مجله البيان (صفحة 3835)

ملفات

العلمانية في العالم الإسلامي.. تساقط الأوراق

(2 - 3)

جذور العلمانية والتغريب في العالم الإسلامي [*]

(2 - 3)

خالد أبو الفتوح

abulfutoh@hotmail.com

أشار الكاتب في الحلقة السابقة إلى أن العلمانية هي أحد الانحرافات التي

أصابت الأمة الإسلامية، ورأى أنها إحدى الصور الفجة لانفصال السلطان عن

القرآن، كما أومأ إلى أن بعض الباحثين يرى أن الشرارة الأولى للغزو الصليبي

بالفكر والقيم اتقدت في ذهن لويس التاسع عشر بعد هزيمته وأسره في مدينة

المنصورة عام 1250م، ثم طوّف بنا الكاتب في أنحاء شتى من عالمنا الإسلامي

ليرصد حركة التغريب، وها هو اليوم يشد بنا الرحال إلى بقاع أخرى لنشهد بعضاً

مما أصاب الأمة من أوضار بسبب حركة العلمنة والتغريب.

- البيان -

أما في تونس [1] :

فلم يكن الحال أقل سوءاً؛ فبعد زيارة إلى أوروبا سنة 1846م (1262هـ) ،

واستقبال حافل في باريس بدأت سياسة التعاون بين أحمد باي [2] وفرنسا،

فسمح لهم بإنشاء كاتدرائية في مواجهة مدينة تونس (في المكان الذي قيل إن لويس

التاسع مات فيه أثناء الحروب الصليبية) ، وعهد إليهم بإنشاء المدارس وتدريب

الجيش.

ورغم عدم وقوع تونس تحت الاحتلال الأجنبي رسمياً إلا أن النفوذ الأجنبي

فيها كان كبيراً، كما كان هناك تأثر بحركة التنظيمات التي شهدتها الدولة العثمانية

وكانت تونس تابعة لها، ومن ثم: كان طبيعياً أن تشهد تونس أيضاً حركة

(إصلاحات) على النسق الأوروبي.

ففي عام 1275هـ (1857م) أصدر باي تونس (محمد باشا) استجابة

لرغبة القناصل الأوروبيين القانون الأساسي لتونس، وهو شبه دستور عرف باسم

عهد الأمان، وقد صيغ على نمط خط كلخانة العثماني، حيث بناه على قواعد ثلاث:

الحرية، والأمان التام، والمساواة التامة بين المسلمين وغير المسلمين أمام

القانون.

وفي عهد الباي محمد الصادق باشا وبفضل جهود الوزير خير الدين باشا

(التونسي) تم تعديل عهد الأمان، فصدر أول دستور في العالم الإسلامي على

الإطلاق سنة 1861م (1277هـ) ، وبحسب هذا الدستور يتولى الباي السلطة

التنفيذية ويعاونه وزراء يقوم هو باختيارهم، وهو الذي يقوم أيضاً بإصدار

(التشريعات) بمعاونة مجلس تشريعي مكون من (60) عضواً يقوم الباي بتعيينهم

من التونسيين والجالية الأجنبية، وقد نصت المواد الثلاثة الأولى من الدستور على

المساواة أمام القانون والإدارة والضرائب دون تمييز بين الأجناس والأديان، كما

خصصت المواد (9، 10، 11) لتأكيد حقوق الأجانب، ثم بدأ العمل في إصدار

قانون مدني وآخر جنائي بعد صدور هذا الدستور، وكان خير الدين «هو العقل

المنظم لهذه الحركة ومن له النصيب الأكبر في وضع القوانين لمجلس شورى

منتخب» [3] ، فقد كان هو الرئيس الفعلي للمجلس التشريعي بجانب توليه لوزارة

الحربية.

وفي عام (1284هـ/1867م) نشر خير الدين كتابه: (أقوم المسالك في

معرفة أحوال الممالك) ، شرح فيه آراءه في الإصلاح والتجديد التي جاءت متأثرة

بمشاهداته أثناء رحلته إلى فرنسا (1853م 1857م/ 1269هـ 1273هـ) ،

حيث يقول في مذكراته: «إن إقامتي الطويلة في فرنسا ورحلاتي العديدة مكنتني

من دراسة أسس المدنية الأوروبية وأحوالها، فضلاً عن مؤسسات الدول الكبيرة في

أوروبا، فانتهزت فرصة اعتزالي الحياة السياسية ووضعت مؤلفي السياسي

الإداري: (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك) » [4] ، بل صرح في كتابه

هذا «أنه استقى بعض معلوماته وآرائه في (أقوم المسالك) من كتب أوروبية في

السياسة والتاريخ والاقتصاد والقانون ... » [5] ، وقد اهتم فيه بالتدليل على أهمية

اللحاق بالغرب في منجزاته ومخترعاته، ولكنه ألحق بذلك أيضاً (تنظيماته)

باعتبار أن هذه التنظيمات هي أساس التقدم المادي الذي أحرزه الغرب، كما إنه

عدَّ هذه (التنظيمات) الغربية مؤسسة على دعامتي الحرية والعدل (اللذين هما

أصلان في شريعتنا) [6] ، غافلاً عن اختلاف المصدر ومن ثم: القيم والتشريعات

المؤسسة لهاتين الدعامتين في كل من النظام الغربي والنظام الإسلامي.

ولأجل مواءمة الشريعة (لإصلاحاته) «فقد دعا إلى الاجتهاد في تأويل

الشرع حتى من غير التمسك بالمذاهب الفقهية، ما دامت غاية المجتهد أن يخدم

الصالح العام» [7] ، وعليه: فقد عهد إلى مختصين بدراسة الفقه الحنفي والمالكي

وعادات البلاد والقوانين المعمول بها في الدولة العثمانية وفي مصر وفي أوروبا،

وأن يستخرجوا منها قانوناً يناسب تونس، ولكنه خرج من الوزارة قبل أن تتم هذه

اللجنة عملها [8] .

الهند [9] :

استطاع الإنجليز القضاء على قوة الأمراء الذين لم يدخلوا في طاعتهم،

وانتهى الأمر بأن تمكن القائد البريطاني من القضاء على كل سلطان المسلمين في

الهند فيما عدا جيوب صغيرة عندما دخل دلهي عام 1803م (1218هـ) ، وبذلك

انتهى تاريخ سيادة المسلمين على شبه القارة الهندية؛ وأخذ الإنجليز يمحون الطابع

الإسلامي في المنطقة، وأفصحوا عن سياستهم المعادية عداءاً صريحاً لكل ما هو

إسلامي في الهند.

