متابعات
خالد بن عبد الله الخليوي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن ثمة شيئاً ينبغي أن يقال ونحن أمام هذا المقال؛ لأن بداية أي فكرة بدايةً
سليمة لا يعني بحال صحة استمرار هذه الفكرة، ولكون أي كاتب أراد من مقاله
خيراً لا يعني صحة ما قاله.
وإني لإخال الكاتب أراد بذر الخير، لكني أكاد أجزم أنه لم يحسن سقيه،
وها هي وقفات مع مقال: «قراءة في الذهنية السلفية» للأخ نواف
الجديمي مستحضراً قول الله تعالى: [إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] (العصر: 2-3) .
السلفية:
هي ذاك المنهج الرباني الذي كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم من
الاعتماد على الوحيين في كل شؤون الحياة والذي فيه من الشمول ما في مصادر
تلقيه، وقد قال الله تعالى عن مصدره الأول: [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ
القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى] (البقرة: 185) ؛ فهو الهدى في كل
زمان ومكان، بل لا هداية إلا به؛ فهو الهدى في الأخلاق والمعاملات، كما أنه
الهدى في العقائد والعبادات، بل ليس هو الهادي إلى الصواب فحسب وإنما إلى
قمته وذروته [إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ
الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً] (الإسراء: 9) ، وهذا المنهج مسلّم به عند كل
المسلمين وإن تفاوتوا في تحقيق هذا التسليم، ومصداقيتهم فيه.
ولا شك أن أعظم طريق وأخصره وأسلمه لتبيّن معالم هذا المنهج هو قراءة
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والتمعّن فيها، والتأمّل في كيفية تعامل الصحابة
والتابعين وأهل القرون المفضلة الأولى مع هذين المَعِينين قراءة وحفظاً، وصيانة
واحتراماً، وتدبّراً وتطبيقاً.
إنها تعني وبكل وضوح أن نسير على نفس الخُطى التي سار عليها الأوّلون..
ولن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
المنهج السلفي معيار وحاكم على منتسبيه وغيرهم لا العكس:
فحين يخطئ أحد أفراده أو مجموعة منهم فإن هذا لا يؤثر على المنهج لا من
قريب ولا من بعيد، وسيبقى المخطئ وحده هو الذي يتحمّل تبعات خطئه. وهنا
تأتي الخطوة السليمة من إخوانه المسلمين بنصيحته بالتوبة والعودة إلى ما يقتضيه
منهجه، لا بتضخيم خطئه وتعميم زلله، مما يؤدي إلى إسقاط نهجه من قلوب
البعض، وأعظِمْ بهذا الفعل من جرم مقيت.
وليس كل من خالف المنهج الرباني في مرتبة واحدة في بعدهم عنه أو قربهم
منه؛ ومع ذلك كلّه فليس المتوخّون لمنهج السلف حقاً مع قبولهم الحق من أي كائن
كان إلى تلك الدرجة من الحاجة إلى من يأتي من خارج دائرتهم ليقيّمهم فيقومهم،
ففيهم من العلم والصدق، والنصح والرحمة ما يفوق قطعاً كل التحزّبات؛ فما هم
إلا جيل يُبقي الله صفات منهجه فيهم على مر العصور حتى تقوم الساعة. قال الله
تعالى: [مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً
سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً] (الفتح: 29)
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتي
أمر الله وهم ظاهرون» [1] .
وسيبقى أن ما عند غيرهم من الصواب فعندهم منه أوفر الحظ والنصيب،
وما عندهم من الخطأ والتقصير فعند غيرهم منه ما هو أكثر وأكبر.
يتضح من خلال قراءة لذهنية هذا المقال أنها ليست ذهنية سلفية، وليس فيها
إدراك لواقع أصحاب المنهج السلفي قديماً وحديثاً؛ وهنا يكمن داء خطير كثيراً ما
يصيب الكتابات النقدية التي تفتقر إلى الإحاطة بحقيقة الأمر الذي يراد نقده، وقد
ذم الله تعالى الحاكمين على ما لم يحيطوا به؛ إذ قال: [بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا
بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ] (يونس: 39) .
وبناءاً على ذلك، فليس كل من صلحت مشاركته في جانب ستصلح مشاركته
حتماً في كل جانب، وفي المقابل فليس كل من أخفق في تجربة سيخفق حتماً في
كل تجربة.
