الباب المفتوح
محمد علي شامخ
إن من أعظم نعم الله عز وجل على هذه الأمة أن جعل محمداً صلى الله عليه
وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين منها، كما قال تعالى: [لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ
إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ] (آل عمران: 164) ، فحمل المصطفى
عليه الصلاة والسلام مشعل النور والهداية حتى فاضت روحه إلى بارئها تاركاً
لأمته الهدى والنور كتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم، وورَّث العلم لمن بعده؛
فكان العلماء العاملون هم الورثة له، فأخذوا إرث النبي صلى الله عليه وسلم
فتعلموه وحفظوه ودونوه، وصنفوا فيه المصنفات الكثيرة التي انتشرت في البلاد
وبين العباد، «وإذا كان العلماء ورثة الأنبياء فإنهم أيضاً ورثوا قدراً لائقاً بهم من
الاعتبار والمكانة في الشريعة، فكان واجباً على الأمة من بعد طاعتهم في طاعة الله
وموالاتهم واحترامهم والسعي إليهم والأخذ منهم» [1] وبذلك تعتبر عملية أخذ
الموروث العلمي الذي خلفه هؤلاء العلماء من مصنفات وشروحات ومقالات وفتاوى،
وحفظها والعناية بها وتقديمها للأمة هو أقل ما يمكن أن نقدمه رداً لمعروفهم تجاه
أمتهم.
ونظراً لِمَا حَبَا الله هذه الأمة من وفرة في عدد علمائها، وازدياد مصنفاتهم
وتفرقها وانتشارها في مختلف أصقاع المعمورة «برزت الحاجة الملحَّة إلى أدوات
علمية ومنهجية لتوثيق وحصر هذا الرصيد الفكري العلمي وتنظيمه وحفظه ثم
استرجاعه لتيسير وصوله إلى الباحثين والدارسين بسرعة» [2] ، وهو ما يطلق
عليه عند علماء المكتبات الببلوغرافيا. والببلوغرافيا تعني «قائمة كتب لمؤلف
معين أو طابع معين أو بلد معين، أو عن فكرة معينة أو أدب موضوع معين» [3] ،
وهذا العلم ليس بدعاً على المسلمين بل هو موجود منذ العهد الإسلامي الزاهر،
ومن الأدلة على ذلك كتاب (الفهرست) لمحمد بن إسحاق النديم، الذي ألَّفه في
القرن الرابع الهجري، وقد ذكر في مقدمته: «فهذا فهرست كُتُب جميع الأمم من
العرب والعجم، الموجودة بلغة العرب وقلمها، في أصناف العلوم، وأخبار
مصنفيها، وطبقات مؤلفيها وأنسابهم» [4] ، ويعتبر هذا الكتاب أول ببلوغرافيا
للمصنفات الإسلامية. ثم تتابعت بعد المصنفات في هذا الفن؛ فهذا كتاب: (مفتاح
السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم) لطاش كبرى زاده عام 1561م،
وكتاب: (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) لحاجي خليفة المتوفى
1657 م، ولا يزال التصنيف في هذا المجال إلى وقتنا الحاضر.
ومع بواكير هذه الصحوة الإسلامية الراشدة أصبح «المشروع الإسلامي اليوم
هو صاحب الكلمة، وصاحب الحضور الجماهيري الواسع، والرموز الفكرية
الإسلامية القديمة والجديدة هي صاحبة الجاذبية والتأثير في حركة الثقافة الفعلية في
أوساط الشباب أو القطاع الأوسع منهم» [5] ؛ فأضحت هناك ضرورة ملحَّة للقيام
بعملية إعداد ببلوغرافيا لعلماء أهل السنة والجماعة لتعريف الأمة بالمصادر
والمراجع المناسبة لهم، وخاصة في خضم هذه الصراعات الفكرية والمذهبية
الموجودة في الساحة اليوم، إننا لا نستطيع أن ننكر كثرة وجود مساجد ضرار في
الساحة ودعاة على أبواب جهنم يُسخِّرون كافة الإمكانيات للسيطرة الفكرية على هذه
الأمة، ومن أعظم الأمور التي يسعون من خلالها دس السم في العسل هو الكتاب؛
ولذلك «فلا بد من تلقي العلم عن مصادره الأصلية من القرآن والسنة ومصنفات
أهل السنة ومن كتب العلم الموثوقة في العلوم الشرعية؛ فلا ينبغي للمسلم أن يقرأ
مما هب ودب، بل عليه أن ينتقي نوع القراءة ونوع الكتاب المقروء، وأن
يستشير» [6] فيمكننا القول إذن: إن الببلوغرافيا هي تقديم المشورة للقارئ فيما يقرأ،
وهو ما يحقق هدفاً من أهداف الرسالة الإعلامية الإسلامية التي «تتعدى إلى
مجالات متنوعة دون التقيد بحيز ضيق؛ حيث إن الدعوة الإسلامية هي دعوة
للإيمان، مقترنة بالدعوة إلى العلم والعبادة والعمل والفكر» [7] .