ولكن لم يرضَ المسلمون بهذا الواقع، فأصدر شيخ المحدثين مولانا شاه عبد

العزيز الدهلوي (1159هـ 1239هـ / 1746م 1823م) في السنة نفسها فتوى

تنم عن إحساس عميق بخطورة الوضع ومعرفة دقيقة للفرق بين الإسلام والعلمانية؛

حيث أعلن أن « ... في هذه البلد (دلهي) لا يحكم إمام المسلمين إطلاقاً، بينما

تسود فيه سلطة الحكام النصارى دون حرج، ونعني بإجراء أحكام الكفر: أن

الكفار في وسعهم أن يعملوا بسلطانهم في الحكم، وفي التعامل مع الرعية، وفي

جمع ضرائب الأرض والرسوم والمكوس والعشور والدموغ، وفي عقاب قُطَّاع

الطرق واللصوص، وفي تسوية النزاعات وعقاب المجرمين، ومع ذلك فإن بعض

أحكام الإسلام التي تتعلق بصلاة الجمعة والأعياد والأذان، وذبح البقر، ما زالت

نافذة، إلا أن ذلك إنما يرجع إلى أن جوهر هذه الأمور لا قيمة له عندهم؛ إذ إنهم

يهدمون المساجد دون تورع، ولا يستطيع المسلمون والذمِّيون أن يدخلوا هذه البلد

أو ضواحيها إلا بأن يطلبوا منهم الأمان، وإنما لمصلحتهم هم أنهم لا يعرقلون

مرور المسافرين والتجار ... » [10] ، وقد عُدَّت هذه الفتوى بعد ذلك مرجعاً للعلماء

والمسلمين عامة في عدم شرعية الوجود البريطاني في الهند، وكانت هي الأساس

لكل دعوة إلى محاربة الإنجليز ومقاطعتهم. وعليه: كان المسلمون يعتقدون أن

المسلم الصالح ينبغي عليه مقاطعة الإنجليز وعدم التشبه بهم حتى في أدق الأمور

كالأكل بالشوكة والسكين، أو ارتداء حذاء برباط ... ، لأن ذلك من التشبه (بالكفار) .

وفي عام (1274هـ/ 1857م) قامت ثورة كبرى (الاعتصام الكبير) في

ولايات عديدة من الهند تزعمها المسلمون وبعض الهندوس الذين نكبهم الإنجليز،

واستمرت هذه الثورة حوالي العام حاول فيها المسلمون إعادة تنصيب آخر سلطان

مغولي (سراج الدين أبو ظفر شاه) ، ولكن الثورة أخفقت وقضى عليها الإنجليز

بوحشية وقسوة مع تخصيص المسلمين بالقهر المتعمد، وقبضوا على السلطان

سراج الدين ونفوه بعد أن عزلوه وأهانوه إهانة شديدة ثم اضطروه إلى التنازل عن

عرشه.

وبنهاية سلطنة مغول الهند أصبحت الهند كلها مستعمرة بريطانية، وأحس

الإنجليز أن مصدر القلق في المسلمين هو موقفهم العدائي من (الكفار) ، وأن سبب

التمردات والثورات التي تخبو ثم تشتعل من جديد هو فتاوى العلماء التي كانوا

يصدرونها بوجوب الجهاد ضد الكفار ومقاطعتهم، فلجأ المستعمر إلى «بعض

العلماء يصطنعهم ويستفتيهم في مسألة الجهاد في الهند: هل يجوز أم لا؟ ويصدر

هذا البعض الفتاوى بأن الجهاد في حالة عدم التكافؤ بين قوة المسلم وقوة المستعمر

عبث ومضيعة للنفس والمال، وأن المستعمر ما دام لا يتدخل في إقامة الصلاة

وأداء الفرائض فلا تكون البلاد بلاد حرب ... ؟ واستجلبوا [أي: الإنجليز] فتاويهم

حتى من مكة، كي يقضوا على فكرة الجهاد التي يعتنقها بعض المسلمين في الهند،

ويعمل بها المتحمسون..» [11] ، وواضح ما في هذه الفتاوى من تراجع عن

الوعي والانتباه اللذين بدوا في فتوى شاه عبد العزيز السابقة، وهنا يظهر مرة

أخرى أهمية دور العلماء في المعركة ضد التغريب والعلمانية.

وتوازى مع ذلك الاتجاه: شروع الإنجليز في غزو المسلمين في العمق

الفكري والاجتماعي غزواً منظماً، فحاربوا مدارسهم واستبدلوا بها المدارس

الإنجليزية الحديثة، ونزعوا الأوقاف الإسلامية التي كانت تنفق على المدارس

الإسلامية، وهددوا أو أغروا أغنياء المسلمين حتى يكفوا عن مساعدة هذه المدارس،

وساندوا المنصرين بقوة، كما حرصوا على إبعاد المسلمين عن كل الوظائف ذات

المسؤولية ووضعوا مكانهم هندوساً وسيخاً.

وفي الوقت نفسه: أفاق المسلمون بعد انكسارهم في (الاعتصام الكبير) على

الواقع الأليم الجديد، فبدأت الهزيمة النفسية تتغلغل إلى نفوس كثير منهم، كما

بدؤوا يفكرون كيف يتعايشون مع الواقع الجديد الذي بدا لهم أنه سيكون طويلاً

مستمراً؟ ويبحثون عن سبل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ورأوا أنهم بعد فقدانهم سلطانهم

السياسي والاجتماعي مهددون بفقدان هويتهم الثقافية وتميزهم الفكري، وانقسموا

إزاء مواجهة ذلك فريقين:

فريقاً يرى الحفاظ على هوية المسلمين بتنمية معارفهم الأصيلة عن طريق

إنشاء مدارس يدعمها عامة المسلمين أنفسهم حتى لا تتعرض لضغوط الحكومة

الإنجليزية وكل من له صلة بها من الأمراء والأغنياء، وكانت أول مدرسة قامت

على هذا الأساس مدرسة (دار العلوم) في ديوبند سنة (1283هـ/1867م) ،

و «كان الأساس الذي قامت عليه هي وزميلاتها أساساً فكرياً خالصاً، يتمثل في

الاحتفاظ بالثقافة الإسلامية ولغتها (اللغة العربية) ومحاربة الثقافة الإنجليزية

والحيلولة بينها وبين الغزو الفكري والخلقي للمسلمين في الهند، وقد كوَّن هذا

الاتجاه مدرسة فكرية خاصة في الهند كان لها أثرها البعيد المدى في حياة المسلمين

الخاصة والعامة هناك» [12] .

أما الفريق الآخر فقد رأى أن اتجاه الفريق الأول يؤدي إلى حرمان المسلمين

من المشاركة في خيرات البلاد ووظائفها العامة، فدعا إلى إزالة الفجوة بين

الإنجليز والمسلمين، وإلى غرس الثقة المتبادلة بينهم، كما دعا أصحاب هذا

الاتجاه المسلمين إلى الإقبال على التعليم المدني الذي أدخله المستعمر للبلاد، ودعوا

إلى إنشاء مؤسسة علمية إسلامية يتلقى فيها أبناء المسلمين التعليم الحديث مع تعاليم

دينهم في جو مأمون موثوق به، وهكذا ولدت مدرسة (عَليكَرْه) سنة (1293هـ/

1875م) التي تحولت فيما بعد إلى (الكلية المحمدية! الإنجليزية) .