من الموازين الخاطئة:
ما زال هناك من أمتنا من يشعر متحسراً بما تعانيه أمته من هزيمة وتأخر،
فيريد لها أن تعود لمكانتها المرموقة وعزتها السامقة، فيخطئ طريقَ الإصلاح فيقع
في مزلق آخر، وكل هذا بسبب عدم الوقوف والتأمل لمعرفة أسباب تلك الهزيمة
وذلك التأخر، ومعرفة الطريق الأمثل في علاجها.
فها أنت ترى وقد استقر في نفوس كثيرين موازين منحرفة أو مضطربة في
تقدير الأشياء والحكم عليها، ومن ذلك الإعجاب بمن ازدحمت مقالاتهم وأقوالهم
بالاستشهادات بأقوال الغربيين لغرض ولغير غرض، وكثرة ذكر المصطلحات
الأجنبية، والحفظ الدقيق لتاريخهم، وإن كان في المقابل ذا أرض مجدبة من
نصوص الكتاب والسنة اللذين هما المصدر الأساس في تقييم كلِّ حدث وتصور.
من عيوب النقد:
إن من سمات النقد غير الموضوعي الإكثار من عبارات الإطلاق إثباتاً أو نفياً
في المواطن التي يحصل فيها النقاش ويحتدم من أجل الحكم على غالبية شيء
وكثرته أو قلَّته وندرته، فضلاً عن أن يكون الحكم فيها مطلقاً مبالغاً فيه نفياً في
إلغاء تلك الصفة أو إثباتاً لأخرى؛ فهنا تعلم أن النقد لن يكون موضوعياً بالقدر
الذي تنضج من خلاله كثير من ثمراته.
وها هو الكاتب بعد أن ذكر بعض الأفكار التي سيطرت على كثير من الناس
في عالمنا العربي، وأبرزها القومية العربية، والماركسية الشيوعية، والبعث
العربي، والنظرية الليبرالية الغربية يقول: «والسؤال الحيوي هنا: ما مدى
معرفة السلفيين بتلك الأيديولوجيات التي سيطرت زمناً على منطقتنا؟ وهل تمت
دراستها دراسة مفصلة متعمقة للرد عليها وتبيين عوارها من داخلها كما كان منهج
ابن تيمية في الرد على خصومه؟ الحقيقة أن ذلك لم يحصل إطلاقاً» ا. هـ.
فأقول: إن أقرب خصم لهذه المقالة هو هذه المجلة السلفية [مجلة البيان] التي
نُشر فيها المقال، وإني لأدعو إلى المرور على الفهرس الموضوعي للمجلة التي
تصدر منذ ما يزيد على أربع عشرة سنة للاطلاع على كثير من البحوث
والموضوعات التي فضحت وبشكل علمي تلك الأفكار وغيرها.
ثم ليعلم أنه متى عرف الناس دينهم وأسس عقيدتهم فسيتبين لهم وبكل يسر
عوار هذه الأطروحات. وهذا هو المنهج العام الذي كان عليه النبي صلى الله عليه
وسلم والسلف من بعده؛ إذ كانوا يحرصون على بيان المنهج الحق بتفاصيله،
والتحذير من الباطل، مجملاً من غير تفصيل إلا عند الحاجة إلى ذلك.
وليس كل أحد يصلح للدخول في غياهب الأفكار الباطلة وشبهاتها؛ فمن
القصور أن يكون هناك من يعرف تفاصيل النظرية الليبرالية في حين أنه لا يعرف
أساسيات عقيدته والحدود التي يجب ألا يتجاوزها، ولأن يعرف المسلم معالم طريقه
فيسلكها خير من أن يكون مضطلعاً مرجعاً في الأفكار الهدامة، ومضطرباً في
معرفته بالمنهج الحق، فلا إفراط ولا تفريط.
غريب أمره:
يقول الكاتب تحت عنوان: (النشء الذي لا يكبر) : «ربما تكون من
إشكاليات الذهنية السلفية والتي تتقاطع مع النقطة السابقة في بعض الجوانب
وتتفاوت في جوانب أخرى: النظر بتخوف وتوجس للتدفق الهائل في المعلومات
والأفكار في عالم اليوم، والخشية من تأثر النشء بها..» ا. هـ. إن لي
ولغيري أن نسأل: أيراد منا أن ننظر إذن إلى هذا التدفق الهائل في المعلومات
والأفكار بكل أمان، وأن نستغرب معك؟ ممن ينظر بخشية من تأثر هذا النشء؟ !