كما لا يفوتنا التنبيه إلى العجز الكبير في مكتبات أهل السنة لمثل هذا النوع
من أوعية المعلومات، ومع أن العلوم الشرعية لها تفرعات كثيرة إلا أن الأدلة لكل
قسم منها قليلة جداً؛ فعندنا «مجال الفقه الإسلامي مثلاً ما زلنا نفتقر إلى عمل
ببلوغرافي يحصي المؤلفات الفقهية في كل مذهب من المذاهب منذ ظهورها على
مسرح الحياة حتى الآن؛ بل إننا نفتقر إلى إعادة نشر أمهات الكتب الفقهية نشراً
حديثاً يتيح للباحثين الوصول إلى ما يريدون منها بسهولة ويسر؛ ففي كل باب من
أبواب الفقه تتشعب المسائل وتتداخل وتتعقد بحيث يجد الباحث مشقة وعسراً في
الوصول إلى ما يريد؛ وخاصة إذا كان يبحث عن مسألة فرعية دقيقة يمكن أن تتوه
وسط أكوام المباحث الفقهية في بابها» [8] بخلاف ما يسببه ذلك من هدر لأوقات
الباحثين وتكرار جهودهم.
مصادر تجميع الببلوغرافيا:
وهي المصادر التي تمكننا من الوصول إلى المراجع المطلوبة من أجل إعداد
هذه الببلوغرافيا، وتأخذ عدة طرق:
1- الببلوغرافيا الوطنية الصادرة في كل بلد والتي تتضمن النتاج الفكري
لهذا البلد.
2- فهارس المكتبات العامة.
3- الأدلة التجارية الصادرة عن دور النشر للتعريف بإنتاجها.
4- الكشافات الدورية؛ حيث يتم من خلالها الوصول إلى مساهمات ذلك
العالم في ثنايا صفحات تلك الدورية.
5- المكاتبة الشخصية مع العلماء والاستفسار منهم شخصياً عن مؤلفاتهم
ومؤلفات المشايخ الآخرين الذين توفوا؛ وهذه من أنجح الوسائل.
فئات المواد:
تشمل: الكتب، والرسائل المطبوعة، والمقالات في الدوريات، والرسائل
الجامعية.
ترتيب الببلوغرافيا:
ويقصد من ذلك تنظيمها بما يتناسب مع أهداف هذه الببلوغرافيا، ويكون على
عدة أوجه منها:
1- الترتيب الهجائي:
أ - بحسب المؤلف: فيتم إدراج جميع مصنفات الشخص بواسطة مدخل
باسمه شخصياً، وترتب مصنفات المؤلفين ترتيباً هجائياً.
ب - بحسب العنوان: فيتم ترتيب العناوين ترتيباً هجائياً.
ج - بحسب الموضوع: فيتم إدراج المؤلفات بحسب موضوع كل مؤلف
ومن ثم ترتب هجائياً.
2- الترتيب الزماني:
فيتم إدراج مؤلفات كل فترة زمنية على أساس سنة الطبع، أو إدراج مؤلفات
علماء وُلِدُوا في فترة زمنية معينة.
3- الترتيب المكاني:
فيتم إدراج مؤلفات بحسب مكان صدورها.
وختاماً:
فلا شك أن هذا المشروع كبير جداً، وقد يقول البعض باستحالة تحقيق ذلك،
ولكن لو قام كل شخص من موقعه بجهد لتحقيق ذلك فسوف نرى في القريب العاجل
بعون الله الكثير من الأدلة لمؤلفات عالم أو مجموعة علماء تتزين بها مكتباتنا.