وقد تكون بعض المقدمات التي قدمها هذا الفريق صحيحة، ولكن

شخصية القائم على هذا الاتجاه، والمسار الذي سلكته المدرسة الممثلة له:

يفضحان أن المقصود كان تدجين فكر المسلمين وتذويب التميز العمراني

(الحضاري) الذي كانوا يتمتعون به ويحسونه ويفخرون به؛ فقد كان رأس

هذه الاتجاه هو سيد أحمد خان (1817م 1898م/ 1232هـ 1316هـ) ، الذي

كان موظفاً في الحكومة الإنجليزية بمهنة (قاضٍ) في محكمة، والذي عارض ثورة

عام (1274هـ/1857م) وأنقذ أثناءها أُسَراً إنجليزية كثيرة وحماها من

فتك الثائرين بها، وقد كافأته بريطانيا على مواقفه الموالية لها عندما زارها

عام 1869م (1286هـ) ، حيث كان ابنه يدرس هناك، فنزل لمدة سبعة

عشر شهراً ضيفاً مبجلاً على الأوساط الإنجليزية الراقية، فاحتفل به كبار

الإنجليز الرسميين وقابل الملكة وولي العهد والوزراء الكبار، ونال الوسام

الملكي ولقب الشرف (سير) ، وأثنت عليه الصحافة الإنجليزية، كما هيؤوا

له زيارة الجامعات والمعاهد العلمية؛ ليستفيد منها عند إنشاء مدرسته الجديدة،..

في زيارة تذكرنا بالبعثات الباريسية (للمصلحين) العرب!

كما أن الرجل كانت له آراء فكرية خطيرة تدل على مدى الانحراف الذي

يعمل على جر المسلمين إليه، فانحراف المعتزلة القديم في خلق القرآن وفي العلاقة

بين العقل والنص تحول على يديه إلى القول بأن القرآن نزل على الرسول صلى

الله عليه وسلم بالمعنى فقط، ثم صاغ الرسول ألفاظه من عنده، وقد تشبع سيد

أحمد خان بالمذهب (الطبيعي) ، وهو مذهب داروين، وأنكر الجنة والنار

والملائكة والجن، وأخذ يشتم الفقهاء ويستهزئ بالمحدِّثين وبالشعائر الإسلامية.

بل نظر إلى العبادات المحضة النظرة العقلية نفسها فجعلها مجرد رموز،

ووصف الإحرام والطواف ورمي الجمرات بأنها عادات باقية من الأديان الأولى في

طفولة البشرية، وكان يرى أن الإسلام والهندوكية والنصرانية يجب أن تكون عقائد

دينية في نفوس معتنقيها فقط، وهذه العقائد كلها يجب ألا تؤثر في الوطنية، وقال:

إن الجهاد يكون مشروعاً فقط عند الدفاع عن النفس وبشرط أن يحمل العدو

المسلمين على تغيير دينهم صراحة.

وقد تطورت هذه الآراء على يد تلامذته فأصبحت أكثر تطرفاً أو قل:

صراحة ووضوحاً، وذلك كله باسم (تجديد) الدين والإصلاح، وهو في الحقيقة

تطويع وتطوير للدين.

وقفات مع المرحلة:

وقبل أن ننتقل إلى مرحلة تالية من تاريخ العلمانية والتغريب في العالم

الإسلامي نود الوقوف مع أحداث هذه المرحلة والتي قبلها وظواهرها بعض الوقفات؛

لعلنا نضع أيدينا على بعض الحقائق والدروس لنستفيد منها:

فأولى هذه الوقفات: أن أوضاع العالم الإسلامي في بداية هذه المرحلة وما

قبلها مباشرة كانت أوضاعاً في مجملها تحوي كثيراً من المظالم والتخلف، مظالم

شاملة لا يوقفها معيار محدد للعدالة إلا القوة والسلطة، وتخلف شامل أيضاً كانت

حقيقته التخلف عن الإسلام ذاته، ومظاهره التخلف عن الغرب الذي سبق العالم

الإسلامي في العلوم والإدارة والصناعة والتجارة.

أي إن أوضاع العالم الإسلامي كانت تستحق الثورة وكانت في حاجة إلى

الإصلاح، ولكن الثورة من أي منطلق، والإصلاح في أي اتجاه؟ هذا هو ما

نختلف مع (الإصلاحيين) والعلمانيين فيه.

كما يجب أن نشير هنا أيضاً إلى أنه رغم تلك الأوضاع فإن الفجوة بين العالم

الإسلامي والغرب في بداية هذه المرحلة كانت غير كبيرة [13] ، ومن هنا يمكننا

القول: إنه كان من الممكن إذا توفرت الجهود المخلصة للإصلاح، ولم تتكالب

قوى الغرب للإجهاز على العالم الإسلامي قبل إفاقته.. كان يمكن تدارك هذه الفجوة

واللحاق بهم فيما تقدموا فيه من علوم مادية من غير تفريط في قيمنا ومبادئنا

و (ديننا) ، ولكن ما حدث في الواقع هو العكس؛ إذ اتجهت الأنظار إلى قيم الغرب

ومبادئه زاعمة أن هذا هو سر تقدم الغرب وحقيقة عمرانه (حضارته) ، ودارت

الدعايات والترويج لهذه القيم والمبادئ، بينما كان النشاط في اقتباس علوم الغرب

وأسرارها ضئيلاً وسطحياً.

ثانياً: من المعلوم أن «العلمنة بمعناها الشامل فلسفة تنطوي على (محاولة

لإدراك معنى العالم المادي بوصفه معقولاً ... وعلى إمكانية إدراكه، وبالتالي

تغييره دون حاجة للقوى الفوقية والسماوية والدينية) » ، وتتفق المذاهب العلمانية

الكبرى في المعنى النظري للعلمنة «الذي يتضمن (تَمْدِين الدولة والمجتمع

والمؤسسات والقوانين وسائر الشؤون العامة، وإبعادها عن أي مؤثرات دينية) »

ولذلك فإن العلمنة تعني صراحة: «إبعاد الدين عن ميدان تنظيم المجتمع الإنساني

وشؤونه السياسية والاقتصادية والاجتماعية» [14] ، ومن خلال تأمل مجريات

المراحل السابقة للعلمانية والتغريب في العالم الإسلامي نستطيع بلورة ملامح الغزو

العلماني التغريبي التي استمرت أيضاً ولكن بصورة أوضح في المراحل اللاحقة،

لتصب في اتجاه تحقيق معنى العلمنة السابق ذكره، ومن أهم هذه الملامح:

1 - إيجاد مرجعية فكرية جديدة بديلة عن المرجعية السائدة في المجتمع،

وهي التي كانت في أصلها مرجعية إسلامية.

2 - وضع الأفكار (القديمة) الشائعة بين أفراد المجتمع موضع الشك، ومن

ثم: بحثها ودراستها مرة أخرى في ضوء المرجعية الفكرية الجديدة، مما يؤدي إلى

استبدال هذه الأفكار (القديمة) .

3 - ربط المجتمع الإسلامي بمنظومة عالمية في الفكر والاجتماع والسياسة

والاقتصاد والقانون، وإحلال هذه المنظومة في المجتمع بحيث تمثل صبغة جديدة

له.

4 - استبدال ولاءات جزئية قائمة على قيم أرضية (مادية) عنصرية أو

مصلحية بقاعدة ولاء المجتمع المسلم، المتمثلة في الولاء لله ورسوله وللمؤمنين،

ثم إعادة ترتيب هذه الولاءات الجزئية في منظومات وتحالفات أكبر قائمة على

الأساس المادي ذاته.