أخي الكريم! أين نحن؟ ! إن كثيراً من أفراد هذا النشء قد تأثر حقاً، ولعل
كثيراً ممن تأثر كان بسبب هذه النظرة الخاطئة، فزج بنفسه أو بغيره دون أي
حصانة ولغرض ودون غرض ظانين أنه هو النشء الذي سيكبر، وأنه سيستطيع
التمييز بين الحق والباطل والصحيح والسقيم؛ فخرجت لنا ثمرات بغيضة،
ووُجِّهت كثيرٌ من الطاقات على الأمة الإسلامية لا لها ... خرج لنا جيل ليس
يخطئ فحسب، وإنما يريد أن ينطلق من حيث لا ننطلق منه، وفي هذا ما فيه من
اختلال في الموازين، وهدم للأخلاق، وإنكار للأصول والنظر إلى أنها هي القيود
التي يجب التحرر منها وهلم جرّاً..!
ثم يتابع الكاتب تحت العنوان نفسه فيقول: «وإذا أشكل على الشباب شيء في
معرفة سيرة مؤلف أو كنه كتاب فما عليه إلا أن يسأل أحد المهتمين من نفس التيار
ليعطيه فتوى جاهزة مقبولة في شأن ذلك الكتاب أو ذاك المؤلف.... إلخ» ا. هـ.
وهنا أقول لأخي: إذن فما الذي تراه حلاً عادلاً حينما يشكل على الشباب
شيء قرؤوه، أو طرح سمعوه؟ أهو أن يستمروا في القراءة والبحث مستغنين
عمن سبقوهم ممن يوثق بعلمهم وعقيدتهم حتى يصل هو بنفسه إلى الحقيقة إن كان
في مقدرته ذلك، وما أعظم الخطر على المستبد وما أحراه بالخطأ؟ !
أخي الكريم! سيبقى الشباب بل الإنسان مهما كبر بحاجة إلى الاستشارة
والسؤال [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ] (النحل: 43) . وإنما شفاء
العيّ السؤال.
ثم ينتقل الكاتب من نقد طريقة هذا الشاب المستشير إلى نقد المستشار السلفي
نقداً ساخراً متهماً له بالمجازفة في الحكم وإلقاء الكلام على عواهنه دون تحليل ولا
تفصيل، والمتَّهَم عند هذا الكاتب هداه الله هو المستشار الذي قدّر أمانة الإجابة عن
سؤال عن كتاب أو إنسان تحتّم أمانة دينه الحديث عنه فأجاب ببيان ما يؤخذ على
المؤلِّف والمؤلَّف مما يحتاج الناشئة إلى اتقائه ليكونوا على بينة من الأمر، ولئلا
تهولهم الدعاية والسمعة فتحول دون معرفة الواقع على حقيقته؛ فهل يا ترى يصح
عندك أنّ العلماء حينما يُسألون عن كاتب علماني ربما كان له بعض الأفكار المفيدة،
أو كاتب رافضي ربما كان له بعض الأطروحات الصحيحة أن يذكروا رأيهم دون
تنبيه إلى فكره العلماني أو فكره الرافضي لأخذ الحذر من شباكه وكشف تلبيسه
وتدليسه؟
فأصحاب المبادئ الهدّامة والبدع المضلّة والديانات الباطلة وإن كان لهم
خبرات ومهارات وأفكار مؤثرة في شؤون الحياة فإن أول أولوياتهم الدعوة إلى ما
يعتنقونه من المعتقدات الباطلة، بل يسخرون ما لديهم من قدرات ومهارات مادية
لنشر أفكارهم، ومن يغمض عينيه عن جهود المنصّرين في نشر النصرانية في
العالم الإسلامي، وعن جهود الرافضة في نشر ضلالهم، والعلمانيين في نشر
إلحادهم فقد أخطأ الخطأ البيِّن.
