المنتدى
علي أحمد الخلب
أمقت هذه الكلمة، وأمقت كل من يعمل بألوانها؛ فقد كنت وأنا صغير السن
عندما أسمع هذه الكلمة يسبح عقلي في الخيال، وأرى صورة شخص يتصاعد من
أمامه دخان كثيف يعمي القلوب قبل العيون أحياناً، ويلبس ثياباً رثة قذرة عفنة
تستنكرها العقول قبل أن تستنشقها الأنوف.
هذه الصورة التي ظهرت لي وأنا صغير خدعتني عن حقيقة الشعوذة
والمشعوذين؛ فكنت أعتقد أن من يكون بهذه الصورة وبهذا الأسلوب هو المشعوذ؛
وإذا بي أرى أنه كالحرباء يتلون حسب البيئة التي يقطن فيها، ويطور أساليبه
ويغير من هيئته، فهناك من هو مشعوذ بالقلم الساحر وإن من البيان لسحراً والإبداع
الماكر، وهناك من يروي تاريخه المزيف على أنه بطل زمانه، ويصنع له قصصاً
مخترعة من نسج خياله يقنعك أنه يحرر البشرية، ومنهم من يوهمك بقوته وأنت
تراه يفر ولا يصمد أمام طفل يحمل حجارة التقطها من الأرض، ومنهم من يقنعك
أنه يعالج قضاياك المستعصية رغم أنك ترى بأم عينيك بأن مشكلاتك تزداد بقدر
معالجته لها، ومنهم ومنهم ... إلخ. إنها شعوذة القرن العشرين، أشعلت أبخرتها
وتصاعدت في الفضاء وانتشرت في الأثير لكي نستنشقها، لتنفذ بطقوسها الحديثة
حواسنا وتسيطر على عقولنا وقلوبنا، تنفذ من خلال البصر فتعمي البصيرة
وتخترق أسماعنا فتخرق قلوبنا وتخل بتوازننا واعتقاداتنا وتراثنا. إن
مشعوذ القرن العشرين استنفر قوى الطبيعة بكل معنى لهذه الكلمة، وسخر كل مارد
يتجاوز الحدود، لا تقتله طلقة، ولا سيف يقطعه، ولا قرار يمنعه.
مشعوذ القرن العشرين والمشعوذ القديم وجهان لعملة واحدة، لم يتغير أسلوبه
وإن غيّر من هيئته، الكذب مبدؤه، والخداع منهجه، والمال مقصده، وقلب
الحقائق غايته.
لقد استطاع المشعوذون أن يرسموا في مخيلتنا صورتهم القديمة، استطاعوا
أن يجعلونا كمن يحلم داخل الحلم كلما أراد أن يستيقظ منه وجد نفسه في حلم آخر،
إنهم مبدعون في فن الخداع وفي قلب الحقائق كيلا نكتشف حقيقتهم فنحذر من
شعوذتهم وألوانها.