مجله البيان (صفحة 4013)

الورقة الأخيرة

حذار.. الأسرة في خطر

عبد العزيز بن محمد التميمي

أصدقكم القول إنني مندهش جداً؛ فثمة خطر حقيقي مفزع يلوح في الأفق ...

قد بدت نذر هبوبه ومع ذلك فلا يبالي أحد - على الأقل حتى الآن - ولا يتحدث

عنه أحد - إلا النذر اليسير - بينما يشكو الكثير من تفشي الجريمة وتعاطي

المخدرات والتحلل الخلقي وغير ذلك من العلل والأمراض ... المخدرات التي تبذل

لأجلها حكومة الولايات المتحدة وأوروبا المليارات، وتجند لها مئات الألوف من

رجال الأمن والتحري والدوريات و.... دون جدوى! ! تعقد الكثير من المنتديات

والمؤتمرات حول السبل الناجعة لمواجهة هذا الخطر المرعب، وتتخذ الكثير من

التوجيهات والقرارات، ولا يزداد الأمر إلا خطورة واستفحالاً ... الحل الحقيقي هو

الأسرة ... ! والخطر الحقيقي المخيف ... هو تقويض الأسرة.

يؤمن الناس في الغرب أن وراء كل عظيم «امرأة» لكن إيماني عميق بأن

وراء كل عظيم أسرة عظيمة؛ ولذلك فكل ما من شأنه دعم كيان الأسرة وتعزيزها

يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ويعطى الأولوية.

الأسرة هي ملاذ الأمن الاجتماعي المطلوب، وأي خطر يتهددها هو خطر في

نواة الأمن الاجتماعي الصلبة الذي يجب أن تقام من حوله القلاع وتبنى من حوله

المتاريس ... في الماضي كانوا يقولون عن الرجل إذا بالغوا في الثناء عليه:

«فلان ولد حمولة» أي أنه نتاج أسرة كريمة [وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ

رَبِّهِ] (الأعراف: 58) ، ولما كان حاله كذلك فلا عجب أن يكون على خير

صفات الكمال ... فالشيء من معدنه لا يستغرب ... واليوم بدأت تتحطم القبيلة

لحساب «الوطنية» ، ويتمزق كيان الأسرة لحساب «الحرية الفردية» . في

الماضي كانت الأجيال الثلاثة تسكن بيتاً واحداً ... الجد وابنه وأحفاده ... في

الماضي لم تكن الأسرة تتناول طعامها إلا مجتمعة ... واليوم تتكفل محلات

الوجبات السريعة «Fast Food» المهمة، لا يجمع الناس في البيت الواحد إلا

لحظات النوم ... وحتى هذه اللحظات متفاوتة؛ فمن أفراد الأسرة من لا ينام إلا

مع بواكير الفجر الأولى بعدما يمل من مراقبة «القنوات الفضائية» المتنوعة،

أو ينتهي من حوارات «الدردشة Chatting» في الإنترنت تلك التي لا تكاد

تنتهي ... ! ! ! ومنهم من ينام من أول الليل حتى «يلحق بالدوام الباكر» ، ومنهم

من لا ينام حتى ترتفع الشمس في كبد السماء ويزداد الحر فيفر منه إلى سكينة النوم

عاكساً قانون الله الكوني في جعل الليل سكناً ... !!

يا سادة! هل تصدقون أن نسبة الطلاق في المدن الكبرى تجاوزت «30%»

أي أنه بين كل ثلاث زيجات تنتهي واحدة بالطلاق بعد مدة ... تنبهوا ها هو

حصن الأمن تتقوض أسواره ... هل تبحثون عن الأسباب....؟ !

ثمة أسباب كثيرة ... ربما يساعدنا إدراك أن هذه الظاهرة - أعني ظاهرة

الطلاق والتمزق الأسري - ظاهرة عالمية تتزايد في كل مكان في هذا العالم، ولما

كنا وكم يؤلمني ذلك نعيش في عصر العولمة «عولمة وسائل الاتصال والنقل،

والمعلومات وعولمة الجريمة والتحلل الأسري، وهيمنة النموذج الغربي ... لما كنا

نعيش هذا العصر فلا ريب أن علله الأخلاقية تعدينا تماماً» كما يعدي الصحيح

الأجرب «.

زرت العديد من الدول الأوروبية ... ورأيت أنك تتمكن بسهولة من ملاحظة

رجل يسير مع امرأة، أو امرأة تسير مع أطفالها ... بل الرجل يسير مع أطفاله،

لكنك من الصعب جداً أن تجد أسرة مكونة من الأم والأب والأطفال! !

لقد تخيل بعضنا أنا بدأنا نستهلك الغرب ... ، وأذبناه - ويا للمفاجأة -

نحن الذين تستهلكهم الحضارة الغربية ... ، ثم تلفظهم مشتتين ممزقين، واهني

القوى ...

تشتكي الكثير من الأمهات من عدوانية أطفالهن التي لا تطاق ... ولا غرابة

... فالطفل الذي يمضي سحابة نهاره في حضن خادمته المكدودة طوال نهارها في

العناية بالمنزل، تعاني الكثير من الآلام في بعدها عن زوجها وأطفالها؛ فكيف لها

أن تكون مصدر حنان يكفي لطفل قذفت به أمه بين يدي هذه المربية، ثم انطلقت لا

تلوي تعمل في هذه الوظيفة أو تلك! !

كيف لا يكون الطفل عدوانياً ... وأمه تنتظر كالنمرة عودة زوجها مكدوداً

مرهقاً من عمل النهار كي تنطلق نحوه بأعيرة كلامية لا تنتهي حول تقصيره في

بيته وإهماله لها.... أو حول تصرفات أهله أو أقاربه معها أو ... أو ... كيف

يمكن لهذا الطفل المسكين أن يكون ودوداً لطيفاً مبدعاً معطاءاً؟ !

ثم كيف يمكن لهذه الأم التي يكيل لها زوجها الصاع صاعين ... كيف يمكن

لها أن ترضخ له، وهي الموظفة المرموقة التي تملك السيارة والسائق والخادمة

والمربية.... إلخ، إنها ليست في حاجة إليه ... بل هو الذي يحتاجها ... وإن لم

يحترمها وصبر على» نكدها «فليذهب إلى الجحيم ولا عليها أن تكون بلا زوج

... فأزواج هذه الأيام - كما يقلن كثيراً - البعد عنهم خير من القرب منهم! !

الضحية في النهاية هم هؤلاء الأطفال المساكين ... إنني عاجز عن أن أكف

تفكيري الدائم في المستقبل المجهول الذي ينتظر هؤلاء المساكين الذين لم يجدوا

حظاً من الرعاية والاهتمام في طفولتهم الأولى ... أي نوع من الرجال سيكونون؟

وأي نوع من الأُسَر سوف يشكلونها؟ !

ثم هذا الغلاء الفاحش في تكاليف المعيشة، وهذه النفقات الباهظة للزواج من

يطيق احتمالها والقيام بها؟ !

إنني أعتقد اعتقاداً لا أشك فيه أن أجراس الخطر لا بد أن تقرع الآن، وأنه

آن للعقلاء من هذه الأمة أن يبدؤوا بتشكيل الملتقيات والندوات والجمعيات الخيرية

ومنظمات التوعية التي تواجه هذا الصدع الخطير في بنيان الأسرة التي نواجهها

اليوم ... وتذكروا معي جيداً أن» وراء كل عظيم أسرة عظيمة «.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015