مجله البيان (صفحة 3856)

الجانب الاجتماعي في كتاب الأدب من صحيح الإمام البخاري

دراسات في الشريعة والعقيدة

الجانب الاجتماعي في كتاب الأدب

من صحيح الإمام البخاري

لؤي عباس الهزايمة [*]

يمثل القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة المرجعية في استقصاء القيم

التربوية والاجتماعية، فكانت التوجيهات النبوية في دعوة مستمرة إلى التفاعل بين

العناصر الاجتماعية المختلفة، وتوثيق الصلات والروابط بين الشرائح الاجتماعية

في منهج قويم متكامل قائم على أسس عقدية وتشريعية وأخلاقية تتواءم ومتطلبات

الفطرة الإنسانية؛ ذلك أن لكل من القرآن الكريم والسنة الشريفة (غرضاً اجتماعياً

مقصوداً، ومنهجاً للاجتماع البشري معتبراً لا يقل أهمية عن مسائل العقيدة وما

تستلزم من تعبُّديات) [1] .

وسأحاول خلال هذه الصفحات الآتية أن ألقي الضوء على النسق الموضوعي

(الجانب الاجتماعي) بين الأحاديث النبوية التي أوردها الإمام البخاري [2] في

كتاب الأدب من جامعه الصحيح [3] .

أهمية كتاب الأدب:

تنبع أهمية كتاب الأدب من صحيح الإمام البخاري من أهمية الأدب نفسه؛

فالإسلام مداره على قاعدتين: «الامتثال والأدب؛ فمن امتثل فقد وفّى ما به أُمِرَ،

ومن تأدب فقد نجا مما عنه نهي وله كُرِه» [4] ، والأدب: «استعمال ما يحمد قولاً

وفعلاً، وعبَّر بعضهم عنه بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق، وقيل: الوقوف مع

المستحسنات، وقيل: هو تعظيم من فوقك، والرفق بمن دونك» [5] ، وقال

بعضهم بأنه: «اسمٌ لكل رياضة محمودة، يتخرج بها الرجل إلى كل فضيلة من

الفضائل» [6] ، وهو ثمرة الالتزام بكتاب الله تعالى وهدي النبي صلى الله عليه

وسلم.

وهو على ثلاثة أنواع [7] : «أدب مع الله سبحانه، وأدب مع رسوله صلى

الله عليه وسلم وشرعه، وأدب مع خلقه. فالأدب مع الله: معرفته بأسمائه وصفاته،

ومعرفته بدينه وشرعه، وما يحب وما يكره، ونفس مستعدة قابلة لينة متهيئة

لقبول الحق علماً وعملاً وحالاً. والأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم: كمال

التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقِّي خبره بالقبول والتصديق دون أن يحمّله معارضة

خيال باطل يسميه معقولاً، أو يقدِّم عليه آراء الرجال، فيوحده بالتحكيم والتسليم،

والانقياد والإذعان، ومن الأدب معه: ألا تُرفع الأصوات فوق صوته، ويدخل فيه:

رفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته. ومن الأدب معه ألا يُستشكل قوله، بل

تُستشكل الآراء لقوله، ولا يُعارض نصه بقياس، بل تُهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه،

ولا يحرَّف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه معقولاً، ولا يوقف قبول ما جاء به

صلى الله عليه وسلم على موافقة أحد» .

وأما الأدب مع الخلق: فهو معاملتهم على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم؛

فلكل مرتبة أدب، والمراتب فيها أدب خاص؛ فمع الوالدين أدب خاص، وللأب

منهما: أدب هو أخص به، ومع العالم أدب آخر، ومع الأقران أدب يليق بهم،

ومع الأجانب أدب غير أدبه مع أصحابه وذوي أُنسه، ومع الضيف أدب غير أدبه

مع أهل بيته، وهكذا، وهذا النوع الأخير هو ما نحن بصدده.

