يسلم من الوقوع في شركها حتى دعاة ورواد التغيير الإسلامي!

* قد يقال: إن أحداثاً ضخمة شهدها القرن الميلادي السابق، مما دعا إلى

الاهتمام به على ذلك النحو، ورغم سذاجة اعتراض كهذا فإن أقرب رد بديهي عليه

هو طرح السؤال الآتي: هل تمت تلك الأحداث خارج نطاق القرن الهجري؟ وهل

استباق الهجري بعشرين عاماً على الميلادي مسوِّغ مقبول ومعقول لكل هذا العبث؟

ثم ما نسبة ما حدث في العشرين عاماً الأخيرة مقارناً بثمانين عاماً مرت فيها حربان

عالميتان وأحداث جسام لا يمكن لذاكرة التاريخ نسيانها؟

عودة لضوابط المصطلحات:

وإذا تذكرنا قواعد المصطلحات الأربعة الضابطة لمنهجية التعامل مع الوافد

منها، فإننا سنجد القاعدة الأولى منها القاضية بضرورة أخذ المصطلح في سياق

منظومته الحضارية تدفعنا نحو ضرورة التحرر الشامل من التبعية في استعمال

التقويم الأوروبي النصراني؛ لأنه بالفعل جزء من سياق حضاري مختلف تماماً.

كما أن القاعدة الثانية التي فحواها أن الاستخدام العرفي قد يحيل اللغة من أداة

اتصال وتفاهم إلى أداة سلبية لسوء التفاهم، تؤكد أن الاستخدام الشائع للتقويم

النصراني جعل منه عُرفاً مسيطراً أفضى إلى هيمنة الطرف الحضاري الغالب

القوي؛ ففرض بذلك جزءاً من ثقافته على الطرف المغلوب الضعيف. أما القاعدة

الثالثة التي تميز بين حالتي العز والانكسار الحضاريين، فإن واقع الحال يشهد بأن

الأمة تعيش حالة انكسار حضاري لا تخفى، رغم الجهود المبذولة لحركة البعث

الإسلامي المعاصر، غير أن مخالب الوحشية الغربية عموماً والإمبريالية الأمريكية

على وجه الخصوص ما تزال ناشبة في جسد الأمة الإسلامية وقلبها الثقافي،

والتخلص من حالة كهذة يتطلب إرادة وسلوكاً يتأبى على التبعية الفكرية والسلوكية

والانعتاق من ربقة التقليد، ونزع قابلية الاستعمار.

وأما القاعدة الرابعة القاضية بأن السابق هو الذي يحدد مقصود الألفاظ

المجملة؛ فإن التقويم الأوروبي إياه ليس مجملاً يحدده السياق بل هو تفصيلي

موضوع للدلالة على معنى حضاري معروف.

الأنموذج الثاني: الديمقراطية:

ولعلي مضطر في البدء أن أقرر حقيقتين على غاية من الأهمية قبل المضي

في تفصيلات هذا المصطلح:

الحقيقية الأولى: أن مناقشة المصطلح تنطلق من سياقه الحضاري المنهجي

دون أن يعني ذلك منازعة من أبَى إلا أن يسطح القضايا المعقدة والإشكالات الفلسفية

الكبيرة ليظهر أمام أرباب صيحة الديمقراطية ودعاتها الصادقين أو سواهم بمظهر

المناصر لقضايا العدل والحرية والمساواة؛ فهذه المسائل الثلاث لا يجوز النزاع

فيها ولا الخلاف حول جوهرها، ومن أبَى إلا المنازعة والخلاف فذلك شأنه وحده؛

غير أن ذلك لا يعني من جانب آخر مرادفة حرفية بينها وبين الديمقراطية، كما

يعلم دارسو الفكر السياسي الحديث [15] .