خلط واستغراب:
في الوقت الذي يعتبر فيه الكاتب القومية العربية، والماركسية الشيوعية،
والبعث العربي والنظرية الليبرالية الغربية أفكاراً منحرفة حسب ما يلوّح به في
سياق الكلام، ويعيب على السلفيين زاعماً أن ليس فيهم من درس هذه الأفكار
دراسة مفصلة متعمقة، نجده يكرر وفي معرض الثناء ذكر الديمقراطية بوصفها
نظاماً للحكم، والتنويه بقيام الثورة الفرنسية بصفتها أفكاراً طلبت عند قيامها التجديد،
والتصحيح ومقاومة سلطان الكنيسة، وهذا التنظير يحمل معادلة جائرة فلا يملك
أخي الكاتب وقد ذكر هذين المثالين في مثل هذا الطرح أن يمنع أحداً من أن
يتصور تطبيق هذين المثالين على أصل موضوعه ليخرج بنتيجة خطيرة وهي أن
الكاتب ربما رأى أن السلفية تحكي دور الجمود والتسلط أمام من يحاول جاهداً بفكره
أن يطور ويجدد.
وإني أرى الكاتب قد نصَّ على مسألة في بداية مقاله حيث يقول: «الإشكالية
المتجددة دائماً والتي ترافق عمليات النقد والمراجعة هو الشعور الذي قد يعم
الشريحة السائدة وربما النخبة أحياناً بأن هذا النقد لا ينبع من صدق وإخلاص» اهـ
إلى آخر ما ذكر.
ثم يقول في صراع الأفكار والمعلومات: «إن أردنا الدخول في صراع
الأفكار والمعلومات، فلا بد أن نكون حذرين؛ لأننا ندخل حقلاً من الألغام» اهـ.
فهذا الوعي لهذه الإشكالية المتجددة كان يتطلب من الكاتب دقة في الأحكام
ووضوحاً في الطرح، ولا أحسب أن المقال قد تمتع بالقدر الكافي من ذلك.
فالكاتب في هذا المقام يخاف من الاتهام بسوء النية وحُقّ له؛ فقد خلط في
معادلاته وأغرق في عيب السلفية بالجمود وقلة الفقه بالواقع، بل وفي مقاصد
الشريعة؛ حيث جعلهم أصحاب معلومات لا أصحاب فكر؛ حتى زعم أنه يغني عن
تميزهم بحفظ المعلومات أجهزة حفظ المعلومات، وقاصد الإصلاح لا يصل في نقده
إلى حد الغلو. ومن التخليط أن يضرب الكاتب المثل المختلف الأفكار بدعوة
الرسول صلى الله عليه وسلم، وثورة الخوارج، وحركة الرافضة، ودعوة الشيخ
محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وحركة الإخوان المسلمين؛ حيث يقول دون
إشارة إلى موقف واضح من طائفتي الرافضة والخوارج: «وتاريخنا الإسلامي
مليء بالحركات والتغيرات التي قامت على الأفكار الصحيحة والمنحرفة، ولا أدل
على ذلك من أن مبعث رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت لتغيير معتقدات
الناس وأفكارهم وإعادتهم إلى الحنيفية المسلمة، وثورة الخوارج قامت على فكرة
عدم جواز تحكيم الرجال في كتاب الله. والشيعة أول ما قامت كانت لفكرة أحقية
علي رضي الله عنه بالخلافة؛ لأنه من آل البيت، وفي تاريخنا القريب لم تقم
دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلا على تصحيح معتقدات النّاس مما علق بها من
شرك وتصوفات، ولم تقم جماعة الإخوان المسلمين إلا على فكرة دعوة الناس إلى
التمسك بالإسلام وتوحيد الصفوف» ا. هـ.
فلا أدري هل هذه الأمثلة الخمسة حينما ساقها الكاتب يرى أنها مثال على
الأفكار الصحيحة، أم هي خليط غير مرتب؟ مع أنه قد جاء في المقال ما يوهم أنه
ممن يحمل تلك الذهنية التي تقرأ فيها التعاون مع كل من تتقاطع أدنى مصلحة معه،
وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ولتمرض عقيدة الولاء والبراء، ولْتُمْحَ
الخطوط والحدود بين المناهج، ولنصبح جماعة واحدة اسمها: (جماعة البشر
المسلمين) .
وأما فيما يتعلق بطرحه لهذه الأمثلة الخمسة تأييداً لأهمية الفكر على حساب
معلومات ومحفوظات من النصوص يرى أنه لا ينبغي أن تصل إلى ما وصلت إليه،
أقول لأخي الكاتب: أترى أن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت فكرة محضة
أم أنها قامت على وحي من الله وبرهان، وقد قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه
وسلم: [قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ
سَمِيعٌ قَرِيبٌ] (سبأ: 50) .
