خواطر في الدعوة
محمد العبدة
هل صحيح أن كثيراً من المسلمين تخلوا عن نزعة التعلق بالأشخاص؟ وهل
تخلوا عن شغفهم بأن يكونوا مريدين لشيخ؟ .
نعم، تخلوا عن ذلك ظاهرياً وذهبت هذه النزعة نظريًّا على الأوراق في
الكتب والمقالات، ولكن الحقيقة التي في داخلهم تقول. لا، فهم أبداً يمارسون هذا
الدور ويحبون ممارسته، فهو مرض عضال، لقد تخلوا عن الشيخ بالمعنى
الصوفي، ولكن تعلقوا بالزعيم والقائد والحزب ولافتات وأسماء حلت محل الشيخ
في القداسة والعصمة، فهم يحنون إلى هذا الشيخ الجديد كما يحن الفصيل إلى أمه،
فتجدهم ينتظرون الكلمة والإشارة من فمه، فكل ما ينطق به صواب، ويتناقلون
كلامه وخطبه وأحاديثه أينما ذهبوا وحيثما حلوا، لاشك أنك ترى عجباً من الأمر،
وتحاول أن تردهم عن هذا ولكنهم يرجعون إليه بأساليب وأشكال أخرى، كأنهم
أطفال يلوذون بأمهم، لا يستطيعون التصرف وحدهم، نعم إنهم أطفال كبار! .
- وتسألني عن الدواء؟ الدواء هي التفكر فيما جنته هذه التربية العقيمة على
المسلمين قديمًا وحديثًا، الدواء هو استعادة الماضى القريب، ولا أقول البعيد لنرى
ما جرّ هذا المرض على الشباب، من كوارث وأخطاء، الشباب الذي يفغرون
أفواههم دهشة وغباء وإعجاباً عندما يسمعون خطبة رنانة من دعي على العلم
والدعوة، لا يفرقون بين العالم، ومن يدعي أنه عالم، ولا بين المخلص والمنافق،
ويستغلهم هؤلاء للوصول إلى مآربهم الدنيوية، ويقولون للآخرين: انظروا هذه
الجموع التي تسير خلفنا، ويفهم الآخرون هذه الإشارة فيعطونهم بعض المكاسب
الرخيصة، وإلى أجل أيضاً.
ونحن نتكلم هنا عن التعلق المرَضي بالأشخاص، الذي لا يستقيم معه حال،
ولا يرجى له مآل، لأن هذا التعلق إنما هو مؤشر على مستوى للتفكير، وعلى
مرحلة من مراحل التدرج بالإنسان، فقد يكون الإنسان ذكياً أو كبيرًا في السن ولكن
عمره الاجتماعى لا يزال في مرحلة الطفولة. ولا يعني هذا عدم المتابعة والمحبة
للعلماء العاملين والدعاة المخلصين والاستفادة من تجربتهم واحترامهم وتوقيرهم،
فهذا لا بد منه، فالحق وإن كان قوياً بذاته لكن لابد من أشخاص يحملونه.
وإذا سألتني: كيف نعرف هؤلاء من أولئك، حتى نستفيد من الدعاة العاملين؟ فأقول: من ثمراتهم تعرفهم.