الحقيقة الثانية: تنطلق مناقشة المصطلح من مسلَّمة أن ليس للغرب وصاية

على العالمين؛ فلئن انتزعت الشعوب هناك حقوقها الديمقراطية بعد نضال مرير

مديد فذلك أمر مشرف لها، بيد أن ذلك لا يعطي دوائر القرار الغربية اليوم حق

فرض هذا الأنموذج على الإنسانية جميعاً؛ لأنه نتاج كفاح أوروبي خالص دفعت

إليه ظروف وملابسات وإشكالات لا تنطبق بالضرورة على نمط حضاري آخر

كالنمط الحضاري الإسلامي.

ولنشرع بعد هذا في مناقشة المصطلح ابتداءً من جذوره.

مفهوم الديمقراطية:

الديمقراطية كلمة يونانية الأصل تتركب من مقطعين: الأول بمعنى شعب،

والثاني بمعنى حكم، ويقصد بها حكم الشعب إما عن طريق نفسه بما يعرف

بالديمقراطية المباشرة، أو عن طريق ممثلين له ويعرف بالديمقراطية غير المباشرة،

وتمثل الأمة مصدر السلطات جميعها في هذا النظام [16] .

اتفاق واختلاف:

هذا المفهوم للديمقراطية يلتقي مع نظام الشورى الإسلامي في العملية الآلية

بيد أنه يختلف معه في نقطة جوهرية أخرى هي المصدرية.

أما بالنسبة لعملية الاتفاق فتتمثل في منح الأفراد حقهم في انتخاب من يمثلهم

ليحكمهم بمحض إرادتهم، وفق عقد اجتماعي يحق للحاكم في ضوئه ممارسة

صلاحياته في إدارة شؤون البلاد عن طريق الموافقة الشرعية الحرة التي تعرف في

الفكر السياسي الإسلامي بالبيعة. ثم إن نظام الشورى لا يختلف مع الديمقراطية من

حيث المباشرة وغير المباشرة، ولا فرق حقيقياً بين أن يكون هذا الحاكم منتخباً

مباشرة من الأمة، أو عن طريق ترشيح أهل الحل والعقد الذين يتَّسمون بجملة من

الخصائص والمؤهلات، ويتكونون من «الأمراء الحكماء والعلماء ورؤساء الجند،

وسائر الرؤساء والزعماء الذين يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح العامة»

وهذا التعريف لأهل الحل والعقد يعد من أجمع التعريفات، وقد انتهى إليه الأستاذ

محمد عبده حسبما نقله عنه تلميذه محمد رشيد رضا [17] .

أما جوهر الخلاف بين النظامين الديمقراطي الغربي والشورى الإسلامي

فيتجلى في مفهوم المصدرية الشعبية للسلطان؛ فإن قصد بها ممارسة الحكم من قِبَل

أفراد الشعب فذلك أمر لا يستدعي النزاع، ولا أحسب أن أمره يمثل إشكالاً في

الفكر السياسي القديم أو المعاصر، ولكنه خلاف المتبادر المقصود من اصطلاح:

(الشعب مصدر السلطات جميعاً) في سياق الحديث عن النظام الديمقراطي. إذن

المقصود بداهة بالنسبة لأهل المصطلح اشتقاق النظام التشريعي من الشعب وحاجاته

ومصالحه وآماله وطموحاته، وليس من أي مصدر آخر، سماوياً كان أو غير

سماوي، والواقع أن هذا مفصل الخلاف الجوهري بين النظامين؛ حيث إن

الشورى تستمد تشريعاتها من الوحي الإلهي (الكتاب الكريم، وصحيح السنة

المطهرة) وتعدّ جميع المصادر الثانوية الأخرى تابعة لهذين المصدرين، محكومة

بمرجعيتهما، والمصلحة أو الحاجة أو الأمل والطموح الذي يشعر ظاهره بمخالفة

النص الصحيح الصريح في وروده ودلالته أمر موهوم مردود لا يلتفت إليه.