وقال: [وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى] (النجم: 3-4) .
وقال لأتباعه: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ] (الأحزاب:
21) ؟ !
وأمّا عن نِحْلَتَيِ الخوارج والرافضة فأقول للكاتب: أترى أنهما وقد قامتا على
فكرتين حتى في أول عهدهما قامتا على فكرتين صحيحتين إطلاقاً؛ فضلاً عن أن
نحكم على بقية بنائهما بالصحة والصلاح؟ ! فمن النقص أن أدعو إلى الفكر
والانفتاح والتجديد قبل أن أرسخ وأؤكد على الأرضية التي يجب أن ينطلق منها،
وكيفية التعامل الصحيح معها. ولا تظنن أنّ هذه مسألة مسلَّمة واضحة في أذهان
الجميع فضلاً عن أن تكون في التطبيق كذلك؛ وإن مواضع من مقالك تدل على
خلاف ذلك مع الأسف.
وأمّا ما ذكرته من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى فهلاّ
استحضرت معها ما للشيخ من الحفظ لنصوص الكتاب والسنة واعتماده عليهما في
آرائه وأحكامه!
إن هذه هي الأرض الصلبة التي كان لها الدور الأكبر بتوفيق الله تعالى في
صلابة اعتقادهم وسداد آرائهم.
لم يزل الإسلام ولا يزال هو العدو الأول لأمم الكفر وهم أعداؤه:
ومن أخطاء الكاتب محاولته من خلال ما سمّاه بالتفسير التآمري أن يثبت أن
رؤية أعداء الإسلام للإسلام لا تعدو أن تكون مجرد عداوة ليس الإسلام وأهله في
مقدمة لائحتها. ولا أدري ما الذي سيدعم هذا الرأي وقد صرح الأعداء أنفسهم في
أكثر من محفل بأن أخوف ما يخافون هو الإسلام؟ ! وها هم اليهود رغم ما عندهم
من الشتات والاختلاف إلا أنهم صف يحاولون جاهدين التوحد أمام المسلمين ودينهم،
وها هي الدول النصرانية رغم النفور الواضح والمصالح المتعارضة فيما بينها إلا
أنها سرعان ما تتناسى ذلك أو ترجئه إذا كان العدو هو الإسلام، فتتكتل سريعاً
ضده لإجهاض كل ما يمكن أن يثمر عنه الطرح للمشروع الإسلامي، وكل هذا
الإيهام للوصول إلى التنبيه على ملحوظة لاحظها الكاتب أثناء قراءته للذهنية
السلفية، وهي أن هناك «محاولة للتصدي والاستعداء لكل المستحدثات العلمية
الحديثة ذات الطابع الإعلامي والجماهيري..» وهذا محض خطأ واستعجال.
ثم يذمّ الكاتب «من يطالب بتقليص انتشار الإنترنت وإغلاق المقاهي
المخصصة له؛ لأنها قد تستخدم في العبث المحرم دون التفكير في إيجاد بدائل أو
حلول» ، أيظنّ الكاتب وهو يدعو إلى الانفتاح أن العالم الإسلامي وشبابه بشكل
خاص وهم يُقبلون على الإنترنت أنهم ما فتئوا يبحثون عن صفحات العلم وخانات
أسرار التقدم التكنولوجي؟ ! إنه بسبب هذه النظرة غير الواقعية لواقع شبابنا من
جهة، وماهية المادة الغالبة المقدمة في الإنترنت حتى الآن من جهة أخرى طالب
بالانفتاح على هذا التقدم المعلوماتي وبدون أي ضوابط، ثم لماذا نحمّل كلمة
التحذير ما لا تحتمل؛ فالتحذير من خطورة هذا الانفجار المعلوماتي، وهذا
التواصل التكنولوجي لا يعني ألبتة رفضه كله وإنما هو التأني، والتأمل، والانتقاء.
وأخيراً نقول لأخينا كاتب (قراءة في الذهنية السلفية) : فلنتق الله سبحانه
ولنتذكر أننا مسؤولون عما نكتب ونقول: [مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ]
(ق: 18) . وقال سبحانه: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً]
(الأحزاب: 70) .
عفا الله عنّا وعنك وهدانا إلى سواء السبيل.