وعلى الجملة فأدب المرء (عنوان سعادته وفلاحه، وقلة أدبه: عنوان

شقاوته وبواره، فما استُجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استُجلب

حرمانها بمثل قلة الأدب) [8] [**] .

النسق الموضوعي في كتاب الأدب (الجانب الاجتماعي) :

يشتمل كتاب الأدب على مجموعة من الأحاديث المرفوعة تبلغ (256)

حديثاً [9] . وهو يقع بعد كتاب (اللباس والزينة) ، وقبل كتاب (الاستئذان) ؛

وكلاهما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالآداب ويحتاج إليها المسلم في تعامله وعلاقاته مع

الآخرين.

وقد سلك البخاري منهجاً فريداً في ترتيب أبواب هذا الكتاب، كما هو الحال

في سائر الكتب، فابتدأ الكتاب بعلاقة الأبوة والبنوة تنويهاً بأهميتها، فذكر جملة من

الأحاديث التي تدور حول هذه العلاقة؛ بحيث كانت تمثل وحدة موضوعية متكاملة

إلى حد ما، بلغت (?) حديثاً [10] تحت (?) أبواب، وصدَّر كتاب الأدب بما

رواه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث قال: «سألت النبي صلى الله

عليه وسلم: أيُّ العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قال: ثم أي؟

قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله» [11] ، فاعتبر هذا

الحديث أساساً في بناء العلاقات؛ فالصلاة صلة بالله تعالى، وبر الوالدين علاقة مع

المسلمين؛ لأن من يبرهما يبرُّ غيرهما، والجهاد علاقة مع الكفار، وتخصيص

هذه الأمور الثلاثة؛ لأنها عنوان على ما سواها من الطاعات (فإن من ضيَّع

الصلاة المفروضة حتى يخرج وقتها من غير عذر مع خفة مؤنتها عليه وعظيم

فضلها، فهو لما سواها أضيع، ومَن لم يبرَّ والديه مع وفور حقهما عليه كان

لغيرهما أقل براً، ومن ترك جهاد الكفار مع شدة عداوتهم للدين كان لجهاد غيرهم

من الفساق أترك « [12] .

وفي الحديث التالي خصّ الأم بالبر بعد أن حضّ على برّهما معاً، وأورد

حديث أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال:» جاء رجل إلى رسول الله صلى الله

عليه وسلم فقال: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك.

قال: ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أمك. قال: ثم من؟ قال:

ثم أبوك « [13] ، وبعد التوصية ببر الوالدين وبيان عظيم حقهما شرع في بيان

آليات البر، فقال: (باب: لا يسبُّ الرجل والديه) ؛ بمعنى ألا يكون سبباً إلى

سبِّهما [14] ، وهو الحد الأدنى من البر، وبعد أن بيَّن آليات البر شرع في بيان أثر

ذلك، فقال: (باب: إجابة دعاء من برّ والديه) ، وبعد أن بيَّن الموقف الإيجابي

الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم تجاه والديه، بيَّن الموقف السلبي وهو العقوق،

وسلك فيه مسلك الترهيب فقال: (باب: عقوق الوالدين من الكبائر) ، وبعد أن بيَّن

على صورة قاعدة عامة وجوب بر الوالدين وفضل القيام عليهما، تطرق إلى

بعض الأحكام المتعلقة بهما، فقال: (باب: صلة الوالد المشرك) ، وقال:

(باب: صلة المرأة أمها ولها زوج) ، وفي ثنايا هذه الأبواب تطرق إلى ما

ينبغي على الوالد تجاه ولده، فأورد حديث تحريم وأد البنات تلك العادة الاجتماعية

السيئة التي كانت منتشرة في بعض أوساط المجتمع الجاهلي؛ فعن المغيرة بن شعبة

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:» إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً

وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة

المال « [15] .

