مجله البيان (صفحة 3658)

المنتدى

التثبت أولاً ثم الانطلاق

عادل الدوسري

لما وصل عقبة بن نافع إلى البحر المتوسط ثم انطلق حتى وصل إلى المحيط

الأطلسي دخل في البحر وقال قولته العظيمة: «والله لو أني أعلم أن وراءك قوماً

لا يؤمنون بالله لخضتك إليهم» .

لكن عقبة حينما وصل إلى المحيط الأطلسي ما كان هناك أحد يحمي ظهره،

ولما أراد العودة إلى القيروان وأراد التراجع، هاجمه البربر وثاروا عليه وقتلوه في

الطريق، فقال موسى بن نصير لما سمع القصة: رحمه الله، كيف ينطلق ولم يحمِ

ظهره؟ أما كان معه رجل رشيد؟

إذاً لا بد من الانطلاق من قاعدة قوية؛ ولذلك تدخل هذه الاستراتيجية في

أغلب الأمور؛ فهاهم حفاظ كتاب الله - عز وجل - ينصحون أن تكون البداية

بالسهل، ثم الصعود مع التثبت والمراجعة، بل أول ما نزل القرآن لم ينزل جملة

واحدة؛ بل بالتدرج. قال الله - تعالى -: [وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ

القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً] (الفرقان: 32) وقد

ذكر العلماء من حكمة نزول القرآن منجماً: تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم،

وأيضاً: تيسير حفظه وفهمه. يقول الدكتور مناع القطان - رحمه الله -: «فما

كان للأمة الأمية أن تحفظ القرآن كله بيسر لو نزل جملة واحدة، وأن تفهم معانيه

وتتدبر آياته؛ فكان نزوله مفرقاً خير عون لها على حفظه في صدورها

وفهم آياته [1] .

إن من الضروري عدم الاندفاع بقوة لغالب الأعمال لكي لا يضيع جهد

الإنسان. يقول صاحب كتاب الهمة العالية:» فتجد من الناس من يقبل على عمل

من الأعمال باندفاع زائد، ونشاط خارج عن طوره، فيكلف نفسه من المهام ما

ينوء بحمله وما لا تطيقه نفسه، وما هي إلا مدة وتني همته وتنثني عزمته « [2] .

الكثير يتمنى الوصول إلى ما يريد بأسرع ما يمكن، وهنا موقع الزلل

والخطر؛ فإن الهمة حين لا تكون متدرجة تنعكس على صاحبها.

إن الصبر من مقومات التثبيت وأركانه؛ فمن ضيع الصبر ضاع ما أراده.

يقول الشافعي - رحمه الله -:

اصبر على الجفا من معلم ... فإن رسوب العلم في نفراته

ومن لم يذق مر التعلم ساعة ... تجرع ذل الجهل طول حياته» [3]

إن هذه القاعدة العظيمة لتدخل في أغلب أمورنا في الحياة؛ فلا فتوى بلا علم،

ولا قول دون تجربة، ولا نجاح دون صبر؛ وكل هذه وغيرها لا تكون إلا من

خلال الضبط والحفظ في الصدور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015