البيان الأدبي
عماد الغزي
محمد وأولاده الخمسة لم يذوقوا الطعام منذ أيام، لا يجدون إلا كسرة
الخبز يسدون بها جوعهم، ويقيمون بها أَوَدَهم.
أما علي فهو بحاجة لمحسن متصدق لدفع تكاليف علاج ولده الوحيد الذي
يحتاج لعملية عاجلة، وليس له إلا طرق أبواب الصحف والمجلات لعل ناشراً
ينشر حالته، فتصادف قلباً رحيماً أو باحثاً عن الشهرة لعلاجه.
خالد يحمل شهادة جامعية، وقد مرت سنة، وهو يبحث عن عمل، وأخيراً
وجد وظيفة (عامل نظافة) في أحد الفنادق.
طفل لا يتجاوز العاشرة عامل بناء! أرملة باعت كرامتها لإطعام أطفالها.
لم تكن تلك مقتطفات من قصة حزينة أو مشاهد من فيلم لمخرج متشائم، إنها
المعاناة اليومية لرجل الشارع المعتاد في بلاد المسلمين، تلاحقه الهموم والأحزان،
فمن هَمِّ المأكل والمشرب، إلى العلاج والدواء والبحث عن الوظيفة، إلى تعليم
الأولاد ورعايتهم. ومع ضعف الإيمان، والتوكل أصبح دائم التفكير، مشغول
البال، عابس الوجه لا ينفك من مشكلة وحاجة حتى يبدأ في غيرها.
الحاجة وذل الحاجة أحالت جبال العزة والكرامة إلى قيعان من الذل الهوان،
لم يعد مكاناً للهمة العالية والنفس الكبيرة، ورجل الإصلاح ورجل العقيدة أصبح كل
منهما إنسان لقمة العيش، ذليلاً لها ولمن يقدمها له.
مصطلحات (الضمان الاجتماعي، التعليم للجميع، الرعاية الصحية) لا
وجود لها في المعجم العربي، إنها حكر على مواطنهم الغربي يرفل بها وينعم.
أما شعوبنا فلها توصيات صندوق النقد الدولي، ولها أن تسعد بارتفاع الناتج
المحلي من الوعود الهائلة والحملات الإعلامية التي تجعل من سائر نكبات الأمة
أنموذجاً فريداً في الإنجازات تستهلك فيه جميع مفردات المديح من معجمات اللغة
العربية.
شعوب هذه حالها كيف يمكن لها أن تعمل، وتنتج، فضلاً عن أن تبدع
وتبتكر؟ يتفكر المرء أحياناً: لماذا هذه الحاجة والفاقة في بلاد المسلمين؟ لماذا
نحن هكذا وبلادنا أرض الخيرات ومنبع الخامات؟
هل ما نحن فيه يراد لنا؟ هذا الذل والحاجة أهو أمر مخطط مقصود؟
هل يراد لنا أن نصبح ونمسي على هَمِّ لقمة العيش، فننصرف عن معالي
الأمور إلى سفاسفها، وننشغل عن درء الظلم عنا بدرء الظلم عن الآخرين؟
ومع المعاناة تنظر الجماهير إلى من يعبر عن معاناتها وينافح عن حقوقها؛
ولكن كيف تعبر بعض المجلات العربية عن هموم رجل الشارع المعتاد؟ وحسبنا
منها عناوين أغلفتها الخارجية التي تعبر عن أهم موضوعاتها:
(رجال في عيادات أمراض النساء/ بزنس النساء هل هو إغراء؟ / لن
أستغل جمالي في التمثيل/ أسرار ما قبل الزواج هل أبوح بها؟) . إلى آخر هذه
العناوين.
فهل تعبر هذه المجلات عن حال الأمة؟ وهل تنطق بلسانها: أين تعيش؟
ولماذا تعيش؟ وعلى من تعيش؟