وبعد أن عرض لأحاديث صلة الرحم، ذكر جملة من الآثار والأحاديث من

(5993- 6003) ، حول رحمة الصغار والإحسان إليهم، ومداعبتهم والتلطف

بهم، والدعاء لهم والقيام على شؤونهم، وتحسين أسمائهم، إشارة إلى أن ذلك يدخل

في حق الابن على والديه من باب الأولوية، ثم إن عرضه لأحاديث بر الوالدين

بداية تنبيه من البخاري إلى أن علاقة الوالد بولده هي من مقتضيات الأبوة، ولأن

بر الوالدين لا يتأتى إلا بعد بر الأبناء؛ فكأنها دخلت تباعاً؛ فضلاً عما فيه من

التحريض على بر الأبناء وهم صغار حتى يتسنى لأبنائهم برهم وهم كبار؛ وهو

بذلك قد سلك منهج القرآن الكريم كما سيأتي بيانه.

ثم تطرق إلى علاقة الأخوَّة فقال: (باب: صلة الأخ المشرك) ومن بابٍ

أوْلى الأخ المسلم، وفي ثنايا ذلك أشار إلى طبيعة العلاقة الزوجية وما ينبغي أن

تتسم به هذه العلاقة من حسن العشرة والتواضع والبر في الحياة وبعد الممات،

وذكر حديث خلائل خديجة (6004) وحديث رقم (6039) ، حيث عرض

نموذجاً من واقع السيرة النبوية يتضمن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل

مع أزواجه، ولم يشر إلى علاقة الزوجة بزوجها تنبيهاً منه إلى أن هذه العلاقة على

الإجمال تتحدد من خلال علاقة الزوج بزوجته كونه السيد والقيِّم بأمر الأسرة، ولِمَا

جبلت عليه النساء من الضعف والنقص؛ ذلك أن الإمام البخاري سلك في هذا

الكتاب كما هو الحال في غيره مسلك الاختصار، وذكر المسألة أو الحديث من باب

التنبيه على غيره مما ليس على شرطه.

والملاحظ أن الإمام البخاري استفتح كتاب الأدب بالعلاقات الاجتماعية داخل

محيط الأسرة، وابتدأ بها من باب تقديم الأولويات؛ ذلك أنه كان يسلك منهج القرآن

الكريم في ترتيب الأبواب؛ فبدأ ببر الوالدين، وثنَّى بذي القربى، وثلَّث بالجار،

وربَّع بالصاحب [16] ، كما في قوله تعالى: [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ

الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ] (النساء: 36) .

ثم أردف البخاري الحديث عن العلاقات الاجتماعية خارج محيط الأسرة،

فنبه إلى علاقة الأرحام وأورد تحتها (?) أحاديث [17] ، حيث شكلت وحدة

موضوعية متكاملة، فبدأ ببيان فضيلة صلة الرحم وإثم قاطعها، ثم شرع في بيان

الآثار المترتبة على صلة الرحم من بسط الرزق والإحسان من الله، ثم أشار إلى

علاقة المسلم بالرحم المشرك، مبيناً أن صلة الرحم عملٌ جليل يدل على طيب

المعدن ونفاسة العنصر، وأنها سبيل موصلٌ إلى كمال الإيمان والإسلام، بعد أن

أشار إلى أن الدرجة التي ينبغي أن يرتقي إليها المسلم في تعامله مع أرحامه هي

درجة الإحسان، وهي مقابلة القطيعة بالصلة.

ثم أشار إلى علاقة المسلم بجيرانه فذكر (?) أحاديث [18] حول هذه العلاقة؛

حيث بدأ بذكر عظم حق الجار وأن حقه يرتبط بالإيمان، ثم نبّه إلى الإحسان إليه

ولو بشيء قليل توثيقاً لعُرى المودة والأخوة، وربط ذلك بالإيمان بالله واليوم الآخر،

تحريراً للنفس من عوامل الشح، وتنبيهاً للمسلم للتعالي عن دوافع الإيذاء

كالمنافسة، والحسد المنافي لحقيقة الإيمان، مع مراعاة أقربهم بابًا في عملية

الإحسان.