5 - ولتحقيق هذا الهدف كان ينبغي تحطيم أدوات وحدة فكر هذه الأمة

وعاطفتها القومية الإسلامية، وذلك بالقضاء على أو على الأقل إضعاف حضور

اللغة العربية الفصحى (لغة القرآن) ، وعلى مفهوم العمران (الحضارة)

الإسلامي، باعتباره عمراناً متصلاً خرج من معين واحد، مع تشويهه والحط منه؛

لإيقاف عاطفة الفخر القومي الإسلامي الناشئ من هذا الاعتبار.

6 - كما ينبغي لبلوغ هذا الهدف تفتيت تماسك المجتمع، وذلك بغزو نواته

الأولية المتمثلة في الأسرة، وذلك عن طريق استهداف المرأة، وإشاعة صور

التفلت والانحلال الخلقي بين أفراد المجتمع.

وإذا كانت هذه الملامح بدت باهتة في المراحل السابقة فإننا سنلحظها واضحة

كل الوضوح في هذه المرحلة.

ثالثاً: باستعراض الخطوات التي أدت إلى العلمانية والتغريب في الأقطار

التي تعرضنا لها، نلحظ أن آلية هذه الخطوات تتشابه إن لم تتطابق في كيفية

تسللها، وأن الغرب استفاد من تجاربه العديدة مع المسلمين في شتى البقاع وعلى

مر العصور، وهي تبدأ بإظهار الفارق العمراني (الحضاري) بين الغرب الغازي

والبلدان الإسلامية، والتأكيد على تفوق هذا الغرب، يتبع ذلك إحساس المسلمين

بالانكسار والهزيمة النفسية التي تولد عندهم إعجاباً بهذا المتفوق، ثم العمل على

محاولة مسايرته واللحاق به، فيفتح لهذا الغرب الباب لتعليم وتدريب من يُعَدُّون

لقيادة البلاد، ويفتح الباب أيضاً لتسنم بعض هؤلاء المعلَّمين مراكز حساسة في

البلاد، وفي الوقت نفسه: تُرسل البعثات من أبناء المسلمين النابهين وقياداتهم

للاطلاع على هذا الغرب وأخذ العمران و (الحضارة) من منبعهما الأصيل! ،

فتتلقاهم هناك أيادي المستشرقين والمبشرين، ويغوصون في أوحال هذا المجتمع

ويرتوون من مستنقعاته، ثم يعودون إلى بلدانهم ليكونوا (حزب الغرب) فيها.

وبعد ذلك تفتح أبواب البلاد المعجبة بالغربيين والمهيأة لهم لامتيازات الدول

الأجنبية وأفرادها، فتبدأ سياسة (التغلغل السلمي) ، فيمتلكون الأراضي والعقارات،

وينشئون المزارع والمصانع، ويديرون شركات البنية الأساسية، فتكون هذه

الامتيازات ذريعة للتدخل السياسي والاقتصادي ثم العسكري؛ للحفاظ على حقوق

رعاياهم وأعوانهم، فيصعب على البلاد بعد ذلك الخلاص منهم، وفي الوقت نفسه:

يبدؤون باللعب على وتر حقوق الأقليات فتبرز الوطنية أو القومية أو الطائفية،

ثم يطالبون بنظام قضائي (حضاري) وتعليم (معاصر) واقتصاد حر.. ويفتح

الباب على مصراعيه للعلمنة والتغريب.

رابعاً: ولتمرير نهج التغريب والعلمنة فقد حرص المنفذون في هذه المرحلة

على مراعاة عدة أمور عند التنفيذ، منها:

- أن يتم تمرير هذا النهج على يد رموز علمية واجتماعية مقبولة من المجتمع

المستهدف، وكان أبرز من يقوم بذلك بعض العلماء والساسة اللامعين (أو الملمَّعين)

الذين أظهروا ميلاً إلى الوافد الجديد؛ حيث كانت المؤسسة العلمية الدينية وحدها

تمثل الحياة الفكرية حينئذ، وكانت المؤسسة السياسية هي أداة التنفيذ الأساس.

- أن يتم تسويغ الأفكار الجديدة تحت لافتات عديدة مقبولة: كالإصلاح،

والتحديث، والنهوض، والأخذ بأسباب القوة والمدنية.. وإظهار أن هذه الأفكار

غير متعارضة مع مبادئ الدين وقيم المجتمع.

- أن يكون التغيير المستهدف شاملاً لجميع نواحي الحياة: فكرية وسياسية

واقتصادية واجتماعية، بل أن يصل التغيير بهذه المبادئ إلى الدين نفسه كما سنرى

لاحقاً إن شاء الله تعالى.

- أن يكون هذا التغيير بصورة تدريجية مع اتباع سياسة الصدمات محسوبة

الأثر والنتائج إن لزم الأمر.

خامساً: وكانت الترجمة من أهم طرق نقل الأفكار الغربية إلى العالم

الإسلامي وأخطرها في ذلك الوقت وخاصة في مصر وتركيا والشام «فقد مهدت

حركة الترجمة بما حققته من انتشار الفكر العلمي والثقافة العلمية في مقابل الفكر

والثقافة الدينية مهدت السبيل للأفندية أن يحلوا محل المشايخ في الزعامة الفكرية في

مصر في القرن 19» [15] .

سادساً: اختلف شكل الإطار الذي خرجت منه العلمانية والتغريب حسب

ظروف منطقة الاحتكاك العمراني (الحضاري) الذي نموَا فيه، ففي حين أن دور

رجال السلطة المحلية والمحافل الماسونية كان واضحاً في مصر وتركيا في هذه

المرحلة، نجد أن الإرساليات التنصيرية والمستشرقين والنصارى العرب لعبوا

دوراً أكبر في الشام، كما نجد أن الاستعمار الصريح: الفرنسي في الجزائر،

والبريطاني في الهند كان هو العامل الحاسم في غرس العلمانية والتغريب في هذين

البلدين، وهذا الاختلاف في الإطار والظرف العام سيكون له أثره فيما بعد.

ومع ذلك فيكاد ألا يختلف (أسلوب) تقديم العلمانية إلى العالم الإسلامي رغم

اختلاف هذه الظروف وتعدد هذه الأطر؛ فقد تسللت العلمانية والتغريب إلى العالم

الإسلامي في بدايتها وما زالت تحت ستار كثيف من التضليل والتلبيس؛ حيث

اختلط (أو خُلِّط) الحق بالباطل والصواب بالخطأ في الدعاوى التي رفعها

(الإصلاحيون) ، كما قُدِّمت العلمانية والتغريب في هذا الخلط على طبق من الدين.

وفي ذلك يصف الدكتور محمد محمد حسين بدقة دوافع (المصلحَيْن)

الطهطاوي وخير الدين التونسي ومنهجهما، فيقول: «فالطهطاوي وخير الدين

يبدأ كل منهما كلامه بالنص القرآني وبالحديث وبرأي الصحابة والفقهاء، ونقطة

البدء في تفكيرهما هي التماس الوسائل لقوة المجتمع الإسلامي ... ولكن التخطيط

للنهضة والتماس الحلول للتخلص من عوامل الضعف يبدأ من الإعجاب ببعض ما

شاهداه من النظم في المجتمع الغربي والرغبة في نقله إلى وطنيهما ... » [16] .

والقوانين التي صدرت باسم (التنظيمات) في الدولة العثمانية كانت تُصدَّر

بأنه: «لا يخفى على عموم المسلمين أن دولتنا العلية من مبدأ ظهورها وهي

جارية على رعاية الأحكام القرآنية الجليلة والقوانين الشرعية المنيفة.. وقد انعكس

الأمر منذ مئة وخمسين سنة بسبب عدم الانقياد والامتثال للشرع الشريف ولا

للقوانين المنيفة..» [17] ، ثم تُذيَّل بأنه «قد أفتى المفتي بجواز العمل بها شرعاً

ومعاقبة من يعارض في إنفاذها» [18] .

وقد كان للصورة التي حاولوا بها (تقنين) الفقه دوره في هذا التلبيس بغض

النظر عن نيات من قاموا به ومدى مناسبة هذا التقنين حيث اعتاد الناس هذه

الصورة وألِفوها، ومن ثم: لم يستغربوا بعد ذلك أن يُحكموا بقوانين غريبة عن

الإسلام على هذه الصورة، لا سيما حين يقال عنها إنها لا تخالف الشريعة

الإسلامية، أو إن لها تخريجاً يتفق مع رأي في مذهب فقهي إسلامي.

هذا الأسلوب وإن بدا في هذه المرحلة المبكرة غير ظاهر والانحراف فيه

يسير، إلا أنه استعمل على نطاق واسع في المراحل التالية، كما أن خط الانحراف

به اتسع وتأصل فيما بعد.

سابعاً: تميزت هذه المرحلة بالتركيز على التغلغل في أوساط النخب الثقافية

والفكرية وأصحاب التأثير في المجتمع الإسلامي، كما تميزت بالارتكاز على

أصحاب السلطة والاحتماء بهم لنشر العلمانية والتغريب، وهذا واضح في البلاد

التي تعرضنا لها.

أما قاعدة المجتمع العريضة فقد كانت تعيش حالة من التحول الاجتماعي أو ما

نستطيع أن نطلق عليه: البرزخية الاجتماعية فهي لم تكن تعيش إسلاماً صحيحاً

كما أنها لم تكن تعيش علمانية كاملة.

وفي الوقت نفسه: كان واضحاً سعي ذوي النفوذ في تيار العلمانية والتغريب

على صبغ حياة المجتمعات الإسلامية بالقوانين الوضعية في مجالات الحياة المتنوعة؛

لنزع الطابع الديني عن المعاملات اليومية في حياة أفراد هذه المجتمعات وإحلال

صبغة علمانية بديلة، إضافة إلى ربطهم بأسس مرجعية جديدة ترتبط بالنظام

العالمي الناشئ من المدنية الغربية، كما حرصوا على إشاعة المظاهر التي تدل

على هذه الصبغة الجديدة.

أما بالنسبة إلى العلماء فإنه وإن استُعمِل بعضهم جسراً للعلمانية والتغريب إلا

إن آخرين أعلنوا رفضهم لذلك الاتجاه وقاوموه بالوسيلة التي يملكونها: الفتاوى!

وفضح أصحاب هذا الاتجاه أمام الأمة؛ ففي تركيا العثمانية «لم يلق الخط الشريف

أو الدستور الذي سانده مصطفى رشيد وقلة من المحيطين به ترحيباً أو تأييداً من

الرأي العام العثماني المسلم، فأعلن رجال الدين! تكفيرهم لرشيد باشا، واعتبروا

الخط الشريف منافياً للقرآن الكريم في مجمله، وبخاصة في مساواته المسيحيين

بالمسلمين ... » [19] .

وعندما أعلن سيد أحمد خان آراءه «هيج الرأي العام ضده، وزاد في هياج

الرأي العام المسلم وتشديد النكير عليه من العلماء حتى حكموا بكفره ما قرره في

تفسيره من أن القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى

فقط ... » [20] .

ولكن أصحاب هذه الأصوات المعارضة ضاعت وسط الزخم العلماني

والتغريبي المستند على السلطة النافذة والدعم الغربي آنذاك، كما يبدو أن أصحاب

هذه الأصوات المعارضة لم يستطيعوا إدراك مدى المخطط البعيد وشموله في هذه

المرحلة المبكرة.

أخطر المراحل وأعقدها (1882م- 1917م) :

بعد أن نمت البذور التغريبية والعلمانية في أرض الإسلام بدأت تضرب

بجذورها في هذه الأرض، وبدا واضحاً أن هذه الجذور أخرجت نبتة لها ساق

مستوٍ وعود مشتد.

وقد تميزت هذه المرحلة بحدوث اضطراب شديد وتحولات فكرية وسياسية

واجتماعية كبيرة في البلاد الإسلامية، كما أن التداخل في نشاطات وجهود (الرواد)

الإصلاحيين وأثر ذلك على الأقطار المتعددة.. كان سمة بارزة في هذه المرحلة.

ويمكننا في هذا الرصد أن نضع أيدينا على مفاتيح تعيننا على فهم هذه

المرحلة التي نحن بصددها، تتمثل في الآتي:

أولاً: تميزت هذه المرحلة بتكثيف انتقال القيم الغربية والعلمانية من مجال

الأفكار إلى الواقع، وبذا انتقلت الهجمة التغريبية العلمانية إلى الضرب في العمق؛

فكراً: بطرق الموضوعات التي تطرحها في صورة أكثر صراحة ووضوحاً

وشمولاً، وانتشاراً: بفتح ميدان انتقالها من النخبة المثقفة المحدودة إلى القاعدة

الشعبية العامة.

ثانياً: نتيجة لهذا الضرب المركز في العمق الفكري والاجتماعي تبلور تيار

كانت بذوره موجودة في المرحلة السابقة، وكان جل اهتمامه محاولة (التوفيق)

بين الإسلام وبين الأفكار والقيم الغربية الوافدة، وقد تعددت (دوافع) هذا التيار

و (درجاته) و (صوره) ، ولكنه عموماً احتل مساحة واسعة في أنشطة هذه

المرحلة، كما كان له أثر كبير فيما بعد.

ثالثاً: رغم تعدد ميادين الأنشطة العلمانية والتغريبية و (التوفيقية) في هذه

المرحلة إلا أن هناك قاسماً مشتركاً يجمع بين هذه الأنشطة بدا وكأنه صرعة العصر

التي تنطلق منها، ألا وهو: الحرية بمفهومها الغربي الليبرالي؛ فقد تمثل ذلك في

الفكر: بطرح كل المسلَّمات (السابقة) على طاولة النقاش، ومن ثم: الرفض أو

القبول، وفتح المجال لإدخال أي أفكار والترويج لها باسم حرية الفكر، وفي

الإصلاح الديني: بفتح باب الاجتهاد وإعادة تفسير الإسلام بما يتلاءم مع (روح

العصر) ، مما أدى لاحقاً إلى محاولات تطويع الإسلام و (علمنته) ، وفي

السياسة: بالدعوة إلى الحرية الدستورية، ومقاومة الاستبداد، والتحرر من الروابط

السياسية القديمة، وذلك ما أدى فيما بعد إلى رفض الإطار السياسي للخلافة، وإلى

استقرار النيابة البرلمانية بوصفها مصدراً للسلطات، وفي الاجتماع: بالدعوة إلى

حرية المرأة وانعتاقها من قوامة الرجل وأسر الأسرة والتقاليد وتعاليم الدين، وهو

ما أدى إلى التفكك الأسري والانحلال الأخلاقي، وفي الاقتصاد: بوضع أطر

الاقتصاد الحر والارتباط بالرأسمالية العالمية واقتصاد السوق، ومن ثم: فتح

المجال أمام الأفكار والتصورات الاقتصادية المنابذة للدين التي مثلها الحضور

المكثف لرأس المال الغربي بما يحمله من احتكارات واستغلال وربا، وفتح المجال

أيضاً لنشاطات اقتصادية منافية للإسلام أخلاقياً واجتماعياً.

هذه إجمالاً أهم مفاتيح هذه المرحلة، والآن لنعرض بعض تفاصيل تحولات

الفكر والثقافة في هذه المرحلة:

دخول الفكر العلماني التغريبي الصريح:

مثلما كان الفكر النصراني هو واسطة نقل الفكر الفلسفي اليوناني إلى الفكر

الإسلامي في العصر العباسي عبر حركة ترجمة واسعة آنذاك «كان هذا الفكر

مؤهلاً أكثر من غيره لدور الريادة عندما جاءت الموجة (الهيلينية) الجديدة من

أوروبا المسيحية العلمانية هذه المرة، ومعها تجربة غير معهودة من قبل في تحديد

العلاقة الجدلية بين الدين والعقل، تستند إلى مبدأ الفصل والتمييز والتفريق

بينهما» [21] ، وهكذا كان النصارى العرب وإن شاركهم غيرهم رأس الحربة في

نقل العلمانية الصريحة.

فبخلاف (المصلحين) المسلمين الذين كانت تؤرقهم محاولات تقديم الأفكار

الغربية في صورة لا تتعارض مع الإسلام، مما دفعهم إلى اختيار مسلك التوفيق

بينهما ... «كان المثقفون المسيحيون يرفضون ربط التطور الاجتماعي بأية عقيدة

دينية، ويسعون إلى التحرر من مشكلة الانتماء الديني بالتشديد على النظرة

العقلانية إلى الإنسان والمجتمع» [22] ، ومن هنا: أخذوا ينهلون ويتبنون بوضوح

وبدون حرج أو حساسية أفكار مفكري عصر التنوير الأوروبي.

وهكذا تمثل التيار العلماني التغريبي الصريح في معظمه في بعض نصارى

الشام الذين هاجروا إلى مصر، وأخذوا في بث أفكارهم من خلال عدة طرق،

محدثين حركة فكرية ثقافية كبرى داخل قطاعات كبيرة من (المثقفين) استخدمت

فيها الصحف والمجلات التي أصدروها على نطاق واسع، مستغلين (حرية النشر)

التي كانت توفرها سلطات الاحتلال لمثل تلك الإصدارات، وأيضاً من خلال

ترجمة بعض الكتب الأوروبية التي تساير الاتجاه الجديد، وتحقيق وإخراج بعض

الكتب الفلسفية والأدبية القديمة التي تخدم توجهاتهم، بإعادة طرح أسئلة كبرى حول

الإنسان والكون والحياة، والتي تهدف أيضاً إلى إعادة صياغة العلاقات بين الأفراد

والمجتمعات.

فبعد جيل فرنسيس مراش، وبطرس البستاني، وناصيف اليازجي،

وفارس الشدياق، أتى جيل آخر يمثله سليم عنحوري، وأديب إسحاق، وشبلي

الشميل، وفرح أنطون، وجورجي زيدان، وبشارة وسليم تقلا، وفارس نمر،

ويعقوب صرُّوف ... وغيرهم، ولا شك أن بينهم فروقاً فكرية، ولكن يجمعهم

أنهم جميعاً نصارى على اختلاف مذاهبهم وأنهم ماسونيُّون، كما أن معظمهم درس

في الكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأمريكية) التي أشرنا إليها سابقاً.

كانت الصحافة أحد أهم أنشطتهم التي روجوا من خلالها أفكارهم بطرق

ملتوية ومخادعة؛ فقد كان بعضهم يتعمد أن يتضمن اسم مطبوعته دلالة رمزية قد

تخفى على بعض القراء: ففارس نمر يوضح أنه بعد رفض وزارة الداخلية

المصرية الموافقة على إصدار جريدته الجديدة باسم (الإصلاح!) اختار هو

وشركاؤه اسم (المقطم) ، يقول: «ولما سئلت عن السبب في اختيار هذا الاسم

بالذات، قلت: لأنه الجبل الذي بنيت من حجارته الأهرام الثلاثة» [23] ، وكذلك

جورجي زيدان أطلق على مجلته اسم (الهلال) مستغلاً ما يشاع بين الناس من أن

الهلال رمز إسلامي، والحقيقة أنه أحد رموز الماسونية، ومن المعروف أن زيدان

كان ماسونياً، كما أن (جامعة) فرح أنطون كانت باسم (الجامعة العثمانية) ،

وهذا الاسم وإن كان ظاهره يناصر الدولة العثمانية، إلا أنه يطرح بصفته بديلاً عن

(الجامعة الإسلامية) ، وهذا الطرح كان دعوة لها أنصارها في ذلك الوقت، وهو

يعني التجمع حول آصرة الجنسية العثمانية التي تضم أدياناً وأعراقاً شتى، بدل

آصرة الإسلام، وهو يعني بمعنى آخر العمل على الدعاية لعلمانية الدولة في

الانتماء والولاء.

وكما عمدوا إلى المداورة والخداع في الأسماء والعناوين عمدوا إليها أيضاً في

المحتوى والموضوعات؛ فمجلة المقتطف «إذا أخذنا العدد الصادر [منها] في

كانون الثاني 1896م على سبيل المثال، لوجدنا أنه يشتمل على مقالات في

الأمراض السارية، والميكروبات في الهواء، والفروق بين الرجال والنساء،

وتحليل فلسفي لمركز الإنسان بين الحيوانات ... أما مؤسس الهلال ... فقد كان ذا

تركيب ذهني مختلف، فأعار العلوم الطبيعية في مجلته اهتماماً أقل، موجهاً جل

عنايته إلى علم الاجتماع، وأدب النفس، والسياسات العالمية، والجغرافيا والتاريخ،

واللغة والأدب، وآثار العرب ... » [24] ، ويعلق ألبرت حوراني على هذه

الموضوعات قائلاً: «قد تبدو المواضيع التي كانت تعالجها هاتان المجلتان عديمة

المغزى، خصوصاً وأنهما كانتا تتحاشيان كل ما يتعلق مباشرة بالسياسات المحلية

أو بالدين أو بما شأنه أن يثير ضدهما العداء، غير أن وراء هذه المواضيع ووراء

غيرها من هذا النوع كانت تكمن بعض الأفكار المعينة الدائرة حول: ما هي

الحقيقة؟ وكيفية البحث عنها؟» [25] وبهذه الطريقة أصبحت مجلة كالمقتطف

«أهم المجلات التي أخذت تدعو إلى التحلل من الدين» [26] .

وإلى جانب الصحافة التي كانت تعمل على تشكيل الرأي العام سلك طلائع

العلمانية مسالك أخرى لتبديل البيئة الفكرية لمثقفي الأمة؛ ففي هذه المرحلة

التاريخية نشطت حركة إحياء كتابات فلسفية قديمة، مع اهتمام خاص بفلسفة ابن

رشد.

فعلى سبيل المثال: أصدر فرح أنطون سنة 1901م كتاب (ابن رشد

وفلسفته) الذي أحدث جلبة كبيرة أدت إلى سجالات عديدة؛ حيث ادعى أنطون أن

الإسلام قضى على الروح الفلسفية واضطهد العلم، وأن حل (النزاع) بين العلم

والدين يتم بتحديد الحقل الخاص بكل منهما؛ بحيث لا يتجاوز أحدهما حدود الآخر،

مؤكداً أن الأنبياء فلاسفة، وأن الحقيقة واحدة يسربلها الأنبياء بالرموز الدينية من

أجل العامة بينما تفقهها النخبة مباشرة [27] ؛ فأهمية الكتاب ترجع إلى أنه «لم

يستهل المباحث الفلسفية الجديدة في مطلع القرن العشرين وحسب، بل فتح الباب

أمام مساجلات فكرية هامة بين أقطاب الفكر في مصر ... حول مسائل الخلق

والأزلية والسببية، وسواها من القضايا الفلسفية الكبرى» [28] .

وتوازى مع ذلك النشاط حركة ترجمة واسعة لكتب منتقاة تعبر عن الفكر

(التنويري) الغربي، وبعد أن كانت حركة الترجمة في المرحلة السابقة تتم برعاية

الدولة ومرتبطة بمصالحها وتوجيهاتها الحديثة، نجد أن الترجمة في هذه المرحلة

أخذت بعداً جديداً بانتقال معظم نشاطها إلى أفراد أصحاب توجهات تغريبية واضحة

ومقصودة، عملوا على تجاوز ترجماتهم تحديث أجهزة الدولة نحو تحديث أفكار

المجتمع وثقافته، حيث بدأت حركة نشطة لترجمة أمهات الكتب الفلسفية

والاقتصادية والسياسية والأدبية والاجتماعية إلى اللغة العربية.

فكرتان وشخصيتان:

ولا يفوتنا في هذا المقام الحديث عن شخصيتين وفكرتين كانتا ذا أثر كبير في

الحركة الفكرية في هذه المرحلة، باعتبارهما نموذجين للأفكار والشخصيات التي

تمثل هذا الاتجاه في ذلك الوقت، ونعني بالشخصيتين: شبلي الشميل، وفرح

أنطون، وأما الفكرتان: فالداروينية والاشتراكية.

فلقد أعطى تيار العلمانية الصريحة الاشتراكية بعداً هو أقرب إلى حقيقتها،

مخالفين النهج التوفيقي الذي سبقهم الأفغاني باستعماله عند حديثه عن الاشتراكية،

ففي «أوائل التسعينات من القرن التاسع عشر بدأت صحف اللبنانيين الدورية

الصادرة في مصر تتعرض للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والنظريات الأوروبية

بشأنها، ومن بينها التعاليم الاشتراكية، وكان يعقوب صرُّوف في مجلته (المقتطف) ،

وجورجي زيدان في (الهلال) ، وفرح أنطون في (الجامعة) من أوائل

العارضين والمحللين لتلك التعاليم» [29] ، وهكذا «ظلت الأفكار الاشتراكية حتى

قبيل الحرب العالمية الأولى محصورة بشكل رئيسي في نطاق العلمانيين المسيحيين،

وأصدر سلامة موسى في عام 1913م [1331هـ] كتابه (الاشتراكية) » [30] ،

وفي العام نفسه نشر المدرس المصري مصطفى حسنين المنصوري كتابه (تاريخ

المذاهب الاشتراكية) وضمنه شروحات ميسرة للأفكار الاشتراكية، وهو يعد من

أوائل من عرضوا مبادئ الفكر الاشتراكي والماركسي [31] .

وإذا كان يعقوب صرُّوف وجورجي زيدان ظلا في نطاق التحليل الوصفي

للاشتراكية دون الالتزام بها سياسيّاً، فإن الشميل وأنطون كانا أول الداعين إليها

باعتبارها التزاماً سياسياً اجتماعياً؛ حيث كان الشميل «يؤمن بحتمية الوصول إلى

الاشتراكية مهما طال الزمن؛ لأنها ذات نواميس طبيعية تدعو إليها» [32] ، بينما

ذهب فرح أنطون إلى أبعد من ذلك، فدعا إلى تأميم وسائل الإنتاج وإلغاء الملكية

الخاصة، كما «كان يعتقد بأن على المرء ألا يكتفي بالتبشير بالاشتراكية إذا أراد

تحقيقها، بل عليه أن يسعى إلى هذا التطبيق ولو بالقوة والثورة، وبالتالي يصبح

من الضروري غرس فكر الثورة والعنف في عقول الطلاب منذ الصغر» [33] ،

وهكذا شقت الاشتراكية طريقها في الفكر العربي المعاصر، لتتمثل بعد ذلك في نظم

سياسية تتبناها وتدعو إليها.

أما الداروينية أو مذهب النشوء والارتقاء كما عُرفت آنذاك فكانت «أحد

المجالات الأساسية للصراع ضد العلمانية ... فكانت الداروينية في أواخر القرن

التاسع عشر من ضروب النظرية التطورية التي شكلت عصب فكر القرن التاسع

عشر، ومن المسلَّمات التي أخذ بها الغربيون والشرقيون معاً» [34] وقد أثارت

الداروينية موجة قوية من الإلحاد؛ حيث طغى في هذا العصر مذهب المادية

«القائل بأن العالم له أساس واحد هو المادة، ولا شيء وراءها، وكل شيء في الحياة

مظهر من مظاهرها حتى الفكر والعاطفة، والمادة لا تتجدد ولا تفنى، وقوانينها

قديمة أزلية أبدية، وليس في هذا العالم شيء يعتريه الفناء، وإنما تتغير الأشكال،

وبناءاً على ذلك: فلا نفس ولا روح ولا دين ولا إله!» [35] ، وهكذا خطت

(العلمانية) خطوة نوعية كبرى في مهاجمة الدين بمحاولة تحطيم أسسه الأولية.

شبلي الشميل (1850م 1917م / 1266هـ 1335هـ) :

يرى الدكتور عزيز العظمة أن التيار العلماني الشامل والآخذ بالعلمانية في

أسسها المادية ونتائجها الاجتماعية كان «تياراً صغيراً ... مثَّله أفضل تمثيل شبلي

الشميل ثم سلامة موسى، وكان الاثنان قد أسسا سوية مجلة (المستقبل) في

القاهرة عام 1914م، كتب فيها موسى مقالاً (كله فجور إلحادي) ، ودعا فيها

الشميل إلى المادية والتطورية (دعوة مستقبلية فجة) » [36] .

فقد اعتقد الشميل «بأن العلم هو الدين الجديد للإنسانية جمعاء» [37] ؛ حيث

اعتبره «أكثر من طريقة لاكتشاف النظام في ترابط الأشياء؛ إذ كان مفتاحاً لحل

لغز الكون، لا، بل نوعاً من العبادة» [38] ، ويرى الشميل «أن دين العلم هو

إعلان حرب على الديانات القديمة» [39] ، وعليه: فهو يرى أن: «ليس الحكم

الديني والحكم الاستبدادي فاسدين فحسب، بل هما غير طبيعيين وغير

صحيحين» [40] .

«وكان الكثيرون من الكتاب العرب المسيحيين من معاصري الشميل يبشرون

بتلك الأفكار ويستنتجون منها وجوب وجود وحدة قومية تتعدى الفروق الدينية، لكن

الشميل نفسه ذهب أبعد من ذلك في استنتاجه؛ فهو لم يحاول الاستعاضة عن

التضامن الديني بالتضامن القومي فحسب، بل راح أيضاً يعلن أن لجميع أنواع

التضامن الجزئي خطر التضامن الديني؛ لأنها تجزئ المجتمع البشري، فالتعصب

القومي الأعمى لا يقل شراً عن التعصب الديني الأعمى، لذلك لا بد أن تَحل عاجلاً

أو آجلاً الوطنية العالمية محل الولاء للوطن المحدود» [41] ، ولعل هذا كان سبباً

لأن راقته فكرة الاشتراكية حيث الدعوة إلى الأممية العالمية، فكان «أول من نشر

بالعربية فكرة الاشتراكية، وإن لم يكن أول من سماها بهذا الاسم» [42] هكذا انبثق

الولاء للعالمية من الرؤية العلمية العلمانية!

ولدين الشميل الجديد مستلزمات اجتماعية وسياسية واسعة أيضاً «فالعلوم

الطبيعية هي أساس العلوم الإنسانية، ولا تستمد الشرائع إلا من العلوم الإنسانية

الصحيحة» [43] .

وعلى رأس العلوم الصحيحة عند الشميل: الداروينية، لذا: كان «أول

داعية للأفكار الداروينية والفلسفات المادية في العالم العربي، تحت تأثير فلسفة

سبنسر الذي جعل من الداروينية مبدأً فلسفياً لا ينازع» [44] ، و «أضاف الشميل

بذلك على غيره من العلمانيين نظرة مادية في الدين، وجعل من الداروينية نموذجاً

عاماً لقانون تطوري يشمل نشوء وترقي الإنسان واللغة والشرائع، وقال بالتالي بأن

تاريخية المجتمع كتاريخية الطبيعة، وقال أيضاً بنسبية الأخلاق ومفاهيم الخير

والشر» [45] .

«ويترتب على نظرية التطور أيضاً أن القوانين السارية في كل مجتمع

ليست شرائع أبدية معصومة، بل يجب أن تتطور بالتدرج وفق حاجات الإنسان

وقضاياه، وقد تصبح الثورة ضرورية (!) إذا تحجرت تلك الشرائع ومنعت ذلك

التطور» [46] .

وهكذا يتضح بجلاء أن العلمانية في صورتها الغائية الصريحة هي منظومة

فلسفية كلية، تنبثق منها تصورات شاملة عن الإنسان والكون والحياة، كما تنبثق

منها النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعبر عن هذه التصورات لتحل

محل الدين والنظم المنبثقة عنه.

فرح أنطون (1874-1922م / 1291-1340هـ) :

وبمثل هذا الوضوح والسفور كان فرح أنطون، «ففي الوقت الذي حاول فيه

من سبقه التوفيق بين الحضارة الغربية والحضارة العربية، والتمسك بإحياء التراث

العربي القديم باعتباره الحل المثالي لتقدم مجتمعهم، كان فرح أنطون يدين بالولاء

الكامل للحضارة الغربية وأفكارها، وينقل عنها في مجلته (الجامعة) مذاهبها في

الإصلاح الاجتماعي، ويناقش الأفكار الاشتراكية والشيوعية في هذا الوقت المبكر

حين كان المجتمع غير مستعد بأي صورة من الصور لتقبل مثل هذه الأفكار» [47] ،

فكان فرح أنطون «أول من كتب بالعربية عن بوذا وكونفوشيوس، وعرَّف

بفلسفة تولستوي وشرائع حامورابي وأفكار روسو وفلسفة أوجست كونت» [48] ،

وهو يرى أن لا فرق بين الأديان «فإذا تفحصنا مجموعة المبادئ [الجوهرية]

وجدنا أنها واحدة في جميع الأديان ... كذلك إذا تفحصنا مجموعة الشرائع لوجدنا

أن غايتها الوحيدة إنما هي حث الناس على الفضيلة؛ فالثابت فيها هو إذن المبدأ

الخلقي الكامن وراءها، ويجب أن نفسرها تفسيراً يسمح لها بالقيام بوظيفتها، حتى

لو اقتضى ذلك تأويلها، وبعبارة أخرى: إن جميع الأديان إنما هي دين واحد يعلِّم

بعض المبادئ العامة، أما الشرائع الدينية فلا قيمة لها بحد ذاتها؛ إذ ما هي إلا

وسائل لغاية» [49] .

وأنطون يرى من هذا المنطلق أن المفاضلة بين دين ودين «من القضايا

المتحدرة من القرون الوسطى، التي لا تتصل لا من قريب ولا من بعيد بمفاهيم

العلم الحديث» [50] ، وبنى على ذلك أيضاً موقع الدين في الحياة، فهو يهدي كتابه

عن ابن رشد إلى «النبت الجديد في الشرق» ويعني بهم: «أولئك العقلاء في

كل ملة وكل دين في الشرق، الذين عرفوا مضار مزج الدنيا بالدين في عصر كهذا

العصر، فصاروا يطلبون وضع أديانهم جانباً في مكان مقدس محترم! ليتمكنوا من

الاتحاد اتحاداً حقيقياً ومجاراة التمدن الأوروبي الجديد لمزاحمة أهله، وإلا جرفهم

جميعاً وجعلهم مسخرين لغيرهم» [51] .

وهذا الكلام يتضمن نقطتين مهمتين: فصل الدين عن الدولة، وضرورة

الاتحاد على أساس المواطنة لا الدين؛ «فالوحدة تتم بخلق الولاء القومي والفصل

بين السلطة المدنية والسلطة الدينية، وفي هذا قوله: (فلا مدنية حقيقية ولا تساهل

ولا عدل ولا مساواة ولا أمن ولا ألفة ولا حرية ولا علم ولا فلسفة ولا تقدم في

الداخل إلا بفصل السلطة المدنية عن السلطة الدينية) » [52] ، ومن ثم:

«أصبحت الدولة الدينية (دولة الضعفاء والجبناء والكسالى في الأمة) » [53] ،

وعندها «تصبح الاشتراكية إنما هي (دين الإنسانية) ، وهي آخذة في الحلول

محل الأديان المنزلة» [54] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015