الباب المفتوح
عادل بن سعد الحسيكي
الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه؛ إنه الله - سبحانه وتعالى - إنه الملك، إنه
السميع البصير، إنه الذي يعلم السر وأخفى، إنه الرقيب علام الغيوب.
لماذا كأنك تراه عياناً بياناً أمام ناظريك؟ أليس لتستحي منه وترقبه في أقوالك
وأفعالك؟ !
إن هذه المقولة الإيمانية عندما نتملاّها تنقلنا إلى آفاق عالية، آفاق تجعلنا على
أفعالنا وأقوالنا حراساً، وعلى أفكارنا وخواطرنا مراقبين.
ألا ترى أن كل الوشائج تلاشت في ظل هذا الدين، لتبقى [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] (الحجرات: 13) خفاقة فوق كل رابطة، ومداد كل شرف ومكرمة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت» [1] ، إنه الحياء من
الله - سبحانه وتعالى -، إنها الرقابة التي تسمو بها النفس فوق أعمال الجوارح
وفلتات اللسان، وخطرات الأفئدة، قمة الحياء، ومعيار الكرامة والشرف؛ لأن هذا
الدين ليس دين المظاهر والأشكال، وليس دين العنصرية ومراعاة الأعين
والنظرات.
إنه دين التربية، دين أكمله الله وجعله مهيمناً على جميع الأديان والمذاهب
المنحلة التي غصت بها عصور سالفة، وتجرعت مرارتها عصور حاضرة، ظناً
منها أن هذا الدين قاصرٌ عن متطلبات كل مكان وزمان، فحارت في مفاوز التخلف
والرجعية، وتاهت في ظلم الأحكام والقوانين الوضعية.
ترى! ما عسى أن تفعل النفس الأمارة بالسوء إذا انفلتت من هذا الحصن
الحصين، وهذا القيد المتين وتعرت من أثواب الحياء؟ أليست ستقع في مهاوي
الردى، ودركات المعاصي، ولجج الدناءة واللامبالاة؟ !
إن هذه قضية مشهودة، وواقعة ملحوظة، فلا نبعد عن مجتمعنا الإسلامي،
فضلاً عن مجتمعات الكفر والإلحاد، فيوم أن تخلى المسلمون عن هذا المنهج
النبوي القويم رأيت المعاصي تُقتَرف آناء الليل وآناء النهار، من سب للدين،
واستهزاء به في مقالات سافلة، وأدبيات حوت دسائس عداء متأصل دفين، إلى
قتل وإجرام علني مجاهر به، في شتى مجالات الحياة ومختلف معتركات العمل.
إن المجتمع النبوي يوم أن رسخ في سويداء قلبه هذا المنطلق التربوي العظيم
كان خير القرون، عز فيه الإسلام وقويت شوكته، فساد المعمورة وأرسى فيها
قواعد عزه؛ فهذا شاب في الثامنة عشرة من عمره يقود جيشاً، وآخر يمتلئ قلبه
غضباً على فرعون هذه الأمة؛ لأنه علم أنه يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيجندله صريعاً قتيلاً، وآخر يهتز لموته عرش الرحمن، ورابع تغسله الملائكة بين
السماء والأرض، إنها نفوس شبت على الخوف من الله والحياء منه، واستشعار
مراقبته وإحاطته - سبحانه - في السر والعلن، جعلت نصب أعينها: [إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً] (النساء: 1) ؛ فهلا كان لنا فيها أسوة وقدوة.
إن الإسلام في حاجة ماسة إلى رجال مخلصين يملأ الإيمان قلوبهم، ويتملك
الاعتصام بالله والخوف منه أفئدتهم حتى يقيم لبنات عزة على أكتافهم، يحتاج إلى
سواعد بناءة تعمل جاهدة في رفعة هذا الدين، والذود عن حياضه، والصمود في
وجه أعدائه.
وختاماً: تشبث بالصبر، وتحلَّ بالإقدام، وكن دائماً كأنك تراه.