وفي ثنايا كتاب الأدب تطرق البخاري إلى علاقة المسلم بإخوانه المسلمين من

خلال مجموعة من الأحاديث تحت أبواب مختلفة [19] ، وأشار من خلالها إلى

مجموعة من الواجبات التي يتحتم على المسلم التحلي والقيام بها تجاه أخيه المسلم،

كحب الخير له، والتعاون معه، ونصرته، وترك إيذائه، والتواضع له، وستر

عورته، وإجابة دعوته، وتفقد أحواله، ولقائه بالبشر وطلاقة الوجه، وتشميته إذا

عطس، إلى غير ذلك مما يعزز رابطة الأخوة الإسلامية، وتوثيق عراها وصيانتها

من التلاشي.

وبعد ذلك أخذ البخاري في بيان مجموعة من العوامل التي تعمل على تحطيم

العلاقات الاجتماعية وتفتيت أواصر المحبة وعرى المودة بين أفراد المجتمع؛ وذلك

من باب أن التنبيه على الشر ومعرفته حائل دون الوقوع فيه، كما في حديث حذيفة

بن اليمان:» كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت

أسأله عن الشر مخافة أن يدركني « [20] ، فذكر جملة من الآثار في ذم الغيبة

والنميمة، وقول الزور، والشتم والكذب، والعقوق، وقطع الأرحام، والبخل

والغضب، إلى جانب التنبيه على بعض أمراض النفوس كالكبر والعجب، والحقد

والحسد وبعض المخالفات الشرعية كالجهر بالمعصية والمداهنة ... إلخ.

هذا وقد أكثر البخاري في كتاب الأدب من التقسيم على الحالات خاصة فيما

يتعلق بعوامل البناء والهدم للعلاقات الاجتماعية ما لم يفعل في غيره من الكتب،

وأراد بذلك التنبيه على أنه لا كلية في هذه الأبواب، ولكن الأمر يتوزع على

الحالات [21] ؛ فمثلاً في باب الغيبة صدَّر هذه الوحدة الموضوعية بما يدل على بيان

حرمتها، فقال: باب: الغيبة وقول الله تعالى: [وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً]

(الحجرات: 12) ، ثم عقَّب على أن فيه استثناءً فقال: (باب: ما يجوز من

اغتياب أهل الفساد والريب) ، وفي باب النميمة قال: (باب ما يكره فيه النميمة)

فترجمته لهذا الباب تدل على أن هناك ما لا يكره منها؛ ولذا أعقبه بـ (باب: من

أخبر صاحبه بما يقال فيه) للدلالة على أن فيه استثناءً،» وترجم عليه بما يفهم

منه إلحاقه بالنصيحة الجائزة « [22] . وفي باب السباب واللعن بيَّن حرمته، فقال:

(باب: ما نهي من السباب واللعن) ، ثم أشار البخاري في الترجمة التي تليه إلى

أن ذلك مخصوص إن كان للبيان والتميز فهو جائز، وإن كان في غير هذا السياق

كالتنقيص والتغييب فهذا الذي لا يجوز [23] ، ولذا قال: (باب: ما يجوز من ذكر

الناس نحو قولهم: الطويل والقصير) .

وفي باب: (ما يكره من التمادح) ، ذم التمادح لما له من آثار، ثم عقَّب في

الباب الذي يليه بقوله: (باب: من أثنى على أخيه ... ) لما علم أن إطلاق

الكراهة غير مراد؛ ليدل على استثناء فيه [24] ، وفي باب: (الهجر) بيَّن حرمتها،

ثم نبه على أن فيه استثناءً [25] فقال: (باب: ما يجوز من الهجران) ، وهكذا

صنع في غالب الأبواب.

وبعد ذلك أشار البخاري إلى مجموعة من العوامل التي تعمل على بناء

العلاقات الاجتماعية وحفظها فعرض جملة من الأحاديث والآثار التي رغَّبت في

معالي الأخلاق، والتي تعمل على تغذية الروابط الاجتماعية وتعزيز الصلات

الأخوية بين أفراد المجتمع، كبذل المعاملة الحسنة مع الناس، والتحلي بمكارم

الأخلاق كالحلم، والرفق، والتواضع، والحياء وبذل العفو والصفح، والصبر على

أذى الآخرين، ورحمة الغير.

