البيان الأدبي
محمد شلال الحناحنة
زوجتي الغالية ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يسرُّني أنْ أردَّ على شجن الاستفهام النازف في حروفك الدافئة إليّ أخيراً،
والحقّ أنَّ لكلٍّ منّا استفهاماً موجعاً موغلاً يراوح بين ذاته وبين أنوار السماء؛ فهذا
يسألُ ويئنُّ: يا رَبِّي! هذا هو المال والبنون ونعيم الدنيا، فأين العافية والصّحة؟ !
وذاكَ يشعل جُرْحاً آخر ويكدح: هذه هي الصحة، فأين المال والبنون وإقبال
الدنيا؟ ! وأرى ثالثاً يتذمّرُ حزيناً منكسراً: يا إلهي! هذا هو نعيم الدنيا من مال
وبنين وعافية، فأين السكينة الداخليّة والسعادة الغامرة؟ ! ولي اليوم أن أصافح
سطورك فأقول: إنَّ ذلك كُلّه يا نبض قلبي زهراتٌ صناعية يابسة لا حياة حقيقية
فيها؛ لأن ريحان السعادة النَديَّة المشرقة التي ضاعتْ عند الكثيرين في ركام حياتنا
المعاصرة يكون فقط في الإيمان بالله وحده، فهو السّند الروحيّ من كدّ الدنيا
وتقلباتها وفجائعها وظلماتها [أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي
النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا] (الأنعام: 122) ، فأنّى تكون
السعادة وقطيعٌ عريضٌ ما زالت نفوسهم تتوغل في متاهات الضلال فتجعل لله
سبحانه وتعالى أبناءاً وصويحبات؟ ! أليست هي وحشة القلوب وأسقامها
وإعراضها عن الهدى؟ : [يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي
الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ] (يونس: 57)
إنَّ الإيمان الحقيقي الذي ينبغي أن نفزع إليه أيتها الغالية هو في قوله تعالى:
[مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً] (النحل:
97) .
وإن من طيب الحياة وصلاح العمل أن نأخذ بأيدي إخواننا نواسيهم في
أحزانهم، ونقوّي عزائمهم للصبر على ما أصابهم محتسبين ذلك عند الله، فهذا
ولاء لله وأهل طاعته، ومشاركة وجدانية أخوية سامية نسأل الله الأجر العظيم عليها،
وكم لامَسَت أشواق روحي موعظتك الرائعة حين قلتِ لأخواتك: ما أعظم أن
ننظر إلى داخل نفوسنا بين الحين والآخر، لنمحّصَ ما فيها، ونعيد إليها تماسكها
وتوازنها وبناءها أمام عراك الحياة واهتزازها وكبواتها! فهذه النفوس أحوج ما
تكون إلى رقابة داخلية لضبط الجوارح وانتشالها من تعثّرها وتجديد طاقتها
لاستئناف مسارعتها إلى مغفرة الله ورحمته: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ]
(الزمر: 53)
أجل يا حنين الروح أليس في هذه الآية الكريمة جرعاتُ رجاء معنوية واسعة
ناهضة ترفعنا لمعانقة صفاء السماء؟ ! هل بعد ذلك أيتها الغالية من مكان للقلوب
المنكوسة والنفوس الحسيرة البائسة؟ ! أليس من اضطراب البصيرة ونكوص
الرؤية ألاَّ نطمئن إلى هذا التوجيه الرّباني الخالد في قوله تعالى: [وَسَارِعُوا إِلَى
مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ] (آل عمران:
133) .