شئون العالم الإسلامي ومشكلاته
لو لم يكن للسودان من الكوارث والنوائب سوى ما ألفه من موجات المجاعة
المتكررة والفيضانات المدمرة التي تعقب مواسم الجفاف الطويلة المهلكة، نقول لو
لم يكن للسودان من الهموم الجسام سوى الذي ذكرناه لكفى أن يكون ذلك مدعاة
لاستنفار كل طاقات المسلمين لنجدة ذلك البلد المسلم وإنقاذه من محنته التي هو فيها.
بيد أن الحالة هناك هي أسوأ من ذلك بكثير، وأن الناظر عن كثب إلى
مجريات الأحداث في ذلك البلد ليدرك جيداً أن هذا الذي ذكرناه - على الرغم من
هوله -لم يعد في حياة المواطن السوداني سوى ظواهر أخذت تعتادها الأنفس
وتتلقاها بشيء من القبول نظراً لتكرار حدوثها من جهة، ولكثرة المشاكل والمآزق
التي تلم بذلك البلد والتي ينفرد هو في مواجهتها من جهة أخرى.
لقد أصبح السودان ضحية للمتآمرين عليه في الخارج وألعوبة بأيدي النفعيين
وطلاب الزعامات من أبنائه في الداخل، ولا يظهر في الأفق أي مخرج من هذه
الأزمات طالما بقيت الأحوال السياسية على ما هي عليه واستمرت الحكومة في
انقسامها على نفسها ومضيها في علاقاتها مع بعض الأطراف الخارجية التي تقطع
الطريق عليها في الحصول على مساعدات محتملة تخفف من وطأة الأزمات التي
تعانيها والتي أثبتت الأيام أنها - أي هذه الأزمات - أكبر من السودان وإمكاناته.
فالحرب الانفصالية التي يقودها قرنق - التي تكلف الحكومة مليون دولار
يومياً - ومطالبه المتجددة كل يوم ليست وليدة الأعوام الخمس أو الست الماضية،
بل يرجع اشتعال فتيلها إلى أكثر من ثلاثين سنة، وإخفاق السودان في إخمادها دليل
على أنها مؤامرة تفوقه حجماً، وأن أصابع الأعداء الخفية تلعب، لعبتها لتركيع
ذلك البلد، والنيل منه متخذة من الهيئات الدولية أداة فعالة للضغط عليه وتمرير
مخططاته، فتارة بنك النقد الدولي، وتارة أخرى هيئات الإغاثة وثالثة مجلس
الكنائس العالمي، وهلم جرا.
وما زاد ارتماء السودان في أحضان هذه المؤسسات إلا سوءاً على سوء،
فبنك النقد الدولي أصبح ثقلاً إضافياً يضاف إلى كاهل الحكومة، فهو الذي يرسم
سياسة البلاد الاقتصادية، وهو الذي يقرر ماذا يجب أن يزرع ويحصد، وإليه
ترجع مسئولية تحديد أسعار المواد الغذائية لا سيما الأساسية منها، كالسكر والشاي
والدقيق.
ولقد جر هذا التدخل السافر في الشئون الاقتصادية إلى كوارث تمثلت
باضطرابات واحتجاجات واسعة النطاق، ومظاهرات جابت شوارع المدن الكبيرة
سقط فيها عدد من القتلى والجرحى، وأصابت الحياة اليومية بالشلل التام.
وجملة القول إن الأحوال في السودان في تدنٍّ مستمر، والحكومة منقسمة على
نفسها وعاجزة تماماً عن تقديم أي حل من شأنه أن يخفف من وطأة الأزمات التي
تعصف بالبلاد الأمر الذي أدى ويؤدي إلى تزايد نقمة الشعب حتى وصل الأمر إلى
القيام بمحاولات للإطاحة بالحكومة.
وفي خضم هذه الظروف الصعبة التي يمر بها السودان تلعب المنظمات
الدولية ومن ورائها الدول الغربية دورًا خبيثاً لضمان إنجاز المخطط التآمري لهذا
البلد.
- فقرنق لم يكن بمفرده يوماً قادراً على إرغام الحكومة على قبول مطالبه
بإلغاء قوانين الشريعة على الرغم من أن منطقة الجنوب التي تتمركز فيها الأقليات
النصرانية والوثنية كانت مستثناة أصلاً من تلك القوانين، كما لم يكن بمقدوره
إرغام الحكومة على الجلوس على مائدة المفاوضات للنظر في مطالبه الأخرى،
قرنق هذا لم يكن بإمكانه قطع هذا الشوط البعيد في صراعه مع الحكومة لولا
الضغوط الخارجية التي واجهتها الأخيرة للسير بهذا الطريق.
فقد تحدثت الصحف والمجلات العالمية الصادرة في أواخر العام الماضي
ومطلع العام الحالي عن تلك الضغوط، وكشفت أن الدول الكبرى شرقيها وغربيها
وعلى رأسها روسيا وأمريكا مجمعة على ضرورة الجلوس مع قرنق والتوصل إلى
حل وسط، ومن هذه الضغوط قيام هولندا بقطع مبلغ (2.5) مليون دولار من
مساعدتها للسودان لتحقيق نفس الغرض.
إن قضية جنوب السودان مؤامرة عالمية تستهدف السودان كله، تغذيها دول
مجاورة كأثيوبيا وغيرها، وليست مسألة حرب أهلية كما تحاول أن تظهرها أجهزة
الإعلام العالمية.
إن من حق السودان على الدول العربية مد يد المساعدة له وهو يمر بهذه
الأزمات، ولقد أبرزت التطورات الأخيرة هناك مدى إهمال هذه الدول له. والأنكى
من ذلك أن تلتقي مصالح بعض الدول العربية في المنطقة مع مصالح القوى
الخارجبة في ضرورة قبول الحكومة السودانية لمبدأ الجلوس مع قرنق على مائدة
المفاوضات والنظر في مطالبه.
أين مواثيق جامعة الدول العربية، وأين - على وجه الخصوص - اتقاقية
الدفاع المشترك المصادق عليها من قِبل جميع الدول الأعضاء؟
وكما قلنا في الماضي: لو كانت الحرب ضد قرنق تدار تحت راية إسلامية
حقة يقودها العلماء والدعاة المتجردون، وتحرك المسلمون في البلدان المجاورة
للسودان فقط كمصر، وليبيا، والصومال، وأريتريا، والمسلمون في الحبشة
نفسها… لو كان الأمر كذلك لشعر الصليبيون بحقيقة حجمهم، وشعر أعداء الله كلهم
بصغارهم وهوانهم [1] .