هذا وقد سلك في عرض الأحاديث كما ذكرنا مسلك التقسيم على الحالات

تنويهاً إلى أنه لا كلية في هذه الأبواب؛ فعلى سبيل المثال ذكر الحياء وأهميته

وفضله وما يترتب عليه من آثار وبيَّن خطر فقدانه فقال: (باب الحياء) ثم عقَّب

بقوله: (باب بيان ما لا يجوز من الحياء) ، وهو تخصيص للعموم الوارد في

الباب السابق، وهكذا.

هذا وقد أشار البخاري إلى عامل الصيانة الأول لحفظ المجتمع وهو الأمر

بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال الترغيب في هذه المهمة العظيمة [26] ، ومن

خلال الإشارة إلى أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في الإنكار [27] ؛ حيث كان

يقول لأصحابه عند المعتبة:» ما له تَرِبَ جبينه؟! «، وأحياناً يورِّي بالخطاب،

فيقول:» ما بال أقوام..؟! «وكان إذا رأى شيئاً يكرهه عُرف في وجهه صلى

الله عليه وسلم، ويتمعَّر وجهه إذا انتهكت حرمات الله تعالى.

ذلك أن التقاعس عن أداء هذه الفريضة الاجتماعية يورث عقاباً إلهياً قد يؤدي

إلى انهيار المنظومة الفكرية والسلوكية بين أفراد المجتمع الإسلامي، مما يؤثر على

بِنية التكوين الاجتماعي؛ وذلك بتفكك الروابط وانهيار العلاقات الاجتماعية مما

يشكل بدوره خميرة لسقوط حضاري. يقول صلى الله عليه وسلم:» والذي نفسي

بيده! لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكَنَّ الله أن يبعث عليكم

عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم « [28] .

ويدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إصلاح ذات البين باعتباره

أحد عوامل البناء للعلاقات الاجتماعية؛ حيث يعمل على تنمية الخير وتأليف

القلوب وتقريبها إلى بعضها؛ حيث أشار إلى أسلوبه صلى الله عليه وسلم في

الإصلاح بين علي وفاطمة رضي الله عنهما [29] .

ومن خلال كتاب الأدب عرض البخاري لجملة من الأحاديث التي تحثُّ على

آداب الزيارة والضيافة [30] ، وأخرى في أدب الحديث والاستماع [31] ؛ ذلك أن

مراعاة مثل هذه الآداب مما يعزز بناء العلاقات الاجتماعية، ويحفظ كيانها من

عوامل الانهيار، فضلاً عما للضيافة والزيارة من الدور الفاعل في إشاعة روح

المودة بين الوحدات الاجتماعية المختلفة، ومن خلالها يتعرف المسلم على أحوال

إخوانه المسلمين فيقوم بواجبه نحوهم.

هذا وقد نبه البخاري إلى فضيلة تبنِّي هموم المسلمين ودورها في

صيانة المجتمع من خلال عرض أحاديث تحثُّ على السعي على المحتاجين من

المسلمين [32] ، وأخرى تحث على الشفاعة وقضاء حوائجهم [33] ، وأخرى تحثُّ

على بذل المعروف بأشكاله المختلفة [34] ، ذلك أن إحساس المسلم بالمسؤولية

الإيجابية تجاه إخوانه المسلمين، بهدف تحقيق الخير لهم وإلحاق الرحمة بهم، مما

يُدخل السرور على قلوبهم، وبه تستمال القلوب ويعم الخير والحب بين أفراد

المجتمع المسلم، فتتوحد بهذا مشاعر المسلمين وأفكارهم وتوجهاتهم، تحقيقاً لقول

رسول الله صلى الله عليه وسلم:» ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم

كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى « [35] .

والحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015