ضبط المصطلح في ضوء قواعد التعامل:

تجدنا حيال مصطلح غازٍ مستأسر لهوى كثيرين نظراً إلى بريق الحضارة

الغربية المعاصرة بصورة عامة من جهة، ولوضعية الاستبداد والتخلف السياسي

العام الذي يغشى مناطق العالم العربي والإسلامي من جهة أخرى؛ وهنا لا مناص

من التذكير بقواعد التعامل الأربع التي سبق أن حاكمنا في ضوئها مصطلحات سابقة؛

لأنها في رأينا تمثل معيارية أحسبها منضبطة إلى حد كبير؛ فإذا رجعنا إليها

فسنجد ما يلي:

أولاً: إن مصطلح الديمقراطية ينتسب إلى منظومة حضارية غير عربية ولا

إسلامية؛ ومحاولة استعارته بكليته لأمتنا أمر لا يستقيم ولا يؤدي مدلوله المنشود

منهجياً إلا بقدر من الاعتساف والتداخل وزعزعة المصطلح الحضاري الأصيل،

وهو الشورى، ولا يوجد مسوِّغ موضوعي منهجي لذلك إلا بوصفه أمراً واقعاً،

وهذا منطق هش فرضه أقوياء الحضارة الغربية، وتابعهم المستلَبون التابعون

عندنا، وهو أمر يشبه فرض الأنموذج الأمريكي اليوم في مختلف المجالات الحياتية

عبر فكر وسياسة «العولمة» .

ثانياً: بالنظر في منطق القاعدة الثابتة المؤكدة على أن مفردات اللغة تعبير

عن الاتصال الإنساني والتفاهم؛ بيد أن ذلك قد ينقلب إلى العكس بفعل الاستخدام

العرفي للمصطلح. إذا أعملنا هذه القاعدة في مصطلح الديمقراطية فسنجد أن العرف

السائد لاستخدامها في بلد المنشأ يقوم على عناصر أربعة رئيسية هي: الحرية،

والمساواة، والتمثيل النيابي، والواقع الدستوري [18] .

وكل واحد من هذه العناصر غير مقيد بضوابط الدين، بل متروك لتقديرات

البشر واجتهاداتهم المراعية لملابسات الواقع وإشكالاته؛ وذلك اتساقاً مع منطق

فكرة الديمقراطية ونشأتها.

إن محاولة نقل هذه العناصر من بيئتها إلى بيئات أخرى مغايرة سيصطدم

بجملة من المعتقدات الفكرية والسياسية والقيم والأعراف المناهضة لكثير من

متضمنات تلك العناصر، كما أن السعي نحو تكييف أي منها وفق معتقدات وقيم

وأعراف البيئة الجديدة سيفقد مضمون المفهوم الديمقراطي فاعليته، وسيستحيل إلى

شيء آخر (مسخ) يمكن تسميته أي شيء آخر، إلا أن يكون ديمقراطية.

ويلاحظ اليوم أن ثمة أصواتاً في مجتمعاتنا الإسلامية (المحافظة) تدعو إلى إحلال

القيم والسلوكيات الديمقراطية كمنظومة متكاملة، لا أن تؤخذ بانتقائية، تتخير ما

تشتهي وترفض ما عداه.

والواقع يشهد بوجود أصناف ثلاثة في مجتمعاتنا ترغب في التعامل مع

المسألة الديمقراطية، بيد أنها تختلف في منطلقاتها ودوافعها:

فالصنف الأول: يسعى لتكييف فلسفتها وفق أهوائه وبما لا يتعارض مع

مصالحه بحيث يفقده مجداً، أو يسقطه من موقع اكتسبه بطريق مشروع أو غير

مشروع.

والصنف الثاني: يروم تكييف الديمقراطية مع معتقدات الأمة، وقيم المجتمع؛

بحيث يُزال أي تعارض قد ينشأ بين تعاليم الدين وفلسفة الديمقراطية، حرصاً منه

على الإفادة من إيجابياتها، وحتى لا يظهر أمام الآخر خصماً للحريات العامة؛ وذا

موقف سلبي من مضامين الديمقراطية دون أن يعني ذلك تسليمه المطلق لكل

مستلزماتها، ولذا فإنه يسعى كثيراً لإقران المصطلحين ببعضهما؛ فلا ينفك يذكر

الشورى إلا مقرونة بالديمقراطية أو العكس (الديمقراطية الشوروية أو الشورى

الديمقراطية أو الشوروقراطية) .

