الباب المفتوح
طلال بن علي الجابري
استقر التوحيد بأقسامه الثلاثة - عند أهل الحق -:
1- توحيد الألوهية.
2- توحيد الربوبية.
3- توحيد الأسماء والصفات.
ووفقهم الله - عز وجل - للعمل بمقتضى هذه العقيدة السمحة، إلا أنه لا بد
لأهل الحق من المدافعة والمنابذة من أهل الزيغ أو الجهل بين الحين والآخر [سُنَّةَ
اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ] (الأحزاب: 62) ، ومن ذلك:
1- إنكار تقسيم التوحيد من بعض أهل البدع وادعاؤهم أن أول من جاء به
شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن عبد الوهاب؛ رحم الله الجميع.
وقد تولى الرد على هذه الفرية جمعٌ من العلماء. قال الشيخ بكر أبو زيد:
(هذا التقسيم الاستقرائي لدى متقدمي علماء السلف أشار إليه ابن منده وابن جرير
والطبري وغيرهم، وقرره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وقرره الزبيدي في
تاج العروس، وشيخنا الشنقيطي في أضواء البيان في آخرين؛ رحم الله الجميع،
وهو استقراء تامٌّ لنصوص الشرع، وهو مطرد لدى أهل كل فن كما في استقراء
النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، والعرب لم تَفُهْ بهذا، ولم يعتب على
النحاة في ذلك عاتب، وهكذا من أنواع الاستقراء) [1] .
2- تسمية أقسام التوحيد اصطلاحاً. وهذا خطأ؛ والصواب أنه استقراء من
نصوص القرآن الكريم وليس اصطلاحاً أنشأه بعض العلماء من عندهم؛ ولهذا نجد
أن العلماء لا يسمون ذلك اصطلاحاً، بل يقولون إنه استقراء كما في (أضواء
البيان 3/410 414) وما تقدم من كلام الشيخ بكر أبو زيد وغيرهما، وقد سمعت
الشيخ عبد الله الغنيمان يرد هذه التسمية ويسميها: استقراء.
3- زعم بعضهم أن لفظ التوحيد مصطلح عليه (أي أنه من عند العلماء)
ولم يرد في القرآن ولا في السنة، كما صرح بعضهم في درسه بذلك، وقد نبهته
ورجع جزاه الله خيراً.
ثم وجدت الخطأ نفسه من بعض الفضلاء في كتاب له، وهذا لا نشك أنه
ناشئ من عدم الاستقراء. ورحم الله أهل الاستقراء التام «كدت لا أراهم إلا في
كتاب أو تحت تراب» . وها هنا بعض الأحاديث النبوية الثابتة في ذكر لفظ
التوحيد ولن آتي به إلا صريحاً؛ لأن بعضهم قال إنه جاء متصرفاً، أما صريحاً
فَلَمْ يأت. فإلى الأحاديث:
1- أخرج الإمام أحمد عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «يُعذب ناسٌ من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا حُمماً،
ثم تدركهم الرحمة فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة، قال: فيرش عليهم أهل
الجنة الماء فينبتون كما ينبت القثاء في حمالة السيل ثم يدخلون الجنة» [2] .
2- وجاء في صحيح مسلم وغيره في كتاب الحج عن جابر - رضي الله
عنه -: « ... فأهلَّ بالتوحيد ... » [3] .
3- أخرج أبو داود وغيره، وصححه الحاكم والذهبي وحسنه النووي
والعسقلاني؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبعض النسوة: «عليكن بالتسبيح
والتهليل والتقديس، ولا تغفلن فتنسين التوحيد (وفي رواية: الرحمة) ، واعقدن
بالأنامل؛ فإنهن مسؤولات ومستنطقات» [4] .
وفي الجملة فقد يكون هناك أكثر وأكثر من الأحاديث النبوية الصحيحة في
ذكر لفظ التوحيد؛ وإنما أردت إثبات هذا اللفظ الشريف، ويكفي في ذلك حديث
واحد؛ ولله الحمد.
كما أني أنصح الجميع بعدم النفي لبعض القضايا أو الأسماء إلا بعد الاستقراء
التام والاعتماد على العلماء المتقدمين في ذلك؛ لأنهم أهل الاستقراء حقيقة من أمثال
شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما، رحمهم الله.
وأذكر في هذا المقام أن بعض أهل البدع قال: لم يرد تسمية صفات الله بلفظ
(صفة) ، أما الأسماء فقد وردت! !
وهو بهذا الزعم يشوش على بعض البسطاء من العامة والله المستعان، وغاب
عنه حديث في صحيح البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بـ[قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ]
(الإِخلاص: 1) ، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «سلوه
لأي شيء يصنع ذلك؟» فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخبروه أن الله يحبّه» [5] .
[سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ العَالَمِينَ] (الصافات: 180-182) .