منبر الشباب
حكمت الحريري
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
«سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق،
ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما
الرويبضة؛ قال: الرجل التافه، يتكلم في أمر العامة» .
هذا ما أخبرنا عن وقوعه الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام من البلايا
والمصائب التي تحصل في آخر الزمان.
أما الحديث فقد أخرجه ابن ماجه في سننه في كتاب الفتن، وأخرجه أيضاً
الإمام أحمد في مسنده، واستقصى طرقه الشيخ ناصر الدين الألباني في سلسلة
الأحاديث الصحيحة، حديث رقم1887 وترجم له بعنوان: أليس هذا زمانه؟ .
بلى: إن هذا لزمانه، وإنها السنين الخداعة التي ينطق فيها الرويبضة.
ويتكلم في أمر العامة، فيفوض في حل المشكلات ويوكل إليه عقد الصفقات.
إذا تكلم الرويبضة الفويسق في أمر العامة، وإذا صار الأمين خائناً، والخائن
أميناً، فلا شك أن موازين القيم تغيرت، وموازين الحياة كلها تخلخلت. فلم يعد
الإنسان إنساناً لأنسه.
إنما أقول هذا ليتدارك المسلمون الأمور قبل فوات الأوان، أقول هذا لكي
تقدر الأمور بقدرها، وتستعمل الموازين الصحيحة الثابتة التي لا تقبل الاختلال ولا
تسوقنا الحوادث التي يختلقها أعداء الإسلام فنسير في مهب الريح حيث يشاء لنا
أعداء الإسلام، فنفني الأرواح ونبذل الأموال لأحداث ومشكلات يختلقونها، وتكون
الشعوب المسلمة ضحيتها، وشخصيات معتبرة قادتها، وهم لا يعلمون إلى أي نهاية
ينتهون، ولا في أي مسلك يسلكون..
أليس في هذه الأمة التي اختارها الله من رجل ألمعي؟ .
أليس في هذه الأمة من رجال ملهمون يعرفون مكامن الداء؟ .
لا شك بأنه يوجد في هذه الأمة من هؤلاء، فإن الخير لا ينقطع من أمة محمد
-صلى الله عليه وسلم- إلى يوم القيامة، وهذه الأمة مثلها كمثل الغيث كما شبهها
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن لماذا لا تفتح العقول وتعود إلى رشدها
لتحدد الرويبضة فتنحيه وتعرف الرجل المؤهل للتجديد ولفعل الخير فتقدمه وتسانده؟
ولماذا أيضاً لا توحد الصفوف وتجتمع الكلمة لتبرز الشخصية الفذة التي يجعل
الله سبحانه وتعالى على يده عزة الأمة جميعاً؟
ولا شك بأنه من قوانين الله الثابتة المتلوة في حياة الأمة قوله عز وجل: [ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ] وهناك بعض الأمور التي يجب التنبه لها
ومعرفتها، منها:
- الاهتمام بعلم الجرح والتعديل، فقد صنف علماء السلف رحمهم الله تعالى
في هذا العلم مجلدات ضخام، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها،
إنهم كانوا يتعرفون على من ينقلون عنه.
فقد أخرج مسلم في مقدمة صحيحه عن محمد بن سيرين أنه قال: (لم يكونوا
يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى حديث
أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم) . [مقدمة صحيح
مسلم /11] .
وأخرج أيضاً عن محمد بن سيرين قال: (إن هذا العلم دين فانظروا عمن
تأخذون دينكم) .
وقد يقول قائل: إن هذا يخص نقل الحديث وروايته، فأقول. علم الجرح
والتعديل لا نقصره على رواة الحديث ونقلته؛ بل يجب علينا أن نعمل به في كل
المجالات التي تهم الأمة الإسلامية، فيعرف ما للرجل من حق وما عليه من مثالب
وأخطاء، وحينئذ لا نتخبط في أحكامنا على الرجال، وكذلك لا تكثر أمامنا
المفاجآت والنكسات وما أكثر هذه النكسات والمفاجآت التي أصابت الحركات
الإسلامية في هذا العصر.
فلا بد من استعمال هذا العلم بحكمة ودراية فيجرح الرجل أو يعدل بنزاهة
وأمانة، ولا نطلق للعاطفة العنان فنشرق ونغرب، فتجد هذا الرجل اليوم قائداً بطلاً
وعالماً فذاً، ونجده بعد أيام أو شهور عميلاً، وخائناً، ولذلك لم يكن في أيام ازدهار
الدولة الإسلامية ورقيها لم يكن هناك مجال للرويبضات، ولم تصعقهم المفاجآت كما
هي حالنا اليوم نتيجة لوعيهم وحرصهم وعملهم بهذا العلم من بعد توفيق الله لهم.
وهذا العلم أقول بكل أسف يعمل به اليوم عند أعداء الإسلام في دول الشرق
أو الغرب دون أن يكون لهم نصيب فيه من قبل، فمن غير الممكن أن يصل إلى
قيادة دولة من دول أوربا شخصية متآمرة على شعبها أو دولتها، هذا ما نراه رأي
العين في أمريكا وغيرها.
ولكنك لا تفاجأ بل لا تستغرب أن يقال لك اليوم حصلت ضربة قاصمة
للحركة الإسلامية في بلدة ما، فتسأل ما السبب؛ فيقال لك: لقد تبين كذا وكذا،
وفلان الذي كان ...
فلماذا لا نأخذ العبرة ونعمل بسنة الخلفاء الراشدين المهديين حيث منع أبو بكر
الصديق رضي الله تعالى عنه المرتدين من ركوب الخيل، ولم يمكنهم من حمل
السلاح.
الاهتمام بأنساب الشخصيات وقبائلهم ومواطنهم وأصولهم، وهذا علم أيضاً
أفردت فيه المصنفات للتعرف على طبائع الناس وأخلاقهم وعاداتهم، وليس في ذلك
أية مخالفة للشريعة على الإطلاق، بل هذا من الأمور التي اهتم بها الشرع وذكرها، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (كادت المرأة أن تلد أخاها) ، وقال الله تعالى:
[وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] ، وغير ذلك من الآيات
الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي نبهت إلى التعرف على الأصول والاهتمام
بها.
ألا فلتعرفوا - أيها المسلمون - الرويبضة الفويسق وتكبتوه وتنحوه، وإن
رحمة الله قريب من المحسنين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.