أما الصنف الثالث: فيدعو صراحة حيناً، وضمناً حيناً آخر للتعاطي مع

المسألة الديمقراطية منظومة واحدة متكاملة، وما عدا ذلك في نظره تلفيق وترقيع لا

ينسجم وأهداف التغيير الاجتماعي المنشود، معللاً ذلك بأن أوروبا والغرب عموماً

إنما حقق منجزاته السياسية تحديداً حين قَبِلَ بها جملة واحدة لا تحتمل التجزؤ.

وفي مقابل هذه المواقف الثلاثة يبرز موقف مضاد لها جميعاً يعلن رأيه

الرافض صراحة لفلسفة الديمقراطية جملة وتفصيلاً، ويرى أن وجود الديمقراطية

في المجتمع الإسلامي أمر لا ينسجم مطلقاً وروح الإسلام وتشريعاته وأحكامه.

وإزاء ذلك التباين في الموقف من المصطلح نرانا حيال تعارضات وتناقضات لا

مسوغ لترجيح بعضها على بعض أياً ما اختلفت نسبة الصواب أو الشطط في

بعضها مقارناً بالبعض الآخر.

إن القبول بأي من هذه المواقف لا يسلم من جموح أو انغلاق أو توسع لا

يتسع له منطق البحث أو منهج الموضوع الذي نتوخى بلوغه في هذه الدراسة،

وعليه نقول:

أجل لا تتعارض الديمقراطية مع الإسلام في جانب هام من التوجهات الآلية

كما أشرنا قبلاً، أما من حيث المضامين فيدير كل منهما ظهره للآخر تماماً، ويقعان

في التعارض البيّن، والتنافر التام، وكون الديمقراطية تشترك مع الإسلام في

بعض الجوانب الآلية فإن ذلك لا يؤذن بالقول: إن الديمقراطية باتت إسلامية

المقصد والمنزع والهدف؛ إذ الاشتراك في جزئيات الفكرة لا يصير أصل القضية

أمراً مشتركاً متفقاً عليه؛ فمن المعروف أن أصل مصطلح الثيوقراطية على سبيل

المثال وتعني الحكم الإلهي لا يختلف مع مفهوم حاكمية الإسلام إذا استبعدنا حكم

طبقة رجال الدين باسم وصاية السماء، أو سواها من الادعاءات المعروفة في تاريخ

الكنيسة الغربية؛ فالحكم لمن يهيمن به على البشر، والاحتكام إلى شريعته أمر

واجب في المجتمع المسلم؛ فهل يعني ذلك الاشتراك في هذه الجزئية الإذن بوصف

الإسلام بأنه ثيوقراطي، أو أن هناك ما يمكن تسميته بالثيوقراطية الإسلامية، أو

ثيوقراطية الإسلام أو نحو ذلك؟ ! [19] .

ويذهب بعض الباحثين في سياق بيان الفروق الجوهرية بين المصطلحين إلى

التشديد على ضرورة إدراك اختلاف مصدرية النظامين من جهة، وحقيقة فلسفة

الحكم على الأشياء والظواهر من جهة أخرى [20] . على أننا لو أمعنا النظر في

جوانب الاتفاق والاختلاف بين الإسلام والديمقراطية لكان المنطق الأكثر معقولية

قبولاً يقودنا إلى القول: إن وجود قدر من التشابه بين آليات العمل السياسي وسواه

بين النظامين يجعل من الديمقراطية نظاماً أقرب إلى الإسلام في تلك الجوانب وليس

العكس؛ فالإسلام من الناحية التاريخية يتقدم الديمقراطية بما يزيد على ألف عام

والفرق التاريخي يقضي بأن اللاحق يتبع السابق وليس العكس [21] .

