كلمة صغيرة
مشهد درامي هزلي صاخب يطل علينا من حين لآخر من الساحة الثقافية
العلمانية كلما انتهكت (حرمة) الرذيلة أو وطئ طرفها (الطاهر) ، متقنعة في هذا
المشهد بقناع حرية الفكر والإبداع، وقد تكرر هذا المشهد كثيراً، ومؤخراً رأيناه
في الجزائر والأردن ومصر والكويت واليمن وبنجلاديش.
ولكن مفارقة ذات دلالة حدثت في النائحة الأخيرة التي أقامها نادبو حرية
الإبداع والفكر في آخر مآتمهم الثقافية، هذه المفارقة هي أن الطرف الآخر المراد
إرهابه والضغط عليه لم يكن متعصباً ولا متطرفاً، بل إنه متهم من الإسلاميين
بنشر الثقافة العلمانية المتفلتة والدفاع عنها في مصر، ولكن لم يشفع له ذلك الاتهام
للإفلات من إرهاب الوصاة على الفكر والثقافة وتهديداتهم، فبمجرد أن انحاز وزير
الثقافة مرة إلى بعض قيم المجتمع وثوابته وأصوله، وحاسب مسؤولاً يحق له
إدارياً محاسبته على نشر روايات ثلاث تجاوزت (قلة الأدب) فيها الحد الذي لا
يمكن السكوت عليه، ثارت ثائرة النائحين، فاستقالوا وقاطعوا وهددوا وتوعدوا
وعلا صياحهم من الربط بين ظلام الرجعيين وظلم السلطويين وتحالفهم ضد التقدمية
والتنوير، ثم تداعت وسائل الإعلام لنصرة إخوانهم (المضطهدين) ، فأفردت
الصفحات لإقامة المنائح والبكائيات على الثقافة والإبداع، بل دخل الإنترنت على
الخط فتطوع أحد المواقع بنشر الروايات الثلاث كاملة نكاية بخانقي حرية الفكر
ومعوقي حركة الإبداع.
أي تقدمية وأي تنوير يريدون؟ وما هو مفهوم الحرية وحدودها عندهم؟ ومن
جعلهم أوصياء على الإبداع والفكر؟ ولماذا إيهام العامة بتأثير الندب والصياح بأنهم
وحدهم المثقفون، وأنهم وحدهم المتحدثون باسم الثقافة؟ وأين هي حرية الفكر
والإبداع التي يزعمونها عندما يتعلق هذا الفكر والإبداع برؤى مخالفة
لرؤيتهم؟ لماذا لا يدافعون - إذا كانوا صادقين في دعواهم - عن حق الإسلاميين
(مثلاً) في التعبير عن فكرهم ونشر إبداعهم، بدلاً من العمل على مصادرة هذا
الحق من خلال مراكزهم بزعم أنها ثقافة ظلامية رجعية؟
هل هناك إرهاب فكري وعنف معنوي أكثر من هذا الذي يمارسه (المثقفون)
العلمانيون عندما تُمَسُّ الرذيلة ويُدعى إلى الفضيلة؟ ألا ترون أن شأن المثقفين
العلمانيين مع الإسلام ودعاته كما يقول المثل: رمتني بدائها وانسلت؟