ثالثاً: أما إذا طبقنا القاعدة الثالثة الضابطة لقواعد التعامل مع المصطلحات

الوافدة من حيث وضعية العز أو الانكسار، فالواقع الراهن يشهد بأن الأمة

الإسلامية رغم صحوتها الكبيرة ما برحت ترزح تحت نير أحوال التخلف

والانكسار، وهو ما يجعل منها الجانب الأضعف في معادلة التوازن بين القوى

الحضارية على الساحة العالمية اليوم.

ومع إقرار أحد الباحثين في مجال القانون الدستوري والنظم السياسية بأن

مصطلح الديمقراطية طاغٍ على حياتنا المعاصرة؛ غير أنه يرى أن حضور الأمة

الإسلامية اليوم قد تجاوز مرحلة غربة الإسلام وغلبة المفهومات الغربية بكل

ملابساتها ومضامينها وظلالها، فلا بأس من الاستعانة بمصطلح الديمقراطية

وإدراجه في سياق الدعوة إلى الإسلام ولفه بأطر التصورات الإسلامية حيث العبرة

بالمعاني وليس بالمباني، وبالمقاصد وليس بالصور والألفاظ [22] .

ولست أدري ما وزن هذا الحضور وما مقدار تجاوز الغربة الحضارية، وهل

هما يؤهلان حقاً لاستعارة مصطلحات الآخر الغالب المهيمن بلا تحفظ؟ ثم هل

يمكن القول بأن مصطلحات كهذه من قبيل عدم المشاحَّة في استعمالها؟ !

إن القول بأن واقع الأمة أضحى في حال لا يُخشى عليه فيها من التأثير

بالغالب نظراً لوضع العز وليس الانكسار والقوة وليس الضعف لكأنما يرتفع بهذا

الواقع إلى موقع الازدهار والنِّدِّية، وليس التخلف والتبعية. وصحيح أن الأمة

تشهد تقدماً نحو العز الحضاري بفعل الصحوة المباركة، لكن ذلك لا يمنحنا

استنتاجاً منطقياً وواقعياً بأنها ارتقت إلى مواقع الندية أو ما يشبهها.

وإذا كان مفكر بحجم رجاء جارودي يقر صراحة في بعض الحوارات

الصحفية معه بأن فرنسا باتت اليوم تابعة صغيرة لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية

سيدة النظام العالمي الجديد ويعد حوارهما غير متكافئ فهو في نظره أشبه بحوار

السيد مع العبد؛ فكيف يستقيم القول بأن الأمة الإسلامية تجاوزت حالة الغربة إلى

حالة العز والازدهار؟

إن كلاماً كهذا فضلاً عن تجاوزه لمنطق الواقع السائد، فإنه يورث قبولاً

ضمنياً لا شعورياً بمصطلح أجنبي في سياق فلسفي مغاير، ويخل بأداة التواصل

الحضارية عبر اللغة.

رابعاً: إن مصطلح الديمقراطية ليس من الألفاظ المجملة غير العربية التي

يحددها السياق، بل هو لفظ غير عربي ولا مجمل، ولا يختلف استخدام المسلم له

عن غير المسلم من الناحية المنهجية والموضوعية، اللهم إلا في نظر فئة من

الإسلاميين التي لا تولي جانب المنهجية والموضوعية من الاهتمام ما يستحق،

وتعد هذا الاهتمام ضرباً من الهدر واللغو، وإخال أن ذلك عندها يرجع إلى سببين

جوهريين:

أحدهما: حرصها على أن يظهر الإسلام براءً من الاستبداد والأحادية

والفردية، مناصراً لقضايا الحرية والعدالة والمساواة والتعددية والتقدم وهو ما ترمز

إليه الديمقراطية.

والآخر: ضعف التربية العلمية المنضبطة بصوارم المنهج، وآفاق الواقع،

وعمق الوعي؛ مما أنتج خللاً في ضبط قاعدة المصطلحات المنهحية، ويندرج في

إطار هؤلاء بعض حملة الشهادات العليا؛ فرب حامل علم لا يلتزم بمقتضياته،

نزولاً عند واقع طاغٍ بالإعجاب وربما الانهزام النفسي الخفي أمام بريق الغالب

المهيمن وطغيان نفوذه..

والله